ناقش مجلس النواب الأمريكي “الكونغرس”، الثلاثاء 20 يونيو/ حزيران، مشروع قرار يدعو إلى إنشاء محكمة دولية خاصة، لمحاكمة النظام السوري على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحقّ الشعب السوري، كما يهدف المشروع في الوقت ذاته إلى تجاوز حق النقض “الفيتو” الذي تستخدمه روسيا لصالح النظام السوري، ويعرقل تحقيق العدالة لملايين الضحايا.
نشر رئيس قسم التخطيط السياسي في المجلس السوري الأمريكي، محمد غانم، نص البيان الصادر عن التحالف الأمريكي لأجل سوريا، وجاء فيه أن هذه الخطوة تأتي بدعم من منظمات التحالف الأمريكي لأجل سوريا، إضافة إلى أن مشروع القرار يدعو الرئيس الأمريكي إلى توجيه سفيرة الولايات المتحدة للأمم المتحدة لاستخدام صوت وتصويت ونفوذ الولايات المتحدة للدعوة الفورية لإنشاء آلية دولية لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب، والجرائم بحق الإنسانية، وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
وفق البيان، ينوّه مشروع القرار إلى توافر كمّ كبير من المعلومات التي تثبت ضلوع النظام السوري بقيادة الأسد في انتهاك عدد كبير من الاتفاقات والمواثيق الدولية التي وقّعت عليها سوريا، كاتفاقية جنيف، منذ عام 2011، كما يشير إلى أن إقامة محاكم خاصة من هذا النوع عبر الأمم المتحدة جرت بنجاح في حالات مشابهة للحالة السورية مثل يوغسلافيا ورواندا وسيراليون.
بماذا يطالب المشروع؟
يطالب مشروع القرار بأن تعلن الولايات المتحدة دعوتها لذلك رسميًّا، وأن تساعد واشنطن في وضع أصول إجرائية قضائية تمكّن من إجراء محاكمات علنية وعادلة للمتّهمين باقتراف هذه الجرائم، كما يطالب بتعاون واشنطن مع هذه المحكمة الخاصة وتقدم لها الدعم والمعلومات، وحضّ جميع الدول الأخرى المعنية على إلقاء القبض على المتهمين.
جاء في الرسالة التي أرفقها التحالف الأمريكي لأجل سوريا مع مشروع القرار إلى أعضاء الكونغرس، أن “بعض القوى الإقليمية قد سعت مؤخرًا إلى التغاضي عن “الجرائم الوحشية” التي ارتكبها رئيس النظام بشار الأسد، وإلى تطبيع العلاقات معه والترحيب به مجددًا وكأن شيئًا لم يحصل، وأن محاسبة الأسد وأعوانه على جرائمهم أمر ضروري لضمان عدم تكرار هذه الجرائم”.
تأسّس التحالف من أجل سوريا في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بجهود الجالية السورية في الولايات المتحدة ومن 9 منظمات، وهي “أمريكيون من أجل سوريا حرة”، و”باك سوريا الحرة”، و”لائحة كيلا باك”، و”مواطنون من أجل أمريكا آمنة”، و”منظمة دعم العدالة”، و”سوريون مسيحيون من أجل السلام”، و”مبادرة الأديان من أجل سوريا”، و”المجلس السوري الأمريكي”، و”المنتدى السوري”.
يقوم التحالف من ذلك الوقت بلقاءات واجتماعات ونقاشات وحشد المناصرة والتأييد لإعادة الملف السوري إلى طاولة بايدن، وتوحيد الرسائل بين مختلف المنظمات، ليصل تأثيرها بشكل أكبر إلى صنّاع القرار الأمريكي في الكونغرس والإدارة الأمريكية.
محمد علاء غانم، المسؤول عن التخطيط السياسي في المجلس السوري الأمريكي والتحالف الأمريكي لأجل سوريا، أشار في حديثه لـ”نون بوست” إلى “أن التحالف عمره سنتَين فقط كتكتُّل، لكن بعض منظماته قديمة حتى قبل اندلاع الثورة، وفكرة التحالف وجهوده انطلقت لتوحيد السوريين والارتقاء بهم من العمل الفردي إلى الجماعي، ولعلّ ما نعاينه اليوم من قدرة على الوصول لصنّاع القرار الأمريكي هو ثمرة عملنا وتكاتفنا”.
وعن موجة تطبيع الدول مع نظام الأسد، قال غانم: “لقد نبّهنا من موجة التطبيع في فترات سابقة، ثم بدأنا العمل على مشروع قانون في الكونغرس الأمريكي وهو “قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد” لعام 2023، حيث طُرح في مايو/ أيار، وبعد يومَي عمل فقط من طرحه تمَّ تداوله في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب وأُقرَّ بالإجماع”.
مرَّ المشروع بموافقة الغالبية الساحقة من أعضاء المجلس، فيما صوّت عضو واحد فقط بـ”لا” معترضًا على القواعد الإجرائية لا على نص القانون، علمًا أن القانون يعدّ من أقوى التشريعات المتعلقة بسوريا منذ إقرار قانون قيصر عام 2019، لما يستطيعه من فرض عقوبات على المتعاملين مع النظام وأنصاره، ويمنع بشكل قاطع الحكومة الأمريكية من الاعتراف بأي حكومة يقودها بشار الأسد، كما يمنع تطبيع العلاقات مع نظامه.
ينوّه غانم في ختام حديثه إلى أن قانون مناهضة التطبيع وقانون إنشاء محكمة دولية يعتبران رأس الحربة في مواجهة التطبيع، وضرب جميع خطط النظام بعد محاولات تأهيله مجددًا، لافتًا أن هناك جملة من المشاريع التي يعمل عليها التحالف الأمريكي لأجل سوريا، حتى يصبح موضوع التطبيع مع النظام القاتل مستحيلًا من جهة، ولشلّ أركانه من جهة أخرى.
الظروف مواتية للاتجاه نحو الجمعية العامة
المحامي السوري محمد صبرا، والذي كان كبير المفاوضين في وفد المعارضة سابقًا، رأى في حديثه لـ”نون بوست” أن مشروع القانون الأمريكي مشروع مهم من ناحية سياسية، في حال نال موافقة مجلسَي النواب والشيوخ واقترن بموافقة الرئيس الأمريكي، أي لم يستخدَم حق النقض ضد هذا القانون.
ويمكن القول إن قبوله من الإدارة الأمريكية سيلزمها أيًّا كان توجهها، ديمقراطية أم جمهورية، بتأطير علاقتها مع نظام الأسد، أي أن زاوية المقاربة الأمريكية للمسألة السورية ستبقى من نافذة اعتبار بشار الأسد مجرم حرب ويجب ملاحقته، ما يعني أن على الإدارة الأمريكية بذل عناية من أجل إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة نظام الأسد على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
يتابع صبرا أن السابقة الأولى التي أُنشئت فيها محكمة دولية خاصة متعلقة بالانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان كانت في رواندا عام 1994، وذلك بالقرار الصادر عن مجلس الأمن برقم 955 لعام 1994، ونظريًّا يمكن للجمعية العامة أن تأخذ مثل هذا القرار عندما تمارس صلاحيات مجلس الأمن في صون الأمن والسلم الدوليَّين، وذلك استنادًا إلى القرار 377 د الدورة الخامسة 1950 (الاتحاد من أجل السلام).
ووفق صبرا، فإنه عندما يتم إغلاق مجلس الأمن أمام ممارسة اختصاصاته في حماية السلم الدولي، فإنه يتم نقل الحالة إلى الجمعية العامة لتنوب عن مجلس الأمن، بسبب تعذُّر اتخاذ قرار من مجلس الأمن نتيجة إغلاق المجال من قبل أحد الأعضاء الدائمين، واستخدامه حق النقض “الفيتو” بشكل مستمر.
جاء في مقدمة ميثاق روما المؤسِّس لمحكمة الجنايات الدولية، أن الجرائم ضد الإنسانية هي تهديد للأمن والسلم الدوليَّين، فكل ما يدخل ضمن إطار تهديد الأمن والسلام الدوليَّين، وكل ما يدخل في إجراءات صون وحماية الأمن والسلام، يدخل في اختصاص الجمعية العامة عندما تحال إليها القضية بدورة استثنائية، استنادًا إلى قرار الاتحاد من أجل السلام.
يعتبر صبرا أن الفقرة 15 من القرار 2118 الصادر عن مجلس الأمن بالإجماع والفقرة 21 بالقرار ذاته يمكن الاستناد عليهما، فالفقرة 15 تحدثت عن ضرورة محاسبة كل من ارتكب جريمة استخدام الكيماوي، والفقرة 21 تحدثت عن أن مجلس الأمن سيتخذ إجراءات استنادًا إلى الفصل السابع إذا تمّت مخالفة هذا القرار.
كما أكدت آلية التحقيق المشتركة بين مجلس الأمن والمجلس التنفيذي لمنظمة حظر السلاح الكيماوي استخدام السلاح الكيماوي بعد تاريخ 27 سبتمبر/ أيلول 2013، أي بعد تاريخ نفاذ القرار 2118، وبالتالي يمكن الاستناد إلى الفقرة 21 من هذا القرار لنقل الحالة السورية إلى الجمعية العامة لاتخاذ إجراءات تصون الأمن والسلم الدوليَّين، وذلك نتيجة إغلاق المجال أمام مجلس الأمن من القيام بمهمته بسبب الفيتو الروسي المستمر في الحالة السورية.
هل يوقف القرار قطار التطبيع؟
مع انتهاء أعمال الجولة الـ 20 الأخيرة من مسار أستانة حول سوريا، صدر بيان أكّد على سيادة سوريا واستقلالها، وأن الحلّ في سوريا ليس عسكريًّا بل وفق القرار الدولي 2254، وأن الاجتماع الرباعي في مسار التطبيع التركي مع النظام السوري ناقش التقدم المحرَز في خريطة استعادة العلاقات بين الطرفَين.
ذكر البيان أيضًا أن “الطبيعة البنّاءة لمشاورات نواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا وإيران، والتي تمَّ خلالها إعداد خريطة طريق لاستعادة العلاقات بين تركيا وسوريا، بالتنسيق مع عمل وزارات الدفاع والخدمات الخاصة بالدول الأربع”. ومن خلال قراءة البيان الختامي، يمكن استنتاج أن المباحثات أعطت النظام صفة جديدة، إلى جانب التطبيع شبه المجاني، حيث تمَّ تحويل النظام ضمن دائرة الدول الضامنة، بعد أن كان ذلك طرفًا مقابل المعارضة.
يقول مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري، محمد سالم، إن الخطوة التي يقوم بها النشطاء السوريون بالدرجة الأولى -عبر المساهمة في إقرار القوانين آخرها قانون إنشاء محكمة دولية- تساهم في عرقلة مسارات التطبيع، والتي تمَّ تأكيدها اليوم في بيان أستانة، كما تساهم في عرقلة إعادة الشرعية للنظام السوري، فمشروع هذا القانون إلى جانب قانون قيصر وقانون مكافحة الكبتاغون خطة إيجابية.
منوهًا في حديثه لـ”نون بوست”: “لا يعني هذا أنها خطوة مجمع عليها داخل الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، كما شهدنا في القوانين السابقة، فالإدارة الأمريكية التنفيذية لديها سلطة تقديرية في تطبيق القوانين، وقد أصدرت إدارة بايدن إعفاءات مباشرة وغير مباشرة للنظام السوري، كما أن مسارات التطبيع التي فُتحت تمّت بعد إعلام الإدارة الأمريكية التي لم تعترض عليها بشكل واضح”.
في المقابل، يبدو أن تركيا ماضية في المسار ذاته من طرفها، خاصة بعد تعيين وزير الخارجية الجديد الذي دشّن تلك التحولات تجاه مختلف الأطراف عندما كان على رأس عمل الاستخبارات، فيما يبقى أن النظام السوري قد يستمر في التعنُّت ويعرقل هذا المسار لأنه لا يريد عودة اللاجئين عمليًّا، وإذا قبل بإعادتهم فهو يربط ذلك بتدفق الأموال عليه تحت بند إعادة الإعمار، وهو ما لا تملكه تركيا لوحدها.
ختامًا، يمكن القول إن الفاعل الأمريكي وأمام ما يعاينه مع عمليات تقارب الأنظمة مع نظام الأسد، يريد أن يرسل رسائل إلى مختلف الفاعلين الإقليميين ومنهم تركيا، بأن الاستثمار السياسي طويل الأمد مع النظام غير مجدٍ، فهو تحت العقوبات وأمام مزيد من القوانين المقيدة له، وأنه لا يمكن استعادة شرعيته.
ما زالت الأنظار متجهة إلى الولايات المتحدة لمعرفة ما إذا كان سيُوافق على القانون الأخير الموضوع على طاولة بايدن، والذي قد يفسح المجال أمام عدّة احتمالات مصيرية لنظام الأسد تضعه على المحك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتضع الولايات المتحدة أيضًا أمام مسؤولياتها الحقيقية، بعد أن أعلنت أكثر من مرة أنها تريد من النظام السوري أن “يغيّر سلوكه”.