لا يبدو على مرتزقة فاغنر أنهم متحمسون لمواصلة القتال ضد الجيش الأوكراني العنيد، الذي بدأ يحصد ثمار هجوم الربيع المضاد، بإعادة نصب العلم الأوكراني في بعض بلدات الجهة الشرقية التي ضمتها روسيا إلى قوامها، وفي المقابل أبرمت وزارة الدفاع الروسية عقدًا مع “كتيبة أحمد” شبه العسكرية التي توصف بأنها الجيش الخاص لرئيس الشيشان، رمضان قديروف.
رفضت فاغنر التوقيع على عقد مماثل يقضي بالخضوع للجيش النظامي، بعدما تفاقمت خلافات قائدها، يفغيني بريغوجين، مع صقور الجيش الروسي، فكثيرًا ما انتقد تخلف موسكو عن إمداده بالذخيرة التي يحتاجها رجاله في الوقت التي كانت تدور رحى معركة دموية في باخموت لأكثر من 8 أشهر، كما صرح مؤخرًا أن قواته تحتاج إلى فترة استراحة والتقاط أنفاسها.
لكن على ما يبدو، أن روسيا تنزع إلى الخلاص من تمرد فاغنر والاستعانة بورقة قوية وطيعة في نفس الوقت، لأجل هذا أصدر الكرملين مرسومًا ينص على أنه يجب على جميع أعضاء ما تسمى بـ”وحدات المتطوعين” أن يوقعوا عقودًا بحلول الأول من يوليو/تموز 2023 بهدف إخضاعهم لسيطرة وزارة الدفاع، وذلك في وقت تحاول فيه موسكو إحكام سيطرتها على الجيوش الخاصة التي تحارب بجوار الجيش الرسمي.
كتيبة مرعبة
يصف الإعلام الأوكراني كتيبة أحمد أو أخمات بـ“الكتيبة المرعبة”، التي تضم 10 آلاف مقاتل، يتسلحون بأقوى وأحدث الأسلحة الروسية، حيث أشارت بعض الصحف إلى امتلاك قوات الشيشان أقوى الدبابات والمركبات الروسية، كما جرى رصد العديد من مركبات المشاة التابعة لهم بالقرب من كييف، وجميعها تحمل حرف “Z” بالإنجليزية وهو شعار دعم العملية الروسية في أوكرانيا.
قرر الزعيم الشيشاني رمضان قديروف، بُعيد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، تأسيس فرقة عسكرية خاصة منحها اسم والده الرئيس السابق لجمهورية الشيشان، أحمد قديروف، وهي مكونة من 4 كتائب: كتيبة أحمد شرق وكتيبة أحمد غرب وكتيبة أحمد جنوب وكتيبة أحمد شمال.
بثت هذه الكتيبة الرعب في قلب أوكرانيا، فالمقاتلون الشيشانيون لهم باع طويل في حرب الشوارع والغابات والجبال، واستطاعوا في وقت وجيز إعلاء العلم الروسي في سماء عدد من المدن والقرى الأوكرانية.
اكتسب المقاتلون الشيشانيون هذه الخبرة من الحرب الروسية الشيشانية، التي اشتعل فتيلها على خلفية محاولة الشيشان الانفصال عن روسيا والاتحاد السوفييتي سابقًا، فدخلت روسيا الحرب عام 1994 حتى 1996، حينها أعلنت انسحابها وعقدت اتفاقية مع الشيشان، بموجبها استقلت الأخيرة عن روسيا، لكنه كان استقلالًا شكليًا.
ثم اشتعل فتيل حرب العصابات ما بين 1999 و2009، التي كان لجنود الشيشان الغلبة فيها في كثير من الأحيان، ما دعا روسيا إلى سحب قواتها وإعلان استقلال الشيشان، ما يعني أن هذه الجمهورية تتمتع باستقلال ذاتي موسع يجعلها أشبه بالدولة، على خلاف باقي الجمهوريات الروسية، إذ يستطيع رئيسها القيام بزيارات خارجية واستقبال الوفود الرسمية.
وهكذا تحولت القوات الشيشانية من العدو اللدود لموسكو إلى أكبر داعم لها في حربها ضد أوكرانيا، متشبعة بثقافة الولاء لروسيا، ولعل ما يمنح كتيبة أحمد وزنًا على الأرض، هو أن الشيشان تعد الدولة الوحيدة تقريبًا التي شاركت بقواتها في الحرب، في المقابل اكتفى الأوروبيون والغرب عمومًا بتقديم الدعم اللوجستي لكييف.
نقاط ضعف روسية
اتخذت روسيا كامل التأهب ضد الهجوم الأوكراني، وقد شيدت بالفعل مئات الكيلومترات من التحصينات على طول خط المواجهة، وقد قامت بحفر خنادق وبناء أنياب التنين وزرع ألغام في نقاط إستراتيجية من أراضي الدونباس، حيث أشارت الاستخبارات البريطانية إلى أنه لم يتم إنشاء أي منشآت دفاعية بهذا الحجم في أي مكان في العالم منذ عقود.

يبدو أن روسيا بنت هذه التحصينات على طول خط المواجهة بأكمله، ليس من أجل وقف زحف القوات الأوكرانية وإبعادها، بقدر ما هي في حاجة إلى التنبؤ بالعمليات المستقبلية، وهذه قيمة مضافة للتحصينات من شأنها تخفيف نقاط الضعف الروسية، لأن القوات الأوكرانية تميل أكثر إلى أن تكون أفضل في الارتجال والمواقف العسكرية المتقلبة.
بالتالي فإن التحصينات تجعل روسيا أكثر قابلية للتنبؤ، وتحديد مواقع القوات الأوكرانية مسبقًا، بيد أن تركيز الروس على التحصين في مناطق معينة، يمكن أن يمنح الأوكرانيين القدرة على التوغل في عمق الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، وتدمير واختراق خطوط أخرى من التحصينات.
من الناحية العملياتية، يحاول القادة الروس على الأرجح تكوين قوات احتياط ووضعها في المكان الذي يعتقدون أن هجومًا مضادًا أوكرانيًا سيحدث فيه، ومع ذلك، ربما تم تقويض ذلك من القوات غير الملتزمة التي كان من المفروض أن تملأ الفجوات في خطوط المواجهة الأمامية.
معارك محتدمة على طول 1500 كيلومتر
وقبل بدء هجوم الربيع، اختار نظام كييف مسارًا مختلفًا، إذ حاول في العديد من المرات ترهيب روسيا، وترويع المواطنين الروس، من خلال تنفيذ الضربات الجوية ضد المباني السكنية في داخل حدود روسيا.
تواصل الأعمال الهجومية للجيش الأوكراني تحقيق نجاحات تدريجية من خلال احتلال المرتفعات البارزة وقطاعات من الغابات في اتجاهات مختلفة بهدف إجبار العدو تدريجيًا على الاندحار.
وبينما قللت روسيا من أهمية هذا الهجوم المضاد، حيث قال الرئيس فلاديمير بوتين إنه ليست له “أي فرصة” للنجاح، فإن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي شدد على أهميته، إذ قال في خطابه المسائي المصور: “كل جندي، كل خطوة جديدة نتخذها، كل شبر يحرر من الأراضي الأوكرانية له أهمية قصوى”.
المعارك محتدمة على طول 1500 كيلومتر من الحدود، وأمنيات الغرب أن تواصل كييف التقدم، لكن على الرغم من استعادتها لأكثر من قرية، ما زال أمام الجيش الأوكراني أكثر من 90 كيلومترًا لبلوغ بحر أزوف، وهو لم يتمكن بعد من اختراق خطوط الجيش الروسي، الذي أصبح مدعومًا بقوة من وحدات المتطوعين، وفي مقدمتها الكتيبة الشيشانية.