ترجمة حفصة جودة
تخطط الحكومة العراقية لتوطين العراقيين القادمين من شمال شرق سوريا، ممن ثبتت علاقتهم بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أو ما زال الأمر مشكوكًا به، وذلك من خلال عملية مشحونة سياسيًا تثير الصراع على السلطة والمال بينما تسلط الضوء على تحديات إعادة دمج مواطنين متطرفين جزئيًا.
بعد أشهر من الجمود الذي ساد الموقف، نُقل نحو 650 مدنيًا أغلبهم من النساء والأطفال من مخيم الهول سيئ السمعة الأسبوع الماضي إلى مؤسسة مغلقة تقع في شمال العراق تُسمى “جدة 1” حيث سيقضون عدة أشهر قبل السماح لهم بالمغادرة.
ورغم أنهم لم يرتكبوا أي جرائم، فإن أقرباءهم انضموا إلى الجماعة الإرهابية وتعرضوا سنوات طويلة للأفكار المتطرفة.
تمكنت الغارديان بشكل حصري ونادر من دخول مخيم “جدة 1” الشهر الماضي والتقت بأربع عائلات، أُطلق سراحهم جميعًا لإفساح المجال للوافدين الجدد، ورغم أن العائلات عبرت عن راحتها لمغادرة سوريا، فإنهم يعيشون الآن على هامش المجتمع وفي خوف مستمر من الانتقام.
وبخلاف الدول الغربية التي قاومت إعادة الأفراد الذين سافروا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى داعش، إلا أن الحكومة العراقية تخطط لإعادة مواطنيها وتطالب بدعم دولي.
يقول سعيد الجياشي من المجلس الاستشاري للأمن القومي العراقي – مؤسسة حكومية تتولى عملية إعادة المواطنين -: “رؤيتنا ليست مجرد نقل العراقيين، إننا نريد إغلاق مخيم الهول، فهو يشكل تهديدًا للأمن القومي العراقي، فهناك تطرف خارج السيطرة ومن دون حكومة”.
تواجه العملية تعقيدات شديدة يضاعفها عدد الأشخاص الكبير، فمنذ 2021 أعاد العراق توطين نحو 5500 مدني من خلال مخيم “جدة 1″، وما زال العراقيون يشكلون نصف سكان مخيم الهول البالغ عددهم 50 ألف شخص، مقارنةً ببضع مئات من الجنسيات الأوروبية.
إضافة إلى ذلك، هناك 10 آلاف مقاتل داعشي مشتبه بهم، ثلثهم من العراقيين وهم محتجزون في مراكز احتجاز منفصلة شمال شرق سوريا.
يقع مخيم الهول على بُعد 13 كيلومترًا من الحدود العراقية، وتحرسه قوات سوريا الديمقراطية الكردية “SDF” التي تسيطر على شمال شرق سوريا.
حتى الآن ما زال هناك في المنطقة 900 جندي أمريكي لمنع داعش من إعادة التجمع، ولدعم قوات سوريا الديمقراطية ضد الحكومة السورية وضد تهديد الغزو التركي البري القادم من الشمال.
وفيما وصفه التحالف بقيادة أمريكا “قنبلة موقوتة”، شهد مخيم الهول ظروف إنسانية وأمنية سيئة وارتفاع معدل القتل وتلقين عقيدة داعش على نطاق واسع والبغاء والابتزاز من القوات الأمنية المحلية، يقع العراقيون في تلك القائمة ويتحملون غالبية العبء.
وبينما كانت أولوية قوات سوريا الديمقراطية التخلص من المدنيين، إلا أن الحكومة العراقية تسعى إلى إعادة المقاتلين العراقيين المحتجزين في سجون قوات سوريا الديمقراطية، وكجزء من اتفاقية غير رسمية عام 2021، فمع كل دفعة تضم 150 عائلة، يُنقل 50 مقاتلًا بشكل سري ويحالون إلى القضاء في المحاكم العراقية حيث سيواجهون غالبًا عقوبة الإعدام في محاكمات قالت عنها الأمم المتحدة إنها تفتقر للمعايير الأساسية.
والآن ترغب الحكومة العراقية في زيادة سرعة عمليات النقل وسط تزايد الضغط الدولي، يقول ماثيو مكفارلين، القائد العام للتحالف ضد داعش بقيادة أمريكا: “إننا نحاول إعادة الناس إلى أوطانهم بأسرع ما يمكن، إنها مشكلة إستراتيجية تتطلب حلًا دوليًا، وإذا لم تُعالج المشكلة ستتحول إلى مشكلة أمنية أكبر في سوريا”.
قام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في شهر مارس/آذار بزيارة مخيم “جدة 1” وأشاد بالجهود العراقية وقال إنها قدوة للعالم، لكن المقابلات المكثفة مع العائدين وموظفي الإغاثة والعاملين بالأمم المتحدة ومسؤولي الحكومة العراقية تثير تساؤلات عما إذا كانت عمليات التوطين تتوافق مع مبادئ الأمم المتحدة للعودة الآمنة والطوعية، كما تكشف عن الفشل في دمج العائدين.
غادرت الأربع عائلات المخيم دون الوثائق الأساسية مثل الهويات وعقود الزواج، الأمر الذي من شأنه أن يعيق تحركاتهم وحصولهم على الخدمات، ولم يملك أي منهم مكانًا للعيش فيه أو طريقة لدفع الإيجار، كما شعرت 3 عائلات بعدم الأمان للعودة إلى مناطقهم الأصلية، لكن اثنتين منهم اضطرتا إلى ذلك.
تقول سهى: “لم تسمح لنا قبيلتنا بالعودة إلى ديارنا”، فمن خلال أحد أشكال العقاب الجمعي الذي تفرضه عادات القبيلة، عاقبت القبيلة العائلة بأكملها لأن صهر سهى (شقيق زوجها) انضم إلى داعش.
ومثل الآخرين، فُصلت عائلة سهى في أثناء إعادة التوطين، ففي البداية جاء زوجها أحمد الذي يعاني من ظروف صحية نفسية، تقول سهى: “لم يستطع أن يتحمل مخيم الهول، إنه مريض وأنا زوجته، كان من المفترض أن أعود معه”، وبمجرد وصول سهى وأطفالها إلى مخيم “جدة 1” أطلقوا سراح زوجها وتركوه ليعول نفسه.
قال أحمد الذي بدا عليه الاضطراب بوضوح: “كنت أود البقاء في المخيم لكنهم أجبروني على الرحيل”، يعيش أحمد في بيت متهالك، وبغض النظر عن بعض أواني الطهي المبعثرة في أرضية المطبخ والسجادة الرقيقة التي يجلس عليها، لم يكن المنزل مفروشًا ولا تصله الكهرباء.
يدفع أحمد الإيجار عن طريق المال الذي ترسله سهى من مخيم “جدة 1” حيث تجني راتبًا متواضعًا من عملها لصالح منظمة غير حكومية، لكن عندما أُطلق سراح سهى وأطفالها في آخر شهر مايو/أيار، أصبحت العائلة مفلسة.
أنكرت وزارة الهجرة والنزوح – التي تدير “جدة 1” – تلك المخاوف بشأن المشكلات القبلية ونشرت مقطع فيديو لإطلاق سراح العائدين وهم يشكرون موظفي الوزارة.
قال علي عباس المتحدث باسم الوزارة: “حتى الآن لم تقتل القبائل أي شخص، معظم الناس يكذبون لأنهم يريدون البقاء في المخيم أطول فترة ممكنة للاستفادة من الطعام والدعم المادي المُقدم في المخيم”.
ورغم أن الحكومة والأمم المتحدة اتفقتا على أن الإقامة في المخيم لا يمكن أن تكون مفتوحة، فإن الرحيل من المفترض أن يكون طوعيًا، تقول مارا ريفكين أستاذ الحقوق بجامعة ديوك: “المغادرة الطوعية إحدى المبادئ الرئيسية في القانون الدولي وسياسية الأمم المتحدة لحماية النازحين داخليًا مثل المقيمين في “جدة 1″ من الإجبار على العودة إلى المنزل”.
إحدى نقاط الخلاف الأخرى هي كيفية التعامل مع الأفراد المتطرفين الذين سيشكلون النسبة الكبرى من الانتقالات المستقبلية، يقول حميد الشاطري رئيس جهاز الأمن القومي المسؤول عن فحص الأفراد قبل عودتهم: “كلما تقدمنا في العملية، واجهنا المزيد من التعقيدات، الآن وصلنا للنقطة التي تضم فيها كل عائلة في مخيم الهول شخصًا مطلوبًا على الأقل”.
يجب أن ينضم جميع المدنيين العائدين لبرامج إعادة التأهيل في المخيم التي تركز على الدعم النفسي والتدريب المهني، لكن مسؤولي الأمن يقولون إنها برامج سطحية ولا بد من وجود برامج أكثر شمولية ومكافحة للتطرف بدعم من المجتمع الدولي، أما العاملون في المجال الإنساني فيعارضون إجبار العائدين على المشاركة طالما لم يرتكبوا أي جرائم.
تضاءل اهتمام المانحين مع استمرار النزاع على السلطة بين مختلف هيئات الحكومة العراقية التي تتنافس على ملكية قضايا عالية المستوى والمحور العام تجاه قضايا أخرى مثل أوكرانيا، بينما تتنافس المنظمات الدولية على التمويل المتناقص.
قال مسؤول بالأمم المتحدة: “إن الوكالات تعاني من نقص المال، لذا فهم يتجهون إلى قصة مخيم الهول كطريقة للحصول على مزيد من التمويل”.
وفقًا لوثائق داخلية، فقد طالبت الأمم المتحدة بمبلغ قدره 96 مليون دولار لدعم العائدين من مخيم الهول لعامين قادمين، تُخصص ثلثي هذه الأموال لبرامج المصالحة المجتمعية وإعادة الاندماج التي تهدف إلى سرعة قبول العائدين من خلال بناء بنية تحتية محلية.
لكن هناك شكوكًا حتى داخل صفوف الأمم المتحدة، يقول أحد موظفي الأمم المتحدة: “إذا أعدنا بناء مركز صحي في قرية ووفرنا دخلًا مؤقتًا ليعمل به 300 شخص، فهل هذا يعني قبولهم للعائدين من مخيم الهول؟ بالطبع لا”.
اجتمع القادة المحليون في فندق ببغداد الأسبوع الماضي كجزء من برامج القبول المجتمعي المستمرة للأمم المتحدة، بعضهم يقف في صف العائدين بينما يطالب آخرون بتعويض الضحايا أولًا، فقد قال أحد الشيوخ “كيف أسمح لابن أحد أفراد داعش بالعودة بينما لم يحصل جاره في الشارع المقابل على تعويض عن تدمير داعش لمنزله؟”.
وحتى لو وافق الشيوخ فإن عائلات مخيم الهول لا تثق دائمًا بالسلطة، تقول نور – أم لأربعة أطفال -: “ربما لا يكون هناك أي مشكلة بالنسبة للشيوخ، لكن الناس ما زالوا يريدون الانتقام”.
عادت سهام – شقيقة زوج نور – وأطفالها إلى منزلهم قبل عدة أشهر، لكنهم يعيشون في الخفاء منذ ذلك الحين، رغم طمأنة قادة القبائل لهم، تقول سهام: “الناس لا يريدوننا، إنني أعيش هنا بشكل مؤقت فقط”، حتى إنها أرسلت ابنها البالغ من العمر 18 شهرًا بعيدًا خوفًا عليه من القتل.
عندما تركت نور مخيم “جدة 1” فضلّت استئجار منزل في بلدة أخرى بدلًا من العودة إلى منزلها، لكن السلطات تجبرهم على العودة بأي حال، والآن تخشى نور على أبنائها المراهقين، فالتجول في الشوارع ليس آمنًا لهم، كما أنهم أضاعوا سنوات من التعليم، وستلاحقهم دائمًا وصمة مخيم الهول، ما يجعل عثورهم على عمل أمرًا صعبًا، تقول نور: “لقد ضاع مستقبلهم”.
المصدر: الغارديان