ترجمة وتحرير: نون بوست
اعترف المغرب بـ “إسرائيل” كجزء من اتفاقيات إبراهيم، والآن يستفيد من ذلك، ضد جبهة البوليساريو.
عندما شاهد عبد الله أَمْحَمَّد طائرتين مسيرتين لأول مرة، اعتقد أن ذلك طبيعي. كان مقاتلاً في جبهة البوليساريو يبلغ من العمر 24 عامًا، وقد اعتاد على طائرات الاستطلاع المغربية المسيرة وتعلم أن يتجاهل تلك المشاهدة العرضية بطبيعة الحال.
كان عبد الله شابًّا بابتسامة متعبة، انضم إلى الجيش في 2020 عندما انتهى وقف إطلاق النار لمدة 29 سنة بين جبهة البوليساريو والمغرب بشكل مفاجئ؛ حيث ناضلت الجبهة من أجل إقامة دولة للسكان الصحراويين الأصليين في الصحراء الغربية لمدة 50 سنة. واحتل المغرب الصحراء الغربية سنة 1975، وترعرع أمحمد على قصص عن أرض مفقودة أثناء إقامته في مخيمات اللاجئين بالقرب من تندوف، وهي بلدة تقع في منطقة صحراوية نائية جنوب-غربي الجزائر. وعندما انتهى وقف إطلاق النار؛ استغل أمحمد الفرصة للانضمام إلى القوات المسلحة.
وأصبح جزءًا من وحدة صغيرة من المقاتلين المتنقلين الذين ينامون في العراء بين القليل من أشجار السنط الشائكة وسط السهول المسطحة ذات اللون البني والأسود المرصوفة بالحصى. وفي صباح أحد أيام تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 2022، رأى طائرات مسيرة بعيدة في السماء. كان وقتًا جميلًا وهادئًا من اليوم، وجلس فريقه لإعداد الشاي أثناء انتظار الطلبات، ويقوم الصحراويون بإعداد الشاي عن طريق سكبه ساخنًا ثم تفريغه بالتناوب في أكواب حتى يتم ملء كل كوب صغير بطبقة سميكة من الرغوة. وبحلول الوقت الذي اقترب فيه طنين الطائرة العائدة، كان قد فات الأوان. بدأ أمحمد في الركض عندما وصل الصاروخ إلى مستويات خارقة للأذن، وكان على بعد أقدام فقط عندما ألقاه الانفجار. وعندما نهض؛ اختفت غلاية الشاي المعدنية الصغيرة والكؤوس؛ وتناثرت الجثث حوله، حيث قتل 4 رجال من وحدته المكونة من 10 أفراد.
في كانون الأول/ديسمبر 2020؛ بعد شهر من انتهاء وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو، وأعلن الرئيس دونالد ترامب آنذاك دعم الولايات المتحدة لسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهو اعتراف يتعارض مع موقف الأمم المتحدة، الذي يعتبر الصحراء الغربية “إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي”، وهو وصف لطيف لكلمة مستعمرة. ومقابل الدعم الأمريكي للصحراء الغربية، انضم المغرب إلى “اتفاقيات إبراهيم”، وهي سلسلة من الصفقات الدبلوماسية التي توسط فيها ترامب وصهره جاريد كوشنر، والتي نتج عنها تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والسودان والبحرين والمغرب، مع “إسرائيل”. ومنذ ذلك الحين؛ تحولت الرباط من علاقات سرية مع تل أبيب إلى حليف مفتوح لها، وباعت “إسرائيل” ما لا يقل عن 150 طائرة مسيرة للمغرب.
ويجعل انتشار الطائرات المسيرة في المغرب الحرب – المتفاوتة أصلًا – بين المغرب وجبهة البوليساريو غير متكافئة تمامًا. حيث يقاتل البوليساريو بقذائف الهاون، ويقودون سيارات تويوتا ذات اللون البني الرملي ولاند روفر القديمة، ويعتمدون على تكتيكات حرب العصابات التقليدية لمحاولة الحصول على استقلال الصحراء. وفي غضون ذلك؛ اشترى المغرب طائرات بدون طيار من “إسرائيل” والصين، مما مكنهم من تنفيذ هجمات في عمق الأراضي الصحراوية. ويبدو أن الطائرات المسيرة الصينية، تنفذ غالبية الضربات، لكن الضربات الإسرائيلية أكثر تعقيدًا عندما يتعلق الأمر بتكنولوجيا المراقبة.
وقال محمد سيداتي، وزير الشؤون الخارجية للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية – وهو الاسم الذي أطلقه الصحراويون على دولتهم-: “يشعر الصحراويون بأننا في كل يوم نتشابه في الوضع مع الفلسطينيين؛ حيث يسيطر المغرب على ما يقدر بنحو 80 بالمئة من الصحراء الغربية، بما في ذلك المناطق الغنية بالفوسفات والموارد القيمة الأخرى. وللسيطرة على تلك المنطقة؛ بنى المغرب جدارًا رمليًا بطول 2700 كيلومتر، يُعرف باسم الستار الترابي، يتسلل عبر الصحراء الغربية ويقسمها إلى قسمين. على الجانب الخاضع للسيطرة المغربية من الجدار الرملي، في ما يسميه الصحراويون “الأراضي المحتلة”، يعيش الصحراويون تحت المراقبة ويواجهون المضايقات والاعتقال والتعذيب إذا ضغطوا من أجل الاستقلال، وفقًا لمنظمات حقوق الإنسان. وعلى الجانب الذي تسيطر عليه البوليساريو، تم تجاهل الصحراويين إلى حد كبير من قبل المجتمع الدولي، في حين أن اتفاقيات إبراهيم مكنت المغرب من تصعيد هجماته بمساعدة أحدث تقنيات الطائرات بدون طيار من “إسرائيل”.
طائرات مسيرة من طراز “هيرون”
رغم أنه تم الإعلان عن شراء المغرب لطائرات مسيرة إسرائيلية منذ سنة 2014؛ إلا أن استخدامها في الصحراء الغربية لم يتم توثيقه بشكل جيد. نشر صحفي محلي صورًا على موقع “ذي إنترسبت” تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي وتظهر طائرة مسيرة إسرائيلية من طراز “هيرون” في مطار الداخلة، وهي مدينة تقع على الجانب الخاضع للسيطرة المغربية من الصحراء الغربية؛ وذيرجع تاريخ الصور إلى أواخر سنة 2020 وأوائل 2021. وتتطابق التفاصيل الموجودة في الصور مع صور مطار الداخلة. بالإضافة إلى ذلك تُظهر صور الأقمار الصناعية التجارية ما يشبه بقوة طائرة بدون طيار هيرون خارج الحظيرة في تشرين الأول/أكتوبر 2021.
وباعت “إسرائيل” لأول مرة 3 طائرات مسيرة من طراز هيرون إلى المغرب في صفقة توسطت فيها فرنسا لمرة واحدة قبل 6 سنوات من التقارب الرسمي بين الدولتين. لكن بعد اتفاقيات إبراهيم، تم تكثيف الصفقات العسكرية، ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2021، زار وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، بيني غانتس، الرباط لتوقيع أول مذكرة تفاهم دفاعية بين البلدين. وبعد أيام، أفادت صحيفة “هآرتس” عن بيع طائرات هاروب المسيرة والمفجرة إلى المغرب بقيمة 22 مليون دولار. وفي أيلول/سبتمبر 2022، اشترى المغرب أيضًا 150 طائرة بدون طيار إسرائيلية.
وقال فيديريكو بورساري، الباحث المتخصص في التقنيات غير المألوفة في مركز تحليل السياسة الأوروبية، إن المغرب يمتلك أو اشترى 150 طائرة بدون طيار من طراز “واندر بي” و”ثاندر بي” للإقلاع والهبوط العمودي من إنتاج “بلوبيرد أيرو سيستمز”، و3 من طراز “هيرون تي بي” و”هاروب” و”ذخائر الاستطلاع”، التي تنتجها “إسرائيل إيروسبيس”، (هذه الصناعات خرجت من الخدمة من طرف فرنسا وتم نقلها إلى المغرب)، و4 طائرات من طراز “هرمس 900” من إنتاج شركة “إلبيت سيستمز”. واستخدم بورساري المعلومات المتاحة للجمهور لإجراء هذا التقييم، كما يمتلك المغرب طائرات بدون طيار صينية من طراز “وينغ لوونغ”، تستخدم في القتال.
ومن غير الواضح ما إذا كانت الطائرات الإسرائيلية بدون طيار التي يتم استخدامها على ما يبدو في الصحراء الغربية توفر فقط المراقبة والتعرف على الأهداف، أو ما إذا كانت تهاجم الأهداف بشكل مباشر. وقال سيدي أوغال، المسؤول العسكري الكبير في البوليساريو والذي يشغل حاليًا منصب رئيس الأمن الرئاسي، لموقع “ذي إنترسبت” إن الطائرات الإسرائيلية بدون طيار تقوم بالأمرين معًا. وقال أبو علي، القائد داخل البوليساريو الذي يقود بانتظام هجمات ضد القواعد المغربية على طول الجدار الرملي، إنه رأى بنفسه شظايا صواريخ مكتوب عليها حروف عبرية. ويمكن بالفعل استخدام بعض ترسانة الطائرات بدون طيار المغربية كطائرات مسيرة هجومية: فيمكن استخدام “هيرون تي بي” و”هرمس 900″ ولكل من المراقبة والهجمات، في حين أن “هاروب” مخصصة للضربات فقط، فهي ما يعرف بـ”ذخائر الاستطلاع”؛ قال بورساري: “إنها باهظة الثمن ويمكن أن تضرب مرة واحدة فقط لأنها تدمر عند الاصطدام. من المرجح أن يتم استخدامها ضد أهداف عالية القيمة”.
وفي حين أنه من غير الواضح ما إذا كانت الطائرات الإسرائيلية بدون طيار تُستخدم لإطلاق الصواريخ، فقد حصل المغرب على طائرات بدون طيار من دول أخرى يبدو أنها تستخدم لهذا الغرض. وعلى سبيل المثال، باعت تركيا 13 طائرة مسيرة هجومية من طراز “بيرقدار تي بي 2” إلى المغرب في سنة 2021. في مخيمات اللاجئين الصحراويين في الجزائر، فحصت “ذي إنترسبت” بقايا الصواريخ التي تشير إلى أنها تُستخدم لمهاجمة أهداف في الصحراء الغربية. بعض الشظايا تحمل علامة “مام-إل”، بينما كُتبت كلمة “روكتسان” على قطعة واحدة. “مام-إل” هو اسم قنبلة موجهة بالليزر صنعها معمل وزارة الدفاع التركية روكتسان، ويتم إطلاق القنبلة عادةً من “بيرقدار”. وقال بورصاري: “أجهزة الاستشعار في الطائرات المسيرة الإسرائيلية متطورة للغاية. ومن الممكن أن يستخدم المغرب طائرات مسيرة إسرائيلية للتعرف على الأهداف، يتبعه هجوم بطائرات بدون طيار أخرى، مثل الطائرات التركية. وبشكل عام، أداء المستشعرات التركية والصينية غائب أو أقل من ذلك”.
وزعم أوغال، ووزير الشؤون الخارجية سيداتي، أن المستشارين الإسرائيليين موجودون على الأرض على الجانب المغربي من الستار الترابي لتقديم المشورة للقوات المسلحة الملكية المغربية بشأن استخدامهم لتكنولوجيا الطائرات بدون طيار. قال سيداتي: “إنهم هناك … ليسوا بعيدين عن الستار الترابي”، رغم أنه رفض مشاركة أي دليل، قائلًا إنها سرية. ويعتقد بورصاري أنه ليس من الممكن فحسب، بل من المحتمل جدًا أن ترسل “إسرائيل” مستشارين على الأرض في المغرب لتدريب القوات المسلحة الملكية على استخدام الطائرات المييرة. كما ذكرت وسائل إعلام مغربية أن الرباط تخطط لتصنيع طائرات بدون طيار من طراز “كاميكازي” بالشراكة مع تل أبيب، وأعلنت شركة “إلبيت سيستمز” الإسرائيلية مؤخرًا عن افتتاح مصنعين في المغرب لإنتاج أنظمة دفاعية.
ورفض مسؤولون من وزارة الدفاع الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي التعليق على أي من هذه المزاعم.
ويدّعي غايسي ناه، مدير عمليات تنسيق مكافحة الألغام الصحراوي المرتبط بالبوليساريو، أن ما بين 80 و100 مدني قتلوا وجرحوا منذ نهاية وقف إطلاق النار في سنة 2020، لكنه لم يذكر عدد كل منهم. ويدّعي ناه أيضًا أنه وثق أكثر من 60 غارة بطائرات بدون طيار باستخدام مزيج من إفادات الشهود والتقارير الإخبارية وبيانات الجيش البوليساريو. (لم يعلق أي مسؤول من البوليساريو على موقع “ذي انتسبت” على عدد القتلى العسكريين)، ولم يتم استهداف المواطنين الصحراويين فقط.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2021؛ وزعمت الجزائر أن المغرب استخدم أسلحة متطورة لضرب 3 سائقي شاحنات جزائريين أثناء مرورهم عبر الصحراء الغربية التي تسيطر عليها البوليساريو. وفي سنة 2022، ورد أن مواطنيْن موريتانييْن قُتلا في غارات بطائرات مسيرة مغربية، كما زعم سيداتي أن هناك العديد من الضحايا المدنيين، وقال إن المغاربة يستخدمون سياسة الأرض المحروقة.
وذكرت بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية “مينورسو” – وهي بعثة حفظ سلام تأسست في بداية وقف إطلاق النار لمراقبة النزاع وإجراء استفتاء على الاستقلال (لم يحدث أبدًا) – في أحدث تقرير لها، في تشرين الأول/أكتوبر 2022، أنهم لم يتمكنوا إلا من تأكيد وقوع إصابات بشكل مستقل في غارة واحدة بطائرة مسيرة ولاحظوا آثار رفات بشري في أربعة مواقع أخرى. كما وثقوا 18 غارة بطائرات مسيرة وأكدوا غارات جوية في 8 حالات، لكن مسؤولي الأمم المتحدة قالوا إن وصولهم إلى الأرض محدود. وقال يوسف جديان، رئيس مكتب الاتصال التابع لبعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية في تندوف: “بسبب العمليات العسكرية والقيود المفروضة على الجانب الشرقي من الجدار الرملي، فإن الدوريات لا تأخذ في الحسبان جميع الحوادث”.
وأثناء تغطيته لمخيمات اللاجئين الصحراويين في الجزائر؛ تحدث موقع “ذي إنترسبت” إلى شاهد على ضربة ضد المدنيين. فقد فر عبد الجليل، وهو مزارع ماعز وجمال، من منزله في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 حيث جعلت الحرب مع المغرب العيش في الصحراء الغربية التي تسيطر عليها البوليساريو خطيرة للغاية. وبالقرب من الحدود الموريتانية؛ رأى جاره صالح محمد لميس، 29 سنة، تاجر ماعز آخر كان قد فر أيضًا من بلدته مع احتدام الحرب؛ حيث كان لميس متقدمًا عليه بحوالي 6 كيلومترات، وكان يقود سيارة لاند روفر تحمل إمدادات المياه، وعندما اقتربوا من الحدود، حوالي الساعة 11 صباحًا، سُمع صوت انفجار. في البداية، لم يدرك أنها كانت ضربة بطائرة مسيرة، لكن في المساء، استعاد آخرون جثة لميس وأحضروها إلى عبد الجليل. كان وجه لميس مشوهًا لدرجة أنه يشبه اللحم المفروم، حيث احترق جسده بالكامل. وعندما حاول جليل تحريكه التصق جلده بيده. ومنذ تلك الضربة، يعيش عبد الجليل في خوف من سماع صوت طائرة مسيرة مرة أخرى. ويشعر بالقلق عندما يكون بالخارج في الخلاء، معتقدًا أنه يمكن أن يتعرض للضرب في أي وقت، وقال: “لا يمكنك الاختباء من السماء”.
وفي تعليق لبعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، نفى المغرب استهداف المدنيين في الصحراء الغربية، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنه لا ينبغي أن يعيش المدنيون هناك. وكتب المندوب الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة لدى بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية في تشرين الثاني/نوفمبر 2021: “لا يوجد سبب لتبرير وجود مدنيين أو مواطنين جزائريين أو من جنسيات أخرى في هذه المنطقة”. وهذا النوع من التصريحات نادر، والمغرب بشكل عام لا يعترف علنًا بالحرب. وخلال زيارة موقع “ذي إنترسبت” للمخيمات الصحراوية في نهاية أيار/مايو؛ انتشرت أنباء عن غارة جديدة بطائرة بدون طيار ضد جنود البوليساريو، وبحسب ما ورد مات 6 منهم.
وقال مسؤول في الأمم المتحدة لموقع “ذي إنترسبت”، طالبًا عدم استخدام اسمه بسبب حساسية القضية: “المغرب يقول إنه ليس لديه حرب. لكن لماذا لديهم طائرات بدون طيار تهاجم الجانب الآخر من الستار الترابي إذن؟ يقولون ليس لديهم حرب، فهل هذه هي الطريقة التي يتمتعون بها بالسلام؟”.
في ضيافة كامب ديفيد
ولطالما كانت الاتصالات بين المغرب و”إسرائيل” ودية للغاية مقارنة بالعلاقة بين “إسرائيل” والعالم العربي؛ حيث كانت الجاليات اليهودية تاريخيًّا حاضرة (ومقبولة جيدًا) في المدن المغربية. في كانون الأول/ديسمبر الماضي؛ كتب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ رسالة إلى ملك المغرب محمد السادس يشكره على المأوى الذي قدمته المملكة لليهود خلال الهولوكوست؛ إذ بعد الحرب العالمية الثانية، هاجر معظم اليهود المغاربة إلى “إسرائيل”، لكن الروابط بقيت قوية.
واستضاف المغرب بعض المحادثات السرية بين “إسرائيل” ومصر والتي أدت إلى اتفاقات كامب ديفيد في سنة 1978، وكان الملك الحسن الثاني داعمًا قويًا للانفراج بين تل أبيب والقاهرة. وأقامت “إسرائيل” والمغرب علاقات دبلوماسية منخفضة المستوى في سنة 1994 عندما افتتحت تل أبيب مكتب اتصال في الرباط. وتم إغلاق المكتب بعد الانتفاضة الثانية سنة 2000، لكن العلاقات غير الرسمية لم تتوقف. وفي سنة 2021، أعيد فتح مكتب التمثيل الإسرائيلي في الرباط.
وفتحت اتفاقيات إبراهيم الطريق أمام العلاقات الرسمية، ويبدو أن المغرب و”إسرائيل” كانا ينتظران فقط فرصة لبدء العمل معًا. فمنذ سنة 2020؛ نفّذ البلدان سلسلة طويلة من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية بخلاف بيع الطائرات المسيرة. وللمرة الأولى، شاركت القوات الإسرائيلية بوحدة النخبة “غولاني” في مناورة “أسد إفريقيا”، وهي مناورة عسكرية مشتركة في المغرب شملت 18 دولة، والتي اكتملت في 18 حزيران/يونيو. وزار رئيس جيش الدفاع الإسرائيلي آنذاك أفيف كوخافي المغرب ووقع العديد من الصفقات العسكرية، بما في ذلك عقدًا بقيمة 500 مليون دولار لتسليم نظام الدفاع الصاروخي “باراك إم إكس” إلى الرباط. في وقت مبكر من هذا العام؛ كشفت إحدى تسريبات البنتاغون على موقع ديسكورد أن النظام كان من المقرر أن يصل إلى المغرب في منتصف 2023. وبحسب ما ورد، فإن المغرب يخوض مفاوضات متقدمة لاستلام دبابات ميركافا الإسرائيلية. كما تتعاون الرباط وتل أبيب على مستوى استخباراتي، حيث تم الإبلاغ عن المغرب على نطاق واسع (واتهمته دول أخرى) باعتباره أحد أكثر المستخدمين حماسًا لبرمجيات التجسس “بيغاسوس” التي طورتها مجموعة “إن إس أو” الإسرائيلية.
في غضون ذلك؛ يزدهر التعاون الاقتصادي، فوفقًا لبيانات الأمم المتحدة التي حللها موقع “ذي انترسبت” في فترة ما قبل اتفاقيات إبراهيم 2019؛ بلغت التجارة بين “إسرائيل” والمغرب 70.7 مليون دولار. في سنة 2022 بلغ الرقم 178.7 مليون دولار، وأعلنت تل أبيب أنها تستهدف 500 مليون دولار. بين سنتي 2019 و2022؛ زادت الصادرات من “إسرائيل” إلى المغرب 10 أضعاف، من 3.8 ملايين دولار إلى 38.5 مليون دولار.
وتلعب الصحراء الغربية دورًا مهمًا في قصة الحب بين البلدين. في سنتي 2021 و2022؛ حصلت شركتان إسرائيليتان، هما “راسيو بتروليوم” و”نيوميد إنرجي”، من المغرب على حقوق البحث وربما استغلال كتلتين بحريتين منفصلتين في المحيط الأطلسي قبالة ساحل الصحراء الغربية. كما أعلنت الأخبار المحلية المغربية أن مجموعة “سيلينا” الإسرائيلية ستفتتح قريبا فندقًا في الداخلة. بالنسبة للمغرب؛ فإن الاستثمارات الأجنبية في ما يعتبره “إقليمه الجنوبي” تعني اعترافًا خارجيًا بمطالبه بالإقليم.
لا يبدو أن هجمات الطائرات المسيرة المغربية قد استنزفت أي طاقة في حرب البوليساريو الطويلة، وإذا كان هناك أي شيء فإنهم يضيفون الوقود إلى النار
لا تبدو الشركات الإسرائيلية، مثل الجهات الأجنبية الأخرى، مهتمة بالقانون الدولي عند الاستثمار في الصحراء الغربية. فقد اعتبر الرأي القانوني للأمم المتحدة لسنة 2002 أن استكشاف واستغلال الموارد المعدنية في “إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي” مثل الصحراء الغربية غير قانوني دون إذن من شعب تلك المنطقة. وفي 3 أحكام تالية؛ أدانت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، بأشكال مختلفة، التجارة في الصحراء الغربية دون موافقة الشعب الصحراوي. وفي نهاية 2022؛ سألت منظمة مراقبة موارد الصحراء الغربية، وهي مجموعة ضغط تراقب استغلال الموارد في الصحراء الغربية الخاضعة لسيطرة المغرب، “نيوميد إنرجي” عن شرعية الصفقة، فردت الشركة قائلة: “جميع أفعالنا في الماضي والحاضر تتم وفقًا للقانون الدولي والقانون الإسرائيلي والقوانين النافذة وتخضع لها”، وعندما سألت “مؤسسة مراقبة موارد الصحراء الغربية” 3 مرات “أي قوانين الدولة” تنطبق على الصحراء الغربية، امتنعت شركة “نيوميد إنرجي” عن الرد.
وفي آذار/مارس من العام الماضي؛ أبلغت “مؤسسة مراقبة موارد الصحراء الغربية” عن أول شحنة من صخور الفوسفات من الصحراء الغربية إلى إسرائيل. وقال إريك هاغن، عضو مجلس إدارة “مؤسسة مراقبة موارد الصحراء الغربية” ، لموقع “ذي إنترسبت” إن الشحنة كانت صغيرة جدًا، وهي الوحيدة التي لاحظوها تجاه إسرائيل.
ولم ترد الشركة المغربية لاستخراج وتصدير صخور الفوسفات في المغرب والصحراء الغربية، على طلب للتعليق على هذا الأمر.
لا يبدو أن هجمات الطائرات المسيرة المغربية قد استنزفت أي طاقة في حرب البوليساريو الطويلة، وإذا كان هناك أي شيء فإنهم يضيفون الوقود إلى النار. كان على أمحمد، الناجي من ضربة الطائرة المسيرة، أن يتلقى العلاج من إصابته بشظية، لكنه عاد بالفعل إلى المعسكرات للمشاركة في عرض عسكري في الذكرى الخمسين لجبهة البوليساريو، ولا يزال يطارده شبح الأشخاص الذين فقدهم في الهجوم الصاروخي. محمد، الرجل الهادئ الذي يرتدي زيه العسكري حتى عندما يكون في المنزل، يبدو منهكًا دائمًا. فهو يبقى مستيقظًا في وقت متأخر من الليل ويدخن سيجارته، وبعد ساعات قليلة من رسم خطوط على الرمال خارج منزله ليظهر لموقع “ذي إنترسبت” المكان حيث تناثرت جثث وحدته أثناء الضربة، قال: “لا أحد يستطيع فهم الجبهة إلا إذا رآها بعينيه”. وعلى الرغم من خطر الطائرات المسيرة، فإنه يخطط للعودة إلى خط المواجهة، ويهاجم المغاربة على الجانب الآخر من الستار الترابي.
المصدر: ذي انترسبت