ترجمة حفصة جودة
في مواجهة أزمة اقتصادية مدمرة، قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرًا أن الوقت قد حان للحديث مع من تبقى من المعارضة السياسية المصرية، ويمنح أفرادها مقعدًا على الطاولة بعد ما يقرب من عقد من القمع والسجن والنفي.
لكن بالنسبة لزعيم استبدادي مثل السيسي، فيبدو أن المصالحة لن تستمر طويلًا، فبمجرد أن بدأ الحوار الوطني، تلعثمت الحكومة في المحادثات، بما يشير إلى أنه بعد سنوات من القمع السياسي والهيمنة العسكرية على الاقتصاد، ما زالت القيادة مترددة في طي الصفحة.
مُنع الإسلاميون من المشاركة في الحوار، ولم يُدع إليه الكثير من المعارضة العلمانية الليبرالية، كما أن الموضوعات الحساسة مثل أي شيء يتعلق بمسألة الأمن القومي كانت خارج النقاش.
في اليوم التالي لأول أيام الحوار الوطني الذي بدأ الشهر الماضي، استيقظت مصر على أخبار اعتقال قوات الأمن لعشرات من أقارب وأنصار الشخص الوحيد الذي أعلن تحديه للسيسي – الذي وصل إلى السلطة في انقلاب عسكري – في الانتخابات الرئاسية القادمة.
تحدث السيسي عن رسم مسار سياسي واقتصادي جديد وسط تصاعد التضخم وانخفاض قيمة العملة للنصف في العام الماضي، بما دفع بالطبقة المتوسطة نحو الفقر، ومع ذلك فإن الإصلاحات الاقتصادية التي وعدت بها الحكومة كانت أقولًا لا أفعالًا.
قال عمرو موسى – وزير خارجية سابق – قي تعليقات علنية غير معتادة: “في الحقيقة، يشعر المصريون بالكثير من القلق هذه الأيام ويتساءلون إلى أين تذهب السياسات المصرية”.
حذر المحللون والاقتصاديون من أن اقتصاد مصر الراكد الذي تهيمن عليه الدولة، إضافة إلى إنفاق السيسي بإسراف على الأسلحة وطفرة العمران – التي حققت نموًا قصير الأجل لكنها رفعت من فاتورة الدين المرتفعة بالفعل – لم يكن ملائمًا.
ظهر هذا الضعف بوضوح بعد الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، عندما ارتفعت أسعار واردات القمح والوقود المهمة، ونضوب عائدات السياح الروس والأوكران، وسحب المستثمرين الأجانب للعملة الصعبة خارج مصر.
ورغم الجهود الرسمية لتصوير الأزمة كأنها أحد توابع الحرب التي لا يمكن تجنبها، فإن السخط كان مسموعًا وعاليًا بمعايير دولة يتعرض فيها منتقدو السلطات علانية إلى الاعتقال.
يرى المحللون أن المحادثات مع المعارضة إحدى إشارات شعور السيسي بالضغط، الإشارة الأخرى ظهرت الأسبوع الماضي عندما قال أحد أعضاء البرلمان إن الانتخابات الرئاسية – التي كانت متوقعة العام المقبل – قد تكون بنهاية العام الحاليّ.
يعتقد الدبلوماسيون والمحللون أن هذا البرنامج الجديد يعني أن المؤسسة الحاكمة تخشى من تراجع شعبية السيسي بشكل أكبر قبل موعد الانتخابات.
ورغم تراجع الأمل بشأن حرية ونزاهة الانتخابات، فإن السيسي والهيئة الأمنية العسكرية التي يمثلها يتظاهرون بذلك، يرى المحللون والدبلوماسيون أن ارتفاع نسبة الحضور ستدفع السيسي إلى زعم الحصول على دعم شعبي قبل إجراء إصلاحات اقتصادية مؤلمة، لا يمكن أن تزيد المخاطر عن ذلك في مصر لإصلاح نفسها.
واجهت مصر – أشهر الدول العربية عالميًا وحليف أمريكا الإستراتيجي منذ وقت طويل – نوبات من الاضطراب في الـ12 عامًا الأخيرة منذ ثورة الربيع العربي عام 2011، عندما انتهت التجربة الديمقراطية القصيرة المضطربة بانقلاب عسكري أوصل السيسي للحكم.
والآن، يقول المحللون إن الفقر والمعاناة انتشرا بشكل أكبر بين سكان البلاد البالغ عددهم 105 ملايين نسمة، ويخاطر الانهيار الاقتصادي بتعزيز الاضطراب الذي قد ينتشر بين بقية مناطق الشرق الأوسط، وبالتالي هروب المزيد من المهاجرين نحو أوروبا.
خلال أشهر، قد تضطر البلاد إلى الاختيار ما بين الوفاء بديونها أو إطعام فقراء مصر الذين يعتمدون على الخبز المدعم حكوميًا.
وربما لمحاولة امتصاص الغضب الشعبي، أطلق الرئيس سراح 1000 سجين سياسي خلال العام الماضي، ومع ذلك فإن اعتقالات جديدة لنشطاء سياسيين وباحثين وشخصيات معارضة وحتى مشجعي كرة القدم تفوق أعداد الذين أُطلق سراحهم، ومن غير المتوقع أن يؤدي الحوار الوطني إلى الكثير سوى كومة من الأوراق وبعض الصور.
قال ضياء رشوان – منسق الحوار الذي عينته الحكومة – في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي إن على المصريين أن يفرقوا بين الاعتقالات الفردية والظواهر الأوسع التي من بينها الانفتاح الذي يمثله الحوار، كما زعم أن الرئيس لا يمكنه التدخل في العملية القضائية.
قال خالد داوود – أحد أعضاء تحالف الحركة المدنية الديمقراطية الذي يضم عدة أحزاب معارضة – إن التحالف وافق كرهًا على المشاركة في الحوار لقناعة منه أنه لا سبيل آخر ليُسمع صوته، حتى بعد اعتقال عدد من أفراده في الفترة الماضية.
وأضاف داوود “هل تتخيل مدى الرعب الذي نشعر به للعمل في مثل هذه الظروف؟ إذا كنت تبدأ حوارًا وطنيًا وأول ما تقوم به الإطاحة بمرشح محتمل واعتقال أفراد أسرته وأنصاره، فهو إشارة مرعبة للانتخابات الرئاسية”.
في الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2018، كان كل منافسي السيسي الجادين قد اعتُقلوا بحلول يوم الانتخاب، هذه المرة اعتُقل أكثر من 20 من أقارب وأنصار أحمد الطنطاوي من الآن بالفعل.
يقول الطنطاوي: “الإصلاحات السياسية لا تحتاج إلى حوار، إنها تحتاج إلى إرادة سياسية، يمكن للمواطن العادي أن يرى فشل الدولة في الوفاء بوعودها في التسع سنوات الأخيرة على الصعيد الاقتصادي اليومي وفي غياب الحريات”.
عندما وصل السيسي إلى السلطة وعد بالاستقرار والازدهار بعد الفوضى التي سببتها ثورة 2011، وقد اعتبره الكثيرون منقذًا، سمحت الأهمية الإستراتيجية لمصر في المنطقة وخارجها للرئيس بالمراوغة بشأن الإنفاق المسرف للبلاد والركود الاقتصادي والقمع السياسي.
وبينما انتقد عدد من أعضاء الكونغرس سجل حقوق الإنسان في مصر، ما زالت أمريكا وأوروبا يرون أن حكومتها شريك أمني مهم لا غنى عنه لاستقرار المنطقة، وما زالت ممالك الخليج الغنية وجهات الإقراض المدعومة غربيًا تهب لإنقاذ مصر ودعم قيادتها المستبدة.
هؤلاء الداعمون الآن يطالبون بتغييرات عميقة من بينها الحد من القبضة العسكرية على العديد من الصناعات والسماح بتداول العملة بقيمتها الحقيقية بدلًا من تعزيزها اصطناعيًا، وافقت مصر على كثير من هذه الشروط العام الماضي مقابل مساعدة من صندوق النقد الدولي قيمتها 3 مليارات دولار.
كانت النتائج محدودة، وأدت إلى تقلص معدل الائتمان وتأجيل الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي التي كان مقرر وصولها في مارس/آذار.
كان من المفترض أن يصل مليارا دولار بحلول 30 يونيو/حزيران من خلال بيع بعض الأصول المملوكة للدولة إلى الدول الخليجية الثرية المجاورة، التي لم تعد مستعدة لمساعدة السيسي دون تحقيق استفادة.
لكن المحللين يقولون إن القيادة العسكرية للبلاد تتقدم ببطء نحو الخصخصة رغبة منها في مواصلة السيطرة وتحقيق الأرباح، لكن المبيعات والدولارات لم تحقق ما كان مرجوًا.
أثار الركود الوشيك سؤالًا: كم يجب أن تدفع دول الخليج والغرب حتى تستقر مصر إذا لم تنقذ نفسها؟ في الوقت نفسه، أصبح المصريون أكثر فقرًا.
بدأت الحكومة في رفع الدعم عن الوقود والغذاء، ذلك الدعم الذي جعل الحياة محتملة بالكاد لملايين المواطنين، ولم يتوافق الإنفاق الجديد على الرفاهية الاجتماعية مع التضخم، ولم يعد المواطنون من الفقراء والطبقة المتوسطة قادرين على تحمل شراء المشتريات الأساسية، بينما تراقب نخبة القاهرة مدخراتها تتلاشى وأعمالها تتداعى.
قال علاء – مهندس مدنى من محافظة الشرقية – إنه كان داعمًا للسيسي لأن شركته للإنشاءات كانت تجني أرباحًا من المشاريع الرئاسية الضخمة مثل العاصمة الجديدة، والآن تغرق شركة علاء ومصر في الديون.
قال علاء – الذي طلب ذكر اسمه الأول فقط خوفًا من عواقب انتقاد الرئيس – إنه يدخر المال للسفر بشكل غير شرعي على متن قارب إلى أوروبا، وأضاف “هناك فرصة بنسبة 90% أن أفعلها، هذا يعني أنه ما زال لدي فرصة بنسبة 90% لأن أحيا حياة أفضل من التي سأحياها لو بقيت في تلك البلاد”.