أثار إعلان قوة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أتميس”، عن بدء انسحابها التدريجي من البلد الواقع في شرق إفريقيا اعتبارًا من 30 يونيو/حزيران الماضي، مخاوف خبراء أمنيين، خشية من سيناريو الانهيار السريع لمؤسسات الدولة، ما لم يتم رفع حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي.
جاء في بيان لبعثة الاتحاد الإفريقي الأسبوع الماضي أن “أتميس” بدأت تنسحب من الصومال بموجب قرار الأمم المتحدة الذي ينص على انسحاب ألفي جندي بحلول نهاية يونيو/حزيران 2023.
“أتميس” وهي اختصار لـThe African Union Transition Mission in Somalia (ATMIS) هي قوة عسكرية إفريقية جديدة نسبيًا، تم إقرارها العام الماضي في إطار جهود دعم عملية الاستقرار والسلام في الصومال، لتحل محل القوة السابقة التابعة للاتحاد الإفريقي “أميصوم”.
إنجازات كبيرة لبعثة أميصوم ولكن…
يعتقد الباحث الصومالي الشافعي أبتدون أن بعثة الاتحاد الإفريقي السابقة “أميصوم” المكونة من خمس دول شرق إفريقية، حققت أهدافًا وإنجازات كبيرة في الفترة ما بين 2007-2020، لكنها فشلت في الحد من المخاطر الأمنية العابرة خارج حدود الصومال، التي ضربت – ولا تزال – أمن دول عدة مثل كينيا وأوغندا وجيبوتي منذ عام 2010.
من بين تلك التحديات التي واجهت بعثة “أميصوم” قرار الاتحاد الأوروبي بخفض رواتب الجنود والعاملين في البعثة
ويضيف الباحث الصومالي أن القوات الإفريقية منذ وصولها إلى مقديشو حققت إنجازات كثيرة، من أبرزها إجبار مسلحي حركة الشباب على الانسحاب من العاصمة أواخر عام 2011، وبسط نفوذ الدولة الصومالية في إقليمي شبيلي السفلى والوسطى بعد أن كانت محاصرة في العاصمة، إلى جانب توفير الحماية للمقار الحكومية الحساسة والمرافق الرئيسة في مقديشو مثل المطار والميناء، هذا إلى جانب الإسهام في عمليات تدريب الشرطة الصومالية وتوفير المعدات والمساهمة في جهود الإغاثة عبر توفير الحماية للهيئات التابعة للأمم المتحدة.
إلا أن بعثة “أميصوم” التي عملت في الصومال لمدة تقارب الـ20 عامًا، واجهت في الفترة الأخيرة تحديات عديدة دفعت قيادة الاتحاد الإفريقي إلى التفكير في خيارات بديلة عوضًا عن الانسحاب الكامل الذي كان يفترض أن يتم في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2021 ويتم حينها تسليم المهام لقوات الأمن الصومالية.
من بين تلك التحديات التي واجهت بعثة “أميصوم” قرار الاتحاد الأوروبي بخفض رواتب الجنود والعاملين في البعثة، إلى جانب الخلافات المتكررة بين قيادة القوة العسكرية والحكومة الصومالية بشأن إدارة عمليات البعثة وخططها الإستراتيجية، ما دفع الطرفين إلى التفاوض بشأن صيغة توافقية تحكم مستقبل عمل البعثة العسكرية الإفريقية في الصومال، وترتيب آليات انتقالها لبعثة جديدة محدودة الأجل بمهام محددة وعدد أقل من الجنود، إذ كان عدد المشاركين في بعثة أميصوم 22 ألف جندي انخفض عددهم في بعثة أتميس إلى 19 ألف، يفترض أن يكون قد تم سحب 2000 جندي منهم يوم 30 يونيو/حزيران الماضي.
مهام إستراتيجية تتولاها “أتميس”
تتولى قوات الاتحاد الإفريقي بالصومال “أتميس”، مهام إستراتيجية، بما في ذلك، توفير الحماية لقادة الصومال ومصادره الاقتصادية مثل الموانئ والمطارات، حتى يصبح الجيش الوطني الصومالي قويًا بما يكفي لمواجهة حركة الشباب بمفرده، إضافة إلى فتح طرق الإمدادات الرئيسية وتوفير الأمن للمراكز الرئيسة للدولة، وتطوير قدرات وإمكانات القوات الصومالية وتمكينها من تسلم المهام الأمنية من قوات أتميس بنهاية تفويضها، ودعم جهود السلام والمصالحة وتعزيز الاستقرار السياسي في الصومال.
ومن المفترض أن تكون القوة الإفريقية التي تم سحبها يوم 30 يونيو/حزيران الماضي قد سلّمت مهامها الأمنية والعسكرية إلى قوات الأمن الصومالية، لكن المراقبين يعتقدون أن هناك العديد من الترتيبات والخطوات يجب أن تتم قبل إسناد مهام البعثة الإفريقية بالكامل إلى القوات الصومالية، مثل رفع الحظر عن تسليح القوات النظامية ومحاولة اختيار القادة بعيدًا عن المناطقية وأن يكون هناك دعم مادي ولوجستي دولي للقوات المحلية، في الوقت الذي يرى فريق آخر أن القوات الصومالية أصبح لديها اليوم استعدادات كبيرة ويمكنها القيام بأي دور.
مؤسس شركة إيجل رينج سيرفيسز، وهي شركة أمنية في مقديشو: لديّ قلق كبير من أن الصومال يمكن أن يكون أفغانستان أخرى إذا غادرت قوات الاتحاد الإفريقي البلاد
من بين هؤلاء مدير مركز مقديشو للدراسات عبد الرحمن إبراهيم عبدي، الذي يرى أن القوات الأمنية الصومالية حدث لها طفرة كبيرة في الفترة الأخيرة من حيث التدريبات والأعداد، الأمر الذي قد يؤهلها لتحمل مسؤوليات أكبر في مواجهة التهديدات التي تتعرض لها وملء أي فراغ قد يحدث مستقبلًا.
وأضاف عبدي في حديث لموقع الصومال اليوم “أعتقد أن القوات المسلحة الصومالية حققت خلال السنوات الأخيرة تطورات كبيرة ولافتة، سواء من ناحية العدد أم العتاد، وانضمت إليها كتائب متعددة تم تدريبها في داخل البلاد وخارجها، وتتمتع بتأييد كبير من القيادة السياسية”.
الجيش الصومالي مؤهل لتحمل مسؤولية الأمن
وتابع “أعتقد أن الجيش الصومالي قادر على تحمل مسؤولية الأمن في البلاد في حال انسحاب القوات الإفريقية من البلاد، والدليل على ذلك أن الجيش الصومالي يقوم في الوقت الحاليّ بعمليات أمنية ويشن هجمات على المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب دون دعم وإسناد من القوات الإفريقية وحقق انتصارات كبيرة”.
يتفق مع عبدي النائب السابق لرئيس وكالة المخابرات والأمن الوطنية الصومالية، إسماعيل ضاهر عثمان، الذي يعتقد أن المسلحين في دوامة هبوط وأنهم لا يستطيعون تعريض الحكومة الصومالية للخطر بمجرد مغادرة القوات الإفريقية للبلاد.
لكن عبد السلام يوسف جوليد مؤسس شركة إيجل رينج سيرفيسز، وهي شركة أمنية في مقديشو، من بين أولئك الذين أعربوا عن قلقهم، قائلًا: “لديّ قلق كبير من أن الصومال يمكن أن يكون أفغانستان أخرى إذا غادرت قوات الاتحاد الإفريقي البلاد، دون أن يحصل الصومال على قوات أمنية قوية ومسلحة جيدًا لديها تمويل دولي ودعم مماثل لتلك الخاصة بـ “أتميس””.
الانسحاب قد يؤدي إلى خروج الخلايا النائمة
وأضاف جوليد الذي شغل من قبل منصب النائب السابق لرئيس جهاز الاستخبارات الوطنية في الصومال، في حديثه لوكالة صوت أمريكا أن انسحاب القوات الإفريقية من الصومال قد يشجع الخلايا الإرهابية الكامنة على الخروج من مكامنها واستئناف أنشطتها التي قد تصل إلى حد العمليات الكبرى.
يتفق مع جوليد المحلل الصومالي عمر محمد، الذي يعتقد أنه من الصعوبة الجزم ما إذا كانت القوات الصومالية قادرة على سد الفجوة بعد انسحاب القوات الإفريقية، وربما الأمر سابق لأوانه، وأضاف في حديثه لوكالة “سبوتنيك”، أن هناك عدة عوامل داخلية وخارجية لها تأثير مباشر على نجاح القوات الصومالية في أداء مسؤولياتها الأمنية الوطنية.
لا يمكن التكهن بتأثيرات انسحاب القوات الإفريقية على الأمن في الصومال، لكن مما لا شك فيه أن الجيش الوطني الصومالي أحزر تقدمًا لا يستهان به في حربه المفتوحة ضد حركة الشباب
وتابع محمد “من العوامل الداخلية المؤثرة في قدرات القوات الصومالية، أن يتم بناء القيادات الوطنية للجيش الصومالي، المتنزهة عن القبلية والمناطقية والحزبية وعن الفساد والمحسوبية، حتى يطمئن الجميع لأداء الجيش والتعاون معه، علاوة على زرع الثقة في نفوس المجتمع الصومالي ومد جسور التواصل بينه وبين القوى الأمنية والعسكرية”.
لا فائدة من بقاء القوات الإفريقية
من جهتها ترى الكاتبة الصومالية منى الشيخ أن وجود القوات الإفريقية من عدمها لا يؤثر كثيرًا على الصومال، وزادت في تعليقها لـ”نون بوست” أن عناصر القوة تعمل من أجل الامتيازات والمخصصات وغير قادرة حتى على حماية أفرادها، في إشارة إلى الهجوم الأخير الذي شنته حركة الشباب على قاعدة تابعة لبعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية بمدينة “بولو مرير” على بعد 110 كيلومترات جنوب العاصمة مقديشو وقُتل فيه 54 جنديًا أوغنديًا.
تعتقد الشيخ أن التعديلات التي اعتمدها الرئيس شيخ محمود على قيادة أركان الجيش الصومالي مؤخرًا – بتوصية من وزير الدفاع – سيكون لها تأثير إيجابي على قدرات القوات المسلحة في مواجهة حركة الشباب.
وفي المجمل لا يمكن التكهن بتأثيرات انسحاب القوات الإفريقية على الأمن في الصومال، لكن مما لا شك فيه أن الجيش الوطني الصومالي أحزر تقدمًا لا يستهان به في حربه المفتوحة ضد حركة الشباب، إذ تمكن في الأشهر الماضية من استعادة عدد من المدن الإستراتيجية من قبضة الحركة مثل مدينة “غلعد” التابعة لولاية “غلمدغ”، ومنطقة “عيل علي هيلي” التابعة لإقليم “غلغدود” بالولاية نفسها.
لكن، كما أجمع المراقبون ينبغي على المجتمع الدولي خاصة شركاء الصومال (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) الاستجابة السريعة للطلب الذي قدمه الرئيس حسن شيخ محمود لمجلس الأمن الدولي برفع حظر استيراد الأسلحة المفروض على بلاده منذ 1992.
ففي كلمته أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي، قال الرئيس شيخ محمود: “حظر السلاح على الصومال أصبح عقبة بارزة تواجه البلاد في مسيرتها لتحقيق السلام”، مشيرًا إلى الإنجازات الملموسة التي حققتها بلاده، معتبرًا أن “الصومال عام 2023 ليس كالصومال في 1992”.