ترجمة وتحرير: نون بوست
نقلت جميع المنافذ الإعلامية البريطانية الكبرى تصريحات السياسي الشعبوي البريطاني نايجل فاراج أنه سيتم إغلاق حساباته المصرفية دون إشعار أو تفسير.
وقد منحت منافذ إعلامية على غرار ذا تايمز، والفاينانشيال تايمز، والغارديان، والتلغراف، والإندبندنت والميل والإكسبرس وإيفنينغ ستاندرد، وسبيكتاتور وغيرها فاراج مساحة واسعة للتعبير؛ حيث قارن بريطانيا الحديثة بالصين الشيوعية – وادعى أنه دون حساب مصرفي: “لن يكون قادرًا على العيش أو العمل”. وهذا ليس مجرد مبالغة.
في العالم الحديث، يُعدُّ امتلاك حسابٍ مصرفيٍّ مهم بقدر أهمية الكهرباء أو المياه الجارية، حيث لا يمكنك السفر إلى الخارج دون حساب مصرفي، وتصبح مثل المجرم، ويصبح من المستحيل عيش حياة طبيعية.
أدرك هذا لأنني تحدثت بإسهاب على مدى العقد الماضي مع عشرات الأشخاص الذين أغلقت حساباتهم المصرفية دون تفسير؛ ويواجه فاراج المصير ذاته.
فقد أحدهم وظيفته، وشهد آخر اندثار عمل حياته الذي كان عبارة عن مؤسسة خيرية، في حين تحدث رجل آخر ودموعه تنهمر وهو يصف الإذلال الذي لحق به ولأسرته.
هجوم من الدخان
لقد كتبتُ العديد من هذه القصص في “موقع ميدل إيست آي” البريطاني، ولكن لم تتم متابعة أي منهم في وسائل الإعلام البريطانية، أو اعتبار أيٍّ منها قضية من قبل السياسيين.
ويُعد السبب واضحا لأن الأشخاص المستهدفين، على الرغم من أنهم مواطنون بريطانيون بشكل أساسي، كانوا من المسلمين.
قبل أربع سنوات، ذكرتُ كيف أن مؤتمر الأويغور العالمي، الذي يرفع الوعي حول المحنة الرهيبة للمسلمين الصينيين، كان يحظر التحويلات المصرفية. تجاهلتني وسائل الإعلام البريطانية تمامًا، فاتصلت بزملائي الصحفيين لحثهم على متابعة القصة.
وظلت هذه القضية غير مهمة على الرغم من إدراج مؤتمر الأويغور العالمي في القائمة السوداء على أساس بعض المعلومات المضللة الصينية التي تقول بأنها جماعة إرهابية.
لقد كشفتُ عن كيفية منعت إنتربال، التي تعد من إحدى المؤسسات الخيرية البريطانية الرائدة التي تركز على تقديم الإغاثة والمساعدة الإنمائية للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وغزة، من جمع الأموال.
ووصفتُ كيف فقد المدير التنفيذي لمؤسسة قرطبة، أنس التكريتي، حسابه المصرفي، رفقة أفراد من عائلته، دون سبب، كما هو الحال في مسجد فينزبري بارك، الذي جُرد من حسابه بعد إدراجه زورًا كمنظمة إرهابية.
لقد فضحتُ كيف تلقت حملة التضامن الفلسطيني رسائل – فجأة – من بنكها الذين أغلقوا حساباتهم، دون إبداء أي سبب أو حق الاستئناف، وعندما كتبت عن المشكلة في الديلي تلغراف قبل عقد من الزمن، حجبت الصحيفة تقريري.
هذا الأسبوع ، تحدثتُ بإسهاب عما حدث لفاراج مع البنوك التي يتعامل معها.
الاستبداد البغيض
لقد أثرتُ الموضوع شخصيًا مع جورج أوزبورن عندما كان وزيرًا للخزانة، فقد ذهبت إلى الخزانة للقاء المسؤولة هارييت بالدوين، الوزيرة وشرحت محنة المسلمين المحرومين من حساب مصرفي. كما أطلعت أيضًا خليفتها جون غلين دون أي جدوى.
على النقيض من رد فعل وستمنستر (الحكومة البريطانية) عندما يفقد أي مسلم حسابه، الذي يقوم على عدم إيلاء الاهتمام لهذه المسألة، ولكن عندما فقد فاراج حسابه المصرفي فإن هذا الموضوع أثار جدلًا حادًا في شارع فليت ستريت.
وقد دافع عنه كتاب عمود مثل ريتشارد ليتلجون ودومينيك لوسون ورود ليدل ناهيك عن بعض السياسيين.
واستجاب وزير الخزانة جيريمي هانت بشكل فوري تقريبًا لهذه القضية، واعدًا باتخاذ إجراءات فورية، وسارت حذوه وزيرة الثقافة ليز فريزر ووزير الأمن توم توجندهات.
وحسب صحيفة الديلي ميل البريطانية، صرح مصدر بوزارة الخزانة أمس قائلا: “أن هذه المسالة مثيرة للقلق. لا ينبغي لأحد أن يحرم حسابه على أساس حرية التعبير. نتوقع اتخاذ إجراء بشأن هذه القضية في غضون أسابيع”.
إشارة تحذير
لا يمكنني المساعدة في مقارنة السرعة التي تحركت بها الحكومة نيابة عن فاراج مع عدم اكتراثها التام بمصير المسلمين البريطانيين وغيرهم على مدى سنوات عديدة.
تكشف هذه القضية مسألتين: أولاً، هي تعري الإسلاموفوبيا الهيكلية التي سممت وسائل الإعلام والسياسة البريطانية لفترة طويلة؛ فعندما يُغلَق للمسلمين حساباتهم المصرفية، لا أحد يهتم. ولكن عندما واجه نايجل فاراج المصير ذاته، فإنه يصبح مثل فضيحة وطنية.
لكن هناك نقطة أعمق؛ فمنذ أن انضم توني بلير إلى ما يسمى بـ “الحرب على الإرهاب” التي أطلقها جورج بوش، كان المسلمون البريطانيون ساحة اختبار للسلطوية الشريرة.
وكما أوضحت في كتابي “مصير إبراهام”؛ كان المسلمون المنخرطون في السياسة هم أول من عانى من ثقافة الإلغاء، بعد أن تم استبعادهم بشكل منهجي من الحياة البريطانية لسنوات عديدة، لكن لم يعترض أحد على هذه الممارسات القمعية.
لقد كان المسلمون أول من عانى من هجوم مالي الذي كان يتركز على إغلاق حسابات بنكية، والتي لم يعارضها أحد. باختصار؛ المسلمون هم بمثابة طلقة تحذير. الآن، قد يحدث هذا لفاراج، الرمز اللامتناهي للغرور والتعجرف للبيض من الطبقة الوسطى الإنجليزية.
دعونا لا ننسى أنه عندما فقد المسلمون البريطانيون حساباتهم المصرفية لأول مرة قبل عقد من الزمن؛ لم يحرك فاراج ولا أي سياسي بريطاني آخر ساكنًا في الدفاع عنهم.
اليوم؛ عندما طالهم التهديد ذاته، أصبحت فجأة فضيحة وطنية، وتهديدًا لحرية التعبير، ومن إحدى ممارسات الاضطهاد السياسي، وأضحت بريطانيا شبيهة بالصين الشيوعية؛ لذلك نقول لكم مرحبًا بكم في عالم المسلمين البريطانيين.
المصدر: ميدل إيست آي