قبل بضعة أشهر فقط، كان الجميع يشعر أنه من المستحيل تقريبًا أن نرى وزير خارجية الولايات المتحدة في الأراضي الصينية، لإجراء محادثات على أعلى مستوى والبدء في إذابة جبل جليد التحديات الإقليمية والعالمية، وإصلاح العلاقات الدبلوماسية التي تضررت كثيرًا في السنوات الأخيرة، لكن المستحيل أصبح ممكنًا قبل أيام ثم واقعًا قبل ساعات قليلة.
في زيارة هي الأرفع دبلوماسيًّا لمسؤول أمريكي إلى الصين منذ أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018، وصل مهندس السياسة الخارجية أنتوني بلينكن إلى بكين قادمًا من واشنطن على متن طائرة تابعة لسلاح الجو الأمريكي على مرأى ومسمع من السلطات، في محاولة لتخفيف التوتر والاحتقان المتزايد بين العملاقَين الاقتصاديَّين، وإدارة العلاقات الأمريكية الصينية بمسؤولية وفق تصريحات الخارجية الأمريكية.
هذه الزيارة التي تستغرق يومَين، وتحمل في ظاهرها نكهة دبلوماسية بامتياز، كانت مقررة أصلًا في فبراير/ شباط الماضي، لكنها أُلغيت فجأة بعد أن رصدت الولايات المتحدة تحليق منطاد صيني فوق أراضيها، واعتبرت واشنطن أنه لأغراض التجسُّس، وهو اتهام نفته بكين، لكنه خلّف أزمة دبلوماسية بين البلدَين، فهل تستمر الأزمة بعد هذه الزيارة التي طال انتظارها منذ ما يقرب من 5 سنوات؟
الوقوف على جبهات الخلاف
بينما كان وزير خارجيته يتوجّه إلى بكين، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، مخففًا هذه المرة من حدّة لهجته تجاه السلطات الصينية، إنه لا يعتقد أن القادة الصينيين كانوا يعرفون مكان المنطاد أو ما كان في داخله أو ما كان يجري، وأنه يعتقد أن “الأمر كان محرجًا لبكين أكثر منه متعمّدًا”.
What does this say?
Today, U.S. Secretary of State #Blinken @SecBlinken arrived in #Beijing, #China. Only the U.S. ambassador and Yang Tao, the director of the North America and Oceania Department of the Chinese Ministry of Foreign Affairs( a much lower level #CCP official) were… pic.twitter.com/6jdvnMO6Lx
— Inconvenient Truths by Jennifer Zeng 曾錚真言 (@jenniferzeng97) June 18, 2023
-لحظة وصول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الصين، 18 يونيو/ حزيران 2023-
واستبق بلينكن زيارته إلى بكين بإجراء مباحثات هاتفية مع نظيرَيه الياباني والكوري الجنوبي، تتعلق بالتحديات الإقليمية والعالمية بما فيها الخطوات الخطيرة التي تقوم بها كوريا الشمالية، لزعزعة الاستقرار وإطلاقها الصواريخ البالستية على حدّ تعبيره.
بحسب بلينكن، يتمثل هدف هذه الرحلة في إقامة خطوط اتصال مستدامة ومنتظمة على المستويات العليا عبر حكومتَي البلدَين لتجنُّب الخروج عن نطاق السيطرة، لكن مراقبين يرجّحون أن تقتصر الزيارة على محاولة تثبيت العلاقات بين البلدَين وجعلها أقل تقلبًا، خصوصًا أن عواقب عدم استقرارها وخيمة على السياسة والاقتصاد العالميَّين.
كانت التوقعات منخفضة بالفعل حتى قبل بدء الزيارة، فقد أشار مسؤولون من الحكومتَين إلى أنهم لا يتوقعون قائمة طويلة من الإنجازات، وتصرّ الولايات المتحدة حاليًّا على أن الصين هي أكبر تهديد تواجهه، نظرًا إلى وجود نقاط خلافية كثيرة حول قضايا منها حرب أوكرانيا والتجارة، وجهود واشنطن لكبح صناعة أشباه الموصلات في الصين، وسجلّ بكين في مجال حقوق الإنسان كما تقول واشنطن.
للوقوف على احتمالات نجاح أو فشل جهود واشنطن وبكين الممثلة في زيارة بلينكن لإدارة نقاط الخلاف، وتجنُّب الحرب وتهدئة المخاوف من انهيار العلاقات بينهما، علينا أن نعرف أولًا أكثر الملفات الشائكة وحجم الخلافات السياسية والاقتصادية والعسكرية بشكل أساسي بين الدولتَين، حيث تتصاعد حدة التوترات وتتعدد دوائر المنافسة والصراع بينهما.
في تايوان، الجزيرة القابلة للاشتعال في أي وقت، والواقعة في الخاصرة الجنوبية الشرقية للصين، تتصاعد المخاوف الأمريكية من قيام الصين بتكرار السيناريو الروسي مع أوكرانيا، لا سيما مع تزايد تشدد -إن لم يكن شراسة- نبرة بكين حيال كل ما له علاقة بالجزيرة التي تعتبرها جزءًا لا يتجزّأ من أراضيها يتمتع بحكم ذاتي ليس إلا، وتراها واشنطن حليفًا رئيسيًّا يمدّها بأشباه الموصلات، وتمدّه واشنطن بالأسلحة الأمريكية.
في المنطقة نفسها يتنافس الطرفان، حيث تعتبَر منطقة بحر جنوب الصين ممرًّا مائيًّا هامًّا لثلث التجارة العالمية، ويحوي باطنها كميات هائلة من الموارد الطبيعية، لكنه في الوقت نفسه مصدرًا للنزاع، تعزز الصين وجودها العسكري والتجاري هناك، وتنظر بقلق إلى تحركات الولايات المتحدة وبنائها تحالفات جديدة مع جيرانها الذين ينازعونها السيادة هناك، مثل فيتنام وماليزيا وأندونيسيا والفلبين، بينما تسعى واشنطن إلى صدّ محاولات بكين فرض سيادتها على مساحات واسعة من البحر من خلال زيادة حضورها البحري، وتتالى مناوراتها العسكرية بالقرب من المعالم الصينية.
هناك قائمة طويلة من القضايا التي تحول دون أن تكون المحادثات أكثر ودّية، لكن هذا لا يمنع وجود ثغرات يمكن للطرفَين العبور منها للوقوف على مسافة واحدة من هذه القضايا.
تجاريًّا، تشدد الولايات المتحدة من حربها ضد الشركات الصينية العملاقة، حرب شملت توسيع العقوبات ورفع التعريفات الجمركية التي فُرضت في عهد ترامب على منتجات وسلع صينية تزيد قيمتها على 350 مليار دولار، وتطالب واشنطن الصين باتّباع سياسات تجارية أكثر إنصافًا للمنتج والمستهلك الأمريكي، وتسهيل تصدير منتجاتها للأسواق الصينية، كما يمثل التلاعُب في قيمة العملة الصينية مصدر توتر كبير بين الدولتَين.
وتنتهج إدارة بايدن الخط المتشدد نفسه الذي طبّقته إدارة سلفه تجاه الصين، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك في بعض المجالات من خلال فرض ضوابط على الصادرات، بهدف الحد من شراء الصين وتصنيعها الرقائق المتطورة التي تستخدمها في التطبيقات العسكرية.
ورغم تبدُّل الإدارة الأمريكية، فإن اتهامات واشنطن لبكين بالتسبُّب في خسارتها عشرات المليارات من الدولارات بسبب عدم احترامها لقواعد الملكية الفكرية لم تتوقف، وأن العديد من الشركات الأمريكية خسرت وأفلست وأُجبرت على تسريح موظفيها، بسبب قرصنة واستيلاء شركات صينية على أفكارها وبرمجياتها.
ويمتدّ الخلاف بين البلدَين إلى الصراع التكنولوجي السيبراني، إذ تنظر واشنطن بريبة كبيرة إلى أي تكنولوجيا أو تطبيق قادم من بكين، وتراه أداة للتجسُّس والهيمنة لصالح الدولة الصينية، إذ تتواصل الضغوط الأمريكية لحظر ومحاصرة تطبيق “تيك توك”، كما أبقت إدارة بايدن على خطط وقواعد تنظيمية أقرّها ترامب، تحظر على حكومة الولايات المتحدة شراء السلع أو الخدمات من أي جهة تستخدم منتجات 5 شركات صينية على رأسها شركة “هواوي”.
هكذا تبدو الخلافات الصينية الأمريكية كبيرة وواسعة، إلا أنها تُدار من الطرفَين بحذر لضمان عدم الانزلاق إلى مواجهة بين أقوى دولتَين في العالم لديهما عدد قليل من الطرق المباشرة للحوار والتواصل، والأخطر أنهما تفتقران إلى خط عسكري مخصّص لتهدئة أي حوادث ممكنة الحدوث.
احتمالات تجنُّب الحسابات الخاطئة
تشير الملفات الثقيلة والمتشابكة بين الصين والولايات المتحدة -التي استعرضناها سابقًا- إلى أن ثمة حرب مصالح ونفوذ باردة بين البلدَين لا تسمح بالتقارب ولا بالتلاقي الدائم، لكن في الوقت نفسه ثمة سعي لتحويل هذه الحرب إلى خلافات يمكن إدارتها.
ومع انخفاض سقف التوقعات بتحقيق أي انفراجة بين البلدَين في هذه الملفات، أكّدت واشنطن أن الزيارة تهدف إلى إبراز مصالحها وقيمها والتعبير عن الملفات التي تقلقها بشكل واضح وصريح، بينما أكّدت الصين قبل يومَين من الزيارة المرتقبة على رغبتها بتطوير العلاقات مع الولايات المتحدة بناءً على مبدأ “الاحترام المتبادل”.
يمكن القول إن العنوان الرئيسي لزيارة بلينكن يتضمّن فتح قنوات الاتصال المتوقفة على مستوى أعلى بين رئيسَي قوى عظمى على خلاف كبير.
بدت هذه التوقعات أكثر وضوحًا في اللحظات الأولى لاستقبال وزير الخارجية الصيني تشين غانغ لنظيره الأمريكي، وكان بينهما حديث قصير بوجوه متيبّسة تتظاهر عند التقاط الصور بابتسامة باهتة، فكلاهما يعرف أن الإنجاز الوحيد الذي يمكن تحقيقه هو هذا الاجتماع في حدّ ذاته، وبحسب تصريحات غانغ فإن “العلاقات بين بكين وواشنطن في أدنى مستوياتها منذ عام 1979”.
لكن المحادثات خلف الأبواب المغلقة ستكون صعبة حول كيفية منع الأمور من التدهور أكثر، فهناك قائمة طويلة من القضايا التي تحول دون أن تكون المحادثات أكثر ودّية، لكن هذا لا يمنع وجود ثغرات يمكن للطرفَين العبور منها للوقوف على مسافة واحدة من هذه القضايا.
أشار كلا الجانبَين إلى أن اختراقًا كبيرًا في هذه الرحلة غير مرجَّح، لكن سيكون لديهما فرصة على الأقل لإعادة تأكيد مواقفهما، والتأكيد على الخطوط الحمراء، وهناك أمل في أن يكون هناك بعض التقدم في آلية إدارة الأزمات، لضمان عدم انحدار أي أخطاء أو حسابات غير دقيقة في المستقبل إلى صراع.
بالنظر إلى الحرب التجارية، فإنها لم تُحدث قطعًا شاملًا للعلاقات الاقتصادية حتى الآن، فوفق البيانات سجّلت تجارة السلع أعلى مستوى لها على الإطلاق، ووصلت إلى 690 مليار دولار خلال العام 2022 رغم الانقسام السياسي بينهما، وهذا رقم فيه الكثير من تفاصيل التعاون وإدارة الأزمات لا السعي للقطيعة وتدمير الاقتصاد المنافس، ليس حبًّا فيه بل اضطرارًا واعتمادًا لا يمكن الاستغناء عنه.
في الجغرافيا، ثمة مساحات تُدار حتى الآن بهدوء، والأهم أن التحالف الأمريكي التايواني لم يصل حدّ الاعتراف الرسمي الأمريكي بالجزيرة دولة مستقلة، وإن كان في هذا الملف من الخلافات الجوهرية بين واشنطن وبكين، حيث أكّد وزير الخارجية الصيني مخاوف واضحة بشأنها، مؤكدًا أنها القضية الأكثر أهمية وتأثيرًا في العلاقات بين البلدَين، في المقابل قال بلينكن إن “بلاده لا تخيِّر أحدًا بينها وبين الصين”، لكنه أثار تساؤلات حول خيارات بكين وواشنطن لتفادي الاصطدام المباشر في حرب مصالح ونفوذ بلا حدود جغرافية.
في علاقات البلدَين الخارجية، ثمة استراتيجية سياسية واضحة المعالم، وهي إقامة علاقات صينية قوية مع “أعداء” الولايات المتحدة، لكنها قائمة وفق المسؤولين الدبلوماسيين على نهج “الدبلوماسية الناعمة”، وهذا يعني التزام الحياد في الخلافات الدولية، وعدم السعي للتدخل في شؤون الدول.
وتلك استراتيجية عززت مكانة بكين في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا حلحلة الخلاف السعودي الإيراني، ورغم الخلافات الروسية الصينية القوية إلا أن الصين لم تقف بشكل فجّ إلى جانب موسكو، بل تقدمت بمبادرة لحلّ الأزمة في أوكرانيا، في الوقت الذي تعزز فيه واشنطن من وقوفها إلى جانب كييف في المواجهة.
ثمة علاقات صينية أخرى تعزَّز لتزعج واشنطن لكن دون أن تنخرط بكين فيها، مثل العلاقات القوية مع كوريا الشمالية وفنزويلا وغيرها، إلى جانب مزاحمة صينية للنفوذ الأمريكي في القارة الأفريقية.
عثرة جديدة في طريق العلاقات
في الواقع، تتعقد الأمور يومًا تلو الآخر، وتطفو على السطح توترات جديدة تعكّر صفو المياه الراكدة بين واشنطن وبكين، كان آخرها عودة أزمة جزيرة كوبا للحياة قبل أيام قليلة من زيارة بلينكن.
قلة من الأمريكيين لن تنسى تلك الدقائق التي تقشعر لها الأبدان في مساء 22 أكتوبر/ تشرين الأول 1962، وبينما كانوا يتجمعون حول أجهزة الراديو والتلفزيون، كشف الرئيس الأسبق جون كينيدي أن الاتحاد السوفيتي نقل صواريخ نووية إلى كوبا، على بُعد 90 ميلًا من ساحل فلوريدا، وقال إن أمريكا ستحاصر الجزيرة حتى إزالة الصواريخ التي شكّلت أكبر تهديد بإشعال حرب نووية في التاريخ، وأجّجت أخطر توتر خلال الحرب الباردة.
ربما كانت المقارنات مع تلك الحلقة حتمية عندما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، تلتها العديد من وسائل الإعلام الأمريكية الأخرى، في 8 يونيو/ حزيران الجاري، أن الصين قد أبرمت اتفاقًا سريًّا لإنشاء محطة تنصُّت إلكترونية في كوبا، وحثَّ أعضاء مجلس الشيوخ من كلا الجانبَين البيت الأبيض على اتخاذ إجراءات وقائية.
حذّر عضو الكونغرس الجمهوري مايك غالاغر، الذي يرأس “لجنة الحزب الشيوعي الصيني” الجديدة، التي تركّز حصريًّا على التحدي الاستراتيجي الذي تمثله الصين، من أن حربًا باردة جديدة “مرة أخرى قد وصلت إلى عتبة دارنا”، حتى أنه اقتبس من خطاب كينيدي في تلك الليلة عام 1962.
ومع ذلك، فإن مثل هذه المقارنات لا داعي لها، فبعد أن رفض البيت الأبيض التقارير في البداية واعتبرها “غير دقيقة”، يقول الآن إن الصين جمعت إشارات استخباراتية من كوبا لبعض الوقت، وقامت بتطوير منشآتها هناك عام 2019، ويقول المسؤولون إنهم شاركوا كوبا مخاوفهم ونجحوا في الضغط على الحكومات الأخرى لعدم استضافة الجيش الصيني أو مواقع التجسُّس.
رغم هذه الضجة أو أن ذلك قد يكون مزعجًا لأمريكا، مضى بلينكن قُدمًا في زيارته -الأولى له في هذا المنصب- إلى بكين، ربما لأن بلاده يُعتقد أنه لديها العديد من المواقع المماثلة في دول حول العالم، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وأستراليا، وتستخدمها لجمع معلومات استخباراتية عن الصين، لذلك من غير المرجّح أن تصعّد أمريكا بجدّية احتجاجاتها على أي نشاط صيني من هذا القبيل في كوبا.
في الأثناء، يستغل الصينيون الجدل لإبراز ما يعتبرونه “نفاقًا” أمريكيًّا، ففي 12 يونيو/ حزيران الجاري قال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن “الافتراءات والتشهير لن يحجبا سجلّ أمريكا المؤسف للتجسُّس الجماعي العشوائي في جميع أنحاء العالم”، وفي مكالمة وُصفت بـ”المتوترة” مع بلينكن بعد يومَين، وبّخ وزير الخارجية الصيني نظيره الأمريكي على التدخل في شؤون بلاده والإضرار بأمنها، لكن كلا الجانبَين أكّدا زيارة بلينكن.
No US slander or smear can drive a wedge between China and our good friend Cuba, neither can it hide the US’s massive, indiscriminate surveillance activities around the world. pic.twitter.com/KSDPBKNJC7
— Spokesperson发言人办公室 (@MFA_China) June 12, 2023
هذا التأكيد لم تعرقله هذه المرة أحاديث التجسُّس المعتادة كما حدث في واقعة “منطاد التجسس الصيني”، فكان التأثير حينها عرقلة الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في العلاقات التي بدأها الرئيس جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ، عندما التقيا في بالي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ومع ذلك، في الأسابيع القليلة الماضية، كانت هناك سلسلة من الاتصالات رفيعة المستوى السرّية والعلنية، بما في ذلك زيارة “سرية” لرئيس وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إلى بكين في مايو/ أيار الماضي، كما التقى مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان مع كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي في فيينا ذلك الشهر، كما التقى مسؤولين اقتصاديين.
وفي وقت لا تشهد فيه العلاقات الثنائية أجمل أيامها، كان ملف تايوان بالطبع حاضرًا في الاجتماع الذي عُقد في بكين بين دبلوماسيي البلدَين في الأيام الماضية، علّق الجانبان بإيجابية على أجواء اللقاء الذي دار بين مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شرق آسيا ومستشارة الرئيس الأمريكي لشؤون الصين وتايوان مع مسؤولين من الخارجية الصينية.
هل هذه هي الفرصة الأخيرة؟
تدعم هذه الاجتماعات توقعات أكثر إيجابية تتبنّى أن زيارة بلينكن ستمهّد الطريق لمزيد من الاجتماعات الثنائية في الأشهر المقبلة، بما في ذلك المسؤولين الأمريكيين الذين تهتم الصين باستقبالهم مثل وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، والمبعوث الأمريكي لشؤون المناخ جون كيري، ووزيرة التجارة التي فرضت، منذ أيام قليلة، قيودًا تصديرية بحقّ 50 مؤسسة ومنظمة في مختلف دول العالم، من بينها 31 هيكلًا من الصين، ومع ذلك تقول الولايات المتحدة إنه يجب الحفاظ على مثل هذه الاجتماعات حتى لا تتطور المنافسة بينهما إلى صراع تنعكس تبعاته على العالم.
ويمكن القول إن العنوان الرئيسي لزيارة بلينكن يتضمن فتح قنوات الاتصال المتوقفة على مستوى أعلى بين رئيسَي قوى عظمى على خلاف كبير، يبدو أنهما الآن يريان أن التدهور في العلاقات لا يخدم أحدًا، وأن العالم يشاهد ما يحدث وإن كان مجرد تصريحات أعرب خلالها بايدن، عشية زيارة الوزير الأمريكي، عن أمله في إجراء لقاء مع نظيره الصيني شي جين بينغ خلال الأشهر المقبلة.
ربما لاحظت الصين أن جميع لقاءاتها في الفترة الأخيرة تنتهي بالاتفاق على عدة نقاط، لكن ما أن تنتهي حتى تبدأ الولايات المتحدة باستفزاز الصين في عدة قضايا.
كما يمكن أن تسهّل الاتصالات المباشرة التقدم في بعض القضايا التقنية والتجارية، والتي من شأنها أن تمهّد الطريق أمام حضور الرئيس الصيني المتوقع لمنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في سان فرانسيسكو في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.
لا شك أن استئناف المحادثات رفيعة المستوى أمر مهم، لأنه يعني أنه يمكن للجانبَين على الأقل إيصال مواقفهما على انفراد، بدلًا من القيام بذلك في حوارات عامة ساخنة كما حدث في معظم الأوقات منذ الزيارة الأخيرة لرئيسة مجلس النواب الأمريكي آنذاك نانسي بيلوسي لتايوان في أغسطس/ آب الماضي، وردّت بكين بمناورات عسكرية تاريخية حول الجزيرة.
ومع ذلك، ترى الصين أن الولايات المتحدة تسعى في الفترة الأخيرة لإجراء مثل هذه اللقاءات لتلميع صورتها أمام الرأي العام، وهو ما ترفضه بكين، وأكّدت على ذلك بإلغاء لقاء كان مزمعًا بين وزيرَي دفاع البلدَين، لي شانغفو ولويد أوستن، اللذين اكتفيا بالمصافحة على هامش “منتدى شانغريلا” للأمن والدفاع في سنغافورة في أوائل يونيو/ حزيران الماضي، وبدت من موقفها هذا أنها ممتعضة من التحالفات التي تجريها الولايات المتحدة في المنطقة.
في تصريحاتها العلنية، تريد الصين رفع العقوبات الأمريكية على الجنرال لي أولًا، الذي حذّر الولايات المتحدة وحلفائها من عمليات المراقبة بالقرب من الساحل الصيني، بينما أشار أوستن إلى “زيادة مقلقة” في اعتراض الصينيين للسفن والطائرات الأمريكية وحلفائها.
وربما لاحظت الصين أن جميع لقاءاتها في الفترة الأخيرة تنتهي بالاتفاق على عدة نقاط، لكن ما أن تنتهي حتى تبدأ الولايات المتحدة باستفزاز الصين في عدة قضايا، وعلى رأسها قضية تايوان وبحر جنوب الصين، حيث دأبت واشنطن على إرسال قطع عسكرية إلى تلك المناطق، بالإضافة إلى وفود رسمية إلى تايوان التي تعتبرها الصين جزءًا من أراضيها.
تتغذى مثل هذه التناقضات أيضًا على المناخ السياسي المحلي في كل من الصين وأمريكا، ما يجعل من الصعب على قادتهما تقديم تنازلات بشأن أي قضايا جوهرية، وقد تتقلص مساحة المناورة لديهما أكثر في الأشهر المقبلة، حيث من المقرر إجراء انتخابات رئاسية في تايوان في يناير/ كانون الثاني المقبل، ومن المتوقع أن تبدأ حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية بشكل جدّي في أغسطس/ آب المقبل، مع تحديد الحزب الجمهوري موعد أول مناظرة بين مرشحيه.