جدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال حفل تنصيبه رئيسًا للجمهورية، التذكير بمشروع “الوطن الأزرق”، وقال: “سنحارب المنظمات الإرهابية داخل وخارج الحدود بشكل أكثر حزمًا، وسندافع عن حقوقنا وحقوق إخواننا وأخواتنا في الوطن الأزرق بشكل أقوى”.
ورغم أهمية العبارة جيوستراتيجيًّا، إلا أنها لم تستوقف وسائل الإعلام العالمية التي تابعت خطاب التنصيب، لا سيما طبيعة النظرة المستقبلية التركية لملف “الوطن الأزرق”، وأبعاده الجغرافية والاقتصادية والسياسية، وموقف المؤيدين والمعارضين، وكيف ستترجم السياسة الخارجية للوزير هاكان فيدان هذه الاستراتيجية.
وتعدّ تصريحات أردوغان الأخيرة استكمالًا لموقفه الصارم حول الملف: “تركيا عازمة على نيل حقوقها في البحار، المتوسط وإيجة والأسود. نريد أن يدرك الجميع أن تركيا لم تعد دولة يختبَر صبرها وحزمها وإمكاناتها وشجاعتها. لا نطمع في أراضي وسيادة ومصالح الغير، لكن لن نتهاون مع من يستهدف أراضينا وسيادتنا”.
ويشدد أردوغان: “لن نطأطئ الرأس للعربدة في جرفنا القاري بشرق المتوسط، ولن نخطو أي خطوة للوراء أمام لغة التهديد والعقوبات، فإن استمروا في ذلك، سنفعل ما ينبغي علينا القيام به. تركيا على حق وفق قانون البحار والاتفاقات المعمول بها، وستدافع عن هذا الحق بكل ما تملك”.
ويرى أردوغان أن “أولئك الذين تركوا تركيا خارج موارد الطاقة في حدودها الجنوبية عبر سياسة دقيقة قبل 100 عام، لن ينجحوا في تحقيق ذلك شرقي المتوسط، وأن تركيا ستحمي الوطن الأزرق بنفس العزم والتصميم، كما هدمت قبل قرن معاهدة سيفر التي كانت تهدف إلى تفكيك وطننا”.
معاهدة سيفر
في أغسطس/ آب 1920 (قبل 103 أعوام)، وقّعت الدولة العثمانية عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى على معاهدة سيفر، حيث تخلت بموجبها عن مساحات داخل نطاقها الجغرافي وأراضٍ كانت خاضعة لسيطرتها (أرمينيا نموذجًا)، مع قرارات أخرى ملزمة للجيش التركي وقواته البحرية والجوية.
وبموجب معاهدة سيفر تمَّ تقسيم إرث الدولة العثمانية بين قوات الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا)، حيث حازت اليونان وإيطاليا على ممتلكات في غرب تركيا وجنوبها، لا سيما السيطرة على عدد من جزر بحر إيجة والمضائق الاستراتيجية التي تقع على جانبَي مدينة إسطنبول.
وأجّجت المعاهدة النزعة القومية التركية المعادية للغرب، قبل نجاح حرب الاستقلال التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك (1919-1923) في إنهاء سيفر، وتوقيع معاهدة لوزان عام 1923 التي حسمت الحدود الحالية لتركيا، لكن تطورات “الجرف القاري” ومتغيرات أخرى جعلت أردوغان يتمسّك بـ”الوطن الأزرق”.
“الجرف القاري”
ترى تركيا أن معاهدة لوزان (وقّعها أتاتورك مع الدول الكبرى عام 1923) حرمتها من السيادة على جُزر بحرية محيطة، خاصة القريبة من سواحلها على بحر إيجة والمتوسط، ومنحتها لليونان، وتستشهد تركيا بمفهوم “الجرف القاري” الذي تمَّ طرحه واعتماده خلال فترة 1945-1958.
و”الجرف القاري” امتداد طبيعي لليابسة داخل البحار والمحيطات، وهو بالنسبة إلى أي دولة ساحلية قاع وباطن أرض المساحات المغمورة التي تمتد إلى ما وراء البحر الإقليمي، لمسافة لا تقل عن 200 ميل بحري من خطوط الأساس، وضمان الحقوق السيادية، لا سيما الاستفادة من الموارد الطبيعية كالنفط والغاز والمعادن.
وتبدأ المياه الإقليمية من الشاطئ البحري بعمق 12 ميلًا بحريًّا، تمارس فيها الدولة سيادتها واختصاصاتها بحرًا وجوًّا، بينما المنطقة الاقتصادية الخالصة فتمتدّ بعمق 200 ميل بحري، ما يظهر بحسب حكومة أردوغان أهمية “الوطن الأزرق”.
“الوطن الأزرق”
يمثل “الوطن الأزرق” إطارًا لسياسة تركيا البحرية، وهو مفهوم يرتبط بالدوائر القومية التركية (علمانية وإسلامية) التي ترى أن لتركيا حقوقًا في المياه المحيطة بها، بما تشمله من ثروات وموارد طبيعية، وأن مساحة “الوطن الأزرق” تماثل نصف مساحة اليابسة التركية، ما يعني بسط النفوذ على المساحة محل النزاع.
ووفق المعلومات التركية المعلنة، تبلغ مساحة “الوطن الأزرق” حول تركيا 462 ألف كيلومتر (12 ألف كيلومتر من مساحة بحر مرمرة، و89 ألف كيلومتر من بحر إيجة، و189 ألف كيلومتر من البحر المتوسط، إلى جانب 172 ألف كيلومتر من مساحة البحر الأسود)، ترغب حكومة أردوغان في ضمّها إلى السيادة التركية.
وزادت أهمية استراتيجية “الوطن الأزرق” في ظل التنافس حول استكشافات الطاقة (لا سيما الغاز الطبيعي)، بعد تأسيس منتدى “غاز شرق المتوسط” عام 2019 كمنظمة دولية لمنتجي الغاز والمستهلكين ودول العبور (تضمّ مصر وإيطاليا وفرنسا واليونان وقبرص و”إسرائيل” والأردن وفلسطين).
ويستهدف منتدى “غاز شرق المتوسط” تطوير التعاون بين الدول الأعضاء، بينما تعارض اليونان وقبرص استراتيجية “الوطن الأزرق” بحجّة أنها “ترسّخ لمنطقة بحرية ضخمة عبر نصف شرق البحر المتوسط، تتجاهل الرفوف القارية لجزر قبرص وجزر يونانية والقطاع الشرقي من جزيرة كريت”.
توجُّه قديم
المناطق التي يضمها “الوطن الأزرق” (في البحر الأسود وبحر مرمرة وبحر إيجة والبحر المتوسط)، باتت محل اهتمام بعد اكتشافات حقول الغاز في منطقة شرق المتوسط (أكثر من 350 تريليون متر مكعب من الاحتياطات) والنفط (أكثر من مليار و500 مليون برميل)، ورغبة تركيا في الحصول على نسبة منها.
وقبل حوالي 8 سنوات من وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، تحديدًا في يونيو/ حزيران 1995، حذّر البرلمان التركي اليونان من أن “أي إجراء أحادي حول بحر إيجة سيشكّل سببًا للحرب”، الأمر الذي عدّته أثينا “انتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية”.
لكن حالة الزخم التي حظيت بها استراتيجية “الوطن الأزرق” تبدّت بقوة خلال حكم أردوغان، عبر الترسيخ للإطار النظري الذي تتبنّاه تركيا لحدودها الساحلية، والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة حول البحر الأسود، وشرق البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة.
بداية الاستراتيجية
بدأت فكرة “الوطن الأزرق” كمشروع نظري بين نخبة من ضباط البحرية التركية القوميين، عبر الحديث عن حقوق تركيا في مساحات تفوق الحدود المعترف بها دوليًّا بين تركيا واليونان وقبرص ودول شرق البحر المتوسط، ومن وسط هؤلاء الضباط ينسَب الفضل إلى اثنين منهم في التأصيل للمشروع.
ويقودنا التأصيل الفكري لمفهوم “الوطن الأزرق” إلى الأدميرال التركي المتقاعد رمضان جيم جوردينز، الذي ظلَّ يرى أن تحويل المشروع النظري إلى واقع من شأنه “إعادة الاعتبار لتركيا في مجال السيطرة البحرية، ويعزز نفوذها السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط عمومًا”.
تستهدف استراتيجية “الوطن الأزرق” الوصول إلى منطقة عازلة واسعة (حوالي 180 ألف ميل بحري مربع)، تمتد إلى ما وراء الجزر اليونانية قبالة الساحل الغربي لتركيا
ويرى جوردينز أن “هناك 3 أبعاد أمنية حيوية للجغرافيا السياسية التركية: التحديات اليونانية على مناطق الولاية البحرية التركية، وإمكانية استقلال كردستان مع حرية الوصول إلى البحر المتوسط، ومستقبل شمال قبرص مع الآثار الجيوسياسية بالنسبة إلى تركيا”، مؤكدًا أن “الدفاع عن الوطن يجب أن يبدأ في الوطن الأزرق”.
مصالح استراتيجية
ورغم أن مصطلح “الوطن الأزرق” أطلقه جوردينز عام 2006، إلا أن الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة التركية، جهاد يايجي، يعتبَر المنظّر الرئيسي للاستراتيجية التركية في هذا الشأن، وأنها “تحتاج إلى تأكيد نفسها في مسارح العمليات البحرية لحماية مصالحها الاستراتيجية، وألا تسمح بتوسع منافسيها بحريًّا على حسابها”.
ونجح يايجي في التأصيل الفكري لمفهوم “الوطن الأزرق” حتى صار ضمن الأدبيات الشهيرة، عبر كتابه “القانون الأساسي للبحار” الذي حدّد ملامح العقيدة اللاحقة للحكومة التركية التي تبنّاها أردوغان بداية من عام 2015، ويواصل الدفاع عنها بقوة خلال السنوات الـ 5 الماضية.
ولم يكتفِ يايجي بذلك، لكنه رسم خريطة الوطن الأزرق الحالية متمسّكًا بحقّ “تركيا التي تمتلك أكثر من 150 صخرة وجزيرة صغيرة تابعة حاليًّا لليونان وتقع قبالة الساحل التركي، وأن تركيا يحقّ لها المطالبة بمناطق كبيرة تقع بينها وبين ليبيا في البحر الأبيض المتوسط”.
أزمة إيجة
رغم تعدد نطاقات “الوطن الأزرق”، ظلت جبهة بحر إيجة الجزء الأهم في الاستراتيجية، من خلال الصراع بين تركيا واليونان منذ سبعينيات القرن الماضي بخصوص السيادة وحقوق الملاحة والتنقيب عن النفط، ووصول العلاقة حدّ التصعيد العسكري، خاصة خلال الفترة من فبراير/ شباط 2018 حتى مايو/ أيار 2019.
حينها، قامت بوارج حربية تركية باعتراض حفّار للتنقيب عن النفط قرب سواحل قبرص، ثم التهديد الأوروبي لأنقرة بعد الشروع في التنقيب عن النفط في المنطقة نفسها، قبل أن تحذّر الولايات المتحدة من الأنشطة الاستفزازية في شرق البحر المتوسط كونها تثير التوترات في المنطقة.
ويمثل التصعيد في منطقة شرق المتوسط بين تركيا من ناحية وقبرص واليونان من ناحية أخرى مأزقًا استراتيجيًّا أكثر عمقًا بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ويمثّل انقسامًا واضحًا بصورة متزايدة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وتحديًا لتماسُك وضع الدفاع الجماعي للناتو في البحر المتوسط.
وتتبدّى الخلافات حول السيادة في بحر إيجة من واقع رؤية البلدَين للتشريعات الدولية المنظمة للسيادة البحرية، كون تركيا لم توقع على اتفاقية الرصيف القارّي أو اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، المعترف بها من 168 دولة من بينها اليونان، كما لا تعترف تركيا بالرصيف القاري والمنطقة الاقتصادية حول الجزر اليونانية.
مقاييس عالمية
يتمّ قياس اتساع مناطق النفوذ البحرية والجوية (المياه الإقليمية والمجال الجوي الوطني) والجزر من أقرب إقليم للدولة المعنيّة، لذا أي امتداد محتمل لهذه المناطق سيفيد اليونان بالضرورة أكثر بكثير من تركيا القلقة من أن تحوّل اليونان بحر إيجة إلى بحيرة يونانية، في المقابل تخشى اليونان من تحركات أنقرة.
ورغم أن التشريعات (القوانين والمعاهدات التابعة للأمم المتحدة) زادت العرض القياسي للمياه الإقليمية للبلدان 12 ميلًا بحريًّا، بعد أن كانت 3 أميال فقط قبل عقود، لكن المادة الثالثة من قانون البحار عام 1982 لم تحسم الخلافات التركية-اليونانية حول بحر إيجة، حيث لا يزال الواقع يقف عند 6 أميال فقط بين البلدَين.
وتتمسّك اليونان (الموقعة على الاتفاقية الدولية) بحقها في تمديد مياهها الإقليمية إلى 12 ميلًا بحريًّا، فيما تعترض تركيا (غير الموقعة على الاتفاقية والرافضة الالتزام بها) على التوجُّه اليوناني حول بحر إيجة، بحجّة أن “طبيعته الجغرافية تحول دون تطبيق قاعدة الـ 12 ميلًا بحريًّا عليه”.
وترى تركيا أنه يحق لها الحصول على مناطق اقتصادية خالصة (سيطرة الدولة على مناطق ساحلية تسمح لها بالصيد والتنقيب عن الموارد الطبيعة وحقوق أخرى) في بحر إيجة، وقد أقرّت اليونان أن لتركيا مصالح مشروعة قد تتطلب بعض الإجراءات الدولية للتحكيم أو التسوية بين الجانبَين.
وقبل عام 1987، قامت بعثات بحثية تركية بعمليات استكشافية علمية في أجزاء من المنطقة المتنازع عليها في بحر إيجة للبحث والتنقيب عن النفط، ما اعتبرته اليونان استفزازًا خطيرًا يؤدي إلى تهديدات عسكرية، مع خلافات حول المجال الجوي فوق المساحات البحرية المتنازع عليها.
ويشمل التصور الرسمي التركي لـ”الوطن الأزرق” نصف بحر إيجة، وجزءًا من الساحل الشرقي لجزيرة كريت، وجزرًا متنازعًا عليها مع قبرص واليونان، مدعومة بتحركات على الساحة الدولية (مخاطبة الأمم المتحدة لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة شرق البحر المتوسط).
عهد هاكان
ورغم المحطات الصعبة والدرامية التي مرّت بها السياسة الخارجية التركية منذ إنشاء الوزارة (2 مايو/ أيار 1920)، تحرّض أنقرة على تبنّي سياسة خارجية فعّالة تراعي مصالح البلاد، عبر 253 بعثة أجنبية في جميع أنحاء العالم، بينها 144 سفارة و13 ممثلية دائمة و94 قنصلية عامة ووكالة قنصلية واحدة ومكتب تجاري واحد.
وتتبنّى تركيا سياسة خارجية تعتمد على الدبلوماسية الوقائية (منع نشوء منازعات بين الأطراف، ومنع تصاعد المنازعات القائمة وتحولها إلى صراعات، ووقف انتشار هذه الصراعات عند وقوعها)، وأن الحد من الخلافات والنزاعات في المنطقة يسهم بشكل مباشر في تطور تركيا.
وترجح الدائرة الضيقة لصنع القرار في تركيا أن وزير الخارجية الجديد، هاكان فيدان، سينجح في إحداث نقلة نوعية، خصوصًا مع الدول التي تصنَّف في خانة الخصوم والأعداء، مدعومًا برؤية شبكة علاقاته الإقليمية-الدولية، وحصيلة معلومات وافية عن كل الملفات الشائكة، ما سينعكس إيجابًا على السياسة الخارجية لبلاده.
وعلى عكس وزير الخارجية السابق مولود جاويش أوغلو، الذي كان من صقور استراتيجية “الوطن الأزرق”، تخصّص هاكان فيدان خلال رئاسته لجهاز الاستخبارات التركية فيما يمكن وصفه بـ”إطفاء الحرائق”، عبر دور دبلوماسي موازٍ والوساطة الإقليمية المعززة لمصالح تركيا، ما يعني أنه سيواصل النهج نفسه لاحقًا.
وتبدّى دور هاكان فيدان في مبادرة تركيا بمدّ الجسور مع مصر والسعودية والإمارات، ففي العادة يتم اللجوء إلى قيادات الاستخبارات لفتح قنوات تفاوض بين الدول، سواء كانت بينها علاقات أو كانت شبه مقطوعة، ليتمَّ من خلال هذه القنوات التمهيد للقاءات سياسية ذات طبيعة خاصة، كتلك المتعلقة باستراتيجية “الوطن الأزرق”.
مصر وتركيا
بدوره، سينعكس التقارب بين تركيا ومصر (منذ لقاء الرئيسَين عبد الفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان على هامش بطولة كأس العالم بالدوحة 2022، ثم زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لأنقرة، وزيارة نظيره التركي مولود جاويش أوغلو للقاهرة) على أزمة منطقة شرق المتوسط، حول استراتيجية “الوطن الأزرق”.
ويرى مراقبون أن تطورات العلاقة بين البلدَين سيكون لها دورًا في خفض التوتر بين تركيا واليونان وقبرص، الحليفتَين لمصر منذ ترسيم الحدود البحرية عام 2013 وما بعدها، فضلًا عن العلاقات العسكرية والاقتصادية والاتفاقات الثنائية والثلاثية، بعد فشل منظومة حلف الناتو في حل الخلافات العالقة منذ عقود.
ورغم التحفظات غير المعلنة من اليونان وقبرص على مسار العلاقات المصرية التركية في ضوء الخلافات المذكورة، إلا أن التقارب التركي المصري يصنع حالة يمكنها تحريك المشهد العام في إقليم شرق المتوسط، واحتمال تطويرها كإطار عمل جماعي بين دول المنطقة، ليس فقط بين تركيا واليونان، بل بين مصر و”إسرائيل”.
مصالح حرجة
إذًا، تستهدف استراتيجية “الوطن الأزرق” الوصول إلى منطقة عازلة واسعة (حوالي 180 ألف ميل بحري مربع)، تمتد إلى ما وراء الجزر اليونانية قبالة الساحل الغربي لتركيا، وسط تأكيدات بأنه لا يمكن إهمال البحار مجددًا، ولا تجاهل الجغرافيا السياسية للبحار المحيطة.
وتتمسك حكومة أردوغان خلال الـ 5 سنوات الماضية ببسط السيادة التركية على مساحات شاسعة من شرق البحر المتوسط وبحر إيجة والبحر الأسود، ضمن استراتيجية محلية لا تحظى بترحيب إقليمي دولي، والعمل على تعزيز الحضور التركي في نطاقات بحرية أخرى، ووفق الاستراتيجية نفسها ترغب تركيا في توسيع نفوذها لمناطق بحرية أخرى.
يبدو المشهد في منطقة شرق المتوسط شديد التعقيد سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، في ظل عدة تناقضات بين الدول المتشاطئة (مصر، تركيا، اليونان، سوريا، قبرص، لبنان، فلسطين و”إسرائيل”)، غير أن منتدى “غاز شرق المتوسط” يجمع معظم الدول الفاعلة، ويظل الباب مواربًا أمام عضوية تركيا حالة تقاربها مع الدول الأعضاء.
وما يعزز التقارب المحتمل، أن الفترة التي أعقبت زلزال 6 فبراير/ شباط الماضي، الذي ضرب جنوب تركيا بخسائره غير المسبوقة، صنعت حالة تقارب بين اليونان وتركيا رغم العلاقات المتوترة بينهما، مع وعود ببدء الحوار وحلّ المشكلات (الحقوق السيادية في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط).
يأتي هذا رغم حرص تركيا على إنشاء قواعد عسكرية بحرية جديدة لتعزيز استراتيجية “الدفاع المتقدم” التركية، التي تتطلب تحديد مناطق النفوذ البحرية في نطاق مسارح العمليات (بحر إيجة والبحر الأسود والبحر المتوسط)، لتوسيع نطاق نفوذها بحريًّا والعمل على الوصول إلى مصادر الطاقة والموارد الاقتصادية الأخرى.