يستعدّ حزب الجيد غدًا السبت لعقد مؤتمره العام، في إحدى قاعات المركز الدولي للمؤتمرات والمعارض في أنقرة (ATO Congresium)، ومن شأنه أن يحدد مسار الحزب وقيادته في المرحلة المقبلة، وسط سلسلة من التحديات والآمال، ولذلك يُتوقع أنيكون مليئًا بالتغييرات والقرارات الهامة، إذ يمثل هذا المؤتمر أول اختبار حقيقي لديمقراطية الحزب الداخلية.
ستواجه زعيمة الحزب القومي، ميرال أكشنار، خلال المؤتمر اختبارًا حاسمًا لمستقبلها السياسي، وقدرتها على التكيُّف مع المشاكل والضغوط السياسية المحيطة بها، فهل ستبقى في منصب رئاسة الحزب وتنجح في الحفاظ على سيطرتها عليه؟ وهل ستكون قادرة على تقديم رؤية جديدة ومبتكرة للحزب، أم ستستمر في السير على النهج القديم والمعتاد؟ وهل ستختار التخلي عن رئاسة الحزب ومغادرة الساحة السياسية بشكل نهائي؟
حسابات أكشنار
بعد خسارة المعارضة في الانتخابات التي جرت في 14 مايو/ أيار الماضي، أرسلت ميرال أكشنار رسالة إلى جميع فروع الحزب الجيد في المحافظات، لاتخاذ التحضيرات اللازمة لعقد المؤتمر العام الثالث العادي للحزب يومَي 24 و25 يونيو/ حزيران.
ووفقًا لأكشنار، فإن المؤتمر سيخصَّص لانتخاب رئيس جديد للحزب ونوابه، وأعضاء مجلس الإدارة العام (GIK)، وأعضاء مجلس الانضباط/ التأديب المركزي (MDK)، وتعديل النظام الداخلي للحزب.
خلال الأيام الماضية، عقدت أكشنار عدة اجتماعات مع مساعديها في مجلس الرئاسة ومجلس الإدارة العام ونواب الحزب الجيد في البرلمان الجديد، حيث أُجريت عمليات تقييم لسياسات الحزب خلال الفترة الماضية، كما نوقشت مسألة تعديل اللوائح الداخلية للحزب بهدف زيادة الصلاحيات الممنوحة للرئيس، ومستقبل التحالف مع الأحزاب الأخرى في الانتخابات المحلية التي ستجري في مارس/ آذار المقبل.
وبحسب المعلومات المتوفرة، فإن أغلب قيادات الحزب الجيد باتوا يرون أن تحالف الطاولة السداسية فقدَ وظيفته بعد انتهاء الانتخابات، مع ذلك ذُكر أن التعاون مع شركاء التحالف يمكن الترحيب به في الأمور التي تعتبر ضرورية، إلا أن الأمين العام لحزب الجيد، أوغور بويراز، أعلن بتاريخ 1 يونيو/ حزيران أن “كل التحالفات هي تحالفات انتخابية، عندما تنتهي الانتخابات تختفي”، مضيفًا أن تحالف الحزب الجيد ضمن الطاولة السداسية قد انتهى، لكن قرار خروج الحزب الجيد من تحالف الأمة لم يتَّخذ بشكل رسمي حتى الآن، ومن المرجّح أن يتم الإعلان عنه خلال المؤتمر العام للحزب في 24 يونيو/ حزيران.
في حال إعادة انتخاب أكشنار لرئاسة الحزب للمرة الثالثة، فسوف ينصبّ تركيزها على صياغة سياسات جديدة، وتقييم استراتيجية الحزب للانتخابات المحلية، وتحديد سياسات التحالف مع الأحزاب الأخرى
يفسر ذلك سبب ترقب الأوساط السياسية في تركيا ما ستؤول إليه الأوضاع داخل الحزب الجيد خلال المؤتمر العام، خصوصًا في الظل السيناريوهات المتداولة حول تمسك أكشنار بمنصبها رغم الانتقادات الموجّهة لطريقتها في إدارة الحزب والتحالفات التي أجرتها خلال الانتخابات الأخيرة، أو انسحابها من الساحة السياسية بالكامل.
تذكر بعض التوقعات أن أكشنار لا تزال تصرّ على قيادة الحزب وسوف تترشح للرئاسة مجددًا، كما ستحدث تغييرات شاملة داخل المجلس الإداري العام للحزب لفسح المجال أمام الشباب للمشاركة في إدارة الحزب وصنع السياسات داخله وجذب المزيد من الدعم الشبابي، حيث ستنعكس هذه التغييرات أيضًا في مجلس الرئاسة.
ورغم أن أكشنار كانت المرشحة الوحيدة في المؤتمرَين السابقَين وجرى اختيارها بالإجماع، فمن المتوقع أن هذا الدعم قد لا يكون قويًّا هذه المرة، فقد أدّى عدم الرضا داخل الحزب فيما يتعلق بسياسات التحالف وقوائم المرشحين البرلمانية وعمليات صنع القرار، إلى قيام شريحة من قيادات الحزب بالتفكير في التصويت ضد أكشنار خلال انتخابات رئيس الحزب للفترة المقبلة.
من جانبها، شددت أكشنار خلال اجتماع مجلس الإدارة العام الذي عُقد الأسبوع الماضي، على ضرورة احترام القواعد الديمقراطية داخل الحزب، ورحّبت بمواجهة المعارضة، لذا يرى بعض أعضاء الحزب في ذلك فرصة لاختبار الديمقراطية الداخلية للحزب وقبول المنافسة داخله، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل ستواجه أكشنار منافسًا قويًّا في هذا المؤتمر؟
حتى الآن، لم يعلن أي شخص عن ترشحه، لكن هناك تكهنات حول احتمال ترشح أحد المؤسّسين والمنتقدين الداخليين، مثل المحامية جوناي كوداز التي تحظى بدعم عدد من أعضاء المجلس التأسيسي الذين يتحفّظون على أداء أكشنار خلال إدارتها للحزب، خاصة في الانتخابات الأخيرة.
وفي حال إعادة انتخاب أكشنار لرئاسة الحزب للمرة الثالثة، فسوف ينصبّ تركيزها على صياغة سياسات جديدة، وتقييم استراتيجية الحزب للانتخابات المحلية، وتحديد سياسات التحالف مع الأحزاب الأخرى، لا سيما مع حزب الشعب الجمهوري للانتخابات المحلية المقبلة، ووضع خريطة طريقة للحزب الجيد داخل البرلمان، وتوسيع مجلس الرئاسة وإنشاء قسم للصحافة والدعاية، لتعزيز استراتيجيات الاتصال مع قواعد الحزب والقدرات التنظيمية.
تحديات المعارضة
تواجه المعارضة داخل حزب الجيد تحديًا في إيصال مرشحها للرئاسة، وطريقة اختيار أعضاء مجلس الإدارة العام في الانتخابات التي ستجري خلال اليومَين القادمَين، حيث يجري اتّباع إحدى طريقتَين، الأولى هي طريقة “قائمة الأوراق (Çarşaf Liste)” أو القائمة المفتوحة، وبموجبها يجري انتخاب أولئك الذين يحصلون على أكبر عدد من الأصوات من القائمة التي أعدّتها كل من المعارضة والإدارة.
أما الطريقة الثانية تُسمّى “لائحة الكتلة (Blok Liste)” أو “القائمة المغلقة”، حيث يجري طرح قائمتَين للتصويت، والقائمة التي تحصل على أعلى عدد من الأصوات يفوز أعضاؤها بعضوية مجلس الإدارة العام، واختيار إحدى الطريقتَين متروك للمندوبين الذين سيشاركون في المؤتمر.
ووفقًا لمصادر حزبية، تتجه الإدارة الحالية للحزب الجيد إلى استخدام القائمة المفتوحة، رغم أن الأعضاء في اجتماع مجلس الإدارة العام الأخير طالبوا باتّباع طريقة “القائمة المغلقة”، لذلك تخطط المعارضة للدخول في الانتخابات بمرشح للرئاسة وقائمة لأعضاء مجلس الإدارة العام، مع ذلك في حال الذهاب إلى طريقة “القائمة المفتوحة”، سيقومون بشطب أسماء المقرّبين من أكشنار الذين تريد انتخابهم للحفاظ على قبضتها على آليات صنع القرار.
مع ذلك، تعتقد المعارضة أن الانتخابات لن تكون ديمقراطية وقائمة على الولاء السرّي لأكشنار، حيث ستلجأ إلى توزيع ما يسمّى “قائمة المفاتيح” على الموالين لها لاختيار الأشخاص الذين تريدهم، كما حدث في المؤتمر العامّ الثاني عام 2020.
توفر خطط أكشنار للتغييرات الشاملة والتجديد داخل الحزب، إلى جانب تركيزها على استراتيجية الانتخابات المحلية وسياسات التحالف، خارطة طريق لمستقبل الحزب والحفاظ على التماسك داخله
وتشير بعض المصادر المطّلعة على كواليس التحضير للمؤتمر العام، إلى أن حظوظ أكشنار في الفوز برئاسة الحزب واختيار أعضاء مجلس الإدارة العام الجديد تبدو أكبر من المعارضة لعدة أسباب، منها استقالة 70 عضوًا من المؤسّسين خلال السنوات الماضية من أصل 200 بسبب اعتراضهم على سياسات أكشنار، من بينهم أوميت أوزداغ الذي أسّس لاحقًا حزب النصر، إضافة إلى أسماء مهمة من ذوي الخبرة.
يعني ذلك، أن الـ 130 عضوًا المتبقين هم جميعهم من مؤيدي أكشنار، أو على الأقل لا يوجد لديهم اعتراضات كبيرة على طريقة إدارتها، وهؤلاء يعتبَرون مندوبين طبيعيين ويحقّ لهم التصويت، وبالتالي سيدعمون استمرارها في قيادة الحزب خلال المرحلة المقبلة.
على أية حال، في حال فوز أكشنار من المتوقع أن يكون العديد من أعضاء الحزب الرئيسيين، بما في ذلك النائب عن إسطنبول وكبير مستشاريها محمد بوغرا كافونجو، والمتحدث باسم الحزب كورشاد زورلو، جزءًا من إدارتها الجديدة.
علاوة على ذلك، هناك تكهُّنات بأن مجلس الرئاسة قد يخضع لتغييرات هيكلية لاستبعاد المعارضين لها، وهو ما ينذر بموجة انشقاقات جديدة داخل الحزب بعد انتهاء أعمال المؤتمر.
أخيرًا، يشكّل المؤتمر العام الثالث منعطفًا هامًّا في تاريخ الحزب الجيد، ويحمل أهمية كبيرة لكل من ميرال أكشنار والتوجه المستقبلي للحزب، فهي تواجه عقبات من المعارضة التي تسعى إلى تحدي قيادتها والتأثير على تشكيل مجلس الإدارة العام، وفي النهاية سيحدد المؤتمر مسار الحزب خلال المرحلة المقبلة، ويختبر ديمقراطيته وكيفية إدارة التوترات داخله.