يتوجه حوالي 400 مليون ناخب أوروبي إلى صناديق الاقتراع لانتخاب 720 عضوًا في البرلمان الأوروبي يوم 6 يونيو/ حزيران الجاري، في انتخابات الدورة العاشرة منذ عام 1979 والأولى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
يختلف موعد بدء الاقتراع هذه الدورة من دولة إلى أخرى، حيث تحدد كل دولة عضو قواعدها الخاصة بما يتعلق في التوقيت وآلية فرز الأصوات وسن الناخبين. سيكون الهولنديون أول من يصوّت الخميس 6 يونيو/ حزيران، يليهم الأيرلنديون الجمعة 7 يونيو/ حزيران ثم اللاتفيون والمالطيون والسلوفاك في 8 يونيو/ حزيران، وأخيرًا الدول الـ 21 المتبقية الأحد 9 يونيو/ حزيران بما فيها ألمانيا وفرنسا وبولندا، فيما تحظى إيطاليا بخصوصية التصويت على يومَين.
وتبرز قضايا ارتفاع تكاليف المعيشة المتمثلة بالتضخم ومشاكل القطاع الصحي التي تفاقمت بعد جائحة وباء كورونا، وتغيّر المناخ المتسارع في صدارة اهتمامات المواطن الأوروبي، فضلًا عن الحاجة لمناقشة تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا وبالأخص بما يتعلق بالدفاع والأمن.
الناخبون والمرشحون
تعتمد 4 دول، بلجيكا واليونان وبلغاريا ولوكسمبورغ، التصويت الإلزامي، حيث يُفرض على رعايا الدولة ورعايا الاتحاد الأوروبي المسجلين في لوائح انتخابية في دولهم الإدلاء بصوتهم، لكن العقوبات على الذين يمتنعون عن التصويت نادرًا ما تطبّق.
فيما تتبع غالبية دول الاتحاد السن القانونية (18 عامًا) للتمكن من التصويت مع وجود استثناءات في 5 دول، مثل اليونان 17 عامًا وألمانيا وبلجيكا ومالطا والنمسا 16 عامًا، أما في بلجيكا فلا يُفرض التصويت الإلزامي على من هم دون الـ 18 عامًا.
يشكّل حزب الشعب الأوروبي الذي ينتمي إلى يمين الوسط أكبر مجموعة سياسية في البرلمان الأوروبي. وقد حاز على 176 مقعدًا من أصل 705 في الانتخابات الأخيرة عام 2019. أما المجموعة الثانية هي حزب الاشتراكيين والديمقراطيين الذي ينتمي إلى يسار الوسط، والذي يسيطر حاليًا على 139 مقعدًا. وتشغل مجموعة التجديد الليبرالية المؤيدة لأوروبا 102 مقعدًا.
ومع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في السنوات الأخيرة وتزايد شعبيتها، يتوقع أن تتشكل مجموعة ثالثة في البرلمان تضم المحافظين وكتلة “الهوية والديمقراطية”، التي تشمل حزب التجمع الوطني الفرنسي وحزب الرابطة الإيطالي.
خطاب الأحزاب والتكتلات
غلب الخطاب القومي الهوياتي على تصريحات الناخبين وبرامج الأحزاب في السنوات الماضية، بالتزامن مع مطالبة فرنسا بالاستقلالية العسكرية وتعزيز الدفاعات الأوروبية. حيث تتزايد المخاوف بشأن مدى التزام الولايات المتحدة تجاه حلف شمال الأطلسي، في حال إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا هذا العام.
وعبّر عن ذلك وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني عام 2021، قائلًا إن “تعزيز التعاون الأوروبي في مجال الدفاع سيكون بمثابة بوليصة تأمين ثانية على حياة الأوروبيين”، ودعا القارّة إلى تبني استراتيجية دفاعية أقل اعتمادًا على الولايات المتحدة.
كما كان مقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لرسم سياسة خارجية مستقلة عن الولايات المتحدة، من أهم العوامل التي أدّت إلى نجاحه في الانتخابات الرئاسية عام 2022، إذ شبّه حلف الناتو في أحد خطاباته بالميّت سريريًا، داعيًا الأوروبيين إلى التخلي عن السذاجة واستخلاص العبر من الخيارات الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة.
تستفيد الأحزاب اليمينية المتطرفة في حملتها من الأصوات المطالبة بعدم الانجرار نحو حرب مع روسيا على حساب أزمة اقتصادية خانقة، فيما تعزَّز الهوية القومية بخطابات تركز على استقطاب الناخبين الشباب وبالتنازل عن بعض المبادئ الأساسية، مثل ضرورة الخروج من الاتحاد الأوروبي وأهمية التخلي عن عملة اليورو كشرط أساسي لدول الاتحاد.
وقد أشارت استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تأييد 36% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا حزب التجمع الوطني اليميني في فرنسا. في حين يدعم 31% من الشباب حزب الحرية الذي يتزعّمه خيرت فيلدرز المعروف بتطرفه في هولندا. كما بيّن الاستطلاع أن 22% من الألمان الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و29 عامًا يدعمون حزب البديل من أجل ألمانيا، مقارنة بـ 12% في عام 2023، علمًا أنه لم يحصل أي حزب آخر على دعم هذه الفئة العمرية وبهذه النسبة من قبل.
تراجُع الأحزاب اليسارية
دفع اليسار الألماني في السنوات الأخيرة متمثلًا بحزب الخضر نحو تبني أجندات خفض النمو، التي تقوم على سحب المزيد من أموال الضرائب ومرتبات التقاعد، مقابل إنفاذ خطط تهدف إلى إنقاذ المناخ، ما يعني بطبيعة الحال معدل دخل أقل للفرد بالمقارنة مع الأجيال السابقة.
وبالنظر إلى توالي الصدمات التي سبّبتها جائحة وباء كورونا ثم الحرب في أوكرانيا والتضخم، نجد أن مشاكل المناخ لم تعد أولوية عند الشباب، إذ حلَّ مكانها مخاوف أساسية مثل النقص الحاد في المساكن وتراجع قدرة القطاع الطبي والقلق من الفقر في سن التقاعد.
قدم الحزب البديل من أجل ألمانيا حلولًا لهذه المشاكل، واستطاع كسب ثقة الشباب من خلال بناء قاعدة جماهيرية كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تيك توك وإنستغرام، انعكست في بيانات التصويت عام 2021. إذ صوّت 15% من الشباب الذين ينتخبون لأول مرة لصالح الحزب في ولاية هيسن الغنية بغرب ألمانيا، و16% في بافاريا، مقارنة بـ 6% فقط في انتخابات البوندستاغ الأخيرة.
من المرشح أن تستفيد الأحزاب اليمينية في إسبانيا وإيطاليا ورومانيا أيضًا من هذا المزاج الاقتصادي الكئيب لزيادة شعبيتها، حتى تتمكن من خلق تحالفات جديدة داخل البرلمان. إذ وجدت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة “أيرس” أن 23% فقط من الشباب الرومانيين يثقون بخطة الحكومة الاقتصادية، و67% فكروا أو يفكرون في الهجرة.
تأثير ملف الهجرة
يتصدر أيضًا ملف الهجرة النقاش السياسي في هذه الانتخابات، إذ اعتمدت الدول الأعضاء مؤخرًا الميثاق الجديد للهجرة غير النظامية، والذي يعتبره المجلس “إنجازًا تاريخيًا” يضمن خفض أعداد الوافدين وتسريع إجراءات اللجوء.
تتلخص بنود الميثاق الإلزامي بإنشاء معسكرات لاحتجاز المهاجرين غير النظاميين في اليونان وإيطاليا ومالطا وإسبانيا وكرواتيا وقبرص لمدة أقصاها 12 أسبوعًا، على أن يتم نقل المهاجرين الذين تم قبولهم أو لديهم فرص جيدة للحصول على اللجوء إلى دول أخرى بالاتحاد الأوروبي، وترحيل المرفوضين مباشرة من الحدود الخارجية.
ونصّ الميثاق على أهمية التعاون مع الدول التي تعتبر مسارًا مهمًا أو منشأً للمهاجرين، من خلال عقد عدة اتفاقيات تم التجهيز لها في الأشهر الماضية مع تونس وموريتانيا ومصر. لكن تزايد النفوذ الروسي في أفريقيا يجعل من خاصرة القارة الجنوبية منفذًا جديدًا للمهاجرين، ويهدد بإفشال خطة الميثاق الجديد إذا استمرت روسيا بالسماح لقوارب المهاجرين بالإبحار.
إذ ألغى المجلس العسكري النيجيري في ديسمبر/ كانون الأول الماضي قانون الهجرة المدعوم من الاتحاد الأوروبي، مباشرة بعد انسحاب القوات الفرنسية وبدء تواصله مع الروس، ما يعني إلغاء القانون الذي يجرّم الهجرة غير النظامية إلى أوروبا.
فيما تشير الأرقام إلى أن عمليات عبور المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا خلال عام 2023 كانت الأكبر منذ عام 2016، حيث عبر 380 ألف مهاجر خلال العام الماضي، ما يعني زيادة 17% عن الأرقام المسجّلة عام 2022. إلى جانب أنه لا يقل عن 4 ملايين لاجئ أوكراني دخلوا دول الاتحاد الأوروبي منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.
يشير الكاتب غي تشازان، في تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، إلى أن الشباب الأوروبيين يعتمدون في تبرير اختياراتهم الجديدة على أنهم لم يكونوا في الماضي متأثرين بشكل مباشر من زيادة أعداد المهاجرين، بالأخص حين كانت الأمور أفضل من الناحية المادية.
أما مع موجة التضخم الأخيرة وغلاء المعيشة أصبحوا أكثر تقبلًّا لخطاب الأحزاب اليمينية التي تنادي بإيجاد حلول بعيدة المدى. ولأنه تمّ اعتماد سنّ أصغر للتصويت في عدة دول للمرة الأولى هذه الانتخابات، فمن المتوقع أن يكون لهم تأثير أقوى على النتائج أكثر من أيّ وقت مضى.
شكل البرلمان الأخير
بشكل عام، يملك اليمين الشعبوي فرصة كبيرة للصعود في البرلمان هذه المرة، نظرًا إلى قوة الأزمات التي تعصف بالاتحاد، وازدياد قوتهم كأفراد في مختلف المؤسسات، وهو ما يشكل بيئة خصبة لصعوده بطبيعة الحال، لكن على الجانب الآخر يعني انقسامات أكثر في صفوف التحالفات التي من شأنها أن تتشكل مع الديمقراطيين المسيحيين والمحافظين.
حيث يرجح تقرير لفريق التفكير الأوروبي معارضة الأغلبية الجديدة خطط الاتحاد لمكافحة التغير المناخي، وتغيُّرًا في شكل نقاشات الحكومات الوطنية للدول الأعضاء وسياساتها لاحقًا، ما سيترك أثرًا على آلية سير عمل المفوضية والمجلس في تحديد السياسة الخارجية للاتحاد.
كما أن الرأي العام في دول مثل ألمانيا وفرنسا ينتظر مقاربات جديدة يطرحها اليمين المتطرف بخصوص ملف الهجرة، الذي يتضمن بدء محادثات مع موسكو كطرف جديد في حل الأزمة، وهو ما ترفضه الأحزاب اليمينية حتى الآن، ما يعني صعوبة حصولها على أغلبية واسعة حتى ولو استطاعت الوصول إلى 50% من الأصوات.
أبرز ما يشير إليه تقرير فريق التفكير الأوروبي هو استمرار تراجع المجموعات الكبرى في البرلمان، وهما “حزب الشعب الأوروبي” و”التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين”، ما سيفتح المجال أمام حزب الشعب الأوروبي للحفاظ على وضعه كأكبر حزب في المؤسسة واختيار رئيس المفوضية المقبل.
حسب النموذج الإحصائي المتّبع، من المتوقع ارتفاع صوت الجبهة المنتقدة لمشروع “الاتحاد الأوروبي” بأكمله سواء من اليمين المتطرف أو اليسار الراديكالي، ويقدَّر حجم هذا الارتفاع بنسبة 37% بعد الانتخابات مقابل 30% قبلها.