ما زالت المواجهات مشتعلة بين أهالي الجولان السوري المحتل وشرطة الاحتلال الإسرائيلية، احتجاجًا على خطط إسرائيلية لإقامة مشروع التوربينات (مراوح توليد الكهرباء) الذي تعمل عليه شركة “إنرجيكس للطاقة المتجددة”، التابعة لسلطات الاحتلال منذ أن تم إقراره في ديسمبر/كانون الأول 2020 على مساحات شاسعة من أرض الجولان، رغم معارضة أصحابها.
منذ يوم الأربعاء، 21 يونيو/حزيران الحاليّ، نفذ أهالي الجولان إضرابًا بقرار من الهيئة الدينية والزمنية (الدرزية) في الجولان، تحول إلى مواجهات استخدمت فيها قوات الاحتلال الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع ومنعت سيارات الإسعاف من الوصول إلى المصابين، فيما ألقى المحتجون الحجارة على الشرطة وعناصر وحدة حرس الحدود، وأحرقوا مركزًا للشرطة في الجولان، لتسفر هذه المواجهات عن إصابات بين الطرفين، واعتقال عدد كبير من المحتجين.
رفض قاطع للمشروع
بدأت فكرة المشروع المكون من 32 توربينة رياح، بارتفاع 220 مترًا للواحدة، في يناير/كانون الثاني 2020، عندما أقرت اللجنة الوطنية للتخطيط والبنى التحتية الإسرائيلية المشروع، وبات له صفة قرار حكومي.
وفي الشهر ذاته قامت شرطة الاحتلال بحماية الأعمال التي بدأت الشركة تنفيذها، ومنعت كثيرين من الوصول إلى أراضيهم على مدار ثلاثة أيام متواصلة، واعتدت على عشرات المزارعين، مستخدمة القوة المفرطة، ما تسبب يومها في تعريض حياة السكان للخطر، وإصابة عشرات الأشخاص جراء استخدام الرصاص المطاطي والحي وخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع.
يرفض الأهالي في الجولان المحتل تركيب المراوح، وهي التوربينات الأكبر حجمًا المستخدمة في العالم على اليابسة حتى الآن، ضمن أراضيهم الزراعية وعلى مقربة من أماكنهم السكنية في بلدات مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا، لا سيما أنها ستستحوذ على مساحة كبيرة تقدر بـ3674 دونمًا من تلك الأراضي، ما يعني تهديد صحتهم والقضاء على حياتهم الريفية وقطع أشجار الكرز والتفاح التي يعتمدون عليها في حياتهم المعيشية وتشكل جزءًا كبيرًا من اقتصادهم.
استخدمت قوات الاحتلال فرقة الخيالة لمكافحة الشغب وآليات مزودة بخراطيم المياه العادمة والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والرصاص الحي لتفريق الوقفة الاحتجاجية لأهالي الجولان
المرصد – المركز العربي لحقوق الإنسان في الجولان (مركز توثيقي يهتم بتوثيق انتهاكات الاحتلال بحق سكان الجولان المحتل)، نشر بيانًا في 22 يونيو/حزيران الحاليّ، أشار فيه إلى اقتحام قافلة تضم ما يزيد على مئة مركبة محملة بالمئات من قوات شرطة الاحتلال الإسرائيلي، للأراضي الزراعية التابعة لهم، ودون أي إنذار مسبق أقامت هذه القوات الحواجز على الطرقات الزراعية الرئيسية، ومنعت المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، لتأمين الحماية لمندوبي شركة “إنرجيكس للطاقة المتجددة”.
وحسب بيان المرصد، فقد استخدمت قوات الاحتلال فرقة الخيالة لمكافحة الشغب وآليات مزودة بخراطيم المياه العادمة والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والرصاص الحي لتفريق الوقفة الاحتجاجية لأهالي الجولان الذين تداعوا للوقوف في أراضيهم وحمايتها.
وجاء في البيان، إن قوات الاحتلال تعتبر سكان الجولان “خطرًا أمنيًا” وتستخدم معهم تكتيكات عسكرية، كعنصر المفاجأة في الاقتحام، رغم أن المشروع ليس سريًا ومن المفروض أن يتم وفق الإجراءات القانونية المتبعة.
داعيًا المجتمع الدولي لإدانة انتهاكات دولة الاحتلال لحقوق سكان الجولان السوريين، ومطالبتها بوقفها، تماشيًا مع التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، فيما يتعلق باحترام السلطة القائمة بالاحتلال للملكية الخاصة، وعدم مصادرتها.
من جهتها كانت 17 منظمة حقوقية، قد حذرت عبر بيان لها، في أبريل/نيسان 2022، من خطر المشروع، رغم مئات الاعتراضات التي تقدمت بها مؤسسات زراعية وأفراد من الجولان، لافتة في بيانها أن المشروع سيتسبب حال إقامته بآثار خطيرة ومدمرة على سوريي الجولان، وسيفضي إلى تدمير جزء مهم من الاقتصاد الزراعي التقليدي المتمثل بزراعة الأشجار المثمرة، خاصة التفاح والكرز، بالإضافة لمخاطره على صحة السكان التي ستنجم عن التعرض للضجيج وللموجات تحت الصوتية والوميض، الأمر الذي سيتسبب باضطرابات سمعية.
ومما سيزيد من مخاطر المشروع على السكان أن المزارعين وأفراد أسرهم يمكثون معظم أيام السنة في الأراضي الزراعية التي ستقام عليها توربينات الرياح، حيث تنتشر مئات المنازل الصغيرة، ما سيزيد من احتمالات تعرضهم للأذى، فضلًا عن إجبار المزارعين على هجر آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية، التي تشكل ما يقارب ثلث أراضيهم الزراعية.
كما ستؤدي إقامة المشروع إلى تقييد التوسع العمراني لثلاث قرى سورية محتلة من أصل خمس قرى تبقت في الجولان بعد الاحتلال عام 1967، هي مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا، وهذا سيفاقم أزمة السكن الخانقة التي يواجهها سكان هذه القرى السورية، بالإضافة إلى تشوه المشهد الطبيعي للجولان المحتل، وتعريض الحياة البرية للخطر.
مصادرة للأراضي وهويتها العربية السورية
استطاعت سلطات الاحتلال إقناع العديد من أهالي المنطقة في الجولان بتوقيع اتفاقيات معهم لتأجير بعض المساحات داخل أراضيهم لإقامة التوربينات مدة 25 عامًا، على أساس أنها طاقة خضراء ونظيفة وستوفر الكهرباء لنحو 50 ألف أسرة، فيما تتضمن العقود تعويضات كبيرة في حال تراجع أصحاب الأراضي.
يقول الكاتب والباحث السياسي الدكتور ثائر أبو صالح المنحدر من الجولان المحتل: “بدأنا بمحاولة فهم هذا المشروع وأبعاده وبعد استشارة المختصين والخبراء بهذا المجال تبين أن المراوح مضرة جدًا لصحة الإنسان وقاتلة للطيور والنحل والحشرات التي تعمل على تلقيح شجر التفاح والكرز المزروع في الجولان، كما أن هذا المشروع سيصادر نحو 4800 دونم من أجل شق طرقات للوصول إلى مناطق إقامة التوربينات، إضافة إلى الحد من توسع الخرائط الهيكلية للقرى”.
ويوضح أبو صالح ل”نون بوست”، أن مجموع ما يملكه الأهالي في الجولان من أراض إذا قسم على عدد السكان فإن كل مواطن سوري يملك فقط 750 مترًا مربعًا، فتخيل لو اقتطع 4800 دونم ماذا سيحصل؟
قرار “إسرائيل” بفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة باطل ولاغ ودون فعالية قانونية على الصعيد الدولي
وتراجع العديد من السكان الموقعين على اتفاقية المشروع مع الشركة بسبب مخاوفهم أيضًا من مصادرة أراضيهم مستقبلًا، لكن تبين أن الاتفاقات غير قابلة للتراجع.
يضيف أبو صالح، أن نضال أهل الجولان ضد هذا المشروع بدأ في أروقة المحاكم، إلا أن حكومة “إسرائيل” أعلنت أن المشروع هو مشروع قومي لا يمكن إلغاؤه، “ما عقد المشكلة أكثر وكشف أن هذا المشروع يستهدف التضييق على قرانا والقضاء على الزراعة بحجة إنتاج الكهرباء”.
وتسعى “إسرائيل” إلى تهويد الجولان وأرضه وذلك من أجل إقناع دول العالم بالاعتراف بضم الجولان كما فعلت أمريكا في عهد ترامب 2019، لذلك سعت “إسرائيل” بكل قوتها – حسب أبو صالح – لاستمالة الجيل الجديد وإقناعه بأخذ الجنسية الإسرائيلية بحجة أن سوريا ستتقسم وانتهت كوطن، خصوصًا بعد سماع مصطلحات التقسيم وسوريا المفيدة وغيرها، وفي حال تحول هؤلاء الشباب لإسرائيليين فهذا يعني أسرلة الجولان وتقوية موقف “إسرائيل” لمطالبتها دول العالم بالاعتراف بضم الجولان إليها.
في السياق ذاته، يتفق الناشط السياسي المنحدر من الجولان المحتل، هاني زهوة، مع الباحث أبو صالح في أنه لا يمكن عزل مشروع المراوح خارج سياق الأسرلة ومحاولات تغيير المناخ الاجتماعي والوطني للأهالي في الجولان، بدءًا بالتهديد الديموغرافي ومصادرة آلاف الدونمات لصالح هذا المشروع التهجيري، وصولًا إلى قتل الزراعة والمحاصيل الزراعية التي تشكل ركنًا أساسيًا في رزق ومعيشة الجولانيين عامةً، والتهديد الحيواني والتنوع البيئي الذي يميز المنطقة.
وكان مجلس الأمن قد أصدر القرار 497 الذي رفض قرار “إسرائيل” عام 1981 بضم الجولان إليها، ونص القرار على أن “قرار إسرائيل بفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة باطل ولاغ ودون فعالية قانونية على الصعيد الدولي”.
توسع رقعة الاحتجاجات
تضامن أهالي الجليل والكرمل في الأراضي الفلسطينية، مع أهالي الجولان، حيث قطعوا طرقات ومحاور رئيسة شمال الأراضي الفلسطينية، قبل أن تنفجر مواجهات عنيفة مع الشرطة، في حين انطلقت دعوات لوقفات تضامنية في السويداء جنوب سوريا (ذات الأغلبية الدرزية) قرب الشريط الحدودي الشائك.
من جهته، قال الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ موفق طريف، على فيسبوك، إنه سبق وحذر جميع الجهات الحكومية الإسرائيلية من النتائج الوخيمة لتطبيق مشروع “توربينات الرياح” في الجولان، دون الاستمرار في المفاوضات والتنسيق مع أهالي المنطقة، وما يحصل اليوم نتيجة واضحة لهم منذ البداية.
تحذيرات الشيخ طريف كانت قبل اجتماعه برئيس حكومة سلطات الاحتلال بنيامين نتنياهو بحضور رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار الأربعاء 21 يونيو/حزيران الحاليّ، إذ تم الإعلان عن هدنة مؤقتة ستتوقف خلالها أعمال بناء توربينات الرياح في الجولان، مقابل توقف المظاهرات إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى.
حسب حديث الناشط زهوة ل”نون بوست”، فإن احتجاجات أهالي الجولان المحتل تركزت بالأساس في أراضيهم الزراعية المستهدفة من المشروع الاستيطاني لمصادرة الأراضي، ثم امتدت الاحتجاجات لمناطق أخرى بسبب الاعتقالات وظروف المواجهة مع شرطة الاحتلال، بهدف إخراج المعتقلين كما حدث أمام محطة الشرطة في قرية مسعدة قبل أيام.
لافتًا، أن الأهالي قدموا الخطاب العقلاني والسلمي، ولم يكونوا أبدًا دعاة للعنف والشغب، وقد استنفدوا كل السبل والطرق القانونية، إذ قدموا عريضة للقضاء ترفض هذا المشروع لكن دون جدوى.
بن غفير يجر إسرائيل لـ”حرب ضد الدروز”
بعد اتفاق الهدنة بين طريف ونتنياهو بيوم واحد، أمر وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الشرطة بمواصلة مشروع التوربينات فورًا، وإيقافه فقط أيام العيد الأربع، ثم مواصلته بعدها، منوهًا أن المشروع سيستمر ودولة “إسرائيل” لن تستسلم لمن ألقى قنابل المولوتوف والحجارة، في إشارة إلى أهالي الجولان الذين حاولوا التصدي للاستهداف المتواصل لأراضيهم.
وأصدرت شرطة الاحتلال الإسرائيلية بيانًا قالت فيه: “على عكس المعلومات المغلوطة التي نُشرت، لم توعز الشرطة الإسرائيلية بوقف العمل في بناء التوربينات في هضبة الجولان، باعتبار أن مثل هذا القرار، يخص المستوى السياسي فقط”.
سلطات الاحتلال ماضية في مشروعها القومي، متجاهلة كل التوقعات ببدء احتجاجات أشد عنفًا
وحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن مسؤولين كبار في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، اتهموا بن غفير بالضغط لمباشرة العمل في بناء المروحيات الهوائية خلافًا لموقفهم والتقديرات الاستخبارية التي تحذر من حدوث اشتباكات عنيفة، متهمين إياه “بجر إسرائيل إلى حرب ضد الدروز”، ومحذرين في ذات الوقت من أنه “إذا لم يتم وقف الأعمال في الجولان والعودة إلى التفاوض مع أصحاب الأرض فسينتهي الأمر بإراقة دماء”.
يرى الباحث أبو صالح، أن بن غفير إنسان فاشي يكره العرب بشكل هستيري، وحكومة “إسرائيل” عامة حكومة فاشية تعمل بشكل حثيث على إيذاء العرب بشكل عام، مضيفًا “لا يعنينا ما يقول بن غفير، نحن نعرف أن حكومة “إسرائيل” والشركة لن يتراجعوا عن هذا المشروع بسهولة، ونحن بالمقابل لن نسمح بإقامة هذا المشروع، رغم أننا الطرف الأضعف في المعادلة ونخوض معركةً سياسيةً غير متكافئة مع الاحتلال على قضية الهوية”.
ونفى أبو صالح وجود أي دعم من حكومة دمشق التي من المفروض أن تكون حريصة على أراضيها المحتلة وسكان تلك الأراضي، وطرحِ هذا الموضوع في الأروقة الدولية والضغط على “إسرائيل” للتراجع عن مشاريعها، “للأسف نحن متروكون ما بين نظام يريد مطبلين له فقط، ومعارضة فاشلة، وكيان يقضم الأرض السورية ويستبيح سماءها وبرها وبحرها بشكل دائم”، يختم أبو صالح حديثه.
يبدو أن سلطات الاحتلال ماضية في مشروعها القومي، متجاهلة كل التوقعات ببدء احتجاجات أشد عنفًا، لا سيما أن قضية التوربينات ليست الوحيدة التي تثير استياء أهالي الجولان المحتل، فمن قانون التجنيد الإلزامي للدروز، واقتصار التجنيد تطوعًا على بقية الطوائف، إلى سياسة التمييز خاصة فيما يتعلق بالتخطيط والبناء في التجمعات السكنية، في خمس قرى لم يطلها التهجير، وهي: مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا وعين قنية والغجر، ولم يتبق منها إلا 47.000 دونم للأهالي مقابل ما يقارب 1.100.000 دونم، للمستوطنين، جزءٌ منها مخصص لاحتياجات جيش الاحتلال.