ترجمة وتحرير: نون بوست
تعتبر الصين تايوان – ذات الحكم الذاتي – مقاطعة انفصالية ومن المتوقّع أن تخضع في النهاية لسيطرة بكين. وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن إعادة الوحدة مع تايوان يجب أن تتحقق، دون استبعاد استخدام القوة لتحقيق ذلك. في المقابل، تعتبر تايوان نفسها منفصلة عن البر الرئيسي الصيني ولها دستورها الخاص وقادتها المنتخبون ديمقراطيًا.
أين تقع تايوان؟
تايوان جزيرة تقع على بعد حوالي 100 ميل من ساحل جنوب شرق الصين، في ما يسمى بـ “سلسلة الجزر الأولى” التي تتضمن قائمة بالأراضي الصديقة للولايات المتحدة والتي تعتبر حاسمة بالنسبة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
إذا استولت الصين على تايوان، فإنها – حسب بعض الخبراء الغربيين – ستصبح أكثر حرية في استعراض القوة في منطقة غرب المحيط الهادئ، وربما حتى تهديد القواعد العسكرية الأمريكية في أماكن بعيدة مثل غوام وهاواي. لكن الصين تصر على أن نواياها سلمية جدًا.
هل كانت تايوان دائما منفصلة عن الصين؟
تشير المصادر التاريخية إلى أن الجزيرة خضعت لأول مرة للسيطرة الصينية الكاملة في القرن السابع عشر عندما بدأت أسرة تشينغ إدارتها. وفي سنة 1895، تنازلوا عن الجزيرة لصالح اليابان بعد خسارة الحرب الصينية اليابانية الأولى. استولت الصين على الجزيرة مرة أخرى في سنة 1945 بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية.
بعد ذلك، نشبت حرب أهلية في البرّ الصيني الرئيسي بين القوات الحكومية القوميّة بقيادة تشيانغ كاي شيك والحزب الشيوعي بزعامة ماو تسي تونغ. وهي الحرب التي انتصر فيها الشيوعيون سنة 1949 وسيطروا على بكين. فرّ تشيانغ كاي شيك ومن بقي من الحزب القومي – المعروف باسم الكومينتانغ – إلى تايوان، حيث حكموا لعدة عقود تالية.
تشير الصين إلى هذا التاريخ كمرجع لتقول إن تايوان كانت في الأصل مقاطعة صينية، في حين يعتبر التايوانيون نفس التاريخ دليلا على أنهم لم يكونوا أبدًا جزءًا من الدولة الصينية الحديثة التي تشكلت لأول مرة بعد الثورة في سنة 1911، بينما جمهورية الصين الشعبية تأسست رسميًا في عهد ماو في ذلك التاريخ أي سنة 1949.
منذ ذلك الحين، صار الكومينتانغ أحد أبرز الأحزاب السياسية في تايوان ليحكم الجزيرة طوال جزء كبير من تاريخها. وحاليًا، هناك 13 دولة فقط (بالإضافة إلى الفاتيكان) تعترف بتايوان دولةً ذات سيادة، بينما تمارس الصين ضغوطًا دبلوماسية كبيرة على الدول الأخرى لأجل عدم الاعتراف بتايوان، أو القيام بأي خطوة تنطوي على الاعتراف بها.
هل تستطيع تايوان الدفاع عن نفسها؟
قد تحاول الصين تحقيق “إعادة التوحيد” بوسائل غير عسكرية مثل تعزيز العلاقات الاقتصادية. ولكنْ في أي مواجهة عسكرية محتملة، فإن القوات المسلحة الصينية تفوق بكثير القوات التايوانية.
تنفق الصين أكثر من أي دولة – باستثناء الولايات المتحدة – على الدفاع، ويمكنها الاعتماد على مجموعة هائلة من القدرات، من القوة البحرية إلى تكنولوجيا الصواريخ والطائرات وحتى الهجمات الإلكترونية. قد يكون جزء كبير من القوة العسكرية للصين متمركزا في مكان آخر، إلا أنه بالنظر إلى عدد الأفراد المتواجدين فعلًا في الخدمة، هناك فرق هائل في موازين القوى بين الجانبين.
في صراع مفتوح، يتوقّع بعض الخبراء الغربيون أن تايوان يمكن أن تهدف في أحسن الأحوال إلى إبطاء هجوم صيني ومحاولة منع إنزال القوات “البحرية-البرية” الصينية على شواطئها، والاكتفاء بشنّ هجمات حرب عصابات في انتظار مساعدة خارجية. ويمكن أن تأتي هذه المساعدة من الولايات المتحدة التي تبيع الأسلحة لتايوان.
تعني سياسة واشنطن التي تتسم حتى الآن بـ “الغموض الاستراتيجي” أن الولايات المتحدة لم تكن واضحة بشكل متعمد بشأن ما إذا كانت ستدافع عن تايوان أو كيف ستدافع عنها في حالة وقوع هجوم.
من الناحية الدبلوماسية، تتمسك الولايات المتحدة حاليًا بسياسة “صين واحدة”، التي تعترف بحكومة صينية واحدة فقط – في بكين – وتربطها علاقات رسمية مع الصين بدلًا من تايوان.
لكن في أيار/ مايو من السنة الماضية، بدا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يشدد موقف واشنطن. فعند سؤاله عما إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان عسكريًا، أجاب قائلًا: “نعم”. وقد سارع البيت الأبيض حينها ليؤكد أن واشنطن لم تغيّر موقفها.
هل الوضع يزداد سوءا؟
تدهورت العلاقات بين تايوان والصين بشكل حاد بعد زيارة للجزيرة قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكي آنذاك نانسي بيلوسي في آب/أغسطس 2022، ونددت بكين بهذه الزيارة ووصفتها بأنها “خطيرة للغاية”.
أجرت الصين سلسلة من المناورات العسكرية، بما في ذلك إطلاق صواريخ باليستية، ركزت على 6 “مناطق خطر” حول تايوان 3 منها متداخلة مع المياه الإقليمية للجزيرة. قالت تايوان إن هذه الخطوة – التي أجبرت السفن والطائرات على سلك طرق أخرى حول تلك المناطق – تنتهك سيادتها وتصل إلى حد الحصار مما يعني أن التوترات بين الصين وتايوان شهدت تصعيدًا بالفعل.
في سنة 2021، بدا أن الصين تكثف الضغط بإرسال طائرات عسكرية إلى منطقة تحديد الدفاع الجوي المعلنة ذاتيًا في تايوان التي يتم فيها تحديد الطائرات الأجنبية ومراقبتها والسيطرة عليها لصالح الأمن القومي.
بلغ عدد الطائرات المبلغ عنها ذروته في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 بـ 56 توغلًا في يوم واحد، حيث قال وزير الدفاع التايواني إن العلاقات بلغت أسوأ مستوى لها منذ 40 سنة. بعد ذلك تم الإبلاغ يوميًا عن أكثر من 20 عملية توغل، طيلة 22 يومًا. وقد نشرت تايوان بيانات عن غارات الطائرات علنًا في سنة 2020.
يزعم خفر السواحل الصيني أن لديه السلطة القانونية لوقف وتفتيش الشحنات في المنطقة المحيطة بتايوان، وأن “عمليات التفتيش الميداني” على بعض السفن ستبدأ قريبًا. ومن جهتها، اعترضت تايوان على هذه الخطوة وأصدرت تعليمات للسفن التايوانية بعدم التعاون مع محاولات الصعود إلى متنها وتفتيشها.
لماذا تعتبر تايوان مهمة بالنسبة لبقية العالم؟
أولًا، الاقتصاد التايواني مهم للغاية. فأغلب المعدات الإلكترونية اليومية في العالم، انطلاقا من الهواتف إلى أجهزة الحاسوب المحمولة والساعات ووحدات التحكم في الألعاب، يتم تشغيلها بشرائح حاسوب مصنوعة في تايوان. ووفقًا لأحد المقاييس، فإن شركة تايوانية واحدة، وهي “شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات”، تمتلك أكثر من نصف السوق العالمية.
تتخصص شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات في الرقائق المصممة من قبل المستهلكين والعملاء العسكريين. إنها صناعة ضخمة بلغت قيمتها في سنة 2021 حوالي 100 مليار دولار (73 مليار جنيه إسترليني). والاستحواذ الصيني في تايوان قد يمنح بكين بعض السيطرة على واحدة من أهم الصناعات في العالم.
هل يشعر الشعب التايواني بالقلق؟
رغم التوترات الأخيرة بين الصين وتايوان، تشير الأبحاث إلى أن العديد من التايوانيين غير قلقين نسبيًا. في تشرين الأول/أكتوبر من سنة 2021، سألت مؤسسة الرأي العام في تايوان الناس عمّا إذا كانوا يعتقدون أن الحرب ستندلع في النهاية مع الصين. وما يقارب الثلثين (64.3 بالمئة) أجابوا بأنهم لا يعتقدون ذلك.
وتشير الأبحاث المنفصلة إلى أن معظم الأشخاص في تايوان يعرفون أنهم تايوانيون، ويتبنون هوية مختلفة تمامًا.
وتشير الدراسات الاستقصائية التي أجرتها جامعة تشنغتشي الوطنية منذ أوائل التسعينيات إلى أن نسبة الأشخاص الذين يُعرفون بأنهم صينيون أو الصينيون والتايوانيون على حد سواء قد انخفضت وأن معظم الناس يعتبرون أنفسهم تايوانيين.
المصدر: بي بي سي وورلد