بدأت حرب جنرالات السودان تأخذ طابعًا انتقاميًا ومميتًا مع دخولها في الشهر الثالث، وهو ما ظهر بوضوح في عملية اغتيال خميس عبد الله أبكر في ولاية غرب دارفور الأربعاء 14 يونيو/ حزيران الحالي، بعد ساعات من اعتقاله بواسطة قوة تابعة لقوات الدعم السريع.
تحولت الحرب التي اندلعت بين الجيش والدعم السريع في 15 أبريل/ نيسان الفائت، بعد أسبوع واحد، إلى قتال عرقي في عاصمة ولاية غرب دارفور الجنينة التي جرت استباحتها بشكل كامل، حيث جرى تدمير المرافق الطبية ومؤسسات الدولة ومقرّات المنظمات الإنسانية بما في ذلك التابعة للأمم المتحدة، علاوة على الأسواق والأحياء السكنية.
وظلَّ الوالي القتيل متواجدًا في الجنينة، يتحدث لوسائل الإعلام عن الحصار الذي تفرضه الميليشيات المسلحة على المدينة، وآثار القتال الذي تسبّب في مقتل 1200 فرد وإصابة أكثر من 3 آلاف آخرين وفرار قرابة 100 ألف شخص من منازلهم.
مع بدء الشهر الثالث لمعارك #السودان.. مخاوف من أن مقتل والي غرب #دارفور ربما يُخرج الحركات المسلحة في الإقليم عن حيادها https://t.co/hJ5VTWRUyh pic.twitter.com/LO6ekIEMeX
— Anadolu العربية (@aa_arabic) June 15, 2023
اتهامات موجهة إلى الدعم السريع
قال خميس أبكر، في مقابلة مع قناة “الحدث”، إن قوات الدعم السريع والميليشيات المساندة لها استباحت المدينة تمامًا، فيما لم يتحرك الجيش في الجنينة من ثكناته لحماية المدنيين، كما انتقد حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، لعدم استجابته لنداء استغاثة أرسله له قبل أكثر من شهر.
وبعد ساعات من هذه المقابلة، بثّت حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي مناصرة لقوات الدعم السريع مقاطع فيديو، تُظهر إنزال الوالي من سيارة عسكرية داخل مقر القوات بولاية غرب دارفور، وبجانبه قائدها اللواء عبد الرحمن جمعة فيما يحاول الجنود الاعتداء عليه.
بعثة الأمم المتحدة في السودان قالت إن إفادات شهود عيّان مقنعة نسبت اغتيال خميس أبكر إلى الميليشيات العربية وقوات الدعم السريع.
وانتشر، عقب وقت وجيز من اعتقال الوالي، مقطع فيديو يُظهر جثته ملطخة بالدماء بعد التمثيل بها، في مشهد قد يؤدي إلى زيادة وحشية العنف والعنف المضاد المستشريَّين في مناطق إقليم دارفور.
اتهم الجيشُ قواتَ الدعم السريع باختطاف واغتيال المسؤول الأول في ولاية غرب دارفور، وقال إنها “تضيف بهذا التصرف الوحشي فصلًا جديدًا إلى سجلّ جرائمها البربرية، التي ظلت ترتكبها بحقّ كل الشعب السوداني”. وأعلن رئيس هيئة أركان التحالف السوداني، الصادق إبراهيم المقدم، احتفاظ التحالف بحقّ الرد إزاء اغتيال خميس أبكر من قبل قوات الدعم السريع، مشيرًا إلى أن سلوكها يتنافى مع المواثيق الدولية في التعامل مع الأسرى.
يترأّس الوالي القتيل التحالف السوداني الذي يضم 12 حركة مسلحة قاتلت نظام الرئيس المعزول عمر البشير، ووقّعت مجتمعة ضمن حركات أخرى اتفاق سلام مع حكومة السودان في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وبموجبه تولّى خميس أبكر منصب والي ولاية غرب دارفور.
نفت قوات الدعم السريع اغتيال الوالي، وقالت إنه قُتل على أيدي متفلتين من إحدى القبائل التي داهمت مقر إقامته، حيث طلب الحماية منها لتسرع إلى إحضاره لمقرّ حكومي، إلا أن “المتفلتين داهموا المكان بأعداد كبيرة ودارت اشتباكات مع القوة المتواجدة في المقر، ما أدّى إلى خروج الأوضاع عن السيطرة، واختطاف الوالي واغتياله بدم بارد”. لكن بعثة الأمم المتحدة في السودان قالت في بيان إن إفادات شهود عيّان مقنعة نسبت اغتيال خميس أبكر إلى الميليشيات العربية وقوات الدعم السريع.
للآسف عدم تحرك القوات المشتركة وصمت الحركات المسلحة قد تسقط الجنينة وزالنجي ونيالا والفاشر والضعين، وستكتب تاريخ مخجل ان هناك حاكماً بدون منطقة، هذه الحرب ليس فقط بين الجيش والدعم السريع هذه الحرب لها ابعاد كبيرة وخطيرة ولا تقبل المحايدة والتفرج خلف الشاشات ++#الجنينة_تنزف pic.twitter.com/Xkk17ZfVtb
— كريشة | krisha (@krisha_tokar) June 14, 2023
تداعيات محتملة
تحاشت بعض القوى السياسية وجميع الحركات المسلحة الموقّعة وغير الموقّعة على اتفاق السلام، في بيانات إدانة واستنكار، اتهام قوات الدعم السريع بارتكاب عملية اغتيال الوالي، حيث نسبت الفعل إلى مسلحين، ربما لإدراكها خطورة الأوضاع في دارفور.
إن اغتيال شخصية بثقل والي غرب دارفور، يمثل أكبر تهديد لحياة قادة الحركات المسلحة، حيث إن من قتله لن يتورّع عن تكرار الأمر، ما يدفعهم إلى الانخراط الفعلي في الحرب سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وفي مواقع التواصل الاجتماعي، انصبَّ الغضب على الحركات المسلحة لعدم اهتمامها بنداءات الوالي عن تطورات الأوضاع في ولاية غرب دارفور، وعدم اكتراثها بحماية المدنيين في ظل القتال الدائر قدر حرصها على الاستمرار في المناصب الحكومية.
الحركات المسلحة تتاجر بإنسان دارفور منذ سنين طويلة،والآن تقف متفرجة ولا تريد ان تزج بقواتها في هذه الحرب لكي تساوم بهم في الحصول علي مناصب مجددا.
إضافة الي ان هؤلاء الحثالة قلوبهم مليانة حقد وكره اتجاه انسان الشمال.
إضافة الي انهم في اشد الفرح بإقتتال الجيش وميليشيا الجنحويد https://t.co/BCly3fLJso
— Yasir (@oxyMgen) June 15, 2023
وأظهر قادة الحركات الذين يتولون مناصب سيادية ووزارية على المستوى القومي وأخرى إقليمية في دارفور، بما في ذلك منصب حاكم الإقليم، الحياد في المعارك الدائرة بين الجيش والدعم السريع.
ولا شك أن اغتيال شخصية بثقل خميس أبكر يمثّل أكبر تهديد لحياة قادة الحركات المسلحة، حيث إن من قتله سواء ميليشيات عربية أو الدعم السريع لن يتورع عن تكرار الأمر، ما يدفعهم إلى الانخراط الفعلي في الحرب سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وتتمثل الطريقة المباشرة في الاصطفاف بجانب الجيش ضد الدعم السريع والميليشيات التي تسانده، إذ إن الأخيرة لا تمثل تهديدًا لحياة القادة فقط، إنما تمتد إلى بعض القبائل ذات الأصول الأفريقية، مثلما يحدث في غرب دارفور التي يدور فيها نزاع عرقي دامٍ.
أما الطريقة غير المباشرة قد تحدث بذريعة حماية المدنيين على غرار قوات الحركة الشعبية ـ شمال التي يتزعّمها عبد العزير الحلو، فهي تُحاصر حاليًّا مدينة كادوقلي بولاية جنوب كردفان، جنوب السودان، ويتوقع أن تخضع لسيطرتها في وقت قريب.
توقعات أكثر احتمالًا
غُضّ الطرف عن الاحتمالية المرجّحة لانخراط الحركات المسلحة في الحرب، خاصة في إقليم دارفور الذي لا يزال يعاني من آثار حرب مدمّرة اندلعت عام 2003، فهي قد تمدّ المدنيين بالسلاح للدفاع عن أنفسهم، لا سيما في المدن التي تعيش اقتتالًا حاليًّا مثل زالنجي وسط دارفور وكُتم شمال دارفور.
وهذا الإمداد المتوقع توزيعه بطرق خفية من مقاتلي الحركات إلى أهلهم المنكوبين، ربما يأتي في سياق دعوة حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، المدنيين بمختلف أعمارهم إلى التسلح لحماية ممتلكاتهم.
ويتوقع أن تؤدي عملية اغتيال الوالي إلى نهج جديد في الصراع، باعتماد الاغتيالات السياسية كوسيلة لتصفية الخلافات عبر العنف، في ظلّ انتشار السلاح وتعدُّد الجهات التي تحمله من حركات مسلحة وميليشيات أهلية، وسيكون ذلك بدافع الانتقام والثأر.
ونشط الوالي المقتول، والذي ينتمي إلى قبيلة المساليت، وهي أكبر عرقية في ولاية غرب دارفور؛ مبكّرًا في العمل المسلح ضد النظام السابق، حيث أسّس مع عبد الواحد محمد نور ومني أركو مناوي أول حركة تمرد في دارفور، قبل أن تضربها الخلافات القَبَلية.
قد يمتد النزاع المتوقع، والذي يتغذى من دوافع الانتقام والرغبة في السيطرة على مزيد من الموارد، إلى مناطق أخرى في السودان، باعتبار الامتداد القَبَلي وعدم إمكانية إجراء تحقيق حاليًّا في ملابسات اغتيال الوالي.
ولاحقًا، بعد انشقاقه من الحركة الأمّ عام 2006، أسّس فصيل حركة تحرير السودان حارب في مناطق غرب دارفور حتى عام 2010، قبل أن يختفي عن الأنظار ويعود بعد عزل البشير مترئّسًا التحالف السوداني الذي وقّع مع حركات أخرى اتفاق السلام.
إن مقتل الوالي سيقود إلى إغضاب عشيرته وقبيلته وحركته والتحالف الذي يتزعّمه، ما يدفع إلى تنفيذ هجمات للثأر له، ويساعد في ذلك انعدام الأمن وعدم فعالية السلطة المركزية في الوقت الراهن، وهذا سيؤدّي إلى توسيع دائرة النزاع المسلح.
وقد يمتد النزاع المتوقع، والذي يتغذى من دوافع الانتقام والرغبة في السيطرة على مزيد من الموارد، إلى مناطق أخرى في السودان، باعتبار الامتداد القَبَلي وعدم إمكانية إجراء تحقيق حاليًّا في ملابسات اغتيال الوالي.
والشيء المؤكد أن الحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع تخطت أسباب الخلافات الأولى، إلى أسباب أخرى تؤدي إلى توسيع نطاقها وتعدد الأطراف المنخرطين فيها، مثل عملية اغتيال الوالي والغبن الاجتماعي المتزايد من عمليات القتل والنهب والعنف الجنسي وتدمير الممتلكات الخاصة والبنية التحتية.