اُنتخبت الجزائر هذا الأسبوع، للمرة الرابعة في تاريخها، عضوًا غير دائم في مجلس الأمن الدولي لفترة 2024-2025، بعد حصدها لـ 184 صوتًا من مجموع أصوات 192 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو الانتخاب الذي شكّل اهتمامًا داخليًّا وخارجيًّا، كونه يندرج ضمن سياسة العودة إلى الساحة الدولية التي كانت أحد محاور برامج الرئيس عبد المجيد تبون، والتي قد تشكّل فرصة تقوي حظوظه للبقاء على سدّة الحكم في حال ما ترشح للانتخابات المقررة نهاية عام 2024.
ورغم أن تأثير الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن محدود، بالنظر إلى عدم حيازتهم حق النقض الذي يستأثر به الأعضاء الخمسة الدائمون فقط، إلا أن الحكومة الجزائرية ترى في هذا الانتخاب فرصة لها لإعادة القضايا التي تدافع عنها إلى الواجهة، ومن أبرزها القضية الفلسطينية وتقرير المصير في الصحراء الغربية وإعادة إصلاح مجلس الأمن وإعطاء أفريقيا مناصب دائمة به، إضافة إلى وجهتها بشأن مكافحة الإرهاب والتنمية المستدامة في القارة السمراء.
رابع مرة
فازت الجزائر بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي لفترة 2024-2025، خلال تصويت جرى الثلاثاء 6 يونيو/حزيران في نيويورك، بعد انتخابها بالأغلبية الساحقة، إضافة إلى غويانا وسيراليون وكوريا الجنوبية، فيما نالت سلوفينيا خامس مقعد شاغر بعدما تفوّقت بفارق كبير على بيلاروس.
ويضم مجلس الأمن الدولي 15 دولة، بينها 5 دول دائمة العضوية تملك حق النقض (بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا والولايات المتحدة)، و10 دول تتولى المقاعد لمدة عامَين، وكل عام يتم انتخاب الدول التي ستحتل خمسة من هذه المقاعد.
وليست هذه المرة الأولى التي تنال الجزائر عضوية مجلس الأمن، فقد دخلت أقوى مؤسسة دولية خلال عُهُدات 1968-1969 و1988-1989 و2004-2005.
وكانت الحكومة الجزائرية قبل الانتخاب متفائلة بحصولها على المقعد الذي ستعود إليه بعد عقدَين من الزمن، إذ تقول السلطات في البلاد إن صوت أكبر دولة أفريقية وعربية من حيث المساحة تراجع بسبب السياسات التي انتهجها النظام السابق في عهد الرئيس الراحل السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي تشبّث بالحكم رغم حالته الصحية المتدهورة ما أدّى إلى انتشار الفساد في البلاد، وانعكس على أداء دبلوماسيتها حتى في الملفات التي كانت تتحكم فيها، وبالخصوص على المستوى الأفريقي والمتوسطي والعربي.
بحسب الرئاسة الجزائرية، فإن من الأهداف الرئيسية التي ستعمل الجزائر على تحقيقها بعضويته الجديدة في مجلس الأمن الإسهام في تعزيز مبادئ وقيم عدم الانحياز ومواصلة الجهود لمكافحة الإرهاب.
وباشرت الحكومة الجزائرية حملة واسعة للظفر بهذا المقعد الدولي، بضمان دعم المؤسسات الإقليمية التي تنتمي إليها مثل الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، كما ساهمت علاقاتها الجيدة بالدول الخمس دائمة العضوية في الحصول على هذا المقعد من جديد.
وزار وزير الخارجية أحمد عطاف نيويورك الأسبوع الماضي استعدادًا لانتخابات عضوية مجلس الأمن، حيث واصل الحملة التي بدأتها بلاده منذ مطلع هذه السنة للحصول على مقعد غير دائم بمجلس الأمن، والتقى بعدة شخصيات دبلوماسية دولية وازنة، في مقدمتها الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريش.
وقالت الرئاسة الجزائرية إن هذا الانتخاب جاء “تقديرًا لدورها المحوري في منطقتها“، مضيفة أنه “يمثل مكسبًا ثمينًا يضاف إلى رصيد السياسة الخارجية لبلادنا، ويؤكد هذا النجاح الدبلوماسي وبوضوح عودة الجزائر الجديدة إلى الساحة الدولية”.
أهداف محددة
بحسب الرئاسة الجزائرية، فإن من الأهداف الرئيسية التي ستعمل الجزائر على تحقيقها بعضويتها الجديدة في مجلس الأمن، الإسهام في تعزيز مبادئ وقيم عدم الانحياز ومواصلة الجهود لمكافحة الإرهاب.
وتطالب الجزائر، التي عانت لعشرية كاملة من ظاهرة الإرهاب التي تسبّبت في مقتل أكثر من 200 ألف جزائري خلال فترة التسعينيات، بتحديد مفهوم الإرهاب دوليًّا، بالنظر إلى أنه أصبح كلمة مطاطة تستعمل وفق هوى القوى الدولية، حيث تنادي بعدم ربطه بدين أو عرق أو بلد معيّن، إضافة إلى التفريق بين المقاومة المشروعة للتحرر من الاستعمار وتقرير مصير الشعوب، والإرهاب الذي يعني الاعتداء على الأبرياء دون أي مبرر مقنع.
وفي هذا الإطار، رفضت الجزائر التصنيفات الدولية التي لحقت بحركات تحررية كحركة حماس الفلسطينية، إضافة إلى رفضها تصنيف جماعة الإخوان المسلمين المصرية أو “حزب الله” اللبناني ضمن الجماعات الإرهابية، من منطلق أن هذا التصنيف يرتبط بنظرة أيديولوجية لا موضوعية.
ومن النقاط المهمة التي ستعمل الجزائر على تثمينها دوليًّا خلال هذه الفترة، تشديد تجريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية لتحرير الرهائن، وهو الأمر الذي تضررت منه كثيرًا، وترى أنه سبب في تواصل الأزمة الأمنية بمنطقة الساحل الأفريقي، بالنظر إلى أن الفدى التي قدمتها دول مثل فرنسا وإسبانيا وكندا لتحرير رهائنها هناك، ساهمت في حصول تنظيمات القاعدة و”داعش” على تمويل يضمن استمرارها بالمنطقة، ومكّنتها من توسيع نشاطها من مالي والنيجر إلى دول أخرى كنيجيريا وبوركينافاسو.
ومن القضايا التي ستشكّل أولوية للجزائر بمجلس الأمن هي القضية الفلسطينية، إذ ستحاول إعادة أمجادها في الدفاع عن هذه القضية عندما أدخلت فلسطين إلى هذه المنظمة الأممية في السبعينيات، وذلك بالعمل على تمكين فلسطين من أن تكون دولة كاملة العضوية بالجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويأتي ذلك استمرارًا للعمل الذي بدأته خلال ترؤّسها القصير للجامعة العربية، وهو المقترح الذي لم يرفَق بمساندة عربية كما كانت تنظره الجزائر بالنظر إلى الخلافات والصراعات الموجودة اليوم في البيت العربي، وظهرت في الحضور الباهت الذي ميّز قمة جدة بالسعودية.
تعتقد الجزائر أن تحقيق نظام عالمي متعدد الأقطاب ينطلق أولًا من تمكين القارة الأفريقية من الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن.
كما تشكّل مهمة تحريك ملف الصحراء الغربية أمميًّا أحد الملفات المهمة الذي ستركز عليها الجزائر، إذ تنادي بتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره، وذلك بتنظيم استفتاء تطبيقًا للاتفاقات الموقّعة بين طرفَي النزاع المغرب وجبهة البوليساريو، وذلك بدعوة المجتمع الدولي لعودة الطرفَين إلى طاولة المفاوضات المتوقفة منذ سنوات، وإعادة إدراج ملف حقوق الإنسان ضمن المهام التي يضطلع بها المبعوث الأممي إلى المنطقة.
وستستغل الجزائر عضويتها غير الدائمة لطرح ملف إصلاح مجلس الأمن، إذ ترى أنه من حق أفريقيا أن تكون لها عضوية دائمة بالمجلس، كغيرها من القارات الأخرى.
وقال وزير الخارجية الجزائري السابق، رمطان لعمامرة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إنه “يحق لأفريقيا طرح قضيتها مرارًا وتكرارًا لإصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ووضع حد للظلم التاريخي المسلَّط عليها منذ ما يقرب 8 عقود”، وشدد لعمامرة وقتها على “الحاجة الملحّة إلى نظام تعددي تشاركي شامل ومتوازن، لمواجهة التحديات العالمية بطريقة فعّالة وناجعة”.
وتعتقد الجزائر أن تحقيق نظام عالمي متعدد الأقطاب ينطلق أولًا من تمكين القارة الأفريقية من الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، معتمدة في ذلك على دعم هذا الإصلاح من دول خارج القارة كاليابان وألمانيا والهند والبرازيل على سبيل المثال.
تحدٍّ
لا يتعلق حضور الجزائر في مجلس الأمن فقط بتحقيق الأهداف المذكورة آنفًا، إنما يرتبط أيضًا بتحديات رفعها الرئيس تبون في حملته الانتخابية، والتزاماته الـ 54 التي كان من بينها إعادة الجزائر إلى الساحة الدولية، بالنظر إلى أن ذلك قد يشكّل نقطة قوة له في حال ما أراد الترشح لولاية رئاسية جديدة.
ويظهر هذا الارتباط من خلال بيان الرئاسة الجزائرية الذي جاء فيه أن “هذا الانتخاب الذي يمثل مكسبًا ثمينًا يضاف إلى رصيد السياسة الخارجية لبلادنا، يعكس التقدير والاحترام الذي يحظى به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من قبل المجتمع الدولي، وعرفانه لمساهمته في إحلال السلم والأمن الدوليَّين”.
ووفقًا للدستور الجزائري، فإن رئيس البلاد هو من “يقرّر السياسة الخارجية للأمة ويوجّهها”، حيث يظل التعبير عن موقف البلاد من الملفات الدبلوماسية محصورًا في شخصه وفي وزير الخارجية فقط، في حين لا تلزم التصريحات الصادرة عن مسؤولين آخرين أو أحزاب الدبلوماسية الجزائرية وفق القوانين الجزائرية.
تحقيق الأهداف المرسومة من خلال هذا الموقع ليس بالأمر السهل، بالنظر إلى أن القرار النهائي يظل في الأخير بيد الأعضاء الخمسة الدائمين الذين في إمكانهم إفشال أي مبادرة جزائرية باستخدام حق الفيتو.
ويظهر إعطاء تبون أهمية للملف الخارجي من خلال العمل على العودة إلى الساحة الدولية وتنظيم تظاهرات دولية، بدءًا بقمة الجامعة العربية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وعدة اجتماعات دولية منها اجتماع مرتقب هذا العام لدول من مجموعة عدم الانحياز، إضافة إلى تظاهرات رياضية كالألعاب المتوسطية والعربية وكأس أفريقيا لكرة القدم للاعبين الشباب واللاعبين المحليين، والترشح لاحتضان كأس أفريقيا لعام 2025.
وحرص تبون رغم جولاته الخارجية القليلة، على عودة الجزائر إلى الملفات التقليدية التي أضاعتها في عهد سلفه بوتفليقة، ومنها الملف المالي والليبي والاتحاد الأفريقي، ومزاوجة ذلك بتنشيط العلاقات التجارية والاقتصادية وتنويعها من حيث المنتجات والشركاء.
ولم يعلن تبون إلى اليوم نيته الترشح لولاية رئاسية جديدة، إلا أن دستور البلاد يسمح له بذلك، كما أن بعض المؤشرات السياسية والاقتصادية المرتبطة ببرامج تمتدّ حتى عام 2030، توحي بأن البقاء على سدة الحكم لـ 5 سنوات جديدة أمر مطروح فعلًا لدى الرجل الواصل إلى السلطة في أول انتخابات جاءت عقب حراك 22 فبراير/ شباط 2019.
ليست سهلة
رغم أهمية العضوية في مجلس الأمن بالنسبة إلى الجزائر وأي دولة أخرى، إلا أن تحقيق الأهداف المرسومة من خلال هذا الانتخاب ليس بالأمر السهل، بالنظر إلى أن القرار النهائي يظل في الأخير بيد الأعضاء الخمسة الدائمين، الذين في إمكانهم إفشال أي مبادرة جزائرية عبر استخدام حق الفيتو.
وتكمن صعوبة مهمة الجزائر أيضًا في القضايا التي ستدافع عنها، والتي ظلت لسنوات محل خلاف دولي بالنظر إلى أجندات الدول الكبرى بشأنها، مثل قضية الصحراء الغربية التي لا يبدو المجتمع الدولي في الوقت الراهن متحمس لحلها، وبالخصوص القوى المؤثرة فيه كالولايات المتحدة وفرنسا، بالنظر إلى أنها مستفيدة من استمرار هذا الوضع المتسبّب في خلاف بين دول المنطقة، وبالخصوص بين الجزائر وموريتانيا من جهة والمغرب من جهة أخرى.
وبالتالي، ستكون مهمة الجزائر على الأقل إعادة هذا الملف إلى واجهة القضايا المطروحة أمميًّا، كونه يندرج ضمن قضايا تصفية الاستعمار.
يمكن للجزائر العمل على المناورة في الملفات المتعلقة بالمفاهيم والاقتصاد، كمواضيع الأمن ومحاربة التطرف والإرهاب، والتنمية المستدامة والتعليم بالقارة الأفريقية.
والأمر ينطبق أيضًا على الملف الفلسطيني، إذ إن جهود الجزائر لإقامة دولة فلسطينية مستقلة من الصعب تحقيقها بالنظر إلى الانحياز الغربي الكامل لدولة الاحتلال، وكذا ضعف الجبهة الفلسطينية جرّاء الانقسام الداخلي، وموجة التطبيع العربية غير المسبوقة، لكن بإمكان التحرك الجزائري أن يحقق العضوية الكاملة لفلسطين بالجمعية العامة للأمم المتحدة، بما أنها استطاعت أن تحصد 184 صوتًا في انتخابات العضوية.
ومن هذا المنطلق، يتعيّن على الدبلوماسية الجزائرية العمل على تحقيق تقدُّم في الملفات غير الخلافية بشكل كبير، كالأزمة المالية وكذا الليبية حتى ولو كانت معقّدة، إلا أنها تظل أقل تعقيدًا وصعوبة من القضيتَين الفلسطينية والصحراوية.
كما يمكن للجزائر العمل على المناورة في الملفات المتعلقة بالمفاهيم والاقتصاد، كمواضيع الأمن ومحاربة التطرف والإرهاب، والتنمية المستدامة والتعليم بالقارة الأفريقية، ومعالجة ملفات الهجرة والتعاون الدولي ومحاربة القطبية الأحادية، وغيرها من القضايا التي تحتمل المناورة والتنازلات من الدول المؤثرة دوليًّا.
من المؤكد أن الحكومة الجزائرية ستستغل هذا الموقع لتحقيق أهدافها الداخلية والخارجية، وبالخصوص بعد أن وضعتها الحرب الروسية الأوكرانية في موضع قوة كونها تطرَح كبديل نفطي للإمدادات الروسية، إلا أن تحقيق ذلك يبقى صعبًا يتطلب أولًا تغييرًا في التحرك الدبلوماسي ليتماشى مع ظروف عام 2023، التي تختلف عن طرق المفاوضات والمناورات التقليدية للعمل الخارجي للدول.