ترجمة حفصة جودة
بالحديث عن أول وأصعب مهمة في وظيفة، فمن المتوقع أن تقوم حفيظة غاية أركان – متدربة برنستون ومديرة تنفيذية سابقة في وول ستريت – بزيادة سعر الفائدة للضعف وربما 3 أضعاف أو 4 أضعاف في أول اجتماع سياسي لها كرئيسة للبنك المركزي التركي اليوم.
هذا الدواء المر ضروري لإنقاذ تركيا من الخطر الاقتصادي، ستضطر أركان أيضًا إلى مواجهة رئيس عملها الجديد: الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي أقال 4 محافظين للبنك المركزي في آخر 4 سنوات، للضغط على البنك المركزي لخفض سعر الفائدة لتشجيع التوسع الاقتصادي بأي ثمن.
ورثت أركان تضخمًا متزايدًا ونقصًا حادًا في العملات الأجنبية، هذا الموقف يهدد استقرار الدولة التي تمتلك عضوية في منظمة حلف شمال الأطلسي ومجموعة العشرين، وتعتبر شريكًا تجاريًا أساسيًا لأوروبا ولاعبًا جغرافيًا سياسيًا رئيسيًا في حرب أوكرانيا.
دخلت أركان – 44 عامًا – المرجل الاقتصادي التركي بعد جولتها المضطربة، فهذه وظيفتها الثالثة خلال 18 شهرًا وذلك بعد أن تركت عملها كرئيس تنفيذي مشارك في “First Republic” بعد 6 أشهر من عملها في هذا المنصب وقبل انهيار البنك، عُرفت أركان في البنك بدفعها نحو إستراتيجية جمع أكبر قدر ممكن من الودائع من العملاء الأثرياء.
في سبتمبر/أيلول الماضي، انتقلت أركان إلى عمل جديد كرئيس تنفيذي لشركة “Greystone” لإقراض العقارات، وقد تركت المنصب بعد 3 أشهر فقط، قالت الشركة إن رحيلها كان وديًا ومرتبطًا بقرارها التركيز على فرص جديدة في القطاع المالي.
ولدت حفيظة أركان في إسطنبول، وقضت أغلب حياتها المهنية في عالم الشركات الأمريكي، بما في ذلك نحو عقد في “Goldman Sachs Group” حيث قدمت المشورة لأكبر البنوك وشركات التأمين الأمريكية بشأن إدارة الميزانية العمومية والمخاطر.
كما عملت في مجلس إدارة “Tiffany & Co” في أثناء عملية بيعها المؤلمة إلى شركة “LVMH” العملاقة الفاخرة.
يقول روجر فاراه، رئيس مجلس إدارة “Tiffany” السابق: “إنها ذكية وتعمل بجد وتهتم بالتفاصيل”، شجعت أركان المديرين التنفيذيين في “Tiffany” ليصبحوا أكثر تقدمًا في استخدام التكنولوجيا لجذب المشترين من الشباب، يقول فاراه “كانت تنظر إلى المستقبل بدلًا من مجرد التعامل مع مشكلات الحاضر”.
عُينت أركان في بداية شهر يونيو/حزيران كجزء من ترتيب اقتصادي واسع قام به أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في شهر مايو/أيار، حيث تسبب ارتفاع تكلفة المعيشة في تراجع الناس عن دعمه ودعم حزبه الحاكم.
تعد أركان أول امرأة تعمل محافظًا للبنك المركزي في دولة لا تتقلد فيها الكثير من النساء مناصب عليا في الحكومة، ورغم أنها قادمة من وول ستريت، ليست معروفة في الواقع لعالم المصارف والسياسات التركية.
لم تقدم أركان حتى الآن تفاصيل محددة لخطتها، لكن تعيينها وتوجهها الغربي ساهم في هدوء الأسواق، وقد اتخذت جانب وزير المالية التركي الجديد محمد شيمشيك المفضل لدى المستثمرين، الذي عاد إلى الحكومة بعد 5 سنوات من الانقطاع، يرى المستثمرون أنهما يوجهان تركيا نحو منهجية أكثر تقليدية في الاقتصاد، على الأقل حتى الآن.
سيكون اختبارها الأول اجتماع السياسات اليوم، كان التضخم قد وصل في تركيا إلى 39% بينما وصل سعر الفائدة إلى 8.5% وهو اختلال شديد في التوازن وفقًا لمعايير معظم البنوك المركزية التي تحاول عادة رفع سعر الفائدة على التضخم.
توقعت “Goldman Sachs” أن ترفع أركان الفائدة إلى 40%، أما “JPMorgan” فترى أنها ستصبح 25%، لكن نتائج فحص البنك المركزي للمحللين المحليين كان أكثر حذرًا فقد تنبأوا بزيادة تصل فقط إلى 17%.
فقدت العملة التركية نحو 90% من قيمتها مقابل الدولار في السنوات الأخيرة، ومن المفترض أن تجذب الزيادة المتوقعة في سعر الفائدة، الأموال مرة أخرى إلى الاقتصاد وبالتالي دعم العملة، وإيقاف الخسائر في البرنامج الحكومي الذي يزيد على 100 مليار دولار ويحمي المدخرين من تقلبات العملة، قد يدفع ذلك الاقتصاد أيضًا نحو تباطؤ حاد.
صعدت أركان إلى قمة الاقتصاد التركي من طفولتها في إسطنبول، فهي ابنة لمعلمة فيزياء ومهندس، تعلمت برمجة الحاسب الآلي في المدرسة الثانوية من أشقائها الثلاث الذي كانوا يديرون شركة ناشئة، وكانت تقدم لهم فناجيل القهوة التركية مقابل ذلك.
لحق ذلك سلسلة من الإنجازات الأكاديمية، فقد حصلت على المركز الـ26 من بين أكثر من مليون طالب تركي في امتحانات القبول الجامعية، ثم أصبحت الطالبة المتفوقة على دفعتها عام 2001 عند تخرجها من جامعة “بوغازجي” المرموقة، حصلت أركان على منحة المؤسسة الوطنية للعلوم عن رسالة الدكتوراه بشأن إدارة المخاطر في جامعة برينستون.
قال أستاذ الهندسة المالية روبرت فانديربي، الذي عمل معها في برينستون، إن هذه الشابة الحازمة التي كانت مساعدته في التدريس، أسست نظامًا لأقسام تدريس إضافية للطلاب، لمراجعة مواد محاضراته، ما زالت هذه الممارسة مستمرة حتى اليوم كنتيجة لما وصفه بـ”عصر أركان” حيث غيّرت الطريقة التي تدار بها الأمور في القسم.
وأضاف “لم يكن بقية الطلاب سعداء بذلك، لكننا نفذناه بأي حال، وبالإضافة إلى ذكائها الشديد وحماسها، فقد كانت تتمتع بشخصية تجذب الآخرين، حيث يميل الناس إلى اتباع طريقة تفكيرها”.
لم يكن افتقار أركان للخلفية المصرفية المركزية أمرًا غريبًا لصناع السياسات النقدية، فقد رأس بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي مصرفي استثماري سابق، بينما يرأس البنك المركزي الأوروبي سياسي ومحام.
يقول ريتشارد بريغز، مدير محفظة بشركة “Candriam” لإدارة الأصول: “ربما لا تملك خبرة في البنك المركزي، لكن ذلك لا يعني عدم قدرتها على أداء الوظيفة، إنه تحسن كبير عن المحافظ السابق الذي كان كاتبًا صحفيًا ويدفع نحو أفكار غير تقليدية”.
قضت أركان ما يقرب من 8 سنوات في “First Republic Bank” وكان مرجحًا لها أن تخلف مؤسس البنك جيم هاربرت، لكن استقالتها في ديسمبر/كانون الأول 2021 بعد 6 أشهر فقط من توليها منصب رئيس تنفيذي مشارك كان أمرًا مفاجئًا للمحللين، انخفضت الأسهم بنسبة أكثر من 4% في اليوم الذي أُعلن فيه رحيلها.
اضطر البنك إلى الانضمام إلى “JPMorgan Chase” هذا الربيع، ليصبح الأحدث في سلسلة انهيار البنوك الإقليمية الأمريكية تحت وطأة ارتفاع معدل الفائدة.
أعلن أردوغان عن دعمه لأركان وشيمشيك أول الشهر، وفي الوقت نفسه قال إنه لا يزال متمسكًا بأفكاره الخاصة بالسياسة الاقتصادية التي تتضمن إيمانه بأن انخفاض سعر الفائدة سيدفع نحو انخفاض نسبة التضخم، على عكس ملاحظات الاقتصاديين في العصر الحديث.
يملك المسؤولون الأتراك السابقون والمحللون الماليون والمصرفيون في تركيا إحساسًا بسبق الرؤية، فقد عيّن أردوغان صناع سياسة محافظين في السنوات الأخيرة، ليعزلهم بمجرد اختلافهم مع آراء الرئيس.
فمحافظ البنك المركزي ناجي آبال الذي أشاد به الاقتصاديون لرفعه سعر الفائدة، عُزل من منصبه بعد أقل من 5 أشهر فقط لتوليه المنصب عام 2021.
يقول هاكان كارا، كبير الاقتصاديين السابق بالبنك المركزي: “هذه الأيام يسأل الجميع نفس السؤال: لماذا يجب أن نصدق أن هذه المرة ستكون مختلفة؟ لا أعتقد أن أي شخص يملك إجابةً شافيةً”.
المصدر: وول ستريت جورنال