شكل إعلان المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تدشين عملية “طوفان الأقصى”، بارقة أمل لأكثر من 5500 أسير وأسيرة فلسطينية في سجون الاحتلال، أمضى بعضهم ما يزيد على 40 عامًا في السجون، فيما يرفض الاحتلال الإفراج عن البعض الآخر.
مع نجاح المقاومين الفلسطينيين من كتائب القسام (الذراع العسكرية لحركة حماس) وسرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في أسر مجموعة من الإسرائيليين، عاد الأمل ليتسلل إلى نفوس الأسرى، لا سيما من يقضون أحكامًا بالسجن المؤبد العسكري.
منذ عام 2014 تحتفظ كتائب القسام بـ4 جنود أسرى هم: أبراهام منغستو وهشام السيد وهدار غولدين وشاؤول أرون، ولم تقدم أي معلومات بشأن مصير أرون وغولدين، فيما نشرت مقاطع فيديو لمنغستو والسيد في أكثر من مناسبة.
في الوقت ذاته، رفض الاحتلال الإسرائيلي الاستجابة لعروض قدمتها المقاومة الفلسطينية في أكثر من مناسبة كان أبرزها عرض “الصفقة الإنسانية” خلال فترة جائحة كورونا قبل 3 أعوام، إذ ماطل الاحتلال في الاستجابة لمطالب المقاومة الفلسطينية.
إلى جانب ذلك، سعت المقاومة الفلسطينية للضغط على الجبهة الداخلية الإسرائيلية من خلال نشر هذه المقاطع للجنود أو الإشارة بالتسريبات والتصريحات أحيانًا كثيرة، إلا أن كل ذلك لم يسهم في الوصول إلى صفقة تبادل على غرار صفقة شاليط “وفاء الأحرار” عام 2011.
علاوة على ذلك، فقد سعت المقاومة الفلسطينية إلى زيادة غلتها من الجنود الأسرى خلال معركة سيف القدس في مايو/أيار عام 2021، إلا أن العملية لم تكلل بالنجاح، ما يعكس حرص المقاومة الفلسطينية الشديد على إنجاز صفقة تبادل جديدة.
تبدو الإجراءات التصعيدية التي تشهدها السجون الإسرائيلية خلال العامين الأخيرين دافعًا إضافيًا للمقاومة في غزة، في ظل وجود الوزير المتطرف إيتمار بن غفير على رأس وزارة الأمن القومي في حكومة بنيامين نتنياهو الائتلافية التي تضم تشكيلًا واسعًا من المتطرفين.
وشهدت السجون خلال الآونة الأخيرة سيلًا من الانتهاكات الإسرائيلية كان أبرزها عملية الاقتحام الأخيرة التي شهدها سجن جلبوع من بن غفير، وسعى من خلالها للتضييق على الأسرى الفلسطينيين وزيادة حجم الضغط عليهم خلال الفترة المقبلة.
الجنود الأسرى.. أوراق ضغط إضافية
حمل الخطاب السياسي والعسكري لقادة حماس وذراعهم العسكرية إشارة واضحة إلى أن أحد أهداف هذه الجولة زيادة الغلة من الجنود الأسرى، بما يسهم في إنجاح صفقة تبادل جديدة بعد إفشال الاحتلال لكل المحاولات والتحركات السابقة.
رغم عدم وجود حصيلة إجمالية، فإن التسريبات أظهرت وجود ما لا يقل عن 30 جنديًا وضابطًا ومستوطنًا في يد المقاومة الفلسطينية في غزة تم نقلهم من المواقع والمستوطنات المحاذية للقطاع على يد المقاومين الذين تمكنوا من أسرهم في عمليات خاطفة.
كما أكد الناطق العسكري باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، امتلاك المقاومة لعشرات الأسرى بالقول: “نبشّر أسرانا وأبناء شعبنا أن في قبضة كتائب القسام عشرات الأسرى من الضباط والجنود وقد تم تأمينهم في أماكن آمنة وفي أنفاق المقاومة”.
يشكل هذا الإعلان نجاحًا إضافيًا لحماس وذراعها العسكرية في امتلاك أدوات ضغط جديدة تستخدم في إبرام صفقة تبادل مستقبلية بعد تنصل الاحتلال من إبرام صفقات تبادل على مدار 9 سنوات ماضية تنكر فيها لجميع الجهود التي بذلها الوسطاء.
تلعب بعض العوامل دورًا مهمًا منها طبيعة الأسرى والضباط الذين تمكنت حركة حماس من أسرهم خلال عملية “طوفان الأقصى” ومواقعهم العسكرية، فضلاً عن الأعداد التي ستنتهي بهذه المعركة، وستكون الأعلى في تاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
بالتوازي مع هذا الأمر، فإن امتلاك فصائل أخرى مثل حركة الجهاد الإسلامي أسرى إسرائيليين يعد عاملًا مساندًا لزيادة تدخل الوسطاء، في محاولة للوصول إلى صفقة تبادل شاملة، إلا أن هذا الأمر يعتمد على التجاوب الإسرائيلي وتلبية شروط الفصائل في غزة.
مزيد من عمليات الأسر
من الناحية العملياتية لا يبدو أن لدى الأذرع العسكرية بما فيها حركة حماس مشكلة في أسر المزيد من الإسرائيليين على الصعيد العسكري والسياسي، باعتبار أن هذا الأمر سيدفع نحو تنفيذ صفقة تبادل جديدة بوساطات إما عربية وإما أممية في أسرع وقت.
إلا أن العائق الوحيد قد يتثمل في الجهد الأمني والاستخباري الذي ستدفعه المقاومة في غزة لتأمين كبار الجنود والضباط خلال فترة أسرهم في القطاع التي قد تمتد لفترات ليست بالقصيرة، ما من شأنه أن تجعل الأذرع العسكرية عمليات الأسرى في نطاق ضيق.
تقديرات أولية : هناك أكثر من 150 أسير إسرائيلي الآن في قطاع غزة . #طوفان_الأقصى #طوفان_القدس pic.twitter.com/AAiX4VxAKQ
— سعيد بشارات Saaed Bsharat (@saaed_bsharat) October 7, 2023
إلى جانب ذلك، يبدو المشهد ميدانيًا غير منفتح على تنفيذ عمليات أسر جديدة، إلا إذا أقبل الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ عمليات برية داخل القطاع، على غرار ما حصل خلال عام 2014 أو خلال حرب عام 2009 ومن نطاق دفاعي للمقاومة.
يبقى الأمر مرتبطًا بطبيعة الأهداف التي ستمتلكها المقاومة الفلسطينية خلال الأيام والساعات المقبلة، لا سيما إذا اتسعت رقعة المواجهة مع الاحتلال وأخذت سيناريوهات غير مسبوقة أو قريبة من مواجهة عام 2014 التي استمرت 51 يومًا.
هل تملك حماس أوراق قوة أخرى ضد الاحتلال؟
عكست جولات الحروب والتصعيد المختلفة منذ عام 2006 وحتى الآن تطورًا فريدًا من نوعه في قدرات المقاومة الفلسطينية في القطاع وما تمتلكه من أدوات وأوراق ضغط على الاحتلال، دفعته في أكثر من مناسبة للإقدام على وقف التصعيد وطلب التهدئة.
بالتالي، فإن الأذرع العسكرية وتحديدًا حركة حماس عملت على تطوير أدوات ضغط متعددة أبرزها عمليات الأسر والتسلل خلف الخطوط، إلى جانب السيطرة الميدانية على المواقع العسكرية المحاذية للقطاع، فضلًا عن حضور جبهات أخرى كالضفة الغربية ولبنان.
ما يعني أن الأوراق المتعلقة بملف الأسرى تبدو منحصرة في طبيعة الأسرى الإسرائيليين في يد المقاومة ونوعيتهم، فيما تبدو الأوراق الأخرى المتعلقة بالعمل الميداني ومحصورة فيما تخبئه جعبة المقاومة التي أماطت النقاب عن منظومات صاروخية جديدة ووحدة مظليين.
من الناحية العملية يمكن القول إن المقاومة الفلسطينية تمتلك المزيد من أدوات الضغط على الاحتلال خلال الفترة المقبلة فيما يخص الأسرى، وهي أدوات من شأنها أن تستخدم للتفاوض بشكل أكبر وأوضح خلال المرحلة المقبلة.