في 2 يوليو/تموز 2013 أصدرت محكمة النقض المصرية قرارًا مفاجئًا ببطلان تعيين المستشار طلعت إبراهيم عبد الله الذي عينه الرئيس المعزول محمد مرسي نائبًا عامًا، وعودة سلفه المستشار عبد المجيد محمود المحسوب على نظام مبارك إلى المنصب، وذلك من خلال حكم نهائي غير قابل للطعن.
وفي الرابع من الشهر ذاته أدى المستشار عدلي منصور اليمين أمام المحكمة الدستورية كرئيس لها، حيث تم تعيينه بعد يوم واحد فقط من بيان عزل الرئيس محمد مرسي الذي ألقاه وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي، وبعدها بدقائق معدودة أدى يمينًا آخر كرئيس للجمهورية بصفته رئيسًا للمحكمة الدستورية.
منصور بهذا القرار جمع بين يديه السلطات الرئيسية الثلاثة في الدولة المصرية: السلطة القضائية بصفته رئيس للمحكمة الدستورية، والسلطة التنفيذية بصفته الرئيس المؤقت للجمهورية، كذلك السلطة التشريعية بعد حل مجلس الشورى، وهو أمر لم تشهده مصر منذ نشأتها.
الـ48 ساعة تلك التي سبقت ورافقت ولحقت قرار عزل أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر في 3 يوليو/تموز 2013، شهدت حزمة من القرارات والإجراءات السريعة التي عكست بشكل كبير بداية مرحلة جديدة من إعادة هيكلة السلطة القضائية في مصر، وإرهاصات زلزال مدو في جدار القضاء المصري تكشفت ملامحه تباعًا.
وبعد مرور عشر سنوات على هذا التحول المفاجئ، تعرضت فيه السلطة القضائية للكثير من منحنيات الصعود والهبوط، بات التساؤل الأكثر حرجًا اليوم: إلى أي حال وصلت تلك السلطة التي كانت بالأمس القريب الجدار العصي على أي اختراق؟ وماذا عن شعارات الاستقلال والسيادة التي رفعها القضاة في أثناء حكم مبارك ومرسي؟
حبس وعزل وفضائح.. تنقية الجداول
كان إظهار العين الحمراء المهمة الأولى للسيسي عقب توليه السلطة، فبدأت مرحلة التطهير وتنقية جداول القضاة من أولئك المعارضين للانقلاب الذين لم يصطفوا إلى جوار دولة الثالث من يوليو/تموز 2013، البداية كانت بإحالة أكثر من 60 قاضيًا كانوا قد وقعوا على بيان تأييد شرعية مرسي إلى مجلس التأديب والصلاحية.
وبرر المستشار محمد شيرين فهمي، الذي تولى التحقيقات مع هؤلاء القضاة، قرار الإحالة بأنهم خرجوا عن دورهم الوظيفي الذي يمنعهم من ممارسة السياسة، علمًا بأن عشرات القضاة وعلى رأسهم رئيس نادي القضاة أحمد الزند، كانوا قد دشنوا تحالفًا لإسقاط مرسي وتشويه صورته، بل طالب الزند نفسه بتدخل الولايات المتحدة للإطاحة بالرئيس المنتخب بزعم التغول على صلاحيات القضاة.
وفي غضون شهور معدودة كان السيسي قد تخلص من فريق المعارضين له في المنظومة القضائية، وعلى رأسهم المتحدث باسم حركة قضاة من أجل مصر المستشار وليد شرابي، وزميله عماد أبو هاشم، ومعهما المستشار زكريا عبد العزيز الذي أحيل لمجلس تأديب بتهمة المشاركة في اقتحام مقر مباحث أمن الدولة وهو الذي استعان به المجلس الأعلى للقوات المسلحة لمنع المتظاهرين من اجتياح مقر جهاز مباحث أمن الدولة إبان الثورة، كذلك المستشار محمد ناجي دربالة، الذي كان دوره ملحوظًا في لجنة وضع الدستور عام 2012، ومعروف عنه جهوده الملموسة من أجل الحفاظ على استقلال القضاء داخل الدستور.
كما حكم على نائب رئيس محكمة النقض الأسبق، المستشار محمود الخضيري، صاحب الـ79 عامًا، بست سنوات حبس، بزعم مشاركته في خطف وتعذيب أحد المواطنين بميدان التحرير إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011، بجانب تهمة أخرى عرفت إعلاميًا بـ”إهانة القضاء” التي تعود وقائعها لعامي 2012 و2013.
وفي 4 ديسمبر/كانون الأول 2018، ألقت قوات الأمن القبض على وزير العدل في حكومة مرسي، المستشار أحمد سليمان، فيما أصدرت نيابة أمن الدولة العليا في الـ17 من الشهر ذاته قرارًا بحبسه على خلفية اتهامه بقيادة جماعة أُسّست على خلاف القانون والتخابر مع جهات أجنبية.
وفي سياق إستراتيجية التطهير ذاتها، ألقت قوات الأمن القبض على الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، في فبراير/شباط 2018، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات من محكمة عسكرية، على خلفية تصريحاته بشأن امتلاك رئيس أركان القوات المسلحة السابق، الفريق سامي عنان، مستندات وصفها بـ”بئر الأسرار”.
كما استعانت السلطات الحاكمة في دولة الثالث من يوليو/تموز بإستراتيجية “الترهيب بالفضائح” كأحد الأسلحة المستخدمة لإجبار القضاة على الصمت والرضوخ للقرارات والإجراءات المتخذة، حتى لو لم تكن على هواهم، وذلك عبر استخدام ورقة الفساد التي طالت بعض القضاة وأعضاء النيابة، ومن أبرز تلك الوقائع ما حدث مع مدير مشتريات مجلس الدولة جمال اللبان، في يناير/كانون الثاني 2016، حين ضبطت هيئة الرقابة الإدارية التي يعد نجل السيسي (مصطفى) أبرز أعضائها، مبالغ مالية بحوزة اللبان (24 مليون جنيه مصري و4 ملايين دولار ومليوني يورو).
وهزت تلك الواقعة جنبات السلك القضائي بأكمله، حيث أعطت الضوء الأخضر للرقابة الإدارية للإيقاع بالمتورطين في قضايا الفساد، وكان من نتائجها انتحار – وفق السردية الرسمية – الأمين العام لمجلس الدولة المستشار وائل شلبي، داخل محبسه، وذلك بعد يوم واحد فقط من ضبطه في يناير/كانون الثاني 2017، بسبب تورطه في قضايا فساد، الأمر الذي أدخل الرعب في نفوس الكثير من أبناء المنظومة القضائية وأثار بداخلهم مخاوف مواجهة نفس المصير.
وأد حلم الاستقلال
رغم سياسة الترهيب المستخدمة، فإن النظام الحاكم في مصر كان يتخوف من شطحات بعض القضاة، لا سيما المغردين خارج السرب، وهو ما كان يتطلب مزيدًا من الهيمنة والتحكم في نوافذ الدخول والخروج لتلك الساحة العريضة التي ينطوي تحتها الكثير من أبناء التيارات السياسية المختلفة منذ عهد مبارك.
غير أن المزيد من الهيمنة سوف يخدش كبرياء الاستقلال الذي طالما تشدقت به المنظومة القضائية، ودافعت لأجله سنوات طويلة قبل الثورة، بل إن محاولات التغول الطفيفة على الاستقلال القضائي كانت أحد الأسباب التي قادت إلى ثورة يناير وإثارة احتقان الشارع المدني ضد مبارك.
وهنا وجد السيسي نفسه في معركة – مجهولة النتيجة – أمام القضاة، فهو لا يريد أن يترك بابًا قد يعرقل مسيرته ويقيد أهدافه وطموحاته السياسية، لكن بصرف النظر عن مغبات تلك المواجهة، اختار أن يضرب بكل قوة على هذا الوتر الحساس لدى السلك القضائي، ليجرده من ردائه الأقوى الذي احتمى به عقود وعقود.
ومع بدايات 2017 كانت مرحلة جس النبض، حيث ألمح السيسي إلى إجراء بعض التعديلات في قانون تعيين رؤساء الهيئات القضائية (مجلس الدولة ومحكمة النقض والمحكمة الدستورية) هذا القانون الذي كاد أن يضع المغردين خارج سرب النظام على رأس تلك الهيئات: المستشار يحيى دكروري، صاحب حكم بطلان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير كرئيس لمجلس الدولة، والمستشار أنس عمارة عضو تيار الاستقلال على رأس المرشحين لرئاسة محكمة النقض، والمستشار محمد خيري طه لقيادة المحكمة الدستورية العليا، وجميعهم أصحاب ميول ليبرالية ويسارية وناصرية لا تتوافق شكلًا ومضمونًا مع السياسة العسكرية التي يريدها الجنرال الجديد.
ولم يستغرق الأمر أكثر من شهر حتى أصدر السيسي قرارًا بتلك التعديلات التي تمنحه صلاحيات تعيين رؤساء الهيئات القضائية الرئيسية، ورغم تحفظ القضاة واعتراضهم على هذا القانون، فإن المناوشات لم تستغرق كثيرًا، ليرفع القضاة الراية البيضاء مبكرًا أمام السيسي بعد سنوات من الصمود في وجه نظام مبارك.
القرار لم يستغرق طويلًا داخل جنبات البرلمان الذي صوت لتلك التعديلات بعدما سيطر الموالون للنظام على جنباته، ورغم التمرير التشريعي للقانون، ما زال يحتوي على بعض الثغرات التي ربما تجهضه مستقبلًا، وهنا كان لا بد من ترسيخه بشكل نهائي عبر تعديلات دستورية عاجلة، تمت في أبريل/نيسان 2019، ليفرض الرئيس السيسي كامل قبضته على منظومة القضاء المصري.
وما إن أحكم الرئيس هيمنته على رؤوس السلطة القضائية، حتى عزز من تلك الهيمنة عبر السيطرة على القاعدة القضائية الواسعة، ليُمنح صلاحيات تعيين رؤساء النيابات ومعاوني النيابة ووكلائها، بجانب القضاة في مختلف المحاكم والهيئات القضائية، ليصبح السلك القضائي برمته بين يديه، يشكل هيكله بالشكل والطريقة والأدوات التي يريدها.
هز عرش استقلال القضاء لم يتوقف عند حاجز الهيكلة الإدارية والتعيينات فحسب، بل تجاوز ذلك إلى استقلالية موازنات تلك الهيئات القضائية الكبرى، حيث لم تعد شأنًا داخليًا لكل هيئة على حدة، بل أدخلت وزارة العدل كأحد المراقبين لتلك الموازنات بما يضعها تحت ميكروسكوب المحاسبة والتدقيق من الحكومة، وهي المسألة التي كانت خطًا أحمر بالنسبة للقضاة عبر سنوات طويلة.
ومما زاد من دونية الوضع بالنسبة لمسألة استقلال القضاء، سحب بعض صلاحياته ومنحها للقضاء العسكري، حيث أصدر السيسي قانونًا في 2014 أحال بموجبه عددًا من الجرائم الخاصة بالاعتداء على المرافق العامة للنظر فيها أمام القضاء العسكري التابع لوزارة الدفاع، وذلك بدلًا من عرضها على القضاء المدني الطبيعي بحسب الدستور، ومع الوقت تطور هذا الأمر وبدأ القضاء العسكري يسحب البساط أكثر وأكثر من تحت أقدام القضاء المدني.
عسكرة ممنهجة
كان قانون 2014 نقطة التحول الأبرز في مسيرة القضاء المصري، حيث منح القضاء العسكري كامل الصلاحيات في التغول على القضاء المدني في معظم القضايا، وكان اغتيال النائب الأسبق هشام بركات في 2015 أول اختبار عملي لهذا القانون، حيث إحالة العشرات من المدنيين إلى القضاء العسكري بأثر رجعي.
أعقب ذلك سلسلة مطولة من القوانين والتشريعات التي عسكرت المظلة القضائية في مجملها، وقلصت من صلاحيات القضاء المدني لصالح العسكري، على رأسها قانون الإرهاب رقم 10 لسنة 2014 الذي دخل حيز التنفيذ في 2015 وطبق بأثر رجعي على الكثير من المعارضين.
هذا بخلاف حزمة من القوانين الأخرى التي كرست عسكرة القضاء وتوسيع دائرة نفوذه لتشمل مختلف القضايا والمسائل المدنية مثل قانون النقابات المهنية وقانون الأحزاب وقانون الجمعيات التعاونية وقانون الجمعيات الأهلية وقانون مباشرة الحقوق السياسية، التي أفرغت الدولة المصرية من مضمونها المدني بشكل شبه كامل.
وفي ظل تلك المظلة التشريعية باتت القوات المسلحة وأفرعها المختلفة شريكًا أساسيًا في حماية المنشآت الحكومية والمرافق العامة، فيما مُنح ضباط الجيش الضبطية القضائية وبات لهم الحق في توقيف أي شخص ومساءلته دون إذن من النيابة العامة كما هو متعارف عليه دستوريًا.
وفي ظل الرغبة في إسراع المحاكمات والقفز على مراحل التقاضي المتعددة، بات القضاء العسكري القبلة الأكثر حضورًا والأسرع إنجازًا، حيث يُحول إليه الغالبية العظمى من المعتقلين في قضايا الرأي والسياسة، لتأتي الأحكام سريعة وعاجلة وغير مستوفاة لمعايير النزاهة وفق تقارير المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية، كل هذا في غيبة شبه تامة للقضاء المدني الذي وقف متفرجًا على صلاحياته المسلوبة منه واحدة تلو الأخرى.
أداة انتقام وتصفية حسابات
بعد الانتهاء من وضع البنية التشريعية والقانونية للسيطرة على القضاء، ودعم توجه عسكرته، بجانب ضمان ولاء القضاة، بات الطريق ممهدًا الآن لتحويل تلك السلطة إلى أداة في يد النظام لتحقيق أهدافه، والانتقال من كونها وسيلة للعدالة إلى سوط للانتقام السياسي من الخصوم المحتملين.
وعلى مدار السنوات الثمانية الأخيرة تحديدًا شهدت المنظومة القضائية بعض القفزات التي كشفت بشكل أو بآخر عن توجه جديد يُخرجها من وظيفتها الأساسية إلى أخرى يتم الإعداد لها بدقة وحرص شديدين، وعلى الفور بدأت مرحلة تشكيل دوائر الإرهاب من أجل الانتقام من المعارضين، البداية كانت في ديسمبر/كانون الأول 2013، حين قررت محكمة جنايات القاهرة تشكيل 7 دوائر متعلقة بالإرهاب (5 دوائر في القاهرة و2 في الجيزة)، كما أنشأت محكمة الاستئناف دوائر أخرى من محاكم الجنح في القاهرة والمحافظات.
وتعقد تلك الداوئر جلساتها في معهد أمناء الشرطة بطرة، وفي أكاديمية الشرطة بالتجمع الخامس، في القاهرة، كما يختار قضاتها بعناية فائقة، وتكون مهمتها النظر في القضايا السياسية الكبرى مثل “غرفة عمليات رابعة” و”أحداث كرداسة” و”اقتحام السجون” و”اغتيال النائب العام”، وتتميز أحكامها بالسرعة الفائقة والغلظة في القرارات، إذ أصدرت أحكامًا بالإعدام لم تشهدها مصر من قبل.
وتزامنًا مع إنشاء دوائر الإرهاب مُنح القضاء العسكري صلاحيات جديدة من بينها محاكمة المدنيين في قضايا الإرهاب وفق التعديلات التي أدخلتها الحكومة على قانون القضاء العسكري في أكتوبر/تشرين الأول 2014، وخلال الفترة من 2013 وحتى 2019 أصدرت القضاء العسكري أحكام إعدام بحق 89 شخصًا، فيما لم يقبل أي طعن من الطعون المقدمة بشأن تلك الأحكام المثيرة للجدل لتصبح نهائية، وهو الأمر الذي زاد من المخاوف والشكوك.
وساعد من تغول تلك المنصات القضائية – التي تعرضت لانتقادات لاذعة من المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية فضلًا عن شهود العيان من محاميي وأهالي المعتقلين بسبب افتقادها للنزاهة وتسييسها للأحكام بعيدًا عن إجراءات التقاضي القانونية -، إصدار حزمة من القوانين الفضفاضة التي شرعت أحكامها الجائرة وأعطتها بعدًا قانونيًا لا يمكن الافتئات عليه.
ففي 24 فبراير/شباط 2015 أصدر السيسي قانون “الكيانات الإرهابية” الذي حدد من خلاله تعريفات الكيانات الإرهابية والشخص الإرهابي، وهي التعريفات الواسعة التي زجت بالمئات تحت مقصلتها عبر الدوائر الخاصة والمحاكم الاستثنائية التي دشنها استجابة لهذا القانون.
ثم جاء قانون “مكافحة الإرهاب” الذي أصدره في 15 أغسطس/آب من نفس العام، بصفته مكملًا لقانون “الكيانات الإرهابية” وتضمن إنشاء محاكم متخصصة للنظر في القضايا السياسية ذات الطابع الأمني، وحوت بنوده على سلسلة من العقوبات التي لم تعرفها قوانين الإجراءات الجنائية والعقوبات في مصر قبل ذلك.
وقد مهدت تلك القوانين الأرضية التشريعية للقضاء للقيام بما هو مطلوب منه، وبما يخدم أهداف ومصلحة النظام، حيث الانتقام السريع من المعارضة خاصة الإسلاميين، ففي مارس/آذار 2014 أحالت محكمة جنايات المنيا أوراق 528 متهمًا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين للمفتي لاستطلاع رأيه في إعدامهم على خلفية اتهامهم في قضية “فض اعتصام رابعة” في أغسطس/آب 2013، كما أحيل في يوليو/تموز 2018 قرابة 70 من قيادات الجماعة للإعدام شنقًا في القضية ذاتها.
وخلال السنوات الماضية أصدرت المحاكم ودوائر مكافحة الإرهاب عشرات الأحكام المسيسة وفق شهادات محاميي المعتقلين وذويهم وتقارير المنظمات الحقوقية، حيث الافتقاد الكامل للنزاهة ومعايير العدالة والتقاضي، الأمر الذي أفقد منصات التقاضي قيمتها وقامتها وحولها إلى سوط بيد الجنرال الحاكم يجلد به معارضيه وخصومه بل والمتعاطفين معهم، وربما من التزموا الصمت دون تأييده ودعمه.
بطبيعة الحال فإن إجادة القضاة للمهام المطلوبة منهم لا بد أن يكون لها مقابل، وهو ما حرص النظام عليه، حيث منحهم صلاحيات واسعة ومكافآت كبيرة، من أبرزها حوافز الجهود غير العادية وحوافز الإنجاز ومِنح رمضان والعيدين، مع رفع الحد الأدنى للأجور عند بداية التعيين إلى 9 آلاف جنيه مصري، أي تقريبًا 400% من الحد الأدنى للأجور لموظفي الحكومة، فضلًا عن المنح الأخرى من أندية للترفيه واشتراكات مجانية في الفنادق والمتنزهات وتسهيلات كبيرة في الخدمات والمصالح.
وفي 25 يونيو/حزيران 2015 قرر مجلس القضاء الأعلى زيادة رواتب أعضاء النيابة والقضابة بنسبة 30%، كما أقر وزير المالية محمد معيط زيادة رواتب قضاة الاستئناف 5 ألاف جنيه في يوليو/تموز 2018 تطبق بأثر رجعي، هذا في الوقت الذي تواجه فيه الدولة أزمات اقتصادية طاحنة وتدني واضح في المستوى المعيشي ومطالب ليل نهار للشعب بالتقشف وربط الأحزمة.
ومن ثم تعد العشرية الأخيرة في مسيرة القضاء المصري هي الأسوأ على الإطلاق في تاريخه، إذ فقد خلالها الكثير من معايير السيادة والاستقلال، وتحول مع مرور الوقت من أداة عدالة فوق الجميع إلى سوط يتم توظيفه لخدمة أهداف سياسية مؤقتة، وهو ما أبعده كثيرًا عن ساحات التقديس التي كان يتربع على عرشها لسنوات وسنوات.