راهن النظام الجزائري في الأشهر الأخيرة على الانضمام لمجموعة بريكس الاقتصادية، علّها تفتح للبلاد أبواب الشرق، فزار الرئيس عبد المجيد تبون روسيا والصين وحصل منهما على الموافقة الأولية، وعرض رفع موارد بنك المجموعة عبر المساهمة بمبلغ 1.5 مليار دولار، حتى يقوّي حظوظ بلاده.
بالتزامن مع ذلك، رفع النظام الجزائري الرسمي يده عن الغرب، رغم أنه كان الحليف الأول لبلاده طيلة العقود الست التي أعقبت الاستقلال عن المستعمر الفرنسي، رغبة منه في تنويع حلفاء البلاد والخروج من ثوب اقتصاد الريع القائم على النفط والغاز، حتى يأمن من تقلبات سوق النفط وتجنب أزمة صيف سنة 2014، التي سجلت فيها أسعار النفط تراجعًا كبيرًا.
عُقدت القمة المنتظرة للبريكس، وفي ظنّ قادة الجزائر أن الانضمام إلى المجموعة مسألة وقت، لكن حدث ما لم يكن متوقعًا، فقد قرر قادة المجموعة استبعاد الجزائر وضم دول أخرى إليها، ما مثّل صدمة كبيرة لقصر المرادية ودفعه لإعادة التفكير في تحالفاته، فهل يوجّه البوصلة مجددًا نحو الغرب؟
غلق ملف بريكس
مباشرة إثر رفض انضمام الجزائر للبريكس في أغسطس/آب الماضي، برزت العديد من الأصوات في البلاد تتحدث عن إمكانية تقديم طلب انضمام جديد في القمة المقبلة بروسيا، بعد أن تجري السلطات بعض الإصلاحات الاقتصادية التي تقوي الملف.
فهمنا من ذلك أن قصر المرادية ما زال يرغب في الانضمام لهذه المجموعة الاقتصادية المهمة، علّها تساعده على النهوض باقتصاده وتنويع موارده وتحقيق التنمية المطلوبة التي عجز عن تحقيقها طيلة العقود الماضية رغم الثروات الكثيرة.
وفي قمتها الأخيرة، قررت بريكس دعوة الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات، ليصبحوا أعضاء بالمجموعة التي تضم الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا، وتعد الدول الأربعة الأولى هي الاقتصادات الأسرع نموًا.
ترى الجزائر أن الغرب لم ينصفها ولم يقف إلى جانبها في أبرز قضاياها
لكن يبدو أن للرئيس تبون وجهة نظر أخرى، إذ قال في أحدث ظهور إعلامي له إن بلاده صرفت النظر نهائيًا عن مسار الانضمام إلى مجموعة بريكس، وقال تبون، خلال لقاء موسع مع مديري الصحف والقنوات ومسؤولي هيئات التحرير الوطنية: “ملف بريكس مغلق نهائيًا”، مؤكدًا أن “مجموعة بريكس بصيغتها الجديدة لا تثير أي اهتمام لدى الجزائر”.
وكانت الجزائر ترى أهمية كبرى في الانضمام لهذه المجموعة الاقتصادية، التي تمثل دولها 40% من مساحة العالم، وتشكل 41% من سكان العالم و24% من الاقتصاد العالمي و16% من التجارة العالمية، ففي مخططها أن بريكس لها أن تمنحها آفاقًا اقتصادية إقليمية ودولية مهمة.
ويعتقد نظام تبون أن الانضمام لبريكس كان سيساهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، وجلب رؤوس أموال أجنبية للبلاد، ويساعد على تطوير قطاع الخدمات، إلى جانب المساهمة في خفض اعتماد الجزائر على المحروقات كمصدر أساسي للدخل القومي.
التوجه نحو الغرب مجددًا
غلق ملف الانضمام لبريكس يمكن أن يُفهم منه وجود إرادة جزائرية لغلق أو لنقل مراجعة خطط التوجه نحو الشرق، فالانضمام لهذه المجموعة الاقتصادية كان ضمن خطط أوسع لتوجيه البوصلة الاقتصادية والدبلوماسية نحو القطب الشرقي.
لكن يبدو أن قصر المرادية أصابته خيبة كبيرة من حلفائه، خاصة أنه في الفترة الأخيرة أبرم العديد من الاتفاقيات الإستراتيجية مع الصين وروسيا، في إطار خططه لبلورة خيارات إستراتيجية جديدة ترفع من مكانة البلاد إقليميًا ودوليًا.
تصريح الرئيس #عبد_المجيد_تبون بأن ملف الانضمام لمنظمة #بريكس مغلق، له عدة دلالات، أهمها: أنها #ليست معنية بالانظمام إلى منظمة غير متجانسة، ومن بين أعضائها من اختار التأمر عليها. وهي على القناعة أن البقاء بعيدا عن التكتلات والحفاظ على التوازن في علاقاتها الدولية أفيد لها#الجزائر pic.twitter.com/zOFgpgnJBj
— توفيق شيخي (@T_Chikhi) October 6, 2023
يمكن أن نشهد في الفترة المقبلة محاولات جزائرية لإعادة توجيه البوصلة مجددًا نحو الغرب، وتحسن لعلاقات البلاد مع أبرز حلفائها في أوروبا، ونتحدث هنا عن فرنسا، فمن الممكن أن نشهد زيارة ماكرون للجزائر أو زيارة تبون لباريس.
ليس من مصلحة الجزائر في هذه المرحلة أن تخسر حلفاء الشرق والغرب في نفس الوقت، لذلك يمكن أن تعيد التفكير مجددًا في تحالفاتها وترجع إلى حلفائها التقليديين، خاصة أنها ترتبط معهم بمصالح اقتصادية كبيرة، ولها أن تستثمر عاملي النفط والغاز في هذا الشأن.
في الشتاء الماضي، تعاملت الجزائر بعدم جدية تامة إزاء مطالب الدول الأوروبية لها برفع إمدادات الغاز إليها، حتى لا تخسر الحليف الروسي، لكن يمكنها في الشتاء القادم رفع الإمدادات، فلا حرج عليها الآن.
من المتوقع أيضًا أن تعيد الجزائر علاقاتها مع إسبانيا التي تراجعت كثيرًا في الفترة الأخيرة نتيجة تقرب مدريد من الرباط ودعمها لموقف المغرب من ملف الصحراء الغربية، إذ لم تربح الجزائر شيئًا من هذا الأمر، وعليها الآن أن تكون براغماتية أكثر.
ليس من المعقول أن نجد دولة كالجزائر تتمتع بكل هذه الثروات تطرق أبواب الدول الأجنبية، فالمنطق يقول عكس ذلك
ترى الجزائر أن الغرب لم ينصفها ولم يقف إلى جانبها في أبرز قضاياها، على رأسها ملف الصحراء الغربية وجبهة البوليساريو، لكن هذا لا يمنع فتح قنوات التواصل مجددًا، فالوضع الحاليّ يقتضي ذلك مع مراعاة التوازنات في المنطقة.
ومن المرتقب أن تستثمر الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا الفرصة وتعيد الاهتمام مجددًا بالجزائر، في ظل الضربات الموجعة التي تلقتها تباعًا في القارة الإفريقية، خاصة في منطقة الساحل والصحراء.
المراهنة على قدرات البلاد
راهنت الجزائر لفترة على دول الشرق حتى تدعم اقتصادها، لكن هذا الرهان فشل، إذ لم تكن سوى سوق لأسلحة الروس وبضائع الصينيين، وبقي اقتصادها على حاله معتمدًا على النفط، وحتى الانضمام للبريكس الذي كان سيساهم في إصلاح الاقتصاد لم يتم، وهو ما سيدفع النظام للتوجه نحو الغرب، لكن هل هذه الخطوة هي الأفضل في الوقت الحاليّ؟
بعيدًا عن الشرق والغرب، يمكن للجزائر أن تنهض بنفسها إذا أحسنت استثمار قدراتها، إذ تمتلك القدرة على تطوير اقتصادها والمداخيل المتأتية من خارج قطاع النفط، لما تتمتع به من ثروات باطنية أخرى كالحديد الذي تستحوذ على 2% من الاحتياطي العالمي له.
فضلًا عن الحديد، تمتلك الجزائر كميات كبيرة من اليورانيوم والذهب والفوسفات، إلى جانب الثروة الحيوانية التي قُدّرت بين سنتي 2019 و2020، بـ28 مليون رأس غنم ومليون رأس أبقار و400 ألف رأس إبل، كما تتمتع البلاد بثروة سمكية بفضل سواحلها الكبيرة على البحر المتوسط.
#الجزائر #اقتصاد_فاشل #ثروات_هائلة
👇👇👇 pic.twitter.com/u5bDPKSaIb
— التـ♥̨̥̬̩ائه في بـ♥̨̥̬̩ئر الحـ♥̨̥̬̩ياة (@tom_chandler_31) January 20, 2020
أيضًا تتمتع الجزائر بمقومات سياحية كبيرة من شواطئ جميلة تمتد لمئات الكيلومترات ومزارات ثقافية وأثرية ومناطق طبيعية خلابة على طول البلاد، لها أن تمكنها من احتلال المراتب الأولى في البلدان السياحية إن تم استغلالها بالطريقة المثلى.
إن أحسنت الجزائر استثمار هذه الموارد لها أن تحقق الإقلاع لاقتصادها المتعثر وتجعلها من الدول الصاعدة الأكثر نموًا، فالموارد متاحة وبكثرة وما ينقصها حسن الاستغلال والتصرف فقط، وهو ما يعني ضرورة التعويل على الذات وعدم انتظار الآخر حتى ترتقي باقتصادها.
التحالف مع الغرب أو الشرق مهم لاقتصاد الدول بما في ذلك الجزائر، لكن لا يجب التعويل عليه كثيرًا، فهذه الدول تبحث عن مصالحها فقط، لذلك على قادة الجزائر مراجعة توجهاتهم والتركيز أكثر على تنمية موارد البلاد وحسن استغلالها حتى يضمنوا النهوض بالاقتصاد.
ليس من المعقول أن نجد دولة كالجزائر تتمتع بكل هذه الثروات تطرق أبواب الدول الأجنبية، فالمنطق يقول عكس ذلك، لكن الفساد المستشري في البلاد وغياب الحوكمة الرشيدة وسيطرة الجيش على مفاصل الدولة أوصل البلاد لما هي عليه الآن.