لا فرق بين أسير وأسيرة في المعاملة لدى إدارة السجون الإسرائيلية، فكلاهما سواء في التعذيب أثناء التحقيق أو الحرمان من توفير أبسط الاحتياجات الإنسانية، وكذلك العقوبات والعزل الانفرادي والأحكام العالية، حيث تتعرض الأسيرات الفلسطينيات للتعذيب الجسدي والنفسي، دون مراعاة لحقوقهن في السلامة الجسدية والنفسية، وذلك من أجل الردع أو انتزاع معلومات تتعلق بهنّ.
في السنوات الأخيرة، ارتفعت وتيرة الاعتقالات ضد الفلسطينيات، وأصدر الاحتلال بحق البعض منهن أحكامًا قاسية، وفرض على أغلبيتهن غرامات مالية باهظة، وأخضع عددًا من الفتيات والأمّهات للاعتقال الإداري والحبس المنزلي، عدا عن احتجاز أخريات مع مستوطنات إسرائيليات محكوم عليهن في قضايا جنائية كالقتل والمخدرات كنوع من العقاب الإضافي، إذ تتعرض الأسيرة للقمع والضرب من قبلهن بشكل همجي وبأدوات حادة، وذلك بدفع من إدارة السجون الإسرائيلية.
كما يطبّق الاحتلال هذه السياسة مع الأطفال المعتقلين، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى انحراف سلوكهم وأفكارهم، ويواصل الاحتلال الإسرائيلي اعتقال نحو 4 آلاف و900 فلسطيني، منهم حوالي 34 أسيرة يُحتجزن بظروف لا إنسانية.
كابوس الاعتقال مع الجنائيات
في هذه الأثناء، تعيش التجربة الأسيرة الجريحة فاطمة شاهين برفقة زميلتها عطاف جرادات في عزل انفرادي، وهي تعاني من وضع صحي سيّئ، عدا عن الوضع النفسي لتواجدها في سجن الرملة مع جنائيات يعرقلن قيامها بأدنى احتياجاتها اليومية، عدا عن قذفها وزميلتها بألفاظ نابية ومحاولة التعدي عليهما بالضرب.
ومن وحي التجربة، تقول المحرَّرة بشرى الطويل بمجرد التواصل معها للحديث عن الحبس مع الجنائيات، إنها كانت من أصعب مراحل الاعتقال من بعد التحقيق، واصفة الوضع بـ”المشمئز” كون جميع المسجونات مستوطنات إسرائيليات وموقوفات لجرائم قتل ومخدرات، ويقمن بسلوكيات غير أخلاقية طيلة الوقت.
المكان في سجن هشارون مخصص غالبًا للجنائيين والجنائيات وغير مؤهّل، فالفراش مهترئ ورائحته نتنة، بينما الطعام لا يمكن تناوله.
وذكرت لـ”نون بوست” أن من يمتلك الوعي للتعامل مع الجنائيات لا يمكن استفزازه، لكن الخوف يكون على القاصرات المعتقلات خاصة في ساعة الفورة -استراحة قصيرة يخرج فيها الأسرى من غرفهم إلى ساحة السجن- وقت سماعهن تهديدات بالاعتداء عليهن، لا سيما حين يعلمن أنهن معتقلات أمنيًّا، فينادوهن من خلف الأبواب بأوصاف مثل “إرهابية” و”مخرّبة”.
وتحكي الطويل إن القاصرات يتأثرن بالصراخ والشتائم ما قد يضعف نفسيتهن، لكن ما يهوّن عليهن هو تواجد أسيرات واعيات يهدِّئن من روعهن لكن ذلك غير متاح دومًا، أما المحررة أنهار الديك (28 عامًا) كانت تجربتها في سجن هشارون المخصص في الغالب لمرتكبي الجنايات مختلفة، فقد أمضت 30 يومًا فيه مع بداية اعتقالها وهي حامل في الشهور الأولى.
تروي لـ”نون بوست” أنها كانت تعاني من صراخ الجنائيات الذي لا ينقطع أبدًا، مضيفة أنهن كنّ يتعمّدن التلفظ بكلمات نابية أو افتعال مشكلات في محاولة لردع الأسيرات الفلسطينيات والتنغيص عليهن، وتذكر أن قسوة التجربة كانت مضاعفة بسبب حملها وتعبها، ففي أثناء التفتيش كانت المجندات يتعاملن مع المعتقلات الفلسطينيات بقسوة واشمئزاز، ويرددن على مسامعهن “لا قيمة لكِ”.
وتذكر الديك أن أحد أسباب عزلها مع الجنائيات لمدة شهر هو وضوح آثار التعذيب على جسدها، ما جعل إدارة السجون تؤجّل إرسالها إلى سجن الدامون، فتنتفض الأسيرات في وجه الإدارة تنديدًا واحتجاجًا على تعذيبها، مشيرة إلى أنها قضت 5 شهور في الدامون، لكن طيلة الوقت كانت تعيش كابوسًا خوفًا من العزل في زنزانة لا تتجاوز مساحتها الـ 3 أمتار، وفيها دورة مياه مكشوفة ومليئة بالحشرات القارصة، عدا عن المياه الباردة شتاءً وقت الاستحمام.
ابتزاز أخلاقي
في السياق ذاته، يقول نبيل مسالمة، أسير محرَّر ومختص في شؤون الأسرى، إن الاحتلال يتعمّد وضع الأسرى والأسيرات عند اعتقالهم في أقسام مخصصة للسجناء الجنائيين، من أجل الضغط النفسي والتنغيص عليهم.
أغلب الجنائيين يعملون لصالح الشاباك -المخابرات الإسرائيلية- من أجل انتزاع معلومات من الأسرى والأسيرات.
وذكر مسالمة لـ”نون بوست” أن الاحتلال يوعز للجنائيين بإهانة وضرب الأسرى الفلسطينيين، للضغط عليهم وقهرهم أكثر، لافتًا إلى أن إدارة السجون تتعمّد التنكيل أكثر على الأسرى الجرحى والمرضى، كما يفعلون اليوم مع الأسيرة فاطمة شاهين.
ولفت إلى أن التعامل مع الأسيرات مختلف، مستشهدًا بواقعة حصلت معه لمّا زارته زوجته في سجن النقب، حين شكَّ الضباط أنها تحمل ممنوعات كالهاتف المحمول، ما أدّى إلى توقيفها في سجن هشارون مع الجنائيات لمدة 10 أيام، تلقت فيها أبشع الألفاظ البذيئة والاعتداء بالضرب من قبلهن، مشيرًا إلى أن إدارة السجون تلجأ أحيانًا إلى الجنائيات للتجسُّس على الأسيرات والتحصُّل منهن على معلومات معينة.
ويذكر أن غرف عزل الأسيرات تقع بالقرب من الجنائيين الرجال، حيث يبدؤون بالتحرش بهن لفظيًّا وإزعاجهن بكل الطرق الممكنة، مؤكدًا أن أغلب الجنائيين يعملون لصالح الشاباك -المخابرات الإسرائيلية- من أجل انتزاع معلومات من الأسرى والأسيرات.