رحب الجيش السوداني – على لسان مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة – بمبادرة الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” (IGAD)، التي تقترح إجراء لقاء بين طرفي النزاع في البلاد من أجل وقف إطلاق النار وحل الأزمة المتواصلة منذ أشهر.
لكن هل يعني هذا الترحيب، نجاح هذه المبادرة، خاصة أن الأطراف السودانية المتنازعة امتهنت منذ بداية الصراع الترحيب بالمبادرات الإقليمية والدولية، أما على الأرض فالأمر معاكس تمامًا، فالاشتباكات متواصلة والدمار في تزايد.
مبادرة إيغاد
تتضمن مبادرة “إيغاد” لحل الأزمة السودانية، 3 نقاط، أولها إجراء لقاء في ظرف أسبوعين بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وفق تأكيد الرئيس الكيني وليام روتو، أمس الإثنين.
وأوضح روتو في نهاية قمة المجموعة المنعقدة في جيبوتي، التزام إيغاد بتنظيم لقاء “وجهًا لوجه” بين طرفي النزاع في إحدى عواصم المنطقة لإيجاد حل دائم للأزمة السودانية، مؤكدًا أن الهيئة ستشرع خلال 3 أسابيع في إدارة حوار وطني بين قوى مدنية سودانية لبحث الأزمة.
كما تشمل المبادرة المقترحة من هذه المجموعة الإفريقية الإقليمية بحث فتح ممرات إنسانية مع طرفي النزاع في غضون أسبوعين لتسهيل إيصال المساعدات، ولقاء بين البرهان وقادة جنوب السودان وكينيا وإثيوبيا وجيبوتي.
يستبعد أن تنجح مبادرة إيغاد، لنفس أسباب فشل المبادرات السابقة، فكل طرف في الصراع لا يريد التنازل للطرف المقابل
من جانبه، قال وركنه جيبيهو الأمين العام لهيئة إيغاد، إن لدى المجموعة “الآليات اللازمة لجعل الأطراف السودانية تجتمع على طاولة المفاوضات، وسنسعى إلى ذلك”، وتضم إيغاد 8 دول إفريقية هي: جيبوتي والسودان وجنوب السودان والصومال وكينيا وأوغندا وإثيوبيا وإريتريا.
بدوره أكد السكرتير التنفيذي لإيغاد، ورقنا جبيهو، إن المنظمة “قلقة للغاية بشأن العنف في السودان وتود التأكيد على أنه لا يوجد منتصرون حقيقيون في الحرب، ومن أجل وقف موثوق للأعمال العدائية، يجب أولًا وقف العنف وإراقة الدماء”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتوسط فيها إيغاد لحل الأزمة السودانية الحاليّة، فمنذ انطلاقها في أبريل/نيسان الماضي، تحاول إيغاد تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف في السودان، وتسوية الأزمة الحاصلة بسبب الصراع على السلطة، بشكل يضمن حماية المدنيين ووقف الحرب وعودة المدنيين للسلطة.
فرص النجاح
تدخل “إيغاد” في السودان لتسوية النزاعات، ليس وليد اليوم، فلهذه المنظمة تاريخ مع حلحلة الأزمات في السودان، ففي عام 1993 طلب الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير وساطة إيغاد في قضية جنوب السودان، لأن كل مراكز دعم التمرد تتركز في تلك الدول وعلى الأخص في أوغندا وكينيا، وفي ذلك الوقت كانت إثيوبيا وإريتريا تناصران حكومة البشير.
كما سعت المجموعة سنة 2003 إلى العمل على إيجاد تسوية للحرب في دارفور، ونجحت بمساعدة المجتمع الدولي في إبرام سلام بين نظام البشير والحركة الشعبية لتحرير السودان، انتهى بانفصال الجنوب عن الشمال، وقيام دولة مستقلة عام 2011.
كما ساهمت المنظمة، في حل نزاعات أخرى من بينها النزاع في جنوب السودان بين الرئيس سلفاكير ميارديت، ونائبه رياك مشار، ومنذ الإطاحة بحكم البشير سنة 2019، تحاول إيغاد تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف في السودان.
كلمة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار في قمة إيغاد#طيبة #السودان pic.twitter.com/8DUcHyv42c
— قناة طيبة الفضائية (@TaybaSD) June 12, 2023
تنطلق إيغاد من تاريخها في مهمة حل الأزمة السودانية، وهو ما يفسر ترحيب مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة السوداني لمقترح الهيئة الذي تضمن لقاءً في ظرف أسبوعين بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
ويمكن أن يؤدي جلوس كل من البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي وجهًا لوجه إلى إنهاء الحرب مباشرة، فكلاهما يدعي حرصه على التفاوض لمواصلة العملية السياسية في البلاد ووقف الحرب وعودة الحياة الديمقراطية في السودان.
كما يمكن أن تشكل الخسائر الكبيرة في صفوف طرفي النزاع، عاملًا إيجابيًا لوقف الحرب ونجاح مبادرة إيغاد، فالجيش والدعم السريع لا يمكنهما المواصلة في هذه الحرب في ظل الضغوطات الدولية والإقليمية الكبيرة الممارسة ضدهما.
ماذا لو فشلت المبادرة؟
صحيح أن الجيش السوداني رحب بالمبادرة، لكنها ليست المرة الأولى التي يفعل ذلك، إذ سبق أن رحب بباقي مبادرات الاتحاد الإفريقي ومبادرة جدة التي قادتها الرياض وواشنطن، فضلًا عن المبادرة الوطنية التي اقترحتها شخصيات مدنية سودانية لحل الأزمة، ومع ذلك فالوضع يزداد سوءًا يومًا بعد آخر.
الدعم السريع أيضًا، ما فتئ يرحب بأغلب المبادرات، لكن خطابات الترحيب، كانت موجهة للخارج، أما الداخل فلا صوت يعلو فوق صوت الرصاص والمدفعية والصواريخ، ما يعني أن كلا الطرفين لا يريد لهذه الحرب أن تنتهي الآن.
ورغم الهدنة المعلنة نهاية الأسبوع، يشهد السودان احتدام المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع ضمن الصراع الذي اندلع بينهما منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، واشتعلت الاشتباكات بين الطرفين في أكثر من منطقة، وكان لافتًا اتساعها لتشمل مناطق جديدة في العاصمة الخرطوم، فضلًا عن امتدادها إلى مناطق جديدة.
يرجح أن تزداد المعاناة أكثر، في ظل تواصل القتال بين طرفي النزاع، وعدم وجود بوادر حل في المستقبل القريب
تعتبر هذه المعارك، الأعنف منذ أسابيع، وفق العديد من التقارير الإعلامية، إذ شملت اشتباكات في العديد من الأحياء المكتظة بالسكان، كما شهدت استخدام الأسلحة الثقيلة والطائرات الحربية في مناطق عدة بمدن العاصمة الثلاثة: الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان.
ويستبعد أن تنجح مبادرة إيغاد، لنفس أسباب فشل المبادرات السابقة، فكل طرف في الصراع لا يريد التنازل للطرف المقابل، حتى لا يفقد الامتيازات التي يملكها، فكلاهما يريد أن يخرج من هذه الحرب رابحًا رغم صعوبة المسألة.
الأمر الوحيد الذي يمكن أن يوقف الحرب، هو خسارة أحد الطرفين، ودون ذلك فالحرب متواصلة ويمكن أن تتحول إلى حرب أهلية، خاصة أن العقوبات والضغوطات الخارجية من الصعب أن تؤثر على قوات الدعم السريع التي يصر قائدها على السيطرة على الحكم.
نفهم من هنا أن الضغط الدولي الممارس على طرفي النزاع، يعتبر ضعيفًا نوعًا ما، كأنه توجد إرادة خفية لتواصل الحرب لوقت أكثر، فالعديد من القوى الخارجية تستثمر في الحرب وتأمل في تواصلها بهدف الحصول على امتيازات أكثر.
وضع إنساني حرج
في الأثناء يستمر الوضع الإنساني في التدهور أكثر فأكثر، ما يستدعي تدخل المنظمات الإقليمية والدولية لإنقاذ السودانيين من خطر الموت المحدق بهم من كل جانب، خاصة أن طرفي النزاع يعرقلان وصول المساعدات الإنسانية للأهالي.
وتسبب الصراع الدائر في السودان منذ بدايته في منتصف أبريل/نيسان الماضي، في معاناة هائلة للأهالي، حيث فقد مئات الأشخاص حياتهم، وجرح الآلاف، بالإضافة إلى نزوح أكثر من 1.6 مليون شخص في الداخل والخارج.
#معركة_الحسم
🛑🛑
مالك عقار ;-
-ما يحدث في #السودان تمرد وليس حرباً أهلية والحكومة تسعى لمعالجتها
-نرحب بالمبادرة الجديدة التي أقرتها #إيغاد بشأن السودان
-التفاوض مع المتمردين يجري من أجل مصلحة السودان وإنهاء الأزمة.
🛑كسرة ;-
والله لا إيغاد ولا تفاوض #بل_بس ونبلك أنت كمان. ✋ pic.twitter.com/KlqyBLiTro
— #معركة_الحسم 🔥💪✌️🇸🇩 (@AbbasMo77873890) June 12, 2023
كان رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي موسى فكي قد حذر – خلال افتتاح القمة – من أنه إذا لم يتوقف القتال فورًا “فستحدث حرب أهلية في السودان، وأن الأوضاع التي تتفاقم في السودان تصل إلى حد تهديد المنطقة بأكملها”، واعتبر فكي أن الأزمة التي يمر بها السودان تمثل تهديدًا كبيرًا لوجوده، واصفًا إياها بعملية دمار ذاتي.
يرجح أن تزداد المعاناة أكثر، في ظل تواصل القتال بين طرفي النزاع، وعدم وجود بوادر حل في المستقبل القريب، ما يستدعي ضرورة تكثيف الضغط الداخلي والخارجي على البرهان وحميدتي لوقف الحرب والتوجه إلى طاولة الحوار.