بينما كان الجميع في مدرجات ملعب مركب محمد الخامس بالعاصمة المغربية الدار البيضاء، وأمام شاشات التلفاز، على يقين شبه تام بأن الأميرة الإفريقية (كأس دوري الأبطال) باتت على بعد خطوات قليلة من الوداد المغربي، للمرة الثانية على التوالي والرابعة في مسيرته القارية، هذا الحلم الذي لم يفصله عن تحققه إلا أقل من 12 دقيقة فقط، إذ بكبير القارة وزعيمها الكروي، الأهلي المصري، يفجر المفاجأة.
هدف في الدقيقة الثامنة والسبعين يقلب الطاولة ويحول دفة الكأس من الدار البيضاء إلى القاهرة، ليتوج الأهلي المصري بلقب دوري أبطال إفريقيا للمرة الـ11 في تاريخه (1982 و1987 و2001 و2005 و2006 و2008 و2012 و2013 و2020 و2021 2023)، بعد فوزه على الوداد المغربي بثلاثة أهدف مقابل هدفين بمجموع أهداف الذهاب والإياب في نهائي دوري أبطال القارة السمراء.
سجل للوداد هدف التقدم لاعبه يحيى عطية الله في الدقيقة الـ27 من المباراة، وهو الهدف الذي يؤهل النادي المغربي للفوز بالبطولة، في ضوء نتيجة مباراة الذهاب التي أقيمت على ملعب إستاد القاهرة قبل أسبوع وانتهت بتفوق الأهلي بهدفين لهدف واحد، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي سفن المغاربة، إذ منيت شباكهم بهدف قاتل في الدقيقة الـ78 أحرزه مدافع الأهلي محمد عبد المنعم، ليخيم الصمت على جنبات الملعب الذي كان قبل دقائق شعلة متقدة من الهتافات والتشجيع الذي لا يتوقف.
بهذه النتيجة يتربع الأهلي على عرش الكرة الإفريقية، مغردًا بشكل منفرد، فارضًا أحكامه على الجميع، فهو صاحب اليد الطولى من حيث عدد الألقاب، متفوقًا على أقرب منافسيه الزمالك المصري بـ6 ألقاب، مستحوذًا على كل الأرقام القياسية في البطولة، الأكثر تهديفًا والأفضل دفاعًا والأروع صناعة للأهداف والأكثر مشاركة في المباريات النهائية، فهو الحاصل على 3 ألقاب من آخر أربع بطولات شهدتها القارة خلال السنوات الأخيرة.
على الطريقة الصعيدية.. احتفالات مميزة باللقب الإفريقي الـ11 للنادي #الأهلي على أنغام المزمار pic.twitter.com/ZbKW7ksC5T
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) June 12, 2023
من شبح الإقصاء إلى التتويج
المتابع لمشوار الأهلي في تلك النسخة من البطولة الإفريقية يجد أن الوصول لمنصة التتويج كان حلمًا صعب المنال في ضوء النتائج المخيبة للآمال التي حققها الفريق في دور المجموعات، فهو الذي خسر من نادي صن داونز الجنوب إفريقي بخماسية مدوية، تبعتها خسارة أخرى كانت أقرب للفضيحة أمام الهلال السوداني، وهما الخسارتان اللتان كادتا أن تقصيا النادي المصري خارج البطولة.
وبشق الأنفس، وبأقدام غير مصرية، نجح الأهلي في الصعود للأدوار الإقصائية، حين حل ثانيًا في مجموعته بعد النادي الجنوب إفريقي، لتبدأ مرحلة جديدة من التحديات، كان الشياطين الحمر (اللقب الإعلامي والجماهيري للأهلي) على الموعد المحدد، فهم الأجدار على التعامل مع تلك الأدوار بحكم الخبرة الطويلة لهم في اللعب الإفريقي.
أطاح الأهلي بزعيمي تونس والمغرب، الترجي والرجاء، بأداء اختلف كثيرًا عما كان عليه في دور المجموعات، ليجد نفسه على موعد مع الوداد، الذي اقتنص منه اللقب الموسم الماضي، وهنا تأتي فرصة الأهلي المصري للانتقام من غريمه الذي حرمه من البطولة العام المنصرم.
مباراة الذهاب بإستاد القاهرة كانت صادمة لمشجعي الأحمر المصري، حيث نجح الوداد في خطف هدف قاتل في الدقائق الأخيرة، مقللًا بها الفارق مع الأهلي هدفين لهدف، ليحتاج إلى الفوز بهدف واحد فقط في ملعب مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، ليتوج بالبطولة للمرة الثانية على حساب الأهلي والرابعة في تاريخه.
١١ / ١١ ارقام تستحق الاحترام .. الف مبروك لجماهير الاهلي و لكل مصر pic.twitter.com/saq9D3uvfp
— Amr arafa (@AArafa) June 11, 2023
جاءت تصريحات مديره الفني والإعلام الرياضي المغربي في المجمل مكسوة بالثقة الزائدة، فإحراز هدف واحد في شباك الأهلي في الدار البيضاء ليس أمرًا صعبًا، وبالفعل نجحوا في تسجيل هدف مبكر في الشوط الأول، لتبدأ الاحتفالات المبكرة بالفوز من اللاعبين والمشجعين، لكن ما كان يتوقع أحد أن الضربة ستأتي في الدقائق الحاسمة، ليحرز الأهلي هدف التعادل ويقاتل لأجل خروج المبارة بتلك النتيجة، مطيحًا بأحلام الوداديين.
وبتلك النتيجة حصد الأهلي النجمة الحادية عشر، بعد مشوار ماراثوني طويل، حيث لعب النادي المصري خلال النسخة الحاليّة من البطولة 14 مباراة، حقق الفوز في 9 منها، وتعادل في 3، وخسر مبارتين، سجل 27 هدفًا، واستقبلت شباكه 10 أهداف فيما حافظ حارسه على نظافة مرماه 7 مباريات كاملة.
وكما كان فوز الأهلي بالبطولة مستحقًا فإن خسارة الوداد للقب أيضًا مستحقة، فنتائجه لم تكن على المستوى المطلوب، ففي آخر 6 مباريات، خلال أدوار ربع نهائي ونصف نهائي والنهائي، لم يحقق سوى انتصار وحيد فقط على حساب سيمبا التنزاني.
كما تعرض النادي المغربي لهزات إدارية وفنية أثرت بشكل كبير على مستواه وأدائه، حيث تناوب عليه خلال العام الأخير 4 مدربين، فبعد رحيل وليد الركراكي الذي درّب منتخب المغرب في بطولة كأس العالم التي أقيمت في قطر قبل 5 أشهر، قاد التونسي مهدي النفطي، الفريق، ثم خلفه المدرب الإسباني خوان غاريدو، الذي غادر بدوره بعد ربع النهائي، لتختار الإدارة البلجيكي سفين فاندربوروك الذي فشل في التعامل مع المباراة النهائية بشكل كبير بحسب إجماع خبراء الكرة.
احتفال خاص لملوك القارة بكأس أفريقيا في طائرة العودة للقاهرة🦅😍✈️ pic.twitter.com/lb3HumrtPf
— النادي الأهلي 🏡 (@AlAhly) June 12, 2023
هدية الطاهر.. الحظ يذهب لمن يستحق
في الجولة الخامسة وقبل الأخيرة من مرحلة دور المجموعات كان الهلال السوداني على موعد مع نادي صن داونز الجنوب إفريقي المتصدر للمجموعة – التي بها الأهلي – عن جدارة والضامن صعوده، بينما كان الفريق السوداني بحاجة للفوز من أجل الصعود خلف الجنوب إفريقي، أما الأهلي المصري فكان خارج الحسابات بشكل كبير.
وفي الدقيقة الأخيرة من المباراة التي كانت نتيجتها التعادل بهدف لكل فريق، احتسب الحكم ركلة جزاء لصالح الهلال السوداني، وهي الركلة التي لو تم إحرازها ستصعد بالفريق إلى الأدوار الإقصائية في إنجاز كبير للنادي السوداني، وتصدى للضربة هنا اللاعب أطهر الطاهر.
كانت قلوب وعيون مشجعي الأهلي وإدارته ولاعبيه متجهة صوب أقدام الطاهر في أثناء تنفيذ ركلة الجزاء، فإن أحرزها سيُدخل فريقه منعطفًا جديدًا من المجد الكروي، لكن المفاجأة أن اللاعب أهدر الكرة وتصدى لها حارس صن داونز، وهنا تنفس المصريون الصعداء، إذ كانت تلك الركلة المهدرة طوق النجاة حتى يستكمل الأهلي مشواره بالبطولة.
الهدية لم يرفضها الأهلي، ليلقن الهلال درسًا قاسيا على إستاد القاهرة، ويطيح به من البطولة ويصعد هو وصيف المجموعة بعد الجنوب إفريقي، ليأتي من بعيد بعدما كان على مقربة من الخروج المبكر، وهنا يكون الحظ قد لعب دوره المعتاد مع النادي المصري، لكن الحظ لا يأتي إلا لمن يستحق كما يقولون.
تشبث الأهلي بالفرصة التي جاءته من السماء بأقدام غيره، وبدأ مرحلة إعداد جديدة استطاع بعدها الإطاحة بكل المنافسين خلال الأدوار الإقصائية الأخرى، وصولًا إلى المباراة النهائية التي توج بها أمام النادي المغربي، ليطالب جماهير الأهلي إدارة النادي بتقديم ميدالية – على سبيل المزاح – للاعب السوداني الذي منحهم فرصة التأهل ومن ثم البطولة، وبعد دقائق من انتهاء المباراة زخرت منصات التواصل الاجتماعي بصورة أطهر الطاهر وعليها تغريدات وعبارات تثمن الدور الذي لعبه من أجل تتويج ناديهم باللقب الذي كان بعيدًا.
بطولة اطهر الطاهر♥️ pic.twitter.com/c84xwg4Fzf
— ISLAAAM (@ISLAMM36) June 11, 2023
سيطرة عربية على الكرة الإفريقية
بهذا اللقب تواصل الأندية العربية هيمنتها على الكرة الإفريقية، إذ حصدت 36 لقبًا من بطولة دوري الأبطال، الأعلى في القارة، وجاءت الأندية المصرية على رأس الأندية العربية الأكثر حصدًا للألقاب (17 لقبًا)، يليها المغرب بـ7 انتصارات، كما سجل المغرب ومصر وتونس والجزائر أكبر عدد من الفرق الفائزة، حيث فازت 3 أندية من كل دولة منهم باللقب.
الأهلي يتصدر القائمة بـ11 لقبًا، يليه غريمه التقليدي الزمالك 5 ألقاب، الترجي التونسي 4 ألقاب، الوداد والرجاء لكل منهما 3 ألقاب، شبيبة القبائل ووفاق سطيف الجزائريين لقبين لكل منهما، النجم الساحلي التونسي والإسماعيلي المصري ومولودية الجزائر والجيش الملكي المغربي والإفريقي التونسي لكل منهم لقب واحد.
كما شهدت قائمة أفضل 10 أندية إفريقية في الألفية الثالثة حضورًا عربيًا كبيرًا، حيث تضمنت 7 أندية عربية هي: الأهلي والزمالك من مصر والنجم الساحلي والترجي والصفاقسي من تونس والوداد من المغرب والهلال من السودان، بجانب مازيمبي الكونغولي وإنيمبا النيجيري وأسيك ميموزا من ساحل العاج، بحسب ما كشفته صفحة “Africans Got Football” المختصة بكرة القدم الفإريقية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، بشأن أفضل الأندية الإفريقية في فترة الألفية الثالثة من عام 2000 وحتى 2019.
📍هنا الأهلي🦅
47 عامًا من المجد 💪
فخر الأمة.. قلعة البطولات.. نادي القرن.🔝♥️ pic.twitter.com/KpNjTgTipR
— النادي الأهلي 🏡 (@AlAhly) June 12, 2023
وفي قائمة ترتيب أفضل الأندية في قارة إفريقيا لهذا العام بحسب شبكة “أوبتا” العالمية للإحصائيات الرياضية، جاءت 8 أندية عربية ضمن قائمة العشرة الكبار، حيث جاء الترتيب كالتالي: صن داونز (جنوب إفريقيا)، الوداد (المغرب)، الأهلي (مصر)، الرجاء (المغرب)، الجيش الملكي (المغرب)، بيراميدز (مصر)، شباب بلوزداد (الجزائر)، الترجي (تونس)، الفتح (المغرب)، بترو أتلتيكو (أنغولا).
وبعيدًا عن التجاوزات التي شهدتها البطولة بصفة عامة، سواء على مستوى التحكيم أم أداء وسلوكيات اللاعبين والجماهير، وهي التجاوزات التي تبعد الكرة الإفريقية خارج خريطة الكرة العالمية، وتسيئ إلى صورتها وسمعتها دوليًا، إلا أن تتويج الأندية العربية بها ربما يكون الحسنة الوحيدة التي تضع العرب في قلب الحدث الكروي العالمي.