اختطف عناصر قوات الدعم السريع في 3 يوليو/ تموز الحالي، فتاتين من منزلهما في منطقة الحلفايا شمالي الخرطوم بحري، قبل أن تعيدهما بعد 5 ساعات تحت وقع احتجاجات غاضبة على هذا الجرم.
في اليوم التالي، حاولت قوة تابعة للدعم السريع اختطاف فتاة من منزلها تحت تهديد السلاح في منطقة شمبات المجاورة للحلفايا، فيما اختطفت قوة تابعة للقوات ذاتها، في 24 يونيو/ حزيران الفائت، فتاة قاصرًا من حي المسالمة بأم درمان.
تعطي جرائم اختطاف ومحاولة اختطاف الفتيات المعلنة أو غير المعلنة، خلفية كافية عن العنف الجنسي المتصل بالنزاع الذي يرتكَب ضد الطفلات والفتيات والنساء، منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/ نيسان 2023.
بيئة مناسبة لتزايد العنف
مع اندلاع الحرب، ارتفع عدد النساء والفتيات اللواتي بحاجة للحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي من 3 ملايين إلى 4.2 ملايين امرأة وفتاة، وتخطط الأمم المتحدة لتقديم الحماية لنحو 1.3 مليون امرأة وفتاة فقط.
تجدُ العديد من الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، صعوبة بالغة في التبليغ عن تعرضهن للعنف، نظرًا إلى انعدام الأمن وتعطُّل عمل مؤسسات الدولة، بما في ذلك الشرطة والنيابة والقضاء.
تقود فترة مكوث الرجال في المنازل لفترات طويلة بعد توقف أعمال معظم السودانيين بما فيها الحكومية، إلى زيادة العنف المنزلي والأسري وارتفاع حالات الطلاق.
تشتكي فتيات نزحن مع أسرهن إلى مدن وأرياف السودان من العاصمة الخرطوم، في مواقع التواصل الاجتماعي، من القيود المتزمّتة المفروضة عليهن في الأماكن التي نزحن إليها، وهذا يعود بشكل رئيسي إلى اختلاف الثقافات والمفاهيم بين الخرطوم والولايات.
ومع استقبال الأسر في المدن والقرى الآمنة المزيد من الفارّين من الحرب، من أقاربهم ومعارفهم، تتضاعف المخاوف من تعرض كثير من النساء للعنف القائم على النوع الاجتماعي.
نزح أكثر من 2.2 مليون شخص داخليًّا، منهم 280 ألف نازح يقيم في مخيمات وملاجئ ومبانٍ عامة، فيما يعيش البقية مع المجتمعات المضيفة، كما عبر 700 ألف آخرين الحدود إلى الدول المجاورة، وفقًا لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة.
وعادةً ما تقود فترة مكوث الرجال في المنازل لفترات طويلة بعد توقف أعمال معظم السودانيين بما فيها الحكومية، إلى زيادة العنف المنزلي والأسري وارتفاع حالات الطلاق، خاصة في ظل الضغوط الاجتماعية والمالية التي يرزح تحتها العدد الأكبر من السكان.
والوضع الحالي في السودان، مع اشتداد المعارك الحربية وتوسعها إلى نطاق واسع في كردفان ودارفور ومخاوف انتقال النزاع إلى المناطق الآمنة، يجعل كثيرًا من الفتيات والنساء معرضات لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي.
استمرار ارتكاب الفظائع
وثّقت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل التابعة لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وقوع 42 حالة اعتداء جنسي في العاصمة الخرطوم قُيّدت معظم البلاغات فيها ضد قوات الدعم السريع، كما سجّلت 25 حالة عنف جنسي في نيالا بجنوب دارفور، و21 حالة في الجنينة بولاية غرب دارفور، جميعها على يد الدعم السريع.
حالات العنف الجنسي المتصل بالنزاع المبلغ عنها والموثّقة لا تتجاوز نسبة 2% من العدد الفعلي للحالات في الخرطوم.
وتتحدث الوحدة عن تنامي حالات الاختفاء القسري للنساء والفتيات وظاهرة الاستهداف العرقي لهن، مطالبةً قوات الدعم السريع بوقف الانتهاكات ضد النساء والأطفال، لا سيما الانتهاكات الإنسانية.
وقالت الوحدة في 10 يونيو/ حزيران المنصرم، إن حالات العنف الجنسي المتصل بالنزاع المبلغ عنها والموثّقة لا تتجاوز نسبة 2% من العدد الفعلي للحالات في الخرطوم، وذلك بناءً على الخدمات المقدمة وشهادات الشهود العيان، ورصد الحالات من مواقع التواصل الاجتماعي.
وآنذاك، أفادت بتلقيها تقارير عن تزايد جرائم الخطف والعنف الجنسي الجماعي في الخرطوم، والتي تستهدف مع الأسف صغيرات السن (12-17 عامًا)، وفي جُلّ هذه الحالات أشارت أصابع الاتهام إلى قوات ترتدي زي الدعم السريع، وفقًا لإفادة الشهود.
وتشدد الوحدة على أن 9 ولايات من أصل 18 ولاية سودانية، ترزح تحت تهديد استخدام العنف الجنسي المتصل بالنزاع سلاحًا للحرب، وأداةً لإثارة الفوضى والتحقير العرقي، ووسيلة لتهجير مواطنين آمنين من بيوتهم وشوارعهم ومدنهم.
ترتكب فظائع العنف الجنسي المتصل بالنزاع، رغم توقيع السودان اتفاقًا إطاريًّا مع الأمم المتحدة في مارس/ آذار 2020، للقضاء على هذا النوع من العنف في إقليم دارفور غرب البلاد.
وعلى الأرجح، يرتكب عناصر الدعم السريع جرائم العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، في سياق استراتيجية متعمّدة لتمزيق نسيج المجتمع وإذلال السودانيين وترويعهم وإجبارهم على ترك منازلهم، ما يرقى إلى تصنيفه ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ضغوط دولية
دعا كبار مسؤولي الأمم المتحدة، في بيان مشترك في 5 يوليو/ تموز، إلى وضع حدّ فوري للعنف القائم على النوع الاجتماعي، والذي يشمل العنف الجنسي المتصل بالنزاع، وعدم استخدامه كوسيلة من وسائل الحرب لترويع الأشخاص.
تلقّى أيضًا مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في السودان، تقارير موثوقة عن وقوع 21 حادثة عنف جنسي مرتبطة بالنزاع ضد ما لا يقلّ عن 57 امرأة وفتاة، ومن بين الحوادث هناك حادثة اغتصاب 20 امرأة في هجوم واحد.
إطالة أمد الصراع يعني أن معظم النساء والفتيات معرضات لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي المتصل بالنزاع، إن لم يكن كلهن.
ويقول المسؤولون إن العدد الحقيقي لحالات العنف أعلى بكثير من المعلنة، حيث تجدُ العديد من الناجيات صعوبة في الإبلاغ عن العنف الجنسي، بسبب مفهوم الخزي والوصمة والخوف من الانتقام.
ويشيرون إلى أن اللاجئات أبلغن عن تعرضهن للعنف القائم على النوع الاجتماعي، عند فرارهن من الخرطوم إلى مناطق أخرى، ويؤكدون على أن خطر التعرض للعنف الجنسي يرتفع عندما تنتقل النساء والفتيات بحثًا عن أماكن أكثر أمنًا.
ويقدم صندوق الأمم المتحدة للسكان الرعاية الجنسية والإنجابية الطارئة، التي تضمّ الإدارة السريرية لحالات الاغتصاب، للناجيات من العنف الجنسي وفقًا للبيان المشترك.
ومع ذلك، يقول مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تروك، إن النساء والفتيات اللواتي تعرضن لوحشية العنف الجنسي لا يتلقين سوى القليل من الدعم الطبي والدعم النفسي الاجتماعي، أو أنهن لا يتلقين دعمًا على الإطلاق.
ويبدو أن تروك محقّ في قوله: “أنهن لا يتلقين دعمًا على الإطلاق”، حيث توقف عمل 67% من المستشفيات في مناطق النزاع جراء قصفها أو إخلائها قسريًّا، بجانب النقص الحاد في المعينات والأدوية والكوادر الطبية، فيما تشير تقارير إلى أن 60% من المرافق الصحية في السودان توقفت عن العمل.
وغالبًا تجد الفتيات والنساء اللواتي تعرضن لعنف جنسي صعوبة في الحصول على العلاج في الوقت الحالي، نظرًا إلى صعوبة الحركة وانعدام الأمن وتعطُّل عمل معظم المستشفيات.
يملك السودان سجلًّا سيّئًا في محاسبة الضالعين في العنف الجنسي قبل اندلاع الحرب الحالية، بسبب تعمُّد استخدامه كوسيلة للإذلال في الصراع في دارفور أو ضد المتظاهرات، وانتشار سياسة الإفلات من العقاب.
وهذا السجل السيّئ، مع إطالة أمد الصراع وبدء الجيش تدريب المدنيين للقتال بجانبه واصطفاف القبائل في صفّه أو صف قوات الدعم السريع، يعني أن معظم النساء والفتيات معرضات لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي المتصل بالنزاع، إن لم يكن كلهن.