تحت شعار “الأمل بعيدًا عن الديار” تحيي الأمم المتحدة اليوم العالمي للاجئين الذي يصادف 20 يونيو/حزيران من كل عام، في محاولة للتذكير بمشاكل قرابة 108.4 مليون شخص دُفعوا لمغادرة أوطانهم، فارين بحياتهم من ويلات الصراع والاضطهاد والحروب.
وعلى مدار السنوات الخمسة الماضية تصاعد خطاب الكراهية ضد اللاجئين، وسط مطالبات رسمية وغير رسمية بترحيلهم إلى بلدانهم أو تضييق الخناق عليهم، فيما تحولوا مع مرور الوقت إلى ورقة ضغط بأيدي النخب والأحزاب لتحقيق مكاسب سياسية دون أي اعتبارات إنسانية لمشاكلهم وواقعهم المر.
وشهدت العديد من البلدان خلال العامين الماضيين موجات ترحيل ممنهجة للاجئين تحت شعار “العودة الطوعية” دون الالتزام بالشروط والضوابط الأممية التي تحقق لهم الأمان وتضمن عدم استهدافهم من أنظمتهم الحاكمة التي تتعامل معهم في كثير من الأحيان باعتبارهم أعداءً وخصومًا وليسوا مواطنين وأبناء دولة.
ثمة دوافع ومسببات قادت إلى تصعيد خطاب الكراهية ضد اللاجئين والمطالبة بترحيلهم فورًا، غير أن بعض التراجع النسبي انتاب هذا الخطاب خلال الأشهر القليلة الأخيرة في ظل حزمة من المستجدات التي فرضت نفسها على المشهد برمته، فيما يقبع الملايين من المشردين خارج الديار في انتظار مصيرهم المحتوم، بين الإقامة في مواطنهم الجديدة، رغم تضييق الخناق والوضع المعيشي المتدني، أو الترحيل – قسرًا أو طواعية – إلى أوطانهم الأم، أو إلى أي مكان آخر يبدأون فيه رحلة جديدة من الشقاء والمعاناة.
تشير الإحصاءات إلى بلوغ عدد اللاجئين والنازحين في العالم بنهاية عام 2022 مستويات قياسية، حيث وصلوا إلى 108.4 مليون لاجئ مقارنة بـ89.3 مليون لاجئ بنهاية عام 2021 بزيادة قدرها 19 مليون خلال عام واحد فقط، أما عدد اللاجئين فقط فارتفع من 27.12 مليون شخص في 2021 إلى أكثر من 32.5 حتى منتصف 2022، منهم 16 مليون في المنطقة العربية والشرق أوسطية بحسب المتحدثة الإقليمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر إيمان الطرابلسي.
المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين في تقريرها السنوي عام 2022 رصدت عودة أكثر من 399 ألف لاجئ من 38 دولة إلى بلدانهم خلال العام الماضي، تصدرتها بلدان جنوب السودان وسوريا والكاميرون وكوت ديفوار، فيما لم يذكر التقرير طبيعة تلك العودة، حتى إن أسماها عودة طوعية، فقد أشارت تقارير أممية أخرى إلى انتفاء شروط العودة الطوعية، ما يفتح الباب أمام حزمة تساؤلات بشأن جريمة إنسانية ترتكب بحق هؤلاء في ظل صمت عالمي إزاء هذا الملف.
خطاب شعبوي
تعرض اللاجئون في معظم بلدان العالم خلال السنتين الماضيتين إلى موجات ترحيل ممنهجة، مدفوعة بخطابات شعبوية عنصرية وأوضاع اقتصادية مترهلة، وازدواجية عنصرية فجة أسقطت الكثير من الأقنعة عن كيانات كانت تدعي الانتصار للإنسانية مهما كان كلفتها.
البداية من تركيا، حيث وقع اللاجئون هناك في فخ الصراع السياسي بين الحكومة والمعارضة، فيما تحول هذا الملف الإنساني إلى ورقة سياسية بأيدي النخب، وهو ما اتضح جليًا في الخطاب السياسي الذي تبناه المرشح الرئاسي الخاسر في الانتخابات الأخيرة، زعيم حزب الشعب، كمال كليجدار أوغلو، الذي تعهد – حال نجاحه – بترحيل اللاجئين خلال عامين على أقصى تقدير.
ولاقى هذا الخطاب الشعبوي رواجًا كبيرًا لدى قطاعات كبيرة من الأتراك المتأثرين بالوضعية الاقتصادية الصعبة، ما اضطر معه الرئيس رجب طيب أردوغان وتحالفه السياسي إلى الاشتباك مع هذا الملف، خشية تعرضه للخسارة إذا تمسك بموقفه السابق بشأن اللاجئين السوريين تحديدًا، معلنًا نيته توطين قرابة مليوني لاجئ سوري في مناطق تابعة للشمال السوري، وهو التوجه الذي أحدث الذعر والقلق في قرابة 3.5 مليون سوري مقيمين فوق الأراضي التركية.
وتحول الأمر من مجرد دعاية انتخابية إلى ممارسات ميدانية، فحتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي عاد أكثر من نصف مليون سوري إلى بلادهم “بشكل طوعي” بحسب تعبير وزارة الداخلية التركية، بينما رحلت السلطات ما يقرب من 20 ألفًا آخرين بسبب “قضايا أمنية”، هذا في الوقت الذي نددت فيه منظمات حقوقية بأن تلك الإجراءات تعد انتهاكًا للقانون الدولي، كما أشارت هيومان رايتس ووتش التي تحدثت سابقًا عن “ترحيل قسري” لمئات السوريين في عام 2022.
اللاجئون السوريون في #تركيا حطب الحملة الانتخابية pic.twitter.com/l4uEvh0ZPD
— فرانس 24 / FRANCE 24 (@France24_ar) May 26, 2023
حضور اقتصادي قوي
الموقف ذاته واجهه اللاجئون في لبنان الذي يحتضن قرابة مليوني سوري يشكلون 50% من إجمالي عدد السكان، حيث تصاعد الخطاب الشعبوي إزاء هذا الوجود الذي حمله البعض مسؤولية تفاقم الوضع الاقتصادي والأمني داخليًا، وهو ما دفع السلطات هناك للقيام بحملات مداهمة على أماكن اللاجئين وترحيل العشرات منهم.
وتشير التقديرات إلى أنه منذ أبريل/نيسان إلى 16 مايو/أيار 2023 شن الجيش اللبناني أكثر من 22 عملية مداهمة في أماكن سكن لاجئين سوريين في عدد من المدن، أسفرت عن اعتقال 808 لاجئين اعتقالًا تعسفيًا من (بينهم 17 لاجئًا يملكون أوراق إقامة قانونية، و13 من النساء، و24 من القاصرين، و2 من أفراد مجتمع الميم عين)، فيما تم ترحيل ما لا يقل عن 336 لاجئًا من المعتقلين/الموقوفين إلى خارج الحدود اللبنانية قسرًا.
وفي تعليقها على تلك المداهمات قالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، آية المجذوب: “من المقلق للغاية أن نرى الجيش يقرر مصير اللاجئين، من دون احترام الإجراءات القانونية الواجبة أو السماح لأولئك الذين يواجهون الترحيل بالطعن في ترحيلهم أمام المحكمة أو طلب الحماية. ولا تجوز إعادة أي لاجئ إلى مكان تتعرض فيه حياته للخطر”، وأضافت “لبنان مُلزم بموجب مبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي الإنساني العُرفي بعدم إعادة أي شخص إلى بلد قد يواجه فيه خطر التعذيب أو الاضطهاد، وبدلًا من العيش في خوف بعد الفرار من الفظائع في سوريا، ينبغي حماية اللاجئين الذين يعيشون في لبنان من المداهمات التعسفية وعمليات الترحيل غير القانونية”.
وفي تقريرها الصادر في الربع الأخيرة من عام 2021 كانت منظمة العفو الدولية قد وثقت انتهاكات بالجملة ارتكبها ضباط مخابرات سوريين بحق 66 لاجئًا – بينهم 13 طفلًا – عائدين من لبنان قسرًا، حيث خضعوا “للاحتجاز غير القانوني أو التعسفي، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي، والاختفاء القسري” بحسب التقرير.
وفي أبريل/نيسان الماضي رحّلت السلطات اللبنانية قرابة 50 سوريًا، فيما قال وزير شؤون المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عصام شرف الدين: “العملية ستتكرر لإعادة اللاجئين السوريين من لبنان إلى بلادهم، وعودتهم أمر مشروع وواجب”.
وفي تبريره لتلك الخطوة أشار الوزير إلى أنه قد آن الأوان لعودة اللاجئين السوريين بعد 12 عامًا من التشرد ومواجهة الصعوبات، وأضاف “نحو 90% منهم يعيشون تحت خط الفقر في لبنان”، منوهًا أن المساعدات التي تقدمها المنظمات الأممية لم تعد تكفي العائلات السورية.
ومن لبنان إلى الأردن الذي يستضيف قرابة 3.7 ملايين لاجئ من 49 دولة، يشكلون نسبة 1:4 من سكان المملكة، أبرزهم 1.3 مليون سوري و12.7 ألف يمني و5.1 ألف سوداني و587 صوماليًا، هذا بخلاف 2.4 مليون لاجئ فلسطيني.
وفي ظل الأوضاع الصعبة التي تواجهها المملكة، بدأت السلطات هناك تتبنى خطابًا سياسيًا عامًا يتعلق بضرورة عودة اللاجئين إلى بلادهم الأصلية، ففي يونيو/حزيران الماضي شدد وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، على عودة اللاجئين السوريين بشكل طوعي إلى بلادهم، منوهًا أن “حل أزمة اللاجئين السوريين يكمن في عودتهم بشكل آمن الى سوريا، وهذا ما يستوجب بناء البنية التحتية التي تشجع اللاجئين على العودة الطوعية”.
وأرجع الصفدي قلق بلاده من تلك الأزمة إلى تراجع الدعم الدولي المقدم للاجئين، بما فيها الأردن حيث قلصت المنظمات الدولية خدماتها في المملكة، فضلًا عن توقف برنامج الغذاء الدولي الذي يقدم مساعدات لمئات الآلاف من اللاجئين بداية من شهر سبتمبر/أيلول القادم، ما سيحمل عمّان أعباءً إضافية قد لا تتحملها في الآونة المقبلة، الأمر الذي سيكون له ارتداداته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية.
وفي العراق الذي يستضيف قرابة 260 ألف لاجئ سوري، غالبيتهم في إقليم كردستان، فتشير التقارير الأممية إلى أن نحو 86% من سكان المخيمات من اللاجئين يعانون من انعدام الأمن الغذائي ومعرضون لأمراض الجوع والفقر التي قد تكلفهم حياتهم، في ظل تلاحق الصدمات الاجتماعية والأمنية التي تواجههم، وعليه تتبنى بغداد سردية العودة الآمنة والطوعية للاجئين إلى أماكنهم وبلدانهم مرة أخرى.
#لبنان: نناشد السلطات اللبنانية بالكف فورًا عن ترحيل اللاجئين السوريين قسرًا إلى #سوريا، وسط مخاوف من أن هؤلاء الأفراد مُعرضون لخطر التعذيب أو الاضطهاد على أيدي الحكومة السورية لدى عودتهم https://t.co/2Eh0vggp80
— منظمة العفو الدولية (@AmnestyAR) April 25, 2023
ازدواجية الغرب وعنصريته
إن كان اللاجئون يدفعون ثمن التسييس والشعبوية والأوضاع الاقتصادية الصعبة في بلدان الشرق الأوسط، فإنهم يدفعون ثمنًا فادحًا آخر في أوروبا، لكن هذه المرة عبر الخطاب العنصري والازدواجية الفجة التي أسقطت القناع عن الشعارات البراقة التي ترفعها حكومات القارة العجوز.
وبعيدًا عن فرنسا وألمانيا وما لهما من تاريخ طويل في تلك الازدواجية، انضمت مؤخرًا الدنمارك لهذا القطيع العنصري، متبنية سياسة الكيل بمكيالين في تعاطيها مع ملف اللاجئين في المجمل، ففي الوقت الذي تستأسد فيه ضد السوريين إذ بها ترتدي ملابس الحمل الوديع أمام الأوكرانيين الفارين من ويلات الحرب، ما تسبب في تعرضها لانتقادات لاذعة من المنظمات الحقوقية الدولية على رأسها هيومن رايتس ووتش.
وفي المقابل تسابق الدنمارك الزمن لإعادة اللاجئين السوريين (تقدر أعدادهم بـ35 ألف لاجئ) إلى بلادهم بدعوى عودة الأمن والأمان لبعض المناطق هناك التي يمكن أن تكون نواة لاستقبال اللاجئين والفارين، فمؤخرًا أعلن مجلس اللجوء (يضم قضاة وخبراء يتولون تقييم طلبات اللاجئين في البلاد) أن تقييمه للوضع الأمني في الساحل السوري أصبح آمنًا، ليضم اللاذقية وطرطوس بجانب دمشق إلى المناطق الآمنة التي يمكن نقل اللاجئين إليها.
وفي هذا الصدد يرفض مدير السياسة والتوثيق في منظمة العفو الدولية، مارتن ليمبرغ بيدرسن، اعتبار أن منطقة كاللاذقية آمنة و”لا حتى بقية سورية آمنة بما فيه الكفاية لإعادة اللاجئين إليها”، مشددًا على أنه “لا شيء أصلًا تغير منذ قدوم اللاجئين من طرطوس واللاذقية، فالنظام كان مسيطرًا على المنطقتين ولا يزال”.
يذكر أن السلطات الدنماركية على مدار السنوات الماضية تتفنن في إصدار التشريعات والقوانين التي تستهدف تضييق الخناق على اللاجئين، ودفعهم نحو مغادرة البلاد، من أبرزها القانون المعروف باسم “قانون المجوهرات” الذي أقره البرلمان الدنماركي في 2016 ويسمح للحكومة بمصادرة أي مقتنيات لدى طالبي اللجوء تزيد قيمتها على ما يعادل نحو 1000 دولار آنذاك.
الدنمارك تبدأ من اليوم ترحيل اللاجئين السوريين قسريا إلى سوريا بحجة أنها أصبحت آمنة، الناس بتبكي من الخوف. pic.twitter.com/mlrGrcz4KJ
— فهد القحطاني (@Fahad_qh2) November 28, 2021
تراجع خطاب التصعيد.. ما الذي تغير هذا العام؟
الأشهر القليلة الماضية شهدت تراجعًا طفيفًا في حدة خطاب الترحيل بحق اللاجئين، فالأمور باتت هادئة إلى حد ما في تركيا خاصة بعد فوز أردوغان وهزيمة كليجدار أوغلو وخطابه الشعبوي، كذلك الأمر في مصر التي تحتضن قرابة 9 ملايين لاجئ ومهاجر، فبعد دعوات ومناشدات خلال الفترة الأخيرة باتخاذ مواقف حاسمة ضد السوريين تحديدًا واتهامهم بالتأثير على الاقتصاد الوطني، هدأت الأمور إلى حد ما، وتلاشت اللهجة التصعيدية ضدهم على منصات التواصل الاجتماعي بشكل لافت للنظر.
وتعد هزيمة التيار اليميني المتطرف، الداعم الأكبر لترحيل اللاجئين، لدى الغرب تحديدًا، أحد الدوافع الرئيسية وراء هذا التراجع، ثم جاء فوز أردوغان وتحالفه في الانتخابات الأخيرة، رئاسية وبرلمانية، ليعيد التوازن النسبي إلى الكفة التي كادت أن تميل باتجاه التصعيد ضد المهاجرين عمومًا.
ولعل المستجد الأبرز وراء تبريد خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين تحديدًا، بوصفهم الشريحة الأكبر في خريطة لاجئي العالم، التطبيع مع نظام بشار الأسد، وإعادة تعويمه عربيًا وإقليميًا بعد أكثر من 11 عامًا من العزلة بسبب جرائمه وانتهاكاته بحق شعبه، التي لم تتوقف حتى اليوم.
ومنذ التقارب مع هذا النظام – رغم الانتقادات الحقوقية اللاذعة لتلك الخطوة -، تكثفت الدعوات التي تطالب بإعادة السوريين إلى بلادهم بعد توفير المناخ الملائم لذلك، ففي مايو/أيار الماضي شدد الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية الأردن ومصر والعراق والسعودية مع نظيرهم السوري الذي عقد في عمّان على عودة اللاجئين الذين فروا من بلادهم بسبب الحرب إلى وطنهم مرة أخرى، فيما خرج البيان الختامي لهذا الاجتماع بالاتفاق على أن “تبدأ الحكومة السورية وبالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، بتحديد الاحتياجات اللازمة لتحسين الخدمات العامة المقدمة في مناطق عودة اللاجئين، مع توضيح الإجراءات التي ستتخذها لتسهيل عودتهم، بما في ذلك شمولهم ضمن مراسيم العفو العام”.
الأمر تكرر مرة أخرى خلال القمة العربية التي عقدت في مدينة جدة السعودية في 19 من مايو/أيار الماضي، حيث اتفقت الوفود المشاركة بما فيها الوفد السوري الذي رأسه رئيس النظام بشار الأسد على “تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا”.
#سوريا — مسؤول أوروبي: ظروف عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم بشكل مستدام وآمن لم تتحقق #الحدث https://t.co/fXkwuTjhFH
— الحدث عاجل (@Alhadath_Brk) June 14, 2023
السؤال الذي يفرض نفسه الآن: أي ضمانات يمكن أن تفرضها تلك البلدان لمعاملة العائدين معاملة جيدة وألا يتعرضون للاستهداف من نظام الأسد؟ علمًا بأن التقارير السابقة تشير إلى انتهاكات تعرض لها العائدون من لبنان على أيدي ضباط مخابرات سوريين، ثم هل الشروط اللازمة لعودة اللاجئين التي جاءت في بيان جنيف عام 2012 والخاصة باستقرار البلاد وانخراط جميع الأطراف السياسية والاجتماعية السورية بالمفاوضات من أجل تعزيز قيم التعايش المشترك، هل تحققت بالفعل لإعادة الفارين من ويلات الحرب؟
الصحفي المعتمد لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل حسين الوائلي يرى أن عودة اللاجئين السوريين “مشروطة بانتقال سياسي” تتوافر فيه شروط بيان جنيف، مؤكدًا أن تلك الشروط لم تتحقق، وعليه “فعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم محفوفة بمخاطر كثيرة لا تتوافر فيها شروط حقوق الإنسان”.
وفي السياق ذاته تحذر الصحفية المعتمدة لدى الأمم المتحدة دينا أبي صعب، من إعادة اللاجئين قسريًا إلى بلادهم تحت مسمى “العودة طواعية”، مضيفة في تصريحاته لـ”بي بي سي” عربي “العودة لأي لاجئ في العالم لا يفترض أن تكون قسرية. اللاجئ يجب أن يبقى من حملة صفة اللاجئ طالما تعاني بلاده من حرب وتصنف كدولة تحت الحرب. طالما لم يتم إعلان انتهاء الحرب في سوريا، والسوريون خارج الحدود السورية موجودون بصفة لجوء قسري، وعودتهم إلى البلد قد تعني اعتقالهم أو خيارهم الوحيد هو الخروج من بلدهم والعيش في بلد آخر”.
في ضوء ما سبق، فإن خطر الترحيل كأحد مخرجات خطاب الكراهية ضد اللاجئين ما زال قائمًا، وإن تراجعت حدته مقارنة بما كان عليه في السابق، لكن يبقى هذا الملف ورقة ضغط سياسية بأيدي الحكومات والأنظمة، خاضعة لحزم من الحسابات والاعتبارات والمكاسب المحققة، بما يعرض حياة الملايين للخطر والغموض في انتظار مصير مجهول، لتظل تلك القضية وصمة عار في جبين الإنسانية والمجتمع الدولي برمته، كاشفة عن وجهه القبيح في مواجهة شعاراته البراقة التي يرفعها ليل نهار.