يتواصل القتال العنيف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في أنحاء متفرقة من البلاد، خاصة العاصمة الخرطوم، بعد فشل وقف إطلاق نار آخر، وتعليق مفاوضات جدّة، فضلًا عن فشل المبادرات الأفريقية في تقريب وجهات نظر طرفَي الصراع.
فشل المبادرات الأفريقية جاء نتيجة حتمية لرفض الجيش الانخراط فيها، لأسباب سنتحدث عنها لاحقًا، ما يؤكد عزم قيادة الجيش على حسم معركة السيطرة على الحكم عسكريًّا، لكن السؤال المطروح حاليًّا هو هل يمتلك الجيش القوة للحسم العسكري للصراع؟
رفض الجيش للمبادرات
أرجأت الولايات المتحدة الأمريكية محادثات السودان لأنها لا تحقق النجاح المنشود بشكلها الحالي، وفق مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية مولي فيي، وأبلغت المسؤولة الأمريكية لجنة فرعية للشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، بأن اتفاقات وقف إطلاق النار لم تكن فعّالة بشكل كامل، لكنها سمحت بنقل المساعدات الإنسانية العاجلة.
يذكر أن الولايات المتحدة والسعودية توسّطتا في اتفاقات لوقف إطلاق النار بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع خلال محادثات بمدينة جدة السعودية، لكن طرفَي الصراع لم يلتزما بهذه الاتفاقات وواصلا الحرب والاشتباكات، رغم الدمار الكبير الحاصل في البلاد.
في الأثناء، أكدت قيادة الجيش السوداني رفضها المبادرات الأفريقية، فبالنسبة إلى مبادرة الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” (IGAD)، ترفض الخرطوم رئاسة كينيا للآلية الرباعية للهيئة المعنية بملف السودان، ويقول الجيش إن استضافة كينيا العملية السياسية تعني سيطرة مجموعات من خارج أفريقيا على جهود تسوية الأزمة السودانية.
تصرّ قيادة الجيش السوداني على وصف ما يحصل في البلاد منذ أبريل/ نيسان، بتمرد لمجموعة خارجة عن القانون تريد السيطرة على الدولة.
يرى الجيش في هذا الأمر تحديًّا واضحًا للسودان وانتهاكًا لسيادته، وسبق أن اتهم قائد الجيش عبد الفتاح البرهان كينيا بعدم الحياد، وطالب برئاسة جنوب السودان للآلية، وكان ذلك في اتصال هاتفي جمعه مع رئيس جيبوتي إسماعيل عمر غيلي.
وتقول بعض التقارير الإعلامية إن رئيس قوات الدعم السريع، حميدتي، كان أبرز المموِّلين لحملة رئيس كينيا الحالي وليام روتو، وتشير تقارير أخرى إلى أن كينيا تستضيف عددًا من قوات الدعم السريع، ما تعتبره الخرطوم انحيازًا لحميدتي.
بدوره، وصف مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة بالسودان، في تصريحات صحفية، مبادرة “إيغاد” بمبادرة احتلال، وقال إنها تسعى لإدخال قوات دولية إلى السودان وجعل منطقة الخرطوم منزوعة السلاح.
وسبق أن قدمت “إيغاد” مبادرة لحل الأزمة السودانية تضمّنت 3 نقاط، أولها إجراء لقاء في ظرف أسبوعَين بين البرهان وحميدتي، والشروع في إدارة حوار وطني بين قوى مدنية سودانية لبحث الأزمة في ظرف 3 أسابيع، فضلًا عن بحث فتح ممرات إنسانية مع طرفَي النزاع في غضون أسبوعَين لتسهيل إيصال المساعدات.
#متداول | خروج المواطنون في جمعة الغضب تنديدا بجرائم المتمردين#طيبة #السودان pic.twitter.com/1lU1hUlJkZ
— قناة طيبة الفضائية (@TaybaSD) June 23, 2023
أما بالنسبة إلى المبادرة الأفريقية، فقد رفضها الجيش بسبب تعليق عضوية السودان منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2012، وتقول قيادات في الجيش إن الاتحاد الأفريقي لم يتشاور معها بخصوص المبادرة التي طرحها، وسمح أيضًا بمشاركة شخصيات غير معنية بالصراع في المشاورات.
وفي وقت سابق، طرح الاتحاد الأفريقي خريطة طريق لحل النزاع في السودان تشمل 6 بنود، وتنسيق جميع الجهود الإقليمية والدولية لحل الأزمة السودانية، وتضمّنت المبادرة تشكيل حكومة مدنية ديمقراطية في البلاد، والاعتراف بالدور المحوري الذي تلعبه الدول المجاورة المتأثرة بالنزاع، واستكمال العملية السياسية الانتقالية الشاملة بمشاركة جميع الأطراف السودانية.
إصرار على الحسم العسكري
يظهر من خلال هذا الرفض إصرار الجيش على حسم المعركة عسكريًّا، وفي هذا الشأن قال مالك عقار، في تصريحات صحفية بالقاهرة، إن الشعب السوداني يلتفّ حول الجيش وقيادته، مشددًا على أن الشعب يرفض أي تسوية مع الدعم السريع، ويرى في الجيش الملاذ الآمن.
وأكّد نائب رئيس مجلس السيادة بالسودان أن الجيش لا تنقصه الإمدادات العسكرية للقتال، ووصف الوضع العسكري بالمطمئن من ناحية العدد والعتاد، وطالب عقار بأن يترك للجيش مسألة حسم ما وصفه بـ”التمرد” بالطريقة التكتيكية والاستراتيجية التي تراها الدولة.
يمكن للجيش حسم المعركة عسكريًّا، لكن عليه أولًا تغيير التكتيك.
تصرّ قيادة الجيش السوداني على وصف ما يحصل في البلاد منذ أبريل/ نيسان الماضي، بتمرد لمجموعة خارجة عن القانون تريد السيطرة على الدولة، بالاستعانة بقوى أجنبية لها مصالح في انتشار الفوضى والعنف في البلاد، فيما تقول قوات الدعم السريع إنها تعمل على إعادة الديمقراطية للبلاد.
نتيجة ذلك، ترفض القوات العسكرية كل مبادرات التسوية مع قوات الدعم السريع، ذلك أنها ترى ضرورة القضاء على “التمرد” لإحلال السلام في البلاد، وأي اتفاق يتم التوصل إليه الآن ما هو إلا تأجيل لمهمة القضاء على الخطر الذي يهدد الدولة.
وتتهم قيادة الجيش قوات الدعم السريع بجلب مقاتلين أجانب إلى البلاد، لمعاضدتها في “تمردها” ضد الدولة السودانية، الأمر الذي ساهم في مزيد تعكير الوضع وتنامي الانتهاكات ضد المدنيين والمنشآت العامة والخاصة في البلاد.
قدرة الجيش على حسم المعركة؟
يحتل الجيش السوداني المرتبة رقم 75 بين أقوى جيوش العالم، إذ يبلغ عدد قواته نحو 205 آلاف جندي بحسب موقع “غلوبال فاير”، تنقسم إلى 100 ألف قوات عاملة و50 ألفًا قوات احتياطية و55 ألفًا قوات شبه عسكرية.
ويمتلك الجيش السوداني 191 طائرة حربية منها 45 مقاتلة، كما يمتلك 170 دبابة، إضافة إلى 6 آلاف و967 مركبة عسكرية، فضلًا عن مدافع وراجمات صواريخ و18 وحدة بحرية، بينما تقدَّر ميزانيته بنحو 287 مليون دولار.
في مقابل ذلك، لا يتجاوز عدد أفراد قوات الدعم السريع 100 ألف فرد، ولها قواعد منتشرة في معظم أرجاء البلاد، ويتركز وجودها في العاصمة الخرطوم وعدد من المدن الأخرى، كما تنتشر على الحدود مع دول الجوار الأفريقي، لكن عتادها ضعيف مقارنة بالجيش.
مقارنة بسيطة تؤكد أن الكفة تميل إلى صالح الجيش، لكنه لم يستطع حسم المعركة بعد رغم مرور أكثر من شهرين على بدء الصراع، ما يؤكد وجود خلل في المسألة، وإما لكانت الحرب قد حُسمت في أيام قليلة باستسلام قادة الدعم السريع.
توالي اسقاط طائرات مسيرة تتبع للمليشيا المتمردة في أنحاء متفرقة من العاصمة.
الدرونز صينية الصنع مصممة بالأصل لأغراض زراعية وتم تعديلها في دولة عربية لتحمل قذائف الهاون 120ملم.#السودان pic.twitter.com/ydRu1tueot— Sudan News (@Sudan_tweet) June 23, 2023
هناك نقطة مهمة يتوجب الحديث عنها، وهي تركيز قوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش على المناطق السكانية والأحياء الضيقة والمؤسسات العمومية كالمشافي والمدارس، وذلك كونها متمرّسة في هذا النوع من القتال، وسبق أن جربت ذلك في دارفور.
أيضًا يعلم قادة الدعم السريع أن الحرب في الأحياء من شأنها أن تعيق حركة الجيش الذي لا يريد سقوط ضحايا مدنيين في هذه الحرب، وهذه نقطة استغلها الدعم السريع لصالحه، ما يفسّر تواصل الحرب إلى الآن، دون أن ننسى أن عتاد الجيش أصبح قديمًا ولا يفي بالحاجة في ظل العقوبات المفروضة على البلاد.
يمكن للجيش حسم المعركة عسكريًّا، لكن عليه أولًا تغيير التكتيك، وإعادة صياغة خططه العسكرية، فتواصُل هذه الحرب لفترة أكثر سيؤثر سلبًا على البلاد التي تعاني مشاكل وأزمات مسّت أغلب القطاعات.