“أي حرب يمكن أن تنتهي سريعًا جدًا عبر توقيع اتفاق سلام أو من خلال ما قام به الأمريكيون عام 1945، عندما استخدموا سلاحهم النووي لتدمير هيروشيما وناجازاكي، وأوقفوا حينها بالفعل الحملة العسكرية”، حصرت هذه الكلمات التي جاءت على لسان نائب رئيس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف سيناريوهات نهاية الحرب الروسية في أوكرانيا في خيارين لا ثالث لهما، وضعهما حليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على طاولة الحرب والغرب: السلام أو النووي.
تتزامن تلك التصريحات التي جرت بالتأكيد من حنجرة رئيس ميدفيديف (بوتين) مع عودة تصاعد حديث المحطات النووية لتكون في صلب الصراع بين روسيا من جهة وأوكرانيا ومعها الغرب من جهة أخرى، ويتردد صداها في محطة زابوريجيا النووية التي تحوم الشكوك حول عملية ما تتربص بها، قد تضع نهاية مبكرة للحرب، بل للدولتين المتحاربتين وحلفائهما.
فصل جديد من الحرب
لهجة ميدفيديف القاطعة سبقها تكذيب الكرملين لتقارير غربية تحدثت عن تحذير وجهه الرئيس الصيني لبوتين من استخدام الأسلحة النووية، وتلك لغة تريد موسكو أن تُسمع جيدًا من حليفتها بكين، وفي كييف وعواصم غربية تمدها بسلاح يقول ميدفيديف إن نهاية الحرب مرهونة بوقف إمداده.
كل ذلك يتزامن مع عودة المحطة النووية في زابوريجيا مسرحًا لتبادل الاتهامات بين روسيا وأوكرانيا، وتحميل بعضهما البعض المسؤولية عما قد تؤول إليه الأوضاع في أي لحظة، واستحوذت المحطة في الأيام الأخيرة على يوميات الحرب في أوكرانيا، واجتذبت اهتمام العالم لما قد يحمله أي حادث نووي هناك من مخاطر تهدد أوروبا والعالم.
الجانب الأوكراني اتهم الجانب الروسي بزرع ما قال إنها “مواد تشبه المتفجرات” على أسطح وحدات للطاقة بالمحطة النووية، وحذر من خطر الاستهداف بصواريخ باليستية في منطقة زابوريجيا، ولم يستبعد مستشار الرئاسة الأوكرانية احتمال وقوع عمل وصفه بـ”الإرهابي” في محطة زابوريجيا النووية بنسبة 50%، ثم يخرج الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي متكئًا على معلومات استخباراتية وصفها بـ”المؤكدة” عن مخطط روسي لشن هجوم يترتب عنه تسرب إشعاعي.
Now we have information from our intelligence that the Russian military has placed objects resembling explosives on the roof of several power units of the Zaporizhzhia nuclear power plant. Perhaps to simulate an attack on the plant. Perhaps they have some other scenario. But in… pic.twitter.com/RWbykc72cL
— Володимир Зеленський (@ZelenskyyUa) July 4, 2023
زيلنسكي يتهم، والكرملين يحذر أيضًا من عمل تخريبي أوكراني قد يستهدف المحطة، ويصف تداعياته بـ”الكارثية”، وتكرر ذلك على لسان نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف الذي حذَّر كييف من مغبة وقوع حوادث خطيرة على خلفية الهجمات التي تشنها أوكرانيا، بل حددت الشركة الحكومية الروسية للطاقة النووية “روساتوم” موعدًا كان في الخامس من الشهر الحاليّ لما قالت إنه هجوم أوكراني على المحطة النووية بالمدفعية والمسيرات.
في الأسبوع الأول للحرب التي بدأت في فبراير/شباط 2022، سيطرت القوات الروسية على المحطة النووية الأكبر في أوكرانيا وأوروبا، والعاشرة على مستوى العالم، ومنذ ذلك الحين، تتكرر اتهامات روسيا للقوات الأوكرانية بتعمد استهداف المحطة والمنطقة القريبة منها، لكنها تبقى غير مبنية على مؤشرات حقيقية لحدوث هجوم خطير على المحطة النووية.
لم تكن هذه الاتهامات المتبادلة جديدة، ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وبعد تعرض المحطة لقصف، تبادل الروس والأوكرانيون الاتهامات بشأنه أيضًا، قالت وكالة الطاقة النووية الأوكرانية إن 12 ضربة على الأقل سُجِّلت في موقع المحطة، متهمة روسيا بتعريض العالم بأسره للخطر وفق تعبيرها.
وصلت المخاطر ذروتها في سبتمبر/أيلول الماضي، بإعلان كييف والوكالة الدولية للطاقة الذرية توقف المفاعل السادس والأخير الذي كان يعمل في المحطة عن طريق شبكة الكهرباء التي تسيطر عليها أوكرانيا
ووسط سيل الاتهامات المتصاعدة بين الجانبين، جاء نفي أولي من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدم وجود أي متفجرات أو ألغام حتى الآن، وفتَّش خبراء الوكالة أجزاءً من محطة زابوريجيا، لكنهم بحاجة لمعاينة كل المنشآت لتأكيد ما وصلوا إليه استنادًا إلى تصريح مديرها العام رافايل غروسي.
وسبق أن أرسلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكثر من مرة فريقًا من المراقبين، وهناك من يوجد منهم بشكل دائم داخل المحطة التي زارها بضع مرات رئيس الوكالة، وكان آخرها قبل أسبوعين، خاصة عندما أبلغت موسكو أن موزع محطة زابوريجيا أصيب خلال هجوم أوكراني بطائرات مسيرة.
غروسي وكييف وموسكو وعواصم غربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة جميعهم ومعهم آخرون يكررون التحذيرات من خطورة ما يجري في زابوريجيا، ما يثير علامات استفهام عن هوية الجهة التي تقصف المحطة.
في سبتمبر/أيلول الماضي، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية كلمتها فيما يتعلق بواحدة من أخطر تداعيات الحرب على أوكرانيا: “الوضع في محطة زابوريجيا مقلق للغاية، ويتعين إنشاء منطقة أمنية حولها درءًا لأي حادث نووي”.
تقرير الهيئة الأممية الذي جاء في أكثر من 50 صفحة، ويُفترض أن يكون فنيًا وحاسمًا ومحايدًا، أكد أيضًا أن مراقبي الوكالة رصدوا وجود قوات ومعدات ومركبات عسكرية روسية في المحطة ألحقت بها دمارًا يهدد بمخاطر إشعاعية، وهذا يعني، بحسبها، أن استمرار سيطرة القوات الروسية على المحطة يفاقم ظروف احتمال حصول حادثة نووية، وهو ما دفعها لمطالبة المجتمع الدولي بإعادة سيطرة المؤسسة الأوكرانية عليها وتشغيلها.
بعيدًا عن روايات طرفي النزاع ومخاطر الاستهداف المتعمد، تعمل المحطة وسط تحديات متكررة يتعلق أكثرها بتجهيزات عمل المحطة نفسها، وقد وصلت المخاطر ذروتها في سبتمبر/أيلول الماضي، بإعلان كييف والوكالة الدولية للطاقة الذرية توقف المفاعل السادس والأخير الذي كان يعمل في المحطة عن طريق شبكة الكهرباء التي تسيطر عليها أوكرانيا، وتحولها لوضع الاستعداد والعمل على مولدات الكهرباء المخصصة للطوارئ.
وقبل أيام قليلة، جرى توصيل خط الكهرباء الاحتياطي بعد توقفه لأربعة أشهر، كانت المحطة خلالها تُغذَّى من خط خارجي واحد لتبريد المفاعل وغيره مما يُطلق عليه مستلزمات الأمان النووي، وواجهت المحطة 7 انقطاعات لمصادرة الطاقة الخارجية منذ بدء الحرب وفق المدير العام لوكالة الطاقة الذرية، أيضًا، انخفاض منسوب مياه البحيرة الناتج عن تفجير سد كاخوفكا الشهر الماضي دق ناقوس خطر جديد لتعرض هذه المحطة أو المنشآت التابعة لها لخطر الهجمات الروسية.
رسائل نووية تتجاوز حدود زابوريجيا
هذا الرعب النووي، كما أنه يحرك العالم لتحييد المنطقة عن النزاع المسلح، هو أيضًا مدخل المتنازعيْن في إطار الحرب الإعلامية المتبادلة بينهما لإثبات أن الطرف الآخر يهدد المنطقة برمتها تهديدًا غير تقليدي.
كذلك ينطوي ميدان المواجهة والاتهام على مغامرة كبيرة تتعدى حدود الجغرافيا الأوكرانية، فروسيا تسيطر على المحطة، لكن قواتها تواجه في الوقت نفسه هجومًا أوكرانيًا مكثفًا في جبهة مقاطعة زابوريجيا.
وضع فقدان الثقة بين أطراف الصراع وحلفائهما أمن المحطة على المحك، وعزز المخاوف من خطر وقوع حادث نووي لن يسلم منه أحد، ولا شك أن هذه المحطة النووية تبدو الآن كـ”قنبلة موقوتة”
رغم المخاطر الماثلة، لم تستثن دائرة الحرب المحطة النووية من القصف، وتشهد في الأشهر الأخيرة معارك ذات أبعاد إستراتيجية، لا سيما في توكماك، المدينة الصغيرة القريبة من طريق رئيسي جنوب شرقي البلاد، تسعى القوات الأوكرانية للسيطرة عليها، ما قد يساعد على عزل شبه جزيرة القرم عن الأراضي الأخرى التي تسيطر عليها روسيا.
لكن الجيش الروسي كان جاهزًا لأي محاولة من هذا القبيل، فعزز تحصيناته في توكماك وبلدات قريبة منها لجعل المهمة صعبة أمام الجيش الأوكراني، ورغم التحصينات، تقول القوات الأوكرانية إن هجماتها تحقق نجاحًا، ووحداتها تتمكن من التقدم ولو بشكل بطيء.
القتال في توكماك، ومقاطعة زابوريجيا بشكل أعم، تكمن خطورته في احتمالية توسعه إلى إنيرغودار، حيث محطة زابوريجيا النووية، الواقعة في مدينة إنيرهودار جنوب شرقي أوكرانيا، على بعد نحو 112 كيلومترًا من مدينة زابوريجيا، و200 كيلومتر من إقليم دونباس.
تلك المحطة النووية مدينة متكاملة ببنيتها التحتية وتمتد على مساحة كبيرة وتضم مساكن ومنشآت مختلفة، إلى جانب المفاعلات النووية البالغ عددها 6 مفاعلات تغذي 40 مليون منزل، وقد بُنيت أول 5 منها بين عامي 1984-1989، بينما تم تشغيل المحطة السادسة عام 1995.
تعمل المفاعلات بالماء المضغوط بطاقة ألف ميغاوات لكل منها، وتتطلب هذه المفاعلات كميات كبيرة من مياه التبريد من نهر دنيبرو الذي تم توسيعه خصيصًا لهذا الغرض، وتنتج المحطة ما بين 37 و38 مليار كيلووات في الساعة سنويًا، أي ما يعادل خمس إنتاج الكهرباء السنوي في أوكرانيا، ونحو نصف الكهرباء المولدة من الطاقة النووية، وفقًا لشركة “إنرجي أتوم” المشغلة للطاقة النووية في أوكرانيا، لكنها في نفس الوقت، قد يُنظر إليها كورقة ضغط دولي حاسمة ضد روسيا.
يعلم الروس جيدًا أهمية هذه المحطة صنيعة العصر السوفيتي قبل أن تصبح أوكرانية بأحكام الجغرافيا وتفكك الاتحاد، إذ لا تبعد إلا قرابة 200 كيلومتر عن شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014.
منذ إغلاق آخر مفاعل لمحطة تشيرنوبل للطاقة النووية عام 2000، استمر نشاط هذه المحطة على مستوى عالٍ لتلبية احتياجات أوكرانيا من الكهرباء، لكن حالة الحرب حوَّلت مصنع الطاقة هذا إلى ما يشبه مسرحًا للعمليات، وجعل منها الروس قلعة يتحصنون بها ويختبئون ويخبِّئون أسلحتهم تحتها بحسب اتهامات كييف، ووضع فقدان الثقة بين أطراف الصراع وحلفائهما أمن المحطة على المحك، وعزز المخاوف من خطر وقوع حادث نووي لن يسلم منه أحد.
ولا شك أن هذه المحطة النووية تبدو الآن كـ”قنبلة موقوتة”، رغم أنها تتمتع بإمكانات للمراقبة المستمرة للإشعاع بطول 30 كيلومترًا، كما يوجد بها مرفق تخزين جاف للوقود المستهلك، وهو القسم الذي أعلنت كييف أن قصفًا روسيًا استهدفه.
أي تسرب إشعاعي سيصل تأثيره إلى مئات الكيلومترات في أوروبا وروسيا، ما يعني انتفاء إمكانية الحياة في نطاق الانتشار ربما لعقود طويلة، مع ما يرافق ذلك من أمراض مميتة مثل السرطان وتشوهات المواليد كما حدث في مفاعل تشيرنوبل في أوكرانيا نفسها في 26 أبريل/نيسان عام 1986.
نتيجة لهذه الكارثة بلغت الخسائر المادية ما قيمته 3 مليارات دولار، ولقي 36 شخصًا مصرعهم حسب الرواية السوفيتية حينها، لكن الإحصاءات الأوروبية تقول إن أكثر من 90 ألف شخص لقوا مصرعهم على مر السنين نتيجة التأثر بتلك الإشعاعات.
الكارثة الأخرى حدثت في مفاعل فوكوشيما الياباني، وتطورت بعد “الزلالال الكبير” في 11 مارس/آذار 2011، وأدَّت مشاكل التبريد إلى ارتفاع في ضغط المفاعل تبعتها مشكلة في التحكم في التنفيس نتج عنها زيادة في النشط الإشعاعي، ونتج عنها إجلاء أكثر من 50 يابانيًا من المنطقة، وأُخليت المنطقة المحيطة بمساحة 10 كيلومترات.
على شفير الكارثة
يمكن القول إن حدوث أي سيناريو سيجعل زابوريجيا تستعيد ذكرى سابقاتها، ويشمل الاحتمال الأول توقف تدفق تيار مياه التبريد الضروري لعمل المفاعلات، حينها ستكون النتيجة حدوث ضغط كبير داخل أحدها يتسبب في حدوث انفجار هائل وتسريب إشعاعي عالٍ.
لنتخيل سحابةً من نظير السيزيوم 173، يمتد قطرها على مساحة 160 كيلومترًا، هذا السم الخفي لن يفرَِق بين العدو والصديق، وسيبقى أثره محسوسًا لسنوات على البشر والحجر.
المفارقة هنا أن الجزء الجنوبي الشرقي لهذه الدائرة بيد الروس، بينما الجزء الشمالي الغربي بيد الأوكرانيين، وما لا يمكن تخيله هو حدوث انفجار بسبب قصف صاروخي على أحد المفاعلات أو النفايات النووية، وستكون هذه النتيجة غالبًا.
الخطورة في هذه المحطة أن ما يقارب 2200 طن من النفايات النووية المستنفذة قد يؤدي إلى ما يُطلق عليه “قنبلة قذرة”، قد تلحق الضرر بالجيشين الروسي والأوكراني على حد سواء، وتختلف التبعات وفق جاهزية كل منهما للقتال في أجواء نووية، ففي الذاكرة الإنسانية أيضًا حوادث نووية سابقة ما زالت بعض مخلفاتها ماثلة حتى اليوم.
هذه المرة، فإن أي حادث نووي – إن قُدَّر ووقع – سيكون “أمرًا انتحاريًا لا تنفع بعده الاتهامات” بحسب وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي ذهب إلى أبعد ما ذلك بقوله: “استخدام أسلحة نووية! ربما لن تكون هناك أمم متحدة قادرة على الرد بعدها”.
في زابوريجيا، ثمة قناعة أوكرانية أن موسكو تريد تمرير سيناريوهات عبر محطة الطاقة النووية، في المقابل، ترى موسكو أن خطرًا حقيقيًا يُدبَّر في كييف، والثابت في المعادلة أن محطة زابوريجيا في مرمى النيران التي لم تصب أي منها حتى الآن قلب المفاعلات، وإن حدث ستنقلب المعادلات.
إذا افترضنا جدلًا انهيار الجيش الروسي، وبدأ في الانسحاب تجاه الحدود الروسية، قد يلجأ بوتين إلى سياسة الردع الدفاعي الحتمي والاستخدام التكتيكي لأغراض محدودة وتفعيل العقيدة النووية التي تقول “التصعيد لخفض التصعيد”، لكن الأمر لم يتجاوز حتى الآن حد التهديدات المباشرة.
تُقَّدر منظومة روسيا النووية التكتيكية بنحو 2000 سلاح نووي بأشكال وأحجام كثيرة يمكن استخدامها في البر أو البحر أو الجو، بينما تمتلك الولايات المتحدة في المقابل نوعًا واحدًا فقط
طوال عقود، كان الغرب قلقًا من الإستراتيجية النووية الروسية، نظرًا لامتلاكها أكبر ترسانة نووية في العالم، تُقدَّر بـ6300 رأس حربي نووي، بما في ذلك جيل جديد من الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وأسلحة نووية تكتيكية أكثر بعشر مرات من الغرب، لكن استخدام هذه الأسلحة ظل مستبعدًا حتى خلال الأزمات الكبرى، وتتعامل معها الولايات المتحدة وحلف الناتو العسكري بجدية.
في يونيو/حزيران 2020، أقر الكرملين وثيقة بتوقيع بوتين تتضمن “المبادئ الأساسية” لسياسة الردع النووي، حددت 4 حالات تسوغ استخدام الأسلحة الأكثر فتكًا، تتمثل في إطلاق صواريخ باليستية على روسيا أو حليف لها، وبدء الخصم باستخدام النووي أولًا، أو مهاجمة موقع أسلحة نووية روسي، أو التعرض لعدوان غير نووي يهدد وجود الدولة.
احتمالات الخيار النووي
بعد شن حربه على أوكرانيا منذ أكثر من عام، زادت المخاوف من تغيير بوتين للعقيدة النووية، بعد تلويح مسؤولين روس باستخدام السلاح لأغراض تكتيكية، وهو ما اعتبره الرئيس الأمريكي جو بايدن “تهديدًا حقيقيًا”، وسبق أن ندد بنشر روسيا أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، التي وصفها بـ”تصرف غير مسؤول تمامًا”.
وينفرد بوتين بسلطة استخدام السلاح الذري، ويمتلك حقيبة تسمى “تشغت” ترافقه طوال حياته، يرتبط من خلالها مع وزير الدفاع ورئيس الأركان، ويمكنها فتح اتصال مباشر بنظام شديد السرية لإعطاء الأوامر لضباط القوات الصاروخية، وإطلاق الرؤوس النووية على أمريكا وأوروبا في غصون خمس دقائق.
وأخيرا… من يملك قرار … “الهجوم النووي”…؟
وفقاً لوثيقة “المبادئ الأساسية للردع النووي”، يتولى رئيس الاتحاد الروسي التوجيه العام لسياسة الدولة في مجال الردع النووي، وهو المنوط به اتخاذ قرار استخدام الأسلحة النووية.
إنتهى. pic.twitter.com/xUJRGm3Tdp
— رؤى لدراسات الحرب (@Roaastudies) March 23, 2022
وإذا تعرضت روسيا لهجوم نووي مباغت، يلجأ الرئيس إلى بروتوكول “يوم القيامة” باستخدام “اليد المتينة”، وهي أداة تطلق الصواريخ من جميع المستودعات الروسية، وعلى عكس الأسلحة الإستراتيجية النووية الأمريكية، لا يمتلك قادة الجيش الروسي صلاحية رفض الأوامر النووية.
أما أوكرانيا التي تحولت من ثالث أكبر قوة نووية إلى دولة منزوعة السلاح النووي تمامًا، فيلوح رئيسها في خطاب بمؤتمر ميونخ للأمن بأن بلاده قد تعيد النظر في التزامها بمعاهدة “بودابست”، والعودة إلى إنتاج قنبلة نووية، لكن هذا الخيار يصطدم بعوائق لوجيستية وسياسية كبيرة.
وتراقب واشنطن وحلفاؤها، وكذلك بكين، تصرفات روسيا النووية، وحذروا مرارًا من استخدامها الأسلحة النووية في حربها على أوكرانيا، وقد تثني الرسائل في بكين وواشنطن بوتين أكثر من تعريض المدنيين، بمن فيهم الروس، للتداعيات النووية.
ووفق تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية، فإنه ليس أمرًا حتميًا أن “ترد واشنطن على النووي بالنووي” بل يوجد انقسام شديد داخل الإدارة الأمريكية بشأن هذا الأمر، كذلك الأمر بالنسبة للسياسيين والدبلوماسيين وخبراء الأسلحة النووية الغربيين.
ويُتوقع أن يضع قرار بوتين بتفجير سلاح نووي في أوكرانيا، بايدن مع فريقه أمام خيارات صعبة للغاية، ففي عام 2016، أجرت الوكالات الأمنية في إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تدريبات على حالة طوارئ نووية في حال استخدام روسيا لسلاح نووي تكتيكي، وهو عبارة عن قنبلة نووية ذات أثر انفجار يمكن السيطرة عليه على عكس القنابل الإستراتيجية الأضخم التي تمتلك منها روسيا نحو 4 آلاف قنبلة بحسب تقارير غربية.
وتُقَّدر منظومة روسيا النووية التكتيكية بنحو 2000 سلاح نووي بأشكال وأحجام كثيرة يمكن استخدامها في البر أو البحر أو الجو، بينما تمتلك الولايات المتحدة في المقابل نوعًا واحدًا فقط من الأسلحة التكتيكية اسمها “B61″، تنشر منها أمريكا نحو مئة في أوروبا، بالإضافة إلى عدد مماثل في الولايات المتحدة.
إذا أمر بوتين بشن هجوم نووي داخل أوكرانيا، فسيكون ذلك أول استخدام للأسلحة النووية في المعركة منذ القصف الذري على هيروشيما وناجازاكي قبل نحو 8 عقود
ويقول البعض إنه يمكن أن يستخدم سلاحًا نوويًا تكتيكيًا واحدًا أو أكثر في محاولة لدرء الهزيمة العسكرية أو حماية رئاسته أو تخويف الغرب أو تخويف كييف ودفعها إلى الاستسلام، فالتداعيات الإشعاعية لسلاح تكتيكي روسي صغير يمكن أن تقتصر على نحو كيلومتر، لكن التأثير النفسي والجيوسياسي سيكون محسوسًا في جميع أنحاء العالم.
لكن بوتين لا يمكنه الاعتماد على أن الأسلحة التكتيكية الروسية لا تزال صالحة للعمل، لأنها قديمة جدًا، ولم تُختبر لاحقًا، بحسب بافيل باييف، الباحث العسكري الذي عمل في وزارة الدفاع السوفيتية، ويرد عليه زميل معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح بافيل بودفيج، ويؤكد أن روسيا لديها طرق للتحقق من صلاحية أسلحتها النووية.
هناك خيار آخر، كما يقول الخبراء العسكريون، يتمثل في أن يفجر بوتين الأسلحة قصيرة المدى منخفضة القوة التي يتم إطلاقها عن طريق البحر أو الجو أو الأرض فوق منطقة نائية وغير مأهولة بالسكان أو منطقة مائية، مثل البحر الأسود، كدليل تقشعر له الأبدان على نية استخدامها ضد الأهداف العسكرية الأوكرانية.
إذا أمر بوتين بشن هجوم نووي داخل أوكرانيا، فسيكون ذلك أول استخدام للأسلحة النووية في المعركة منذ القصف الذري على هيروشيما وناجازاكي قبل نحو 8 عقود، لكن أيًا كان الوقت الذي يأمر فيه بوتين باستخدام السلاح النووي، ومدى ثقة حلفاء واشنطن في التزامها بالدفاع، فإن مصير رقعة الأرض الكبيرة هذه (زابوريجيا) ستكون حاسمة على ما يبدو بشكل أو بآخر في مصير الحرب بأوكرانيا.