“الدرة لاثنين: الرياض والكويت، وغير قابل للقسمة على ثلاثة”، موقف حازم اتخذته السعودية والكويت بشأن الحقل النفطي المتنازع عليه مع الجارة الفارسية إيران منذ عقود، إثر منحها امتياز التنقيب عن الغاز في حقل “آرش” وفق التسمية الإيرانية لشركة بريطانية، وهو ما رفضته كل من الكويت والرياض رفضًا مطلقًا.
لم يمض الوقت طويلًا على التقارب السعودي الإيراني، واستبشار نتائجه على المنطقة ككل، حتى عادت إلى الواجهة أزمة قديمة جديدة بين الكويت والسعودية من جهة وإيران من جهة أخرى، وعاد معها الجدل بشأن حقل الدرة النفطي، مخلفًا تساؤلات حول المسؤول عن تحريك هذا الملف كل مرة، خاصة هذه المرة، وأسباب عدم التوصل إلى حلول رغم قِدم هذا الملف، وانعكاسات تجدد التوترات تزامنًا مع تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران.
من له الحق في حقل الدرة؟
أمضت الحكومات الاستعمارية وما بعدها في الشرق الأوسط الكثير من الوقت في رسم “خط في الرمال”، كما أطلق عليه المؤرخ جيمس بار، لترسيم حدودها، ومع اكتشاف الهيدروكربونات، أصبح وجود خط في الماء على نفس القدر من الأهمية، واحدة من هذه الحدود غير الواضحة أصبحت موضع نقاش مرة أخرى مع خطط سعودية وكويتية متجددة لتطوير حقل غاز الدرة.
عودة الحديث عن المنطقة المغمورة المقسومة بين الكويت والسعودية من جانب، وإيران من جانب آخر، جاء عقب تصريحات أدلى بها الرئيس التنفيذي لشركة النفط الإيرانية الوطنية محسن خجستة، تحدث فيها عن حق بلاده في الاستثمار بحقل الدرة وفقًا لحدودها البحرية مع الكويت، وقال إن بلاده جاهزة لبدء عمليات الحفر والتنقيب عن الثروات الطبيعية في الحقل الواقع في مياه الخليج، لوقوعه ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة وفقًا للحكومة الإيرانية.
لاقت هذه التصريحات اعتراضًا كويتيًا، فقد ردَّ نائب رئيس مجلس الوزراء الكويتي سعد البراك، الُمعيَّن منذ أسبوعين فقط وزيرًا للنفط، رافضًا كلام المتحدث الإيراني “جملةً وتفصيلًا” عن الإجراءات المزمع إقامتها حول حقل الدرة، الذي اعتبره “ثروة طبيعية كويتية – سعودية فقط، وليس لأي طرف آخر أي حقوق فيه حتى حسم جدل ترسيم الحدود البحرية”.
بدأ الخلاف بشأن الحقل الواقع في بقعة تتداخل فيها حدود الكويت والسعودية، في ستينيات القرن الماضي بمياه الخليج العربي، في وقت كانت فيه الحدود البحرية غير واضحة
البراك اعتبر أن موقف إيران يتنافى مع أبسط قواعد العلاقات الدولية، قائلًا إن الادعاءات والنوايا الإيرانية فاجأتهم، وأوضح أن الطرفين الكويتي والسعودي متفقان تمامًا كطرف تفاوضي واحد.
وفي آخر فصول الجدل فيما يخص قضية الحدود البحرية القديمة الجديدة بين الدول الثلاثة، دعت الخارجية الكويتية في بيان لها إيران إلى الالتزام أولًا بترسيم الحدود مع الجانبين الكويتي والسعودي مقابل الجانب الإيراني، قبل أن يكون لها أي حق في حقل الدرة، رمز هذه القضية ومحورها الأهم.
وأثارت القضية حفيظة نواب مجلس الأمة الكويتي، حيث تقدم 6 نواب بتكليف لجنة الشؤون الخارجية النظر في موضوع حقل الدرة على ضوء تصريحات إيران التي وُصفت بـ”الطامعة في خيرات الكويت”.
ودخلت الرياض على خط التصريحات لقطع الطريق على ما اسمتها الادعاءات الإيرانية، إذا أكدت وزارة الخارجية أن حق استغلال الثروات الطبيعية لحقل الدرة يعود إلى الرياض والكويت فقط، وجددت دعوتها إلى طهران بضرورة البدء بمفاوضات لترسيم الحد الشرقي من المنطقة المغمورة المقسومة، التي تبلغ مساحتها 5770 كيلومترًا مربعًا.
الجدل بشأن ملكية حقل الدرة لم يقف عند حد التصريحات الرسمية، بل انتقل إلى شبكات التواصل الاجتماعي بشكل واسع، فقد أبدى الكاتب الصحفي علي الفضالة غضبه من المطلب الإيراني، وغرد عبر تويتر مطالبًا وزير الدفاع الكويتي بضربة جوية بالطائرات الحربية للمواقع الإيرانية عند حقل الدرة، وإبلاغ الأمم المتحدة بالنشاط الإيراني.
حقل الدرة pic.twitter.com/IV1X12PQlq
— علي الفضالة (@fadalh) July 4, 2023
ثروات غير مستغلة.. لماذا حقل الدرة؟
لحقل الدرة، أحد أكبر حقول الغاز في مياه الخليج العربي، أهمية إستراتيجية واقتصادية كبرى، إذ يحتوي على مخزون كبير من المواد النفطية، وتقدر كميات الغاز فيه بأكثر من 200 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، أي ما يعادل 7 تريليونات قدم مكعبة، بالإضافة إلى أكثر من 300 مليون برميل نفطي و84 ألف برميل من المكثفات (زيت خفيف مكثف من الغاز) يوميًا تتقاسمها البلدان بالتساوي.
بدأ الخلاف بشأن الحقل الواقع في بقعة تتداخل فيها حدود الكويت والسعودية، في ستينيات القرن الماضي بمياه الخليج العربي، في وقت كانت فيه الحدود البحرية غير واضحة، وتبعًا لهذا مُنحت الكويت وإيران امتيازات بحرية متداخلة بسبب الحدود غير المحددة، ومع ذلك، ظل الحقل معطلًا منذ ذلك الوقت بسبب الخلافات الحدودية مع إيران.
في حين تؤكد الكويت وقوع الحقل في مياهها الإقليمية بالخليج، واشتراكها مع السعودية في الجزء الجنوبي فقط منه، وهو ما يمنحهما الحق دون غيرهما في الثروات الطبيعية، تصر إيران على أحقيتها أيضًا فيه، وتدعي أنه يقع في المنطقة البحرية المتداخلة التي لم يتم ترسيمها بين الكويت وإيران.
يبعد الحقل نحو 300 كيلومتر عن شمال شرق الدمام في السعودية، و130 كيلومترًا من جنوب مدينة الكويت، ويستقر ثلثه في المياه الكويتية بينما الثلث الآخر في المياه المحايدة بين الكويت والسعودية، ويقع الثلث الأخير في حدود إيران.
هذا الواقع دفع السعودية والكويت عام 1965 إلى التوقيع على اتفاقية تقسيم تضمنت تقسيم المنطقة المشترطة إلى نصفين، على أن تكون الثروات الكامنة في باطن الأرض مشتركة بين الطرفين.
وبينما طورت الكويت والسعودية منطقة محايدة تُعرف باسم “المنطقة المغمورة المقسومة”، وتم ترسيم الحدود السعودية الإيرانية، لم تستطع الكويت وإيران التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن حدودهما المشتركة على الإطلاق، ومن هنا بدأ النزاع.
بعد اكتشاف الحقل، حصلت إيران على الجزء الشرقي، وحصلت الكويت على الجزء الغربي، ومنح كل طرف حق التنقيب لشركتين مختلفتين، وهي حقوق تتقاطع تحديدًا في الجزء الشمالي من الحقل المتنازع عليه بين إيران والكويت.
عادة ما تكون الحقول الحدودية في جميع أنحاء العالم “موحدة”، مع اتفاقية بشأن التطوير والعمليات المشتركة والتقسيم العادل للإيرادات، وبصرف النظر عن المنطقة المحايدة، هذا غير معروف تقريبًا في الشرق الأوسط، حيث تمتد العديد من الحقول على الحدود البرية بين إيران والعراق والحدود البحرية بين إيران وجيرانها في مجلس التعاون الخليجي على طول الخليج، تم تطوير هذه الحقول بشكل فردي، مع حافز لكلا الجانبين للإنتاج بأسرع ما يمكن قبل أن يستنزف منافسهما هذا المورد.
تجدر الإشارة إلى أن إيران تشترك في حقل غاز جنوب فارس العملاق مع حقل الشمال القطري، وهو عماد صناعة الغاز الطبيعي المسال العالمية، ويمتد حقلان سعوديان كبيران لإنتاج الغاز هما: “العربية” و”الحسبة”، عبر الحدود، لكن لم يتم تطويرهما بعد من الجانب الإيراني.
خلافات تعرقل مخططات حقل الدرة
حذرت إيران الكويت من الاستثمار الأحادي في حقل الدرة، لكنها بدأت بنفسها في عام 2001 محاولات أحادية للتنقيب في الحقل، ما أغضب الكويت ودفعها إلى توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع السعودية والتخطيط لتطوير المكامن النفطية المشتركة بينهما
ومنذ عام 2003، بُحثت مسألة ترسيم الحدود البحرية عدة مرات، ودعت السعودية والكويت إيران أكثر من مرة إلى المفاوضات دون استجابة، ما دفع الكويت إلى التهديد بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية.
في عام 2012، بدأت شركة عمليات الخفجي، وهي مشروع مشترك بين شركة “أرامكو” لأعمال الخليج والشركة الحكومية الكويتية لنفط الخليج، بتطوير الحقل بتكاليف تصل إلى 7 مليارات دولار، وسط توقعات بأن يصل إنتاجه إلى مليار قدم مكعبة من الغاز يوميًا بحسب مؤسسة البترول الكويتية، ما سيجعل حقل الغاز لاعبًا أساسيًا في مهمة تلبية نمو الطلب المحلي على الغاز الطبيعي سواء للمنازل أم المصانع وغيرها داخل السعودية والكويت.
لهذا يمثل الحقل أهمية كبيرة للبلدين، خاصة الكويت، فرغم أنها غنية بالنفط، تفتقر إلى الغاز الطبيعي، وتحتاج للغاز أكثر من السعودية باعتبار أن الأخيرة أصبح لديها أكثر من مشروع للغاز الطبيعي، وسعت إلى تطوير موارد غاز غير تقليدية مثل حقل الجافورة، بينما لا يوجد لدى الكويت الكثير من مشروعات الغاز، ما يجعلها في أشد الحاجة لغاز الدرة.
بالنسبة للكويت، فإن المخاطرة كبيرة، فتقسيم الإنتاج بنسبة 50% بمقدار مليار قدم مكعب في اليوم سيوفر أكثر من 12% من حجم ما يُتوقع أن تحتاجه البلاد بحلول عام 2030 لتلبية الاحتياجات المحلية، وتشير توقعات الطلب على الغاز إلى أن الكويت ستحتاج إلى 4 مليارات قدم مكعب في اليوم بحلول هذا التاريخ.
وبالنسبة للسعودية، فإن نصف مليار قدم مكعبة إضافية ستضيف 3% فقط إلى الغاز اليوم الحاليّ، أمَّا عن إيران، بافتراض المشاركة بشكل مستقل أو في شبكة إنتاج محلية، فإن ما يضيفه حقل الدرة إلى إجمالي إنتاجها لن يكون قليلًا أمام إنتاج حقل “بارس” الجنوبي العملاق، أكبر حقل لإنتاج الغاز في العالم، فقد وصل إنتاجه هذا العام إلى 241 مليار متر مكعب من الغاز، بالإضافة إلى إنتاج 700 ألف برميل من المكثفات يوميًا.
رغم هذه التوقعات، توقفت المحادثات بشأن تطوير الحقل في عام 2013 وسط خلافات بشأن تقاسم إنتاج الغاز وخطوط الأنابيب، ما يشير إلى انعدام الثقة بين البلدين، وفقًا لمعهد أبحاث الشرق الأوسط، وفي العامين التاليين، أدَّى الخلاف المستمر بشأن الإجارة المشتركة للمنطقة المحايدة إلى نزاعات انتهت بتعليق إنتاج النفط من حقول المنطقة المحايدة، وتوقفت خطط تطوير الدرة مرة أخرى.
وفق محللين، تستعمل إيران القضية كورقة ضغط سياسي على السعودية والكويت في ملفات أخرى مثل الاتفاق النووي
بحلول ذلك الوقت، بدأ كلا البلدين في رؤية قيمة الغاز مع نمو الطلب بقوة، وأراد كل منهما استخراج كميات لتلبية احتياجاتهما المحلية المتزايدة حتى تم التوصل إلى قرار لاستئناف الإنتاج في الحقل المشترك في ديسمبر/كانون الأول 2019، ومنذ ذلك الحين، كان هناك تعاون عادل في مشاريع جديدة، يشمل خططًا لإرسال ما يصل إلى 50 مليون قدم مكعبة يوميًا من حقل الوفرة البري و24 مليون قدم مكعبة يوميًا من حقل الخفجي البحري إلى الكويت.
بموجب اتفاق مبدئي تم توقيعه في 21 مارس/آذار 2022، أعلنت الدولتان وثيقة تحدد امتيازات المنطقة المغمورة، وتدعو للإسراع في تطوير واستغلال حقل الدرة واستمرار العمل فيه وفقًا لاتفاقيات سابقة، وتضمن الاتفاق قيام شركة عمليات الخفجي المشتركة بتعيين مستشار تقني واحد لإعداد الدراسات الهندسية اللازمة لتطوير هذا الحقل، ومراجعة وتقييم توقعات الإنتاج وخيارات التخزين وتكاليف التطوير.
كذلك شمل الاتفاق أن يتم تقسيم المستخرج من حقل الدرة بالتساوي بينهما بناءً على خيار الفصل البحري عبر خطوط أنابيب إلى مصفاة الزور في الكويت ورأس الخفجي في السعودية، وهو تغيير عن المقترحات السابقة بأن يصل الغاز بالكامل إلى السعودية قبل أن يتم نقل نصفه عبر الأنابيب إلى الكويت، وهو ما رفضه الكويتيون.
كان طبيعي ألا يحظى الاتفاق بموافقة إيران التي تقول إنها طرف ثالث في الحقل، واعتبرت حينها أن هذه الوثيقة غير قانونية، وأصرت على امتلاكها جزءًا من هذا الحقل ضمن مياهها الإقليمية غير المحددة بعد مع الكويت، وأنه يجب ضمها إلى أي إجراء لتشغيله وتطويره وفقًا للأعراف الدولية، فيما ترى الكويت والرياض أن إيران لا تملك حقل استغلال ثروات المنطقة المقسَّمة بينهما.
وعلى مدار السنوات الماضية، تجري الكويت مباحثات مستمرة لتسوية النزاع، دون التوصل إلى نتائج مثمرة، ففي أبريل/نيسان 2022، وسعيًا لحل الخلاف، أصدرت الدولتان بيانًا مشتركًا يدعو إيران مجددًا إلى عقد مفاوضات لتعيين الحد الشرقي من المنطقة المغمورة المقسمة في الخليج، لكنها أيضًا لم تلب الدعوة حتى الآن.
الأبعاد السياسية على ضفتي الخليج
إزالة الغبار عن حقل الدرة يأتي عقب يوم واحد فقط من انضمام طهران كعضو أساسي في منظمة “شنغهاي” للتعاون، وعقب إنهاء 7 سنوات عجاف بين الرياض وطهران، وآمال لسنوات ثِمان تعكس وئام الدول المشاطئة لخليج لم يُختلف على تسمية حقوله بين آرش والدرة أو عربي وفارسي، فهل يهدم موج الخليج قصر الرمال الذي شيدته بكين على شواطئ الهادي؟
وفق محللين، تستعمل إيران القضية كورقة ضغط سياسي على السعودية والكويت في ملفات أخرى مثل الاتفاق النووي، إضافة إلى محاولة الاستفادة من أسعار الطاقة بعد الحرب على أوكرانيا.
سيكون تأثير الحقل على سوق الغاز الطبيعي العالمي محدودًا، لأنه سيتم استخدام أي إنتاج في قطاع الطاقة المحلي في أي من البلدان الثلاثة
وتلقي المواقف السعودية الكويتية تجاه التحركات الإيرانية بالكرة في الملعب الإيراني، إما الالتزام بقواعد العلاقات الدولية والاتجاه للتفاوض على ترسيم الحدود البحرية، وهو ما قد يبطل حديث إيران بشكل رسمي باعتبار أن الحقل خارج حدودها، وإما التنحي جانبًا.
وبعد عودة الخلاف على ملكية حقل الدرة، يبدو أن ثمة توافق معلن في الموقف السعودي الكويتي بشأن ثروات حقل الدرة، فقبل يومين، زار وزير الدولة السعودي الأمير تركي بن محمد، الكويت، والتقى ولي العهد الكويتي ورئيس مجلس الوزراء ووزيري الدفاع والداخلية، هذا اللقاء اعتبره البعض استعدادات سعودية أمنية وعسكرية.
وخلال لقاء عبر قناة “أخبار الآن”، قال المحلل السياسي السعودي: “الرياض لن تفرط في شبر واحد من أي أرض خليجية أو تتنازل عنها”، وأن الموقف الخليجي موحد تمامًا وقوي، ويضمن سير الأمور كما تريد الدبلوماسية السعودية، مشيرًا إلى أن إيران ستقبل بالترسيم وبالبيانين السعودي والكويتي اللذين حصرا ملكية الحقل في الدولتين الخليجيتين، وأن القضية ستنتهي، ولن تتطور سلبًا.
وفي حين تشير مواقف البلدين إلى عدم التنازل عن حقهما الخالص في حقل الدرة، يبدو أن إيران ترفض الانصياع لمثل هذه المواقف، وتنقل صحيفة “الجريدة” الكويتية عن مصدر في شركة النفط الوطنية الإيرانية أن طهران ستتخذ خطوات استباقية لتثبيت أقدامها في الحقل قبل السعودية والكويت، مشيرًا إلى سيناريوهين: التوصل إلى اتفاق للتقاسم أو الاستمرار في تعطيل الحقل الغني بالغاز.
مع تعنت الموقف الإيراني، تساءل البعض عما ستفعله الكويت تجاه التحركات الإيرانية، وتحدثوا عن أن طهران تظهر مجددًا وجهها الحقيقي في علاقتها مع جيرانها في الضفة الغربية من الخليج، وطالب النائب السابق محمد الدلال مجلس الأمة باستدعاء الحكومة ومناقشة الموقف الكويتي تجاه التحركات الإيرانية.
يبدو هذا التصعيد – وإن كان مجرد تصريحات حتى الآن – علامة على التوتر بين إيران ودولتي الخليج، خاصة بعد أن تحسنت علاقات إيران مع السعودية بشكل كبير منذ أن اتفق الجانبان رسميًا على استئناف العلاقات بوساطة صينية، وفي الشهر الماضي، أعادت إيران فتح سفارتها في السعودية لأول مرة منذ قطع العلاقات عام 2016، ما عزز الآمال في تقليل التوترات بين الدول الكبرى في الشرق الأوسط.
كما قطعت الكويت العلاقات مع إيران في ذلك الوقت، لكنها استأنفت علاقاتها مع إيران عام 2022، وتتحسن العلاقات الآن، فقد زار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الكويت في يونيو/حزيران في إطار جولة دبلوماسية خليجية.
وعلى عكس السعودية، ظلت الكويت تاريخيًا محايدة في النزاعات الخليجية، لكن صفقة الكويت والسعودية لتطوير حقل غاز الدرة من جانب واحد قد تؤدي إلى مواجهة بين إيران والكويت، إحدى دول مجلس التعاون الخليجي التي تربطها بطهران أكثر العلاقات ودية.
لكن إيران لا تبدو العائق الوحيد، فرغم إعلان السعودية والكويت علنًا رغبتهما في المشاركة في تطوير الحقل، فإنهما لا تزالان بحاجة إلى التفاوض بشأن العديد من الاتفاقيات قبل صياغة خطة تطوير الحقل بشكل مشترك، وهي المرحلة الأولى في الاستغلال الميداني.
ووفق محللي الطاقة، يبدو هذا الحقل معقدًا، وسيصل إجمالي الاستثمار الرأسمالي فيه إلى مليارات الدولارات، ومع وجود مشاكل في سلسلة التوريد الحاليّة، وتدخل إيران في أي وقت، قد يؤجل الجدول الزمني – غير المحدد حتى الآن – للتطوير وأي إنتاج أولي حتى نهاية العقد، وفي حال اعتمدت الكويت والسعودية على الشركات المحلية لتطوير وإنتاج الحقل، فإن تاريخ الإنتاج الأول سيكون أبعد من ذلك.
يبقى أن نرى ما إذا كان بإمكان الكويت والسعودية تطوير – والحفاظ على – ثقة متبادلة للتعاون الفني وتطوير حقل الدرة تجاريًا، فالحوادث التاريخية التي شهدتها العقود الماضية تشير إلى وجود احتمال حقيقي لظهور مأزق آخر، وقد لا يكتمل تطوير الحقل، وفي كل الحالات، سيكون تأثير الحقل على سوق الغاز الطبيعي العالمي محدودًا، نظرًا لأنه سيتم استخدام أي إنتاج في قطاع الطاقة المحلي في أي من البلدان الثلاث، ونتيجة لذلك، فإن تطوير حقل الدرة يعد بمثابة ريادة العلاقات الإقليمية أكثر من كونه يتعلق بسوق الغاز الطبيعي العالمي.