تسبّبت الحرب الدامية التي اندلعت في السودان منذ 15 أبريل/ نيسان الماضي، في كارثة إنسانية بكل المقاييس، إذ أُصيبت العاصمة الخرطوم بالشلل في ظرف ساعات معدودة، قبل أن تتحول بمدنها الثلاث إلى منطقة حرب مفتوحة، تمارس فيها كل الانتهاكات من قصف عشوائي ونهب واغتصاب وحرق وتدمير للبنية التحتية.
معظم تلك الانتهاكات تورطت فيها قوات الدعم السريع التابعة لمحمد حمدان دقلو “حميدتي”، إذ استباحت العاصمة بأكملها، إلى جانب أجزاء واسعة من إقليم دارفور.
ورغم المعاناة التي يواجهها السودانيون منذ قرابة شهرَين، فإن الحرب أبرزت التكافل الكبير والتضامن الواسع مع الشعب السوداني، عبر العديد من المبادرات التي تهدف إلى تخفيف الكارثة الإنسانية ومساعدة المتضررين والنازحين داخليًّا.
منذ الساعات الأولى للاشتباكات منتصف أبريل/ نيسان الماضي، فضّل العديد من المواطنين السودانيين والمقيمين الأجانب مغادرة الخرطوم برًّا، بينما بقيَ كثيرون ظنًّا منهم أن الحرب لن تستمر طويلًا، في حين لم يتمكن البعض من المغادرة لعدم امتلاكهم الموارد المالية اللازمة.
لجان المقاومة تشكّل غرف عمليات
كعادتها في الكوارث والأوضاع الصعبة، تولّت الحركة الاحتجاجية المناهضة للحكم العسكري، والتي تعرَف باسم “لجان المقاومة”، الدور الأكبر في مساعدة المتضررين من الحرب، رغم أن اللجان ظلّت تدفع الثمن باستهداف أعضائها من قبل الجيش وميليشيا الدعم.
عملت لجان المقاومة على رصد ومتابعة الأوضاع على الأرض، كما شكّل الكثير من المنتمين إليها غرف عمليات طبّية في معظم أحياء العاصمة لمعالجة الإصابات وحالات الطوارئ الصحية، كذلك ينشط أعضاء آخرون في توفير الاحتياجات الإنسانية والقيام بدوريات ليلية لتأمين المنازل التي غادرها أهلها.
لجان مقاومة أبو آدم
“إيد علي إيد تجدع بعيد”
نرجو من حضراتكم وكل من يستطيع ان يساعد في امداد غرفة طوارئ أبوآدم بالاحتياجات المرفقة ان يتواصل معنا لاكمال حوجة الغرفة الطبية وضمان جاهزيتها :
دربات ملح وجلكوز و سكر
شاش معقم
شاش قطني
شاش فازلين
شاش لف
رباط ضاغط
بلاستر pic.twitter.com/O0j8Llpdkv
— لجان مقاومة أبوآدم (@AbuadamRC) June 7, 2023
وإلى جانب لجان المقاومة، توجد فئات أخرى من المتطوعين الذين عملوا وما زالوا يعملون بنشاط لأجل التخفيف من آثار الحرب، فعلى مواقع التواصل الاجتماعي ينشط مئات الشباب من الجنسَين لتنسيق المساعدات الغذائية وتوفير الدواء للمرضى الذين تقطّعت بهم السبل.
مبرمجو التطبيقات انضمّوا إلى المتطوعين
امتدادًا لجهود التطوع، ابتكر مطورون سودانيون ودشّنوا تطبيقات على الإنترنت، بهدف مساعدة المتطوعين والمتضررين في جهودهم لتخفيف معاناة حياة الناس اليومية، والإبلاغ عن المفقودات خاصة السيارات التي نهبتها ميليشيا الدعم السريع.
وهنا، نستعرض أبرز تلك التطبيقات:
“سلامات سودان”
صمّم تطبيق “سلامات سودان” اختصاصي البرمجيات السوداني الطيب حسن الشيخ، بهدف توفير الخدمات الأساسية وتخفيف عناء البحث عنها، كما يستقبل التطبيق وينشر إعلانات المفقودين والمخفيين قسريًّا والممتلكات المنهوبة مثل السيارات.
ويتميز تطبيق “سلامات سودان” (أندرويد – آيفون) بأنه يتيح لمستخدميه خاصية الإبلاغ عن الانتهاكات والعنف الجنسي، بالتعاون مع وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، مع اتّباع أقصى درجات السرية والخصوصية للضحايا.
مصمّم التطبيق الطيب حسن الشيخ تحدث إلى “نون بوست”، موضّحًا أن المواطنين كانوا يعانون في سبيل الوصول إلى الخدمات الأساسية (غذاء، دواء، تنقُّل)، ولفت إلى المبادرات الفردية التي قام بها متطوعون، لكنه رأى أن تجميع تلك المبادرات والجهود في منصة واحدة كان يشكّل تحديًا أساسيًّا.
وأضاف أنه وبصفته مطور تطبيقات، شعر بأنه تقع عليه مسؤولية المساهمة في تخفيف الأوضاع الإنسانية بتجميع المبادرات في مكان واحد، مشيرًا إلى أنه عبر التطبيق يمكن الإعلان عن وفرة أو حاجة إلى أي خدمة ما بحسب المنطقة، غذاء أو دواء أو طبيب أو وسيلة تنقُّل أو مواد غذائية وغيرها.
وأردف الشيخ لـ”نون بوست” أنه بمجرد نشر حاجة أو وفرة، فإن التطبيق يرسل إشعارات فورية لكل مستخدميه، ما يسهّل التواصل بين الشخص الذي لديه وفرة وطالب الحاجة، موضحًا أن التطبيق متاح بشكل مجاني على متجرَي Google Play وApple Store.
تطبیق “دكتور آب”
یوفر تطبیق “دكتور آب” خدمة الاستشارات الطبية المجانية، وذلك بإتاحة الفرصة للمستخدمين لطلب الاستشارة وتمكين الأطباء الموجودين بالمنصة من الردّ على الاستشارات الطبية، ويقول القائمون على التطبيق إنهم تحققوا من أن جميع الأطباء الذين يتعاملون معهم هم فعلًا أطباء مؤهّلون وموثوقون.
وذكر منشور لصفحة التطبيق على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أنهم تمكنوا حاليًّا من استقطاب أطباء عمومين واختصاصيين في طب الأسرة وطب الأطفال وأطباء الأسنان، موضّحين أنهم يسعون لإضافة اختصاصيين في المجالات المتبقية.
وأضاف مطورو التطبيق أنهم وتسهيلًا على المستخدمين أتاحوا خدمة استقبال الاستشارات عبر ماسنجر صفحة فيسبوك، ما يعني أن بإمكان المستخدم مراسلة الأطباء عبر رسائل الماسنجر، وإضافة أي صور تتعلق بالاستشارة (تحليل، دواء، تقرير طبي).
تطبيق “مرسالك”
يعدّ تطبيق “مرسالك” النسخة السودانية من تطبيق “مرسول” السعودي، الذي تأسّس في المملكة عام 2015 كشركة ناشئة تتخصص في خدمات التوصيل “أون لاين” لأي أحد من خلال مندوبي التوصيل.
يتيح التطبيق (أندرويد – آيفون) للعملاء الاختيار من بين مجموعة من مندوبي التوصيل حسب السعر الذي يحدده المندوبون أنفسهم، ثم يمكن للعملاء التواصل معهم عبر المحادثات النصية، وأن يطلبوا منهم شراء وتوصيل أي شيء من المتاجر أو المطاعم أو الصيدليات المختلفة، أو حتى توصيل أي غرض من مكان إلى آخر، وتتبُّع عملية التوصيل إلكترونيًّا.
وبحسب مطوري “مرسالك” السوداني، فإن التطبيق هو أحد أكبر التطبيقات المتخصصة في بيع وشراء وتسليم المنتجات.
مؤخرًا، أطلق مبرمجو “مرسالك” خاصية إرسال استغاثة أو تغطية حاجة من دون أي تكاليف على المستخدمين، إذ جاء في تغريدة على حساب التطبيق بموقع تويتر: “لطلبات الاستغاثة يمكنك استخدام تطبيق مرسالك وكتابة تفاصيل الاستغاثة أو الحوجة لتسهيل عملية الوصول لمكان الحوجة، وكلنا سوا حنقدر نعدي الأزمة بإذن الكريم”.
لطلبات الإستغاثة يمكنك إستخدام تطبيق مرسالك وكتابة تفاصيل الإستغاثة أو الحوجة لتسهيل عملية الوصول لمكان الحوجة🤝🏼♥️
وكلنا سوا حنقدر نعدي الأزمة بإذن الكريم🇸🇩♥️
لطلبات الإستغاثة عبر تطبيق مرسالك ⬇️https://t.co/6xWeWpODK5#مرسالك_بضغطة_زر#لا_للحرب_في_السودان#شيرك_حيساعد_غيرك pic.twitter.com/dAMA1HeZUj
— Mersalk | مرسالك (@AppMersalk) June 3, 2023
تطبيق “إي سوداني”
يتميز تطبيق “إي سوداني (بلاغ)” بأنه يقوم بتحديث خريطة لمواقع الاشتباكات والأماكن الخطرة لتحذير المواطنين من الاقتراب منها، كما يعمل التطبيق على مساعدة المواطنين لأجل معرفة احتياجات الأشخاص القريبين من بعضهم، ومعرفة أماكن توفر الخدمات القريبة.
وعند الدخول إلى تطبيق “بلاغ” تظهر للمستخدم كل الخدمات والطلبات القريبة من المنطقة، مع التنبيهات وتوضيح حالة المنطقة والشوارع المؤدية إلى الخدمة أو الطلب المعلن.
https://t.co/lcnbxgXh6fhttps://t.co/qYLcvZJUMm#sudan #السودان pic.twitter.com/JZ4WM1uX2f
— eSudani.com (@eSudani_com) June 13, 2023
محلل البيانات أحمد الأفندي يصف تلك المبادرات التي طوّرها مبرمجو التطبيقات بأنها “نور وسط الظلام”، مشيرًا إلى أن معظم البنوك أصبحت لا تعمل، والمصانع متعطلة وشركات القطاع الخاص باتت خاوية على عروشها، وكل وسائل الدفع الإلكتروني متعطلة بشكل كامل، ما عدا تطبيق “بنكك” الذي هو بحدّ ذاته متأرجح بسبب الحرب.
ويضيف الأفندي في مقالٍ له: “أتمنى أن نرى حلولًا تقنية أخرى أكثر فاعلية في كل ما تضرر بسبب الحرب، خاصة فيما يتعلق بالقطاع المالي والبنوك والدفع الإلكتروني”.
مثلما أظهرت الحرب الحالية في الخرطوم وحشية المقاتلين، خاصة عناصر الدعم السريع والمؤيدين لهم، فإنها أظهرت أيضًا التكافل الذي عُرف به الشعب السوداني، وكيف أن الكل يسعى بطريقته للانضمام إلى ركب المتطوعين من أجل تخفيف آثار الحرب الدامية.
لكنّ المشكلة تكمن في أن قدرة الناس على الصمود تتضاءل بمرور الوقت وطول أمد الحرب، فحتى الكثير ممّن كانوا ميسوري الحال بدأت مدخراتهم في النفاد تدريجيًّا، بسبب التدمير الممنهج والنهب الواسع والشلل الذي أصاب الحياة في العاصمة الخرطوم منذ أبريل/نيسان الماضي.
يبقى الأمل في إمكانية مقدرة الجيش السوداني على حسم المعركة قريبًا، أو على الأقل إضعاف الميليشيا ليسهّل فرض الشروط عليها أمام طاولة التفاوض، بخلاف ذلك ستكون معركة “البقاء على قيد الحياة” شيئًا في غاية الصعوبة للكثير من السودانيين.