مع اقتراب أيام العيد، فطر كان أو أضحى، يعلن العمانيون حالة الطوارئ استعدادًا لهذا الضيف الكريم، حيث يهيئون المناخ الملائم لضيافته على أكمل وجه، يقينًا أنه يحمل لهم أكسير البهجة والسعادة، ويضفي على حياتهم وأيامهم السرور والفرح.
وفي الوقت الذي تستقبل فيه عشرات المجتمعات العيد قبيل يوم أو يومين من قدومه، فإن للعمانيين السبق في ذلك، حيث يستقبلونه قبل عشرة أيام كاملة من حلوله، فما إن يتم استطلاع هلال شهر ذي الحجة، تبدأ فعاليات الاحتفالات المبهجة، وتتحول معظم المناطق داخل ولايات السلطنة إلى أسواق مكسوة بأهازيج العيد وأفراحه.
وعلى مدار الأيام العشر التي تسبق عيد الأضحى، تنتشر الأسواق الشعبية التي تجمع بين التسوق والترفيه معًا، وتلقى قبولًا وحضورًا جماهيريًا هائلًا، التي تسمى بـ”الهبطة”، وهي أحد الموروثات الشعبية التي يتميز بها العمانيون في مثل تلك المناسبات السنوية.. فماذا نعرف عن هبطة العيد العمانية؟
ما هي الهبطة؟
الهبطة عبارة عن أسواق يتم تدشينها خصيصًا من أجل الاستعداد للعيد، وتحتوي على كل ما يحتاجه المواطن العماني للاحتفال بتلك المناسبة، ففيها أماكن مخصصة لبيع المواشي وأخرى لبيع مستلزمات العيد من ألعاب ووجبات شعبية وشتى أنواع الحلوى.
كما تعد سوقًا تجاريًا كبيرًا للمستلزمات الغذائية التي لا يخلو منها بيت عماني في العيد مثل السمن البلدي وعيدان المشاكيك المصنوعة من جريد النخل وخصفة الشواء المصنوعة من سعف النخيل والحطب والسكاكين وأوراق الموز المستخدمة في لف لحم الشواء، بجانب العسل والتوابل والمكسرات والحلوى العمانية.
وهي ساحة كبيرة أيضًا لكل ما يحتاجه الرجل العماني للتزين في العيد، من ملابس كالمصار والكميم، أو الأسلحة التقليدية التي يحرص الرجال العمانيون على ارتدائها مثل البنادق والخناجر والعصى والسيوف، هذا بخلاف ملابس المرأة من عباءات وأدوات زينة ومستحضرات التجميل الشعبية.
تلعب تلك الهبطات دورًا محوريًا في إنعاش الاقتصاد الوطني العماني على المستوى الداخلي، فهي فرصة للتجار والمزارعين لبيع مواشيهم ومنتجاتهم والتربح منها، هذا بخلاف تشجيع الحرف اليدوية التي تعاني من إهمال شديد وتواجه خطر الاندثار، ففي مثل تلك المواسم تنشط عمليات بيع تلك المصنوعات بما يبث فيها الأمل مرة أخرى، لذا فلها قيمة اقتصادية وتراثية كبيرة بعيدًا عن كونها طقسًا خاصًا بالعيد فحسب.
مواعيدها وتوزيعها الجغرافي
تبدأ الهبطات في العادة من شروق الشمس حتى الساعة الحادية عشر ظهرًا، وفي بعض الأحيان عندما يكون هناك حضور جماهيري كبير، يتم مدها حتى الواحدة وأكثر في بعض المناطق، وتستمر لمدة عشرة أيام في ولايات معينة وأخرى 5 أيام وثالثة أربعة، وتنتهي بشكل رسمي نهاية اليوم الأول من العيد.
في عيد الأضحى تنطلق تلك الهبطات في معظم الولايات مع استطلاع هلال ذي الحجة، وتستمر حتى يوم العيد، حيث تشهد الأسواق في الولايات الرئيسية ازدحامًا كبيرًا خاصة من الأطفال والنساء، وتمثل أماكن تجمع الخراف والماعز والأبقار ساحات لترفيه الأطفال الذين يمرحون مع تلك الأضاحي ويعلبون معها طيلة الأيام العشر.
أما في عيد الفطر فالأمر ربما يختلف من حيث التوزيع الجغرافي لهذه الأسواق، التي تبدأ أولى فعالياتها يوم 24 رمضان في ولاية بوشر بمحافظة مسقط وفي فنجاء بمحافظة الداخلية وفي وادي بني خالد بمحافظة شمال الشرقية ثم تتوالى في بقية الولايات.
وتتوسع تلك الأسواق في 26 رمضان لتشمل ولايات نزوى والرستاق ووادي المعاول والخابورة والمنترب بولاية بدية، وفي اليوم التالي تتمدد لتقام في ولايات جعلان بوعلي والسويق وبهلاء وجعلان بني بوحسن والسيب والقابل، أما في 28 رمضان، فينضم لها بقية الولايات وهما الكامل والوافي، والقابل، لتتحول السلطنة بأكملها إلى أسواق تجارية لا يهدأ ضجيجها.
تسوق وترفيه وسرور
لم تكن تلك الهبطات مزارات تسوق فحسب، فهناك عشرات الأسواق الأخرى الثابتة التي يمكن للمواطن العماني التسوق منها، لكنها أقيمت خصيصًا لإضفاء البهجة والسرور على الأطفال والنساء وكبار السن، لما تتمتع به من أجواء مبهجة تبعث على الفرحة والاحتفال بضيف العيد العزيز.
وتحرص إدارات الولايات العمانية على توفير أجواء السعادة في تلك الأسواق من خلال المتابعة الأمنية الدقيقة وتوفير سبل الراحة وتزويد الهبطات بالألعاب والطقوس التي يحبها الأطفال على وجه الخصوص، وهو ما يضفي عليها أجواء احتفالات العيد قبل قدوم العيد بعدة أيام.
يقول علاء (صحفي مصري مقيم في مسقط) إنه يحرص دومًا على الذهاب إلى تلك الهبطات رفقة أصدقاء عمانيين له، مؤكدًا أنها أشبه بتلك الأسواق التجارية الترفيهية الموجودة في القاهرة أو الرياض أو دبي، لكن بشكل تراثي أكثر منها، وهذا أفضل ما يميزها، الهوية التراثية العمانية، على حد قوله.
#الهبطة_العمانية موروث تقليدي منذ عهد الجدود يحكي أصالة شعب جذوره متعمقة جدا ومتأصلة في الموروث الأصيل ،يجب علينا الحفاظ على موروثنا الحضاري لأجل مستقبل مشرق لابناء يفخرون بماضيهم pic.twitter.com/VZqxgzb9Af
— @thurai (@thurai92886817) April 30, 2020
ويضيف الصحفي المصري في حديثه لـ”نون بوست” أنه وعلى مدار أكثر من عشرة أعوام قضاها في السلطنة لم يترك عيدًا إلا وذهب بأسرته للتسوق من تلك الأسواق التي تتحول في بعض الأيام خاصة اليوم السادس من ذي الحجة إلى ساحات كبيرة لتلاقي الأصدقاء والمعارف، وتابع “تشعر أن العيد في عمان يبدأ مبكرًا عن بقية البلدان الأخرى بسبب تلك الطقوس التي تمنحها الهبطات”.
“كما أن تمسك العمانيين خلال احتفالاتهم بالأعياد بهويتهم الثقافية وإرثهم الحضاري رغم مظاهر العصرنة المنتشرة، يعد أحد أبرز سمات الاحتفال بالعيد في هذا البلد، فهم يؤمنون جيدًا بقيمة بلادهم وحضارتها وتاريخها وإن لم يكن ضاربًا بجذوره في أعماق التاريخ كبقية البلدان المجاورة”، هكذا يختتم الصحفي المصري المقيم في مسقط حديثه.
يستبق العمانيون أيام العيد الرسمية لإضفاء أجواء البهجة والسرور على مجتمعاتهم، فإن كان العيد في معظم البلدان ثلاثة أيام فإنه في عُمان قد يصل إلى 13 يومًا، إذا ما أضيف للأيام الرسمية الثلاث، العشرة من ذي الحجة، وهو ما يجعل السلطنة أطول دول العالم من حيث أيام الاحتفال بالعيد.