نهاية سنة 2020، وقع المغرب اتفاقية تطبيع مع دولة الاحتلال، ليصبح سادس دولة عربية تطبع مع “إسرائيل” بعد مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان، وذلك بواسطة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي أقر بمغربية الصحراء.
لم يكن غالبية المغاربة راضين عن هذا الاتفاق، لكن النظام روج لما وصفه بالاختراق الدبلوماسي في خصوص ملف الصحراء الغربية، فالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء سيعقبه اعتراف إسرائيلي قريب، ما سيدعم موقف المملكة في هذا الملف.
عوّل النظام المغربي كثيرًا على طغيان الشعور القومي لمواطنيه إزاء الصحراء الغربية على دعمهم الكبير للفلسطينيين، فالتطبيع يعني سيادة على الصحراء واعترافًا دوليًا أكبر بذلك، لكن لم يحصل هذا الاعتراف إلى الآن.
شرط الاعتراف بمغربية الصحراء مقابل التطبيع
رفع المغرب مستوى العلاقات مع “إسرائيل” عام 2020، بتشجيع من الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب الذي اعترف بحكم الرباط للصحراء الغربية التي تطالب بها جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر كدولة مستقلة.
كان هدف المغرب من إبرام اتفاقية التطبيع، تعزيز علاقاته مع الكيان الإسرائيلي وتعزيز مكانته على الساحة الإقليمية ودفع اقتصاده وتجديد ترسانته العسكرية، لكن الهدف الأبرز كان الحصول على اعتراف إسرائيلي مماثل للاعتراف الأمريكي بأحقية المملكة في حكم أقاليم الصحراء المتنازع عليها.
أعرب بعض السياسيين الإسرائيليين صراحة عن دعمهم لمطالبات المغرب في الصحراء الغربية في تصريحات علنية أكثر من مرة، وخلال زيارتها إلى المغرب في شهر يونيو/حزيران 2022، أعربت وزيرة الداخلية آنذاك أييليت شاكيد علنًا لأول مرة عن دعم “إسرائيل” للسيادة المغربية على الصحراء الغربية.
ضمن سياسة الابتزاز المتبعة، ربطت “إسرائيل” اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية باستضافة الرباط منتدى النقب
كما أدلى وزير العدل السابق غدعون ساعر خلال زيارته للمغرب في يوليو/تموز الماضي بتصريحات اعترف خلالها بالسيادة المغربية على الصحراء، قائلًا: “المباحثات مع وزير الخارجية المغربي شكلت فرصة للتأكيد على دعم موقف المغرب بشأن قضية الصحراء”.
مع ذلك لم تتحول هذه التصريحات إلى قرارات ملموسة، إذ امتنعت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى حد الآن عن الاعتراف بالسيادة المغربية على المنطقة، وهو ما أثار حفيظة المغرب ودفعه لعدم فتح سفارة في تل أبيب، رغم أن اتفاقية التطبيع كانت تنص على ذلك صراحة.
سياسة الابتزاز الإسرائيلية في تعاملها مع المغرب
طرح المغرب هذه القضية عدة مرات مع ممثلين إسرائيليين في الأشهر الأخيرة، آملًا في تحول التصريحات إلى قرار رسمي، لكن في كل مرة يطرح فيها المسؤولون المغاربة المسألة، لا يجدون الردّ المطلوب، فالإسرائيليون يمارسون سياسة المماطلة في هذا الملف.
مضى نحو ثلاث سنوات على اتفاق التطبيع، ولم تعلن “إسرائيل” إلى حد الساعة موقفها الرسمي بشأن قضية الصحراء، التي يعتبرها المغرب المحدد الأبرز لسياسته الخارجية، وسبق أن قال ملك المغربي محمد السادس بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب: “الصداقة مع المغرب تمر عبر الصحراء”.
يرى محللون أن إسرائيل تحاول ابتزاز المغرب بقضية وحدته الترابية للتخفيف من حدة انتقاده للممارسات الإسرائيلية، التي سبق له مرارا وتكرارا أن ندد بها وعبر عن رفضه لها، بل وكانت سببا في تأجيله قمة النقب لأكثر من مرة.
— Karim El Hani | كريم الهاني (@kelhaniofficiel) July 5, 2023
أضاف محمد السادس “ملف الصحراء المغربية هو النظارة التي ينظر منها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”، داعيًا بعض الدول إلى توضيح موقفها من قضية الصحراء المغربية بشكل لا يقبل التأويل.
=============
لا يريد المغرب أنصاف مواقف، فذلك زمن ولّى، مع ذلك تسعى “إسرائيل” لتسجيل نقاط إضافية حتى تعترف بمغربية الصحراء، رغم أن الاعتراف لا يمثّل أي خطورة عليها، فعلاقتها بالجزائر (الطرف الأبرز في هذا الصراع) متوترة ومنعدمة أصلًا.
بالنظر إلى بعض المؤشرات، نرى أن الكيان الإسرائيلي يعمل على توظيف ورقة الصحراء الغربية لتحقيق المزيد من المكاسب من علاقاته مع المغرب، من ذلك فتح سفارة مغربية في تل أبيب ورفع مستوى التواصل بين الطرفين.
وضمن سياسة الابتزاز المتبعة، ربطت “إسرائيل” اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية باستضافة الرباط منتدى النقب الذي يجمع وزراء خارجية الدول الموقعة على اتفاقيات التطبيع، الذي تأجل أكثر من مرة بقرار مغربي.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في معرض تصريحاته بشأن العملية العسكرية في جنين بالضفة الغربية المحتلة: “إسرائيل ستقرر بشأن الاعتراف بسيادة المغرب على منطقة الصحراء الغربية في أثناء استضافة الرباط للمنتدى”.
إسرائيل تشترط على المغرب مقابل الاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية.#شو_صار #إسرائيل #المغرب #الصحراء_الغربية #الولايات_المتحدة #أمريكا pic.twitter.com/eYVZtaTEPh
— شو صار؟ (@shwsar6) July 5, 2023
يرى الباحث المغربي عبد الوهاب السحيمي أن الابتزاز الإسرائيلي كان متوقعًا منذ البداية، وأن مجموعة من الأمور لم تتحقق منذ توقيع اتفاق التطبيع، ذلك أن الحكومة الإسرائيلية معروف عنها عدم التزامها بأي اتفاقيات ثنائية أو دولية.
وأضاف السحيمي “الحكومة الإسرائيلية تشهد أزمة كبيرة في الداخل، لذلك تريد تحقيق بعض المكاسب الخارجية لتقديمها إلى الإسرائيليين لضمان الشرعية والتقليل من حدة الاحتجاجات ضدّها”.
وقال السحيمي في حديثه لنون بوست: “كان من المفروض على الحكومة المغربية أن تنص صراحة خلال الاتفاق على الاعتراف بمغربية الصحراء، فكيف يعقل أن تعترف أمريكا ولم تعترف “إسرائيل” بمغربية الصحراء”، وأقرّ محدثنا بأن بلاده لم تحسن التعامل مع الاتفاق الثلاثي القاضي بالتطبيع.
رفض مغربي للسياسة الإسرائيلية
يقول الباحث المغربي إن بلاده احتفظت فقط بمكتب اتصال، فالمغرب لا يريد التورط أكثر ويرفع مستوى العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، ذلك أن الرباط أصبحت تتعامل بحذر مع هذه النقطة بعد تيقنها من أن حكومة نتنياهو لن تقوم بأي حركة للأمام، ما دفعها لرفض عقد قمة النقب.
ويضيف السحيمي في حديثه لنون بوست أن المغرب يشترط أن يُقام الاجتماع في إحدى المدن المغربية في الصحراء لضامن الاعتراف بمغربية الصحراء، فالهدف المغربي من الاجتماع ضمان اعتراف أكبر بمغربية الصحراء.
تعتبر الصحراء الغربية من المقدسات عند المغاربة، وهي المحدد الرئيسي لعلاقات البلاد الخارجية
نفهم من هنا أن المغرب يرفض الابتزاز الإسرائيلي ويصرّ على الحصول على الاعتراف بأحقيته على أقاليم الصحراء قبل المضي قدمًا في ترقية مستوى علاقاته مع الكيان الإسرائيلي، لكن الإسرائيليين يطمحون في الحصول على امتيازات إضافية ومكاسب أخرى قبل الإقدام على هذه الخطوة.
• مصدر مطلع المغرب 🇲🇦 يرغب بشراء صورايخ كروز من إسرائيل 🇮🇱
• شهية المغرب للحصول على أنظمة تسليح من إسرائيل لا تتوقف
• وفقا للمصادر، الصفقة ستشمل صاروخ كروز دليلة
• Delilah هو صاروخ هجومي يطلق من خارج مدى الدفاعات الجوية
• يعتبر احد اخطر الاسلحة التي تملكها اسرائيل pic.twitter.com/fEVOZcQgJ5
— الدفاع العربي Defense Arab (@defensearab) July 5, 2023
لا شك أن قضية الصحراء الغربية من المقدسات عند المغاربة، وهي المحدد الرئيسي لعلاقات البلاد الخارجية، لكن في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر للعيان محاولات المغرب التخلص من هذا الإرث الذي كبل البلاد لعقود، وبدأ ذلك منذ قرار الرباط العودة إلى شغل مقعدها في الاتحاد الإفريقي، ومشاركة وفود مغربية في مؤتمرات تشارك فيها وفود ممثلة للبوليساريو التي تنازعها في الصحراء.
يعني ذلك أن العلاقات الإسرائيلية المغربية لن تتأثر كثيرًا، إن اعترفت تل أبيب بمغربية الصحراء أو لم تعترف، فقطار التطبيع يواصل سيره بسرعة كبيرة، لضمان تحقق مصالح الطرفين.