قبل أسبوع من الآن، قُتل الفتى نائل – الجزائري الأصل – الذي لم يتجاوز عمره 17 سنة، برصاص الشرطة في ضاحية نانتير بالعاصمة باريس، في امتداد لعمليات قتل سابقة قادتها الشرطة ضد المهاجرين، ما أثار اتهامات للشرطة الفرنسية بالعنصرية.
حادثة قتل الفتى نائل كشفت أيضًا جزءًا من عنصرية الفرنسيين، فبعد يومين فقط من الحادثة، أطلق جان ميسيها المتحدث السابق باسم حملة اليميني المتطرف إريك زمور صندوق تبرعات عبر الإنترنت لدعم عائلة الشرطي الذي قتل نائل، وتجاوز صندوق التبرعات مليون يورو.
هذه العنصرية والكراهية ضد المهاجرين، خاصة المسلمين، ليست حكرًا على الشرطة الفرنسية ولا على المجتمع الفرنسي، وإنما تمتد لأغلب الدول الأوروبية وإن اختلفت أوجهها، وهو ما بينه تقرير ألماني حديث.
كشف هذا التقرير الذي اعتمد على عدة دراسات أجريت في الأعوام الماضية، بإشراف مجموعة من كبار الأكاديميين والأكاديميات في الجامعات والمؤسسات الألمانية الوازنة، كراهية كبيرة يُكنها الألمان للمسلمين وحجم التمييز الرهيب ضدهم.
50% من الألمان يقرون بالعداء للمسلمين
نجحت الجالية المسلمة في ألمانيا في تحقيق العديد من النجاحات في ظل سرعة الاندماج مقارنة بالدول الأخرى، إذ خلصت دراسة “بامف” وفق عدد من المؤشرات إلى أن أغلب المسلمين (79%) مندمجون داخل المجتمع الألماني، فمعظم الشباب المولود هناك لديه مهارات لغوية جيدة، ولديه رصيد كبير من المستوى التعليمي، وعلى دراية كاملة بخصائص المنظومة القيمية والثقافية للألمان.
لكن ذلك لم يمنع استهدافهم من اليمينيين المتطرفين في البلاد، الذين أصبحوا في تزايد متواصل في السنوات الأخيرة، إذ كشفت العديد من التقارير أن العنصرية المعادية للمسلمين أصبحت شائعة في جميع أنحاء نهر الراين.
خلص تقرير أعدته لجنة مستقلة ألمانية بتكليف من الحكومة إلى أن 50% من المواطنين الألمان يقرون بعدائهم للمسلمين، مؤكدًا أن ظاهرة العداء للمسلمين في هذا البلد الأوروبي والتمييز ضدهم، ممارسة يومية يتعرض لها ملايين المسلمين.
تتمحور غالبية تلك الانتهاكات والاعتداءات في توجيه السباب والشتائم بسبب الزي والسمت الإسلامي، بجانب تعطيل إقامة المسلمين لشعائرهم الدينية
يقول التقرير أيضًا إن الألمان ينظرون إلى نحو 5.5 مليون مسلم في بلادهم على أنهم “مهاجرون غرباء ينتمون لدين متخلف ومرتبط في وعي المواطن الألماني على أنه دين عنيف ومتطرف”، الأمر الذي يؤدي إلى تعرض المسلمين للتمييز في جميع مناحي حياتهم.
وفق اللجنة المؤلفة من 12 عضوًا، تشمل الكراهية أيضًا المسلمين المولودين في ألمانيا الذين يُنظر إليهم على نطاق واسع على أنهم “أجانب”، ولا يعد العداء للمسلمين مشكلة هامشية، بل ظاهرة منتشرة بشكل واسع في المجتمع الألماني، وفق ما خلص له التقرير، الأمر الذي يعتبر تربة خصبة وبوابة لجماعات معادية للديمقراطية، في إشارة من التقرير إلى اليمين المتطرف.
وفي أول تعليق لها على التقرير قالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيسر: “كثير من المسلمين البالغ عددهم 5.5 مليون في ألمانيا يعانون من التهميش والتمييز في حياتهم اليومية، بما في ذلك الكراهية والعنف”.
شهدت ألمانيا خلال السنوات السبعة الأخيرة زيادات متتالية في أعداد المسلمين، فوفق الدراسة التي أجراها المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (بامف)، بطلب من مؤتمر الإسلام في ألمانيا ووزارة الداخلية الاتحادية، زاد عدد الجالية منذ عام 2015 وحتى عام 2021 بمقدار 900 ألف مواطن، ليصل عددهم ما بين 5.3 و5.6 مليون شخص، بنسبة تتراوح بين 6.4 و6.7% من سكان ألمانيا العام الماضي.
تفاقم الاعتداءات ضد المسلمين
تبرز الكراهية ضد المسلمين من خلال الاعتداءات المتواترة ضدهم، إذ كشف تقرير أن ألمانيا شهدت تسجيل 898 اعتداءً عنصريًّا استهدف المسلمين، طيلة سنة 2022، أي بمعدل اعتداءين يوميًّا، وذلك بحسب إحصائية أعدها تحالف مناهضة معاداة الإسلام والمسلمين (CLAIM) الذي يتخذ من ألمانيا مقرًّا له ويحظى بدعم وزارة الأسرة الألمانية.
لكن يرجح أن تكون أعداد الاعتداءات أكثر من ذلك، فهذه أعداد الجرائم المبلغ عنها، والكثير من المسلمين – خاصة النساء – يفضلون عدم الإبلاغ عن الانتهاكات التي يتعرضون لها، تفاديًا لتعرضهم لانتهاكات أكبر وأشد عنفًا، ولعدم الثقة في الجهات الأمنية.
الاعتداءات العنصرية على النساء المحجبات في ألمانيا لا زالت مستمرة، وفي ازدياد متواصل في ظل تجاهل إعلامي، ومجتمعي لهذه الظاهرة التي تفاقمت في السنوات الماضية، وصعود اليمين المتطرف.#العنصرية#العنصرية_ضد_المسلمين#عداء_الإسلام#الاسلاموفوبيا https://t.co/EgUjUYuZKC
— Abdelkarim Ahroba | عبد الكريم أهروبا (@A_Ahroba) June 25, 2020
تتمحور غالبية تلك الانتهاكات والاعتداءات في توجيه السباب والشتائم بسبب الزي والسمت الإسلامي، بجانب تعطيل إقامة المسلمين لشعائرهم الدينية، فضلًا عن الإضرار بممتلكات المسلمين وتسجيل بعض الاعتداءات الجسدية.
وللنساء المحجبات النصيب الأكبر من هذه الاعتداءات العنصرية، وتتركز الهجمات الجسدية واللفظية بشكل كبير ضدهن، حيث تعرضن أيضًا للإهانة والاعتداء الجسدي وهن برفقة أطفالهن، وتعرضت بعض النساء الحوامل للركل أو الضرب في بطونهن.
قبل 3 سنوات، شهدت ألمانيا جريمة بشعة ذات دوافع عنصرية كان معظم ضحاياها من المسلمين، ففي فبراير/شباط 2020 قتل رجل (43 عامًا) عشرة أشخاص في مدينة هاناو ثم انتحر، وقبل العملية نشر الجاني رسائل اعتراف ومقاطع فيديو تدعم وجهات نظر اليمين المتطرف.
في 18 مايو/أيار الماضي، تلقى مسجد مدينة غوتينغن التابع للاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية رسالة تهديد تدعو إلى قتل المسلمين، ووصلت الرسالة إلى المسجد وعليها رمز الصليب المعقوف وتوقيع تنظيم “الاشتراكيون الوطنيون تحت الأرض”، وعبارة “اقتلوا كل الإسلام. لن يستمر طويلاً، الألمان سيرونكم”.
تزيد هذه الوقائع والأرقام من شعور المسلمين بالقلق والوحدة في ألمانيا، خاصة مع تنامي اليمين المتطرف في البلاد
غالبًا ما يطالب المسلمون، الحكومة الألمانية، بتوفير حماية للمساجد في أثناء الصلاة والأنشطة الخاصة والأحداث التي يشارك فيها عدد كبير من الناس، لكن ذلك لم يتوفر في أغلب الأحيان، وفي يناير/كانون الثاني 2021، رفض البرلمان الألماني الفيدرالي مقترحًا لرفع التمييز ضد المسلمين وتعزيز أمن المساجد في ألمانيا تحت عنوان “العنصرية والتفرقة ضد المسلمين في ألمانيا”.
المدارس وسوق العمل
استهداف المسلمين في ألمانيا لم يقتصر على المساجد والشوارع فقط، وإنما في المدارس ومراكز العمل أيضًا، إذ سبق أن أوضحت دراسة أجريت سنة 2021 عن التمييز في مدارس العاصمة برلين، أن 78% من الطلاب المسلمين تعرضوا لمعاملة غير متكافئة مقارنة بأقرانهم من الديانات الأخرى.
وتقول الدراسة إن الفتيات اللواتي يرتدين الحجاب بشكل خاص أبلغن عن ردود فعل سلبية وتصريحات مهينة حتى من أعضاء هيئة التدريس، وهو ما يعيق اندماجهن في المجتمع وتحصيلهن التعليمي، كما يمارس التمييز ضد المعلمين ذوي الأصول المهاجرة في المدارس الألمانية.
يصل التمييز إلى مراكز العمل أيضًا، وفق ما أكده تقرير سابق لـ”الشبكة الأوروبية لمكافحة العنصرية” (ENAR)، الذي أقر أن 53% من المسلمين في ألمانيا يشعرون بأن مشغليهم لا يحترمون التعددية الدينية وخصوصية الدين الإسلامي.
رغم ترسانة القوانين التي تدعم المسلمين في ألمانيا، فإن رفض التنوع الديني ما زال يمثل أحيانًا عائقًا في سوق العمل الألماني، خاصة بالنسبة للمسلمات والمسلمين وذوي الأصول المهاجرة، كما يمكن أن تمثل أسماؤهم مشكلة لهم في الحصول على عمل.
تمتد مظاهر الكراهية والعنصرية ضد المسلمين للمؤسسات الألمانية الرسمية على غرار البرلمان، إذ أصبح شائعًا أن نسمع خطابات يمينية متطرفة تحت قبة البوندستاغ تستهدف المسلمين والمهاجرين بصفة عامة، والأمر نفسه في برلمانات الولايات.
الإعلام والحكومة في قفص الاتهام
يلعب الإعلام دورًا سلبيًا في هذا الشأن، إذ حمّل تقرير اللجنة المستقلة وسائل الإعلام الألمانية جزءًا من المسؤولية، فوفقًا للتقرير، فإن 90% من الأفلام الألمانية التي تم تقييمها تنظر إلى المسلمين من منظور سلبي، وتتناول قضاياهم في إطار الهجمات الإرهابية والتطرف والحروب واضطهاد المرأة.
كما يحمّل التقرير جزءًا من المسؤولية للحكومة التي قصّرت في محاربة هذه الظاهرة ولحزب اليميني الشعبوي (البديل)، الذي يقر صراحة بمعاداة الإسلام والمسلمين ويستثمر في ذلك، للحصول على دعم الألمان المعادين للمهاجرين، وهو ما يفسر تنامي وجودهم بين الأحزاب الألمانية.
تزيد هذه الوقائع والأرقام من شعور المسلمين بالقلق والوحدة في ألمانيا، خاصة مع تنامي اليمين المتطرف في البلاد، وحصوله على أرقام عالية في مختلف الانتخابات التي عرفتها ألمانيا في السنوات الأخيرة.