نجحت محاولات كسر الحصار عن مخيم الركبان الواقع على الحدود السورية الأردنية العراقية، بعد مرور نحو 8 سنوات من العزلة المفروضة من قبل تحالف النظام السوري وروسيا والميليشيات الإيرانية، ما ساهم في مفاقمة معاناة أهالي مخيم الركبان وسط تدهور الأحوال المعيشية والاقتصادية، فضلًا عن عجز في القطاعَين الطبي والتعليمي عن تقديم الخدمات للنازحين.
منظمة سورية تكسر الحصار
أعلنت المنظمة السورية للطوارئ (SETF)، في بيان صدر الثلاثاء 20 يونيو/ حزيران، عن إطلاق عملية مساعدة تاريخية باسم “الواحة السورية”، بهدف فكّ الحصار المفروض على المخيم، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية الطارئة لنازحي الركبان.
وجاء في بيان المنظمة السورية للطوارئ: “ما زال نحو 8 آلاف نازح مدني يعانون من حصار خانق في مخيم الركبان، من قبل نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، حيث التمسَ المدنيون الأمان في منطقة منع الاشتباكات التي تبلغ مساحتها 55 كيلومترًا، محيط القاعدة العسكرية الأمريكية (التنف)”.
مأساة هذا المخيم امتدت لسنوات حتى أن الكثير ماتوا عطشًا بسبب قلة الموارد والحصار المفروض عليه.. المنظمة السورية للطوارئ تنجح في كسر الحصار عن #مخيم_الركبان#اليوم_العالمي_للاجئين pic.twitter.com/JjBjcS9Djm
— نون بوست (@NoonPost) June 20, 2023
وأضاف: “إن النظام اتهم قاطني المخيم ظلمًا بأنهم “إرهابيون”، حيث عانى هؤلاء النساء والأطفال والرجال من ظروف معيشية بائسة وحرمان شديد من الضروريات الأساسية، بسبب الحصار الذي منع وصول أي مساعدات إليهم، ويمثل تقديم المساعدات نقطة تحول مهمة في فكّ الحصار، على الرغم من فشل المجتمع الدولي في الاستجابة لنداءاتهم”.
وتشمل الدفعة الأولى البذور وأدوات الري، والتي ستمكّن السكان من زراعة غذائهم، بالإضافة إلى اللوازم المدرسية لأكثر من 1000 طفل في المخيم ممّن حُرموا من التعليم، كما تستعد المنظمة لإرسال شحنات إضافية من حليب الأطفال وفيتامينات ما قبل الولادة والكتب المدرسية والمواد الغذائية، والتي من المقرر تسليمها في الأسابيع المقبلة.
وقال أحمد الصغير، مسؤول من فريق المنظمة السورية للطوارئ في مخيم الركبان، لـ”نون بوست”: “إن الدفعة الأولى من المساعدات وصلت إلى مخيم الركبان، حيث تتضمّن بذار قمح وبذور خضروات للزراعة وأدوات ري، وخميرة تستخدَم في صناعة الخبز، وألواح مدرسية”.
وأضاف: “دخلت المساعدات إلى مخيم الركبان، الثلاثاء 20 يونيو/ حزيران، عبر القاعدة العسكرية الأمريكية في التنف، ومن المفترض وصول الدفعات الثانية خلال الأسابيع القادمة، والتي تتضمن مواد غذائية وأدوية ومعدّات طبية”.
وأعربت المنظمة السورية للطوارئ عن امتنانها لوزارة الدفاع الأمريكية التي قدمت دعمها من خلال عملية “العزم الصلب”، حيث تنقل المساعدات إلى مخيم الركبان على أساس المساحة المتاحة من خلال برنامج “دينتون”، على متن الطائرات العسكرية الأمريكية التي تسافر إلى قاعدة التنف كجزء من العمليات الجارية.
وبدورها تسلّم المنظمة المساعدات إلى قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار العراقية، وتنقَل إلى قاعدة التنف في منطقة الـ 55، بينما سيعمل طاقم المنظمة السورية للطوارئ في المخيم على توزيع المساعدات على المدنيين.
وتعتمد عملية نقل المساعدات على وجود مساحة فارغة في الطائرات العسكرية، حيث يسمح برنامج “دينتون” للمواطنين الأمريكيين والمنظمات الخاصة باستخدام المساحة المتاحة على طائرات الشحن العسكرية الأمريكية، لنقل المساعدات الإنسانية إلى البلدان المحتاجة، بما فيها المعدّات الزراعية والملابس والمستلزمات التعليمية والطعام والإمدادات الطبية والمركبات، بحسب موقع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID).
كسر الحصار يعيد إحياء الأمل في الركبان
يعيد كسر الحصار عن مخيم الركبان الأمل لدى النازحين، بعدما ذاقوا ويلات الحصار خلال السنوات الماضية، والتي لم تدخل فيها المساعدات الإنسانية من الأمم المتحدة منذ أغسطس/ آب 2019 عبر مناطق النظام، والتي دخلت عقب احتجاجات أهالي المخيم وتدهور الظروف الإنسانية.
وقال أحمد الصغير خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن كسر الحصار أعاد الأمل لدى قاطني المخيم، من خلال وجود فرصة للحياة في ظل الظروف التي يعيشونها منذ سنوات، وسط تخاذل دولي عن الوضع الكارثي في المخيم، حيث انعدام مقومات الحياة وفقدان الاحتياجات الضرورية”.
وأضاف: “إن المساعدات التي ستدخل إلى مخيم الركبان ستساهم في تحسين الواقع الطبي من خلال توفير المعدّات الطبية والأدوية، إضافة إلى القطاع التعليمي عبر توفير المناهج التعليمية والمعدّات التدريسية، إلى جانب تحسين الواقع المعيشي للسكان من خلال توفير مصادر دخل، عبر الزراعة التي يمكنها سدّ جزء من الاحتياجات الضرورية”.
بدوره، قال الناشط عماد غالي خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن دخول المساعدات له أهمية كبيرة في كسر الحصار المفروض من النظام السوري وحلفائه، رغم أنها غير كافية في الوقت الحالي ولا تساعد قاطني المخيم كون وقع أثرها بعيدًا، لكن الشيء الإيجابي أن المزيد سيصل في الأسابيع المقبلة”.
وأضاف: “إن كسر الحصار عن المخيم يعني إيجاد طريق آخر لدخول المساعدات الإنسانية للنازحين، بعدما منع النظام دخولها ومن قبله الأردن الذي يعدّ شريكًا في الحصار، من خلال منعه لدخول المساعدات الأممية عبر الأراضي الأردنية”.
لم تصل إليه المساعدات منذ 2019، يُحاصر فيه أكثر 8 آلاف مدني ويواجه اللاجئين فيه هلاك الجوع والعطش.. المنظمة السورية للطوارئ تنجح في كسر الحصار عن #مخيم_الركبان عبر طائرات الشحن العسكرية الأمريكية pic.twitter.com/oX1uOCsdnD
— نون بوست (@NoonPost) June 20, 2023
ويواجه السوريون في مخيم الركبان ظروفًا صعبة للغاية، في ظل غياب المساعدات الإنسانية الدولية التي كانت تدخل إلى المخيم عبر الأمم المتحدة، كما تسبّب إطباق قوات نظام الأسد الحصار على المخيم في منع دخول الطحين والمواد الغذائية والأدوية عبر المعبر الوحيد الذي كان يوفّر جزءًا من احتياجات المنطقة، ضمن سياسة ممنهجة لإفراغ المخيم.
سياسة الحصار والتجويع
يسعى النظام وروسيا والميليشيات الإيرانية من خلال سياسة الحصار والتجويع إلى الضغط على السكان لمغادرة المخيم، لكن معظم الأهالي لا يمكنهم العودة إلى مناطق النظام بسبب مخاوفهم من الملاحقات الأمنية، حيث يعدّ النظام سببًا محوريًّا في تهجير نازحي الركبان من مدنهم وقراهم، والأهالي في المخيم لا يرضون بالظلم، ومن المستحيل القبول بالعودة إلى مكان فيه معتقلات وروسيا والميليشيات الإيرانية.
وتسبّبت سياسة الحصار والتجويع التي ينتهجها نظام الأسد ومن خلفه روسيا، في إجبار السكان على مغادرة المخيم وتفكيكه ضمن استراتيجية اتّبعتها الأخيرة منذ منتصف عام 2018، عقب محاولاتها المتكررة في إجراء عمليات تسوية باءت في الفشل.
يعاني النازحون في مخيم الركبان البالغ عددهم 8 آلاف، بينهم 1000 طفل، أوضاعًا إنسانية كارثية على المستوى الغذائي والطبي، بسبب الحصار الخانق المفروض منذ سنوات من قبل النظام وإيران وروسيا.
ويتهم النظام وروسيا قاطني المخيم، ومعظمهم من المدنيين بينهم نساء وأطفال، بأنهم “إرهابيون”، إضافة إلى منع إدخال المساعدات إلى المخيم، ما ساهم في مغادرة معظم قاطني المخيم من النازحين عبر معابر التهريب إلى مناطق النظام ومناطق الشمال السوري الواقع تحت سيطرة المعارضة و”قسد”، حيث تعرّض النازحون خلالها لعمليات ابتزاز من قبل ضباط النظام والمهرّبين.
ويفتقر مخيم الركبان لمختلف مقومات الحياة، فهو بطبيعته بقعة صحراوية بالقرب من الحدود الأردنية ويتبع إداريًّا لريفَي دمشق وحمص، وأُنشئ خلال العام 2014، بعدما نزح الأهالي من مدنهم وقراهم في ريف حمص الشرقي ومنطقة البادية السورية.
ويعاني النازحون في مخيم الركبان البالغ عددهم 8 آلاف، بينهم 1000 طفل، أوضاعًا إنسانية كارثية على المستوى الغذائي والطبي، بسبب الحصار الخانق المفروض منذ سنوات من قبل النظام وإيران وروسيا من جهة، وإغلاق الحدود الأردنية أمامه من جهة أخرى، ضمن تآمر دولي يسعى لإجبار ساكنيه على العودة إلى مناطق سيطرة النظام، رغم المخاطر المحيطة بهم.