ترجمة وتحرير: نون بوست
قاطع متظاهرون سير الاجتماع السنوي لمساهمي فولكس فاغن في برلين في أيار/ مايو حين ألقى أحدهم كعكة على المديرين التنفيذيين المجتمعين هناك تفاداها رئيس مجلس الإدارة هانز ديتر بوتش.
من بين الأمور التي أثارت غضب الناشطين مصنع سيارات على بعد حوالي 3500 ميل في منطقة شينجيانغ الصينية، حيث نفذت بكين حملة اعتقال جماعي وإعادة تأهيل وعمل قسري وصفتها الولايات المتحدة بأنها إبادة جماعية أقلية الأويغور العرقية.
لوّحت امرأة عارية الصدر في الغرفة بلافتة كُتب عليها “أوقفوا عمل الأويغور القسري” قبل اقتياد جميع المتظاهرين بعيدًا، بينما رفع ناشطون آخرون في الخارج لافتات كتب عليها “المعسكرات، والعمل القسري، والانفصال الأسري: يجب ألا يلتزم كبار المساهمين في فولكس فاغن في ساكسونيا السفلى الصمت بشأن الجرائم التي ترتكب في حق الأويغور”.
من جهتها، تنفي فولكس فاغن استخدامها في أي وقت العمل القسري في شينجيانغ، لكنها كانت أقل استعدادًا للتعامل مع الاتهام الأوسع نطاقًا: من خلال الحفاظ على المنشأة بناءً على طلب بكين، فإن الشركة – وبالتالي الحكومة الألمانية التي دعمت استثمارات شركة صناعة السيارات في الصين – توفر غطاءً سياسيًا للجرائم ضد الإنسانية.
قالت إيفا ستوكر، كبيرة مسؤولي المشروع في مؤتمر الأويغور العالمي، وهي مجموعة مناصرة لحقوق الأويغور وتقرير المصير، إنه “حتى لو لم يكن هناك عمل قسري، فإنها تظل رمزا كبيرا للحكومة الصينية لأنها تُظهر للعالم أنها تجلب الرخاء إلى المنطقة، لكننا نعتبرها إبادة جماعية”.
تزامن الانتقاد المتزايد لوجود فولكس فاغن في شينجيانغ مع تحول في الرياح السياسية والاقتصادية. أطلقت حرب روسيا على أوكرانيا نقاشًا أوسع حول التبعية الاستراتيجية، مع دعوة المسؤولون في بروكسل وواشنطن إلى “عدم المخاطرة” فيما يتعلق ببكين. في الوقت نفسه، تؤثر المخاوف بشأن تغير المناخ على سوق السيارات؛ حيث تستعد شركات صناعة السيارات الكهربائية الصينية لتحدي العلامات التجارية القديمة في أوروبا على أراضيها.
كل هذا يشكل لغزًا لشركة فولكس فاغن التي قادت الشركات الغربية إلى السوق الصينية في الثمانينيات وما زالت تعتمد على الأعمال التجارية هناك بنسبة 15 في المائة من أرباحها قبل الضرائب و37 في المائة من مبيعات السيارات الجديدة خلال السنة الماضية.
من غير المرجح أن تكون معاملة الصين للأويغور محورية في المناقشات. يستضيف المستشار الألماني أولاف شولتز وفداً صينياً برئاسة رئيس الوزراء لي تشيانغ هذا الأسبوع. لكن علاقة فولكس فاغن بالصين، وانتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكب هناك، توضح اعتماد برلين غير المريح بشكل متزايد على بكين – والتحديات التي من المرجح أن تواجهها ألمانيا في الوقت الذي يسعى فيه الغرب إلى تحويل عدم المخاطرة من الكلام إلى الأفعال.
العمل القسري
إن التواطؤ المحتمل في الإبادة الجماعية تهمة قد يتوقع المرء أن تكون شركة فولكس فاغن حساسة تجاهها. عندما تأسست الشركة في سنة 1937 من قبل منظمة العمل الوطنية التابعة للحزب النازي، استخدمت سجناء معسكرات الاعتقال كعمال سخرة، ومات مئات الأطفال الرضع جوعًا في منازل مخصصة لهم تديرها فولكس فاغن.
خلال الهولوكوست، أرسل النازيون أعداءهم المحتملين إلى معسكرات الإبادة. في شينجيانغ، وثّقت جماعات حقوق الإنسان عمليات الاعتقال الجماعي والتعقيم القسري وقمع الممارسات الدينية، بما في ذلك حرق المساجد، وفصل مئات الآلاف من أطفال المدارس عن آبائهم، وهي ممارسات يعتقد الكثيرون أنها تفي بتعريف الإبادة الجماعية من خلال التمهيد إلى “التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية”.
شجبت حكومة الولايات المتحدة انتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ باعتبارها إبادة جماعية، كما فعلت الهيئات التشريعية الوطنية في فرنسا وهولندا والمملكة المتحدة وليتوانيا وكندا، بينما لم يتخذ البوندستاغ الألماني أي موقف، على الرغم من أن وزيرة الخارجية أنالينا بربوك دعت إلى حظر السلع المصنوعة من العمل القسري وإجراء تحقيقات في تصرفات الصين في شينجيانغ.
اكتشف الصحفيون الاستقصائيون آثارًا لمعسكرات العمل القسري على بعد 15 ميلاً من مصنع فولكس فاغن في شينجيانغ، وهو مشروع مشترك مع سايك موتورز، أكبر مصنع سيارات مملوك للدولة في الصين. ذكرت صحيفة بوليتيكو وغيرها من وسائل الإعلام أن استخدام السخرة كان متفشياً في المنطقة لدرجة أن المدارس نظمت أطفالها للقيام بأعمال يدوية.
قال إركين زونون، كبير منسقي مؤتمر الأويغور العالمي ومقره ميونيخ، إنّه “بالقرب من المصنع، هناك سبعة معسكرات اعتقال … لذلك هذا ما لا تستطيع فولكس فاغن إنكاره، لكنهم يقولون إنهم ليسوا على صلة بهم”. وأضاف “لا أحد يستطيع أن يقول مائة بالمائة إنه لا توجد علاقة بالعمل القسري”.
قال رالف براندستاتر، رئيس عمليات فولكس فاغن في الصين، بعد زيارة لمصنع شينجيانغ في آذار/ مارس، إنه لم يعثر على دليل على وجود عمل قسري، مضيفًا: “يمكنني التحدث إلى الناس واستخلاص استنتاجاتي. كما يمكنني محاولة التثبت من الحقائق [من الشريك في المشروع المشترك سايك]، وهذا ما فعلته”. وتابع: “لم أجد أي تناقضات”، مستشهدًا بسبعة موظفين تحدث إليهم عبر مترجمين.
على مدى السنوات القليلة الماضية، أجرى الدبلوماسيون الأوروبيون المقيمون في الصين تحقيقات متكررة حول وجود فولكس فاغن في شينجيانغ، وذلك وفقًا لثلاثة دبلوماسيين طالبوا بعدم الكشف عن هويتهم للتحدث بصراحة عن مراسلاتهم. فقد تلقوا، مرارا وتكرارا، نفس الإجابة. قال أحدهم: “إنهم يصرون دائمًا على عدم وجود عمل قسري، وأن الأقليات التي يوظفونها في المصنع المحلي ليست عمالة قسرية”، مضيفًا: “إنهم لا يهتمون بما يحدث خارج المصنع”.
رفضت فولكس فاغن الاتهام بأن الشركة من خلال تواجدها في شينجيانغ متواطئة في انتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكب هناك. وقال متحدث باسم فولكس فاغن الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: “هل سيتغير شيء ما إذا غادرت فولكس فاغن؟ لدينا شكوك حول هذا”.
صرّح المتحدث بأن الشركة تدفع لموظفيها في المصنع في المتوسط 30 في المائة أكثر من شركات صناعة السيارات الأخرى في المنطقة ولم يكن لديها عمليًا أي فصل للموظفين في السنوات الأخيرة. وقال المتحدث: “نحن نقدم لحوالي 250 عاملاً وعائلاتهم حياة جيدة في المنطقة”.
اتفاق الشيطان
بالنسبة لها، فإن استثمار فولكس فاغن في شينجيانغ – وقرار الشركة البقاء هناك رغم انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة – ليس له معنى يذكر فيما يتعلق بالسمعة أو من الناحية الاقتصادية.
منذ تطبيق سياسة الإغلاق بسبب كوفيد، لم يتم استخدام المصنع لتجميع المركبات أو الإنتاج، بل كمركز فرز للسيارات المتجهة إلى الوكلاء المحليين. وفي السنة الماضية، قالت فولكس فاغن إن حوالي 10.000 سيارة – بمعدل أقل من 28 في اليوم – تم فرزها من خلال المنشأة، مع خطط لزيادة هذا المعدل خلال السنوات القليلة المقبلة. وقال المتحدث الرسمي إن الموظفين في الموقع يقومون بفحص مقاومة المياه وضوابط الجودة وتقييم أنظمة مساعدة السائق.
يجب النظر إلى هذا الاستثمار في السياق الأوسع لاتفاق فولكس فاغن مع بكين، فالوصول غير المقيد إلى السوق الصينية أمر بالغ الأهمية لجميع شركات صناعة السيارات الألمانية، ولكن بالنسبة لفولكس فاغن فإن هذا ما يجعلها علامة تجارية عالمية ذات وزن ثقيل. ما يقارب 40 في المائة من مبيعات السيارات العالمية لشركة فولكس فاغن كانت في الصين السنة الماضية، محققة ارتفاعًا عن 31 في المائة قبل عقد من الزمن، وذلك وفقًا لبيانات مركز إدارة سيارات في كولونيا.
حسب دبلوماسي غربي رفيع المستوى، فإن وجود فولكسفاغن في شينجيانغ هو جزء من “اتفاقية الشيطان” التي فرضتها الحكومة الصينية على شركة السيارات الألمانية قبل 15 سنة. بموجب الاتفاق، كان على شركة فولكس فاغن الموافقة على بناء مصنع جديد في شينجيانغ – الذي كان ولا يزال راكدًا اقتصاديًا – مقابل الحصول على إذن لفتح عشرات المصانع الجديدة في المنطقة الساحلية الشرقية النابضة بالحياة اقتصاديًا، وكذلك المقاطعات الوسطى المزدهرة.
أورد المتحدث باسم فولكس فاغن أن “الافتراض المضلل هو أننا اضطررنا، وأننا افتتحنا المصنع مدفوعين من الحكومة في بكين، وهذا ليس صحيحًا. لقد كان ذلك جزءًا من خطة أكبر – استراتيجية التحرك نحو الغرب”، في إشارة إلى طموحات الشركة للتوسع في الأجزاء الأقل تطورًا في الصين.
واليوم، قد يؤدي الانسحاب إلى تعريض العلاقات مع بكين للخطر حيث تتعامل الصين غالبًا مع تعبيرات القلق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ على أنها تأييد لما تعتبره ضغطًا أمريكيًا على البلاد.
قال توماس ستيج، رئيس جماعة الضغط في فولكس فاغن للصحفيين في آذار/ مارس، إن فولكس فاغن عازمة على التعايش مع التزاماتها التعاقدية مع سايك للبقاء في شينجيانغ على الأقل حتى سنة 2030. وذكر المتحدث باسم الشركة: “هذا المصنع مملوك ومشغل من قبل مشروع مشترك غير خاضع للسيطرة، ويجب اتخاذ جميع القرارات بالإجماع”.
حسب ما قالته مجموعة فولكس فاغن في بيان مكتوب فإنها “تقف بحزم ضد العمل القسري”، وتأخذ مسؤوليتها عن حقوق الإنسان على محمل الجد في جميع مناطق العالم، بما في ذلك الصين. وفي عالم تسوده العولمة، لا يمكننا حقًا تعزيز مكانة ألمانيا كموقع تجاري إلا إذا حافظنا على علاقاتنا مع اللاعبين الاقتصاديين الرئيسيين مثل الصين وطورناها أكثر”.
التطوّر الأخضر
بينما تتمتع فولكس فاغن تقليديًا بدعم قوي من برلين لاستثماراتها في الصين، بدأت الرياح السياسية في الوطن في التغير. يأتي الهجوم الرئيسي من حزب الخضر، الشريك الأصغر في الحكومة الائتلافية الألمانية، ودعواته إلى اتباع دبلوماسية “تحركها القيم”. ففي أيار/ مايو 2022، أعلنت وزارة الاقتصاد الألمانية بقيادة روبرت هابيك ذو الثقل في حزب الخضر أنها ستوقف جميع خطط ضمان الاستثمار للشركات التي تتطلع إلى الاستثمار في منطقة شينجيانغ في الصين بسبب تدهور وضع حقوق الإنسان.
لم يتم تمديد ضمانات الاستثمار لشركة فولكس فاغن لأن اللجنة الوزارية التي تتخذ قرارًا بشأنها قررت أن الشركة “لديها القليل من السيطرة والمعرفة … ضمن المشروع المشترك لمواجهة مخاطر حقوق الإنسان بشكل مناسب”، وذلك على حدّ قول مسؤول ألماني.
اتخذت وزيرة الخارجية بربوك موقفًا أكثر صرامة محذّرة الشركات من أنه لن يتم إنقاذها بأموال دافعي الضرائب إذا “ساءت الأمور” في أجزاء أخرى من العالم، وهو موقف لم يمر دون أن يلاحظه أحد في بكين. فعندما زارت بربوك الصين في نيسان/ أبريل، حذّر نظيرها تشين جانج برلين من أنها يجب أن تفكر في مصالحها التجارية.
قال تشين: “يتعين على الجانبين الحفاظ على التعاون القائم وتعزيزه، وخلق بيئة مواتية وتوقعات مستقرة للتعاون بين شركات البلدين، وتوفير محركات نمو أقوى للاقتصاد العالمي”. وكانت أول استراتيجية للأمن القومي في ألمانيا، صدرت الأسبوع الماضي، تنتقد الصين لتجاهلها حقوق الإنسان، على الرغم من أن الوثيقة لا تتعمق في التفاصيل. وتخطط برلين أيضًا لإطلاق استراتيجية مخصصة للصين في تموز/ يوليو.
بالنسبة لشركة صناعة السيارات، أصبحت سياسة حزب الخضر تجاه الصين مصدر إزعاج. قال فرديناند دودنهوفر، مدير مركز أبحاث السيارات، وهي مجموعة صناعية لها علاقات وثيقة مع فولكس فاغن وشركات صناعة السيارات الصينية: “إنه حقًا جنون”.
أصرّ دودنهوفر على أن شركة صناعة السيارات الألمانية فعلت كل ما في وسعها لضمان معايير عمل جيدة في مصنع شينجيانغ. ولم يعتقد أن الشركة تطرقت إلى بكين بشأن إمكانية إغلاق المصنع أو نقل ملكيته إلى شركائها الصينيين. وقال “أعتقد أنهم ناقشوا الأمر داخليًا، لكن … إذا بدأت في الحديث عن هذه القضية [مع الصينيين]، فعندئذ تبدأ في معارضة أهم سوق لديك في العالم”.
تهديد المركبات الكهربائية
تكمن المفارقة في أن رهان فولكس فاغن الباهظ من الناحية الأخلاقية قد لا يؤتي ثماره. بعد التمتع بعقود من الريادة في السوق، يكافح عملاق صناعة السيارات الألماني للتعامل مع الزوال الوشيك لمحرك الاحتراق ويواجه تحديات غير مسبوقة من السيارات الكهربائية صينية الصنع، التي من المقرر الآن أن تصبح “الخطر الأكبر” الذي يواجه شركات صناعة السيارات الأوروبية، وفقًا لتقرير صادر عن شركة “آليانز ترايد”.
حتى مع تضاعف مبيعات فولكس فاغن في السوق الصينية، فإن شركات صناعة السيارات الصينية ذات تكنولوجيا البطاريات الأرخص بدأت تكتسح أوروبا، وذلك مع إطلاق علامات تجارية مثل بي واي دي وعريت وول ونايو وإكس بانغ العابرة للقارة.
بينما لا تشكل السيارات الكهربائية سوى حوالي 5 في المائة من المبيعات الأوروبية، فرض المنظمون في الاتحاد الأوروبي التخلص التدريجي من محرك الاحتراق بحلول سنة 2035. ويتوقع أحد التحليلات أن تشكل الواردات الصينية ما يقارب خمس إجمالي المبيعات الأوروبية بحلول سنة 2025 – وهي أخبار سيئة للعلامات التجارية القديمة المحلية.
وحتى إذا وجدت فولكس فاغن طريقة للصمود في الداخل، فقد تكون استثماراتها في الصين في خطر إذا وضعت أوروبا الحواجز التجارية ضد السيارات الصينية، كما دعت فرنسا. ومن شبه المؤكد أن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى إجراء متبادل من بكين، التي لم تتردد في استخدام عضلاتها التنظيمية لدفع مصالحها الدبلوماسية.
في سنة 2017 – على سبيل المثال – عندما سعت كوريا الجنوبية إلى شراء نظام دفاع صاروخي من الولايات المتحدة لدرء التهديد من كوريا الشمالية، عارضت بكين هذه الخطوة علنًا، وتراجعت مبيعات سيارات هيونداي وكيا لاحقًا، مما أثار خلافات مع الوكلاء وأدى إلى إغلاق المصنع.
وفي عهد الرئيس شي جين بينغ، سعت الصين أيضًا إلى تقليص الحصة السوقية للشركات الأجنبية. وفي مجال الاتصالات – على سبيل المثال – زاحمت الشركات المحلية الثقيلة مثل هواوي وزيد تي إي اللاعبين الأوروبيين مثل إريكسون ونوكيا. وربما احتاجت الصين إلى الشركات الغربية لبدء تنميتها الصناعية، ولكن مع سعي شي لتقديم الصين كبديل للغرب؛ فإن هذه المرافق تتلاشى بسرعة. بعبارة أخرى، بالنسبة للمديرين التنفيذيين في شركة فولكس فاغن، قد يكون المحتجون الذين يقذفون الكعك أقل ما يقلقهم.
المصدر: بوليتيكو