لا تختلف عادات الفلسطينيين عن نظرائهم في بقية الدول الإسلامية فيما يتعلق بعيد الأضحى المبارك وطبيعة الأضاحي، إذ تحرص فئة معينة من الناس على أداء هذه الشعيرة الدينية، فيما تتغيّب فئة كبيرة عن ممارستها بسبب الوضع الاقتصادي.
تتفاوت أسعار الأضاحي في فلسطين على صعيد الرأس الواحد للعجول، فهي تقترب من 2000 دولار أمريكي كتكلفة إجمالية، وترتفع لتصل 3000 دولار في أحيان أخرى، بما يوازي 7000 شيكل من العملة المتداولة محليًّا، فيما تصل تكلفة الأضحية على صعيد الخراف ما بين 300 و500 دينار أردني.
وتلعب اتفاقية باريس الاقتصادية المبرمة بين السلطة و”إسرائيل” دورًا بارزًا في ارتفاع أسعار الأضاحي واللحوم عمومًا في فلسطين، نظرًا إلى الإجراءات التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على عملية الاستيراد، وعدم وجود معابر مفتوحة على السوق الخارجي، إذ يشترط الاحتلال سلسلة من الإجراءات عند عملية الاستيراد، أبرزها وضع العجول والخراف في محاجر خاصة قبل فترة استيرادها، فيما يتحمل التاجر الفلسطيني المستورد التكلفة المالية للحجر، عدا عن الضريبة المحلية.
ظهرت في #مصر أثناء الحكم الفاطمي وكان لها عدة تسميات كالرسوم والتوسعة..تعرف إلى تاريخ #العيدية وأصلها.#عيد_الأضحى_المبارك #عيدكم_مبارك pic.twitter.com/6WzwDVRovX
— نون بوست (@NoonPost) July 10, 2022
وتتأثر فلسطين بشكل مباشر بالرسوم التي يفرضها الاحتلال بطبيعة الأسعار، إذ لا يتم الاستيراد المباشر من الدول، إلى جانب التأثر بأسعار السوق العالمية على صعيد رؤوس الماشية من العجول والأبقار والخراف، في وقت ترتفع فيه أسعار الأعلاف والشعير بشكل كبير منذ الأزمة الروسية الأوكرانية.
وتؤدي كل هذه العوامل مجتمعة إلى تحديد طبيعة الإقبال من خلال الأسعار المنتشرة في السوق المحلي في الضفة الغربية المحتلة والقدس وقطاع غزة، فيما يلجأ بعض المقتدرين ماديًّا إلى أداء شعيرة الأضحية في الخارج في بعض الدول العربية المنخفضة فيها الأسعار، من أجل توزيعها على الفقراء.
أسعار مرتفعة
قبل المقارنة بين الأسعار في فلسطين وبقية الدول العربية، يجب الإشارة إلى أن الموسم الماضي عام 2022 شهد ارتفاعًا واضحًا في الأسعار، تتراوح ما بين 15 و25% في مختلف الدول العربية والإسلامية عن المواسم التي سبقتها، بسبب ارتفاع أسعار مكونات الأعلاف بالنِّسَب نفسها تقريبًا، فقد شهدت أسعار بعض المدخلات الأساسية في صناعة الأعلاف، مثل الذرة وفول الصويا، ارتفاعًا عالميًّا، وسجّلت أسعار الذرة أعلى معدل لها منذ عام 2012 بحسب وكالة “بلومبيرغ”.
تختلف أسعار الأضحية في الضفة الغربية والقدس عن غزة، ففي الضفة الغربية يبلغ سعر الكيلو من الخروف (المذبوح) المحلي 38 شيكلًا (10.56 دولارات أمريكية)، أما المستورَد (من البرتغال أو هنغاريا) 35 شيكلًا (9.72 دولارات أمريكية).
أما العجول وهي السائدة بدرجة أساسية فتختلف هي الأخرى، حيث يباع العجل الهولندي بـ 20 شيكلًا للكيلو (5.56 دولارات أمريكية)، والبرتغالي والبلجيكي بـ 23 شيكلًا للكيلو (6.23 دولارات أمريكية)، ما يعني أن هناك فارقًا لا يقلّ عن 4 إلى 5 شواكل للكيلو الواحد (1.5 دولارًا أمريكيًّا) عن الموسم الماضي.
تعكس هذه الأرقام تفاوتًا واضحًا في الأسعار بين السوق الفلسطينية والسوق العربية، إلا أن المتابع للسوق لهذا العام يجد أن هناك زيادة حقيقية طرأت مقارنة بأسعار العام الماضي.
وفي الموسم الحالي، يصل سعر الواحد من العجول الهولندية بوزن حوالي 500 كيلوغرام إلى 10 آلاف شيكل، مقارنة مع 8 آلاف في الموسم السابق (2777 دولارًا أمريكيًّا)، أما الخراف الحية فتباع وفق الوزن، حيث يبلغ سعر الخروف المحلي بوزن 60 كيلوغرامًا حوالي 2000 شيكل، مقارنةً مع قرابة 2200 شيكل للخروف البرتغالي (600 دولار أمريكي)، أي فرق بقيمة 200 شيكل (170 دولارًا أمريكيًّا).
وفي غزة ارتفعت الأسعار بالعموم وإن كانت بوتيرة أقل من الضفة، حيث بلغت أسعار الأضاحي عام 2023 بالمتوسط ما بين 1800 إلى 2000 شيكل، ما قيمته 550 إلى 620 دولارًا أمريكيًّا للحصة الواحدة، ما يعني أن تكلفة الرأس الواحد تبلغ أكثر من 2000 دولار أمريكي.
وبحسب المنظمة العربية للتنمية الزراعية، فإن ارتفاع أسعار الأضاحي متشابه في الدول العربية من المحيط إلى الخليج، حيث تملك الدول أكثر من 347 مليون رأس ماشية معظمها من الأغنام، ما يعادل 7.3% ممّا يملكه العالم، في حين يمتلك السودان الحصة الأكبر بنحو 30% من الثروة الحيوانية العربية، تليه موريتانيا بنحو 18%.
وبحسب رصد “نون بوست”، فإن أسعار الأضحية لهذا العام في قطر تتراوح ما بين 261 و274 دولارًا، أما سلطنة عُمان 418 دولارًا، وفي البحرين 129 دولارًا، وفي الأردن يتراوح ما بين 280 و300 دولار أمريكي، وفي سوريا تبلغ 200 دولار، والإمارات 217 دولارًا.
وتعكس هذه الأرقام تفاوتًا واضحًا في الأسعار بين السوق الفلسطينية والسوق العربية، إلا أن المتابع للسوق لهذا العام يجد أن هناك زيادة حقيقية طرأت مقارنة بأسعار العام الماضي، فيما يبدو أنها امتداد للأزمة الأوكرانية الروسية ونتيجة للارتفاعات في السوق العالمية.
اتفاقية باريس
تلعب اتفاقية باريس الاقتصادية (إحدى الاتفاقيات المنبثقة عن اتفاقية أوسلو) دورًا في ارتفاع معظم أسعار السلع في فلسطين، حيث تتولى سلطات لااحتلال الترتيبات المالية المتعلقة بأموال المقاصة الضريبية التي تجبيها لصالح السلطة مقابل نسبة مالية.
نصّت هذه الاتفاقية على حق الاحتلال في جباية الضرائب على السلع والخدمات القادمة أو الضريبة المضافة الموحدة (بحيث لا تقل نسبتها في الأراضي الفلسطينية عنها في “إسرائيل” بأكثر من 1%)، ورغم أن الاتفاقيات الموقعة نصّت على أن تنتهي المرحلة الانتقالية في غضون 5 سنوات، فإنها ما زالت تحكم العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ ربع قرن.
وبالتالي، عند استيراد المواشي تلعب الإجراءات الإسرائيلية دورًا في التأثير على الأسعار، إذ يفرض الاحتلال مدخلات خاصة مثل حجر المواشي لفترة طويلة على نفقة المستورد، واستخدام سفن خاصة للنقل إلى الموانئ الإسرائيلية والحجر في المحاجر الإسرائيلية، ما يؤدي إلى مضاعفة فاتورة الشراء للكيلوغرام الواحد وفقًا لوزارة الزراعة الفلسطينية.
ووفق التقديرات، يضع الاحتلال تكاليف عالية على عملية الإدخال والاستيراد من الخارج، ما يجعل الأسعار ترتفع بصورة كبيرة بحيث تتخطى أسعارها 50% من السعر الحقيقي في بلد المنشأ، وبموازاة ذلك ارتفعت أسعار الأعلاف بواقع 40% عن العام الماضي.
أجواء مختلفة
يتميز عيد الأضحى في فلسطين بأجواء ذات طابع اجتماعي، إذ تميل الأسر الفلسطينية إلى التشارك في الأضحية موسميًّا، والاحتفاء بها عند عملية الذبح، سواء بالذبح في المسالخ المحلية التابعة للمجالس البلدية أو داخل المنازل التي تمتاز بكبر مساحتها الخارجية.
#فلسطين #عيدكم_مبارك pic.twitter.com/sYhusbYYZh
— نون بوست (@NoonPost) May 2, 2022
كما تعتبر حفلات الشواء أمرًا لا بدَّ منه، إذ يبدأ ذلك منذ اليوم الأول مع تكرار تصادف عيد الأضحى في العقدَين الأخيرَين مع الأجواء الصيفية على مستوى الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.
وتسعى الكثير من الأسر إلى توزيع الأضاحي على الأسر الفقيرة والمحتاجة، في إشارة على حجم الترابط الأسري والاجتماعي الفلسطيني، عدا عن قيام جمعيات خيرية محلية وعربية بإنشاء مذابح على مستوى الأراضي الفلسطينية، وإن كانت في قطاع غزة بنسبة أكبر لتوزيعها على الفقراء.