يصرّ أغلب قادة الاتحاد الأوروبي على تحميل دول شمال إفريقيا مسؤولية تنامي أعداد المهاجرين غير النظاميين القاصدين السواحل الأوروبية، ووصل بهم الحال إلى توظيف حكومات هذه البلدان كحرس حدود لحماية الحدود الأوروبية من المهاجرين وطالبي اللجوء.
استغل الأوروبيون الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها أغلب دول شمال إفريقيا للضغط عليها وتحقيق مكاسب لهم فيما يخص مسألة الهجرة، إذ رأينا الإنزال الأوروبي في مصر وتونس والجزائر فضلًا عن ليبيا والمغرب للحد من هذه الظاهرة.
لكن هناك مسألة مهمة لم يتطرق إليها الأوروبيون، وهي مسؤوليتهم المباشرة عن هذه الظاهرة، فلولا سياستهم السلبية في دول القارة الإفريقية لما اضطر الشباب والعائلات لترك وطنهم وخوض مغامرة مجهولة العواقب، فلماذا يتهرب الأوروبيون من تحمل مسؤوليتهم؟
واقع الهجرة
تظهر الأرقام الأخيرة المتعلقة بالهجرة غير النظامية انطلاقًا من السواحل الجنوبية للبحر المتوسط، ارتفاعًا كبيرًا في عدد عمليات اجتياز الحدود، ومؤخرًا أكدت وكالة الحدود الأوروبية (فرونتكس) أن عدد عمليات دخول حدود الاتحاد الأوروبي عبر وسط البحر الأبيض المتوسط، زاد بأكثر من الضعف، هذا العام، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
قالت الوكالة في بيان لها إن دول الاتحاد الأوروبي، رصدت في الأشهر الخمس الأولى من هذه السنة، أكثر من 50 ألفًا و300 عملية عبور غير نظامية عبر هذا الطريق وهو أعلى رقم مسجل منذ سنة 2017.
وأكدت الوكالة الأوروبية أن وسط البحر الأبيض المتوسط لا يزال طريق الهجرة الرئيسي إلى الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أنه شهد نحو نصف حالات الدخول غير النظامية المبلغ عنها عام 2023، حيث بلغ العدد الإجمالي لعمليات الدخول التي أُبلغت بها المنظمة الأوروبية 102 ألف، بزيادة قدرها 12% خلال عام.
يتجاهل الأوروبيون الأسباب الأساسية وراء الهجرة، فهم فقط يرون تنامي أعداد المهاجرين، أما أسباب ذلك، فلا داعي للحديث عنها وفق تصورهم
يعتبر طريق غرب البلقان، ثاني أكثر الطرق نشاطًا، مع أكثر من 30 ألفًا و700 عملية دخول، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 25% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفق الوكالة الأوروبية المتخصصة في هذه المسألة.
باستثناء وسط البحر الأبيض المتوسط، شهدت جميع طرق الهجرة نحو أوروبا تراجعًا تراوح بين 6% في غرب البحر المتوسط و47% عبر طريق غرب إفريقيا، نتيجة سوء الأحوال الجوية لفترات طويلة، ما جعل الرحلات الخطرة على متن قوارب غير صالحة للإبحار أصلًا أكثر خطورة.
ضمن دول جنوب المتوسط، تبرز تونس التي تحولت هذه السنة إلى منطقة العبور الأولى إلى الأراضي الإيطالية القريبة التي شهدت توافد نحو 30 ألف مهاجر في الربع الأول من العام الحاليّ، ويعلن الحرس البحري التونسي يوميًا عن ضبط أو إنقاذ مئات المهاجرين غير النظاميين على طول السواحل كما يجري بشكل متواتر انتشال جثث غرقى أغلبهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وزيرا داخلية ألمانيا وفرنسا وصلا إلى #تونس للقاء الرئيس #قيس_سعيد بحثاً في ملف الهجرة غير النظامية.
🚨ووفق دوتشيه فيليه “فيزر (وزيرة الداخلية الألمانية) ستزور مكتب مشروع الشرطة الاتحادية في تونس” pic.twitter.com/UOltqgLisv— Wejdene Bouabdallah 🥏 (@tounsiahourra) June 19, 2023
تشير بيانات صادرة عن وزارة الداخلية الإيطالية إلى أن 24383 شخصًا وصلوا إلى السواحل الإيطالية قادمين من تونس منذ مطلع العام حتى 2 مايو/أيار الحاليّ، بمعدل 200 شخص يوميًا وبزيادة تفوق نسبة 1000% مقارنة بـ2201 وافد في نفس الفترة من العام الماضي.
وبحسب البيانات الإيطالية فإن أكثر من 44 ألف شخص وصلوا إلى إيطاليا أو حاولوا عبور وسط البحر الأبيض المتوسط انطلاقًا من تونس منذ بداية العام، فيما تراجعت ليبيا إلى المرتبة الثانية كطريق للهجرة غير النظامية إلى إيطاليا.
إصرار أوروبي
في هذا الشأن يمكن أن نفهم الإنزال الأوروبي إلى دول الجنوب، فلا يكاد يمر أسبوع دون أن نشهد زيارة مسؤول أوروبي رفيع المستوى لإحدى دول شمال إفريقيا، وفي الفترة الأخيرة كان التركيز على تونس التي تصدر سواحلها العدد الأكبر من المهاجرين غير النظاميين.
زارت رئيسة الوزراء الإيطالية تونس مرتين في أسبوع واحد، كما زار هذا البلد العربي رئيس الحكومة الهولندي والمفوض الأوروبي ووزراء العديد الدول على غرار فرنسا وألمانيا، وفي كل هذه الزيارات كانت أصابع الاتهام موجهة لتونس.
يخشى الأوروبيون الحديث عن الأسباب الرئيسية وراء الهجرة غير النظامية حتى لا تتم إدانتهم وتحميلهم مسؤولية ذلك
يقول الأوروبيون إن دول الجنوب غير حريصة بما فيه الكفاية على التصدي للمهاجرين غير النظاميين القادمين من الشرق الأوسط ودول إفريقيا جنوب الصحراء، وأن هناك تواطؤًا بين مجموعات ناشطة في تجارة البشر وبعض الأجهزة الحكومية داخل هذه الدول.
يُفهم ذلك، من خلال رصد الأوروبيين بعض الملايين لدعم جهود دول الجنوب لحماية الحدود والتصدي للهجرة، فالمقاربة عندهم أمنية فقط، وإن تم السيطرة على الحدود تمت السيطرة على الهجرة غير النظامية وفق المسؤولين الأوروبيين.
التملص من المسؤولية
في الأثناء يتجاهل الأوروبيون الأسباب الأساسية وراء الهجرة، فهم فقط يرون تنامي أعداد المهاجرين، أما أسباب ذلك، فلا داعي للحديث عنها وفق تصورهم، ذلك أنها دليل إدانة لهم، فهم المسؤولون عن هذه الظاهرة التي تهدد وجودهم، وفق قولهم.
عمل الأوروبيون طيلة سنوات احتلالهم للدول الإفريقية على نهب ثرواتها ومصادرة قرارها السيادي، والأمر متواصل إلى الآن، ورغم استقلال كل الأفارقة ظاهريًا، فإن الاحتلال متواصل بطرق ملتوية ويمارس نفس الممارسات السابقة.
هذه الممارسة أدت إلى تفقير الأفارقة وتنصيب مسؤولين غير أكفاء على رأس دولهم ودعم أنظمة استبدادية، همها الوحيد كنز الثروة ومواصلة الحكم إلى الممات وبعدها توريثه للعائلة والحاشية، كأن البلاد ملكية خاصة لهم، يقومون فيها بما يريدون وما يخدم مصلحتهم الأولى بعيدًا عن مصلحة الشعوب.
لم يعد الأفارقة يجدون مقومات العيش الكريم داخل بلدانهم نتيجة نهب ثرواتهم من الدول الغربية وعملائها في الداخل، ما دفعهم إلى خوض المغامرة واجتياز الحدود البرية والبحرية علّهم يصلون إلى البر الأوروبي والتمتع ببعض خيراتهم المنهوبة.
فرنسا بنفوذها في أفريقيا و إستغلالها لثرواتها تجبر الشباب اﻷفارقة على الهجرة من أوطانهم ثم تهمس للجزائر و تونس بتجاهل موجة الهجرة
ثم توجهها إلى إيطاليا
قيس سعيد حليف فرنسا يستنكر الهجرة و في نفس الوقت يسمح بمرور المهاجرين ثم يستدعي رئيسة إيطاليا لتمده بيد المساعدة المالية pic.twitter.com/gSvgWM1m5J— درة السيد (@DorraEssayed) June 19, 2023
يخشى الأوروبيون الحديث عن الأسباب الرئيسية وراء الهجرة غير النظامية حتى لا تتم إدانتهم وتحميلهم مسؤولية ذلك، ويرون في تحميل دول الجنوب مسؤولية هذه الظاهرة أفضل سبيل للتخلص من هذا المأزق، فإن اعترفوا بمسؤوليتهم عما يحصل سيخسرون العديد من الامتيازات هناك.
تصر دول الاتحاد الأوروبي على إغلاق منافذ الهجرة غير النظامية والوقوف في وجه تهريب البشر و”حماية حدوده الخارجية”، مع ذلك مستمر في سياسة نهب ثروات الأفارقة ودعم الأنظمة الاستبدادية هناك، ما يعني موجات إضافية من المهاجرين غير النظاميين وضحايا جدد في البحر المتوسط.
على الأوروبيين ترك الأفارقة وحالهم، حتى يتمكنوا من استغلال ثرواتهم وإمكاناتهم الكبيرة لتحقيق التنمية المستدامة، وتأسيس دول بعيدًا عن الوصاية الأوروبية، يطيب فيها العيش ولا يضطر فيها الأهالي للتفكير في الهجرة والتضحية بحياتهم في الصحاري والبحار.