باتت محافظة حضرموت النفطية جنوب شرقي اليمن، مركز الثقل في الجنوب، والتي يحاول المجلس الانتقالي المطالب بالانفصال، والمدعوم إماراتيًّا من جهة، ومجلس القيادة الرئاسي ومن خلفه الرياض من جهة أخرى، السيطرة عليها.
فبعد عقد الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي في مدينة المكلا، وتضمين عيدروس اسم دولة حضرموت من بين الأسماء المختارة لدولة الجنوب التي يسعى لاستعادتها، وعدَ بإعطاء حضرموت مكانتها في إطار الدولة الجديدة، مقابل قبولها بمشروع الانفصال، وخضوعها لميليشياته المدعومة من الإمارات.
أما رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة، فقد وصل مطلع الأسبوع الماضي إلى محافظة حضرموت في زيارة هي الأولى له منذ توليه المنصب الرئاسي في أبريل/ نيسان من العام الماضي، في سياق مساعٍ مدعومة من السعودية، لكبح جماح مشروع الانفصال الذي يتبنّاه المجلس الانتقالي الجنوبي.
أكّد رشاد في خطاب له أمام قيادات السلطة المحلية والأمنية والعسكرية والشخصيات الاجتماعية بمحافظة حضرموت، أن المحافظة النفطية المترامية الأطراف “ستدير نفسها ماليًّا وإداريًّا وأمنيًّا من قبل السلطة المحلية”.
وكانت السعودية قد سبقت ذلك بخطوة، حين رعت مشاورات لمكونات سياسية وشخصيات حضرمية أُقيمت في الرياض، انتهت بتشكيل “مجلس حضرموت الوطني”، وهذا المجلس تسعى الرياض من خلاله إلى التمسُّك بالمكونات الحضرمية، لإبقاء المحافظة ضمن نفوذها.
استمرت زيارة العليمي لمحافظة حضرموت أسبوعًا، أنهاها يوم الجمعة بعد عدة لقاءات مع السلطة المحلية ومكونات حضرمية مختلفة، وأداء صلاة عيد الأضحى فيها، فضلًا عن وضع حجر الأساس لعدد من المشاريع التنموية والخدمية والسياحية، منها مدينة رياضية وبناء مقر جديد للمنطقة العسكرية الثانية في منطقة الريان، خارج مدينة المكلا، في محاولة لامتصاص غضب سكان المحافظة ومكوناتها السياسية.
يحاول الانتقالي الجنوبي ومن خلفه الإمارات استغلال انهيار الوضع الاقتصادي في المحافظات الجنوبية، خصوصًا بعد استهداف الموانئ النفطية في حضرموت وشبوة من قبل الحوثيين ومنع تصدير النفط، ما حرم الحكومة الشرعية من أهم مواردها المالية
السعودية دخلت هي الأخرى بقوة، إذ رافق العليمي في زيارته وفد سعودي، أعلن عن مشاريع سعودية لمحافظة حضرموت بأكثر من مليار ريال سعودي، في توجُّه سعودي لبسط سيطرتها الكاملة على محافظة حضرموت، مقابل مشاريع تنموية أعلنت عنها.
ولحضرموت ثقل كبير في المجالَين الاقتصادي والسياسي، كونها المحافظة النفطية الأولى في اليمن، ويلعب أبناؤها دورًا كبيرًا في السياسة اليمنية والاقتصاد، فضلًا عن كونها المحافظة الأكبر من حيث المساحة في اليمن، وتقع على الحدود اليمنية السعودية، وتشرف أيضًا على بحر العرب.
يأتي هذا وسط تصعيد المجلس الانتقالي المطالب بالانفصال والمدعوم إماراتيًّا، سياسيًّا وإعلاميًّا، مطالبًا ببناء دولة جنوبية مستقلة، على إثر دولة الجنوب العربي التي انتهت مع قيام الوحدة اليمنية عام 1990.
فالانتقالي سبق العليمي بخطوات في محافظة حضرموت، أولها بعقد جلسات للجمعية الوطنية للمجلس بحضور رئيسه عيدروس الزبيدي، في 21 مايو/ أيار من العام الجاري في مدينة المكلا، والذي تزامن مع ذكرى إعلان “فكّ الارتباط” من قبل الزعيم الجنوبي علي سالم البيض من المدينة ذاتها أثناء حرب صيف 1994، بين القوات الجنوبية والقوات اليمنية الشمالية.
وفي السياق ذاته، يحاول الانتقالي الجنوبي ومن خلفه الإمارات استغلال انهيار الوضع الاقتصادي في المحافظات الجنوبية، خصوصًا بعد استهداف الموانئ النفطية في حضرموت وشبوة من قبل الحوثيين ومنع تصدير النفط، ما حرم الحكومة الشرعية من أهم مواردها المالية، والذي بدوره أثّر على عمل الحكومة وجعلها عاجزة عن دفع المرتبات وتوفير الحد الأدنى من الخدمات التي يحتاجها السكان، ليس في حضرموت وحدها بل في عموم المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية.
المشهد السياسي في المحافظات الجنوبية الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليًّا متداخل ومربك أيضًا، حيث إن عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي المطالب بالانفصال، وفرج سالمين الحسني محافظ محافظة حضرموت الأسبق، وعبد الرحمن المحرمي قائد ألوية العمالقة الجنوبية، هم أيضًا أعضاء في مجلس القيادة الرئاسي الذي يرأسه رشاد العليمي بدرجة نائب رئيس، وأيضًا هناك عدد من الوزراء في الحكومة الشرعية ضمن المجلس الانتقالي، لكن كل هذه الأطراف المتباينة مقسّمة بين قطبَين، هما الرياض وأبوظبي اللتين تديران كل هذه التناقضات.
صراع سعودي إماراتي
يذهب الكثير من المراقبين إلى أن الصراع في محافظة حضرموت لا يهدف إلى كبح مشرّع الانتقالي، وليس بين المكونات اليمنية بل بين الرياض وأبوظبي، وأيضًا لا يصبّ في صالح اليمنيين، بقدر ما هو تمزيق وتفكيك لليمن الممزّق بالحرب.
فالتحركات الأخيرة في محافظة حضرموت تنمّ عن صراع سعودي إماراتي في المحافظات الجنوبية والشرقية تحديدًا، حضرموت والمهرة، وما يجري هو رسائل سعودية إماراتية متبادلة، وصراع للسيطرة على حضرموت عبر الأدوات، بحسب الخبير السياسي اليمني علي الذهب.
يضيف الذهب في حديثه لـ”نون بوست” أن ما يحدث عبارة عن رسائل متبادلة في سياق التنافس الحاصل بينهما، ومن خلال هذا التنافس حاول كل طرف إثبات وجوده في المحافظات الجنوبية، فالإمارات حاولت التمدد في محافظتَي حضرموت والمهرة، لكن السعودية حاولت تشكيل المجلس الوطني الحضرمي للتصدي لهذا التوسع، والدفع بالعليمي لزيارة حضرموت.
لو أراد السعوديون والإماراتيون الخير لليمن، لعملوا على تشكيل حكومة يمنية موحّدة وأزالوا الشقاق الموجود، وفككوا الميليشيات ونفّذوا اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، فكل الأطراف اليمنية هي تحت سيطرة الممولَين الإمارات والسعودية
وأكّد أن المستفيدين من الصراع في حضرموت هم المموّلين للصراع بين اليمنيين، لتنفيذ أجندتهم التمزيقية لليمن لأنه من المبكّر الحديث عن دولة فيدرالية اتحادية، خاصة في حضرموت، فهي تعدّ حلقة خطيرة عند الحديث عنها في إطار دولة اتحادية، سواء على الجنوب وتماسكه خاصةً والجمهورية اليمنية عمومًا، لأن حضرموت ستقود معها محافظة المهرة وجزيرة سقطرى الخاضعتَين فعليًّا للسعودية.
وقلّل الذهب من أهمية زيارة العليمي لحضرموت، فهو افتتح مشاريع جرى افتتاحها من قبل، ووجوده غير دائم في اليمن، لكن زيارته جاءت لشرعنة الوجود السعودي وأجندتها في حضرموت، ووصفَ ذلك بالأمر الخطير، وأكّد وجود تحركات مضادة للانتقالي الذي بدأ بتشكيل هيئات له في مناطق ومديريات محافظة حضرموت، لإثبات وجوده على الأرض.
وأكّد الذهب أن الوجود السعودي في حضرموت يأتي في إطار الرد على خطوات الإمارات للاقتراب من الجدار الحدودي من السعودية، وما يحمله من أطماع وتطلعات جيوسياسية على بحر العرب والمهرة وصولًا إلى عُمان التي لديها ملفات أمنية كثيرة حسّاسة مع الإمارات.
وأيضًا بهدف إزعاج السعودية من قبل الإمارات نفسها، لأن ليس هناك مبرر لوجود الإمارات بشكل مباشر أو عبر الوكلاء في هذه المناطق، لأن وجود ذراع لأبوظبي في كل الأحوال يمسّ الأمن القومي السعودي.
إيران شمالًا وجنوبًا
ويحذّر الذهب من وجود إيران في محافظة حضرموت، “فلا تزال هناك محركات داخلية للانتقالي الجنوبي مدعومة من إيران و”حزب الله”، ومن الخطر أن تكون إيران موجودة شمالًا، وفي الوقت نفسه قد تظهر في المستقبل في الجنوب، وهذه الخطوات المتخذة تخدم الأطراف الخارجية وليس اليمن”.
ويضيف الذهب: “لو أراد السعوديون والإماراتيون الخير لليمن، لعملوا على تشكيل حكومة يمنية موحّدة وأزالوا الشقاق الموجود، وفككوا الميليشيات ونفّذوا اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، فكل الأطراف اليمنية هي تحت سيطرة الممولَين الإمارات والسعودية، لكن لكل دولة أجندتها، وأيضًا هناك غطاء دولي لهذه الدول سواء من بريطانيا وفرنسا وأمريكا، فمصالح هذه الدول مقدَّمة على مصلحة اليمنيين، وأيضًا لا توجد قوى وطنية تمثل الإرادة الوطنية التي تدافع عن الأرض والثروة”.
اللاعب الأقوى في حضرموت واليمن بشكل عام هو السعودية، لأسباب سياسية واقتصادية وعسكرية وجغرافية وغيرها، فالسعودية جارة اليمن، أما الإمارات فلديها مرتزقة فقط
ويوافقه في الرأي الباحث السياسي صدام الحريبي، فالسعودية لا تسعى لوأد مشروع الانفصال بل للحفاظ على مصالحها، فاقتراب ميليشيات تتبع دولة أخرى حتى إن كانت حليفتها يقلقها، فضلًا عن الخيانات التي ارتكبتها الإمارات بحقّ السعودية وتوريطها في العديد من الملفات، وبالتالي الحراك الحاصل اليوم في حضرموت حتى إن كان الحضارم هم من يتصدره لكنه بدعم سعودي، ولو كانت الرياض تريد القضاء على الانتقالي لفعلت ذلك منذ سنوات.
اللاعب الأقوى
ويضيف صدام لـ”نون بوست”: “عندما نتحدث عن الانتقالي فنحن نتحدث عن الإمارات، ولذلك أعتقد أن اللاعب الأقوى في حضرموت واليمن بشكل عام هو السعودية، لأسباب سياسية واقتصادية وعسكرية وجغرافية وغيرها، فالسعودية جارة اليمن، أما الإمارات فلديها مرتزقة فقط اشترتهم بالمال”.
متابعًا: “إنْ وجد المرتزقة عرضًا أفضل من قبل السعودية أو غيرها سيتخلون عن أي مشروع وأي دولة كانت تدعمهم، وبالتالي إن تأثير الانتقالي لن يكون لافتًا بوجود السعودية، إلا إذا دخلت أبوظبي في الصراع مباشرة مع السعودية، هنا قد يكون هناك تأثير بسيط، لكن سيظل التأثير الأكبر للسعودية للأسباب التي ذكرتها آنفًا”.
وتعليقًا على زيارة العليمي لحضرموت، يشير الحريبي إلى أن ذلك جرى بالتنسيق مع السعودية، وأي تحرك لا تحبّذه السعودية سيتوقف عنه العليمي فورًا حتى إن كان لصالح الوطن والشعب، وبالتالي تحركات العليمي محصورة ولها أهداف معيّنة وآنية، وسينجح فيها ما دامت السعودية هي من تدعمه فيها.