جددت الممارسات العنصرية لرئيس حزب “النصر” التركي المعارض، أوميت أوزداغ، التذكير بسلسلة الجرائم المنسية التي ترتكبها أحزاب عدة في المعارضة التركية، من واقع خطابها السياسي التحريضي، ضد عموم اللاجئين في تركيا، والسوريين على وجه الخصوص، خلال السنوات الأخيرة، دون مراعاة للتداعيات المترتبة على هذه الممارسات، وتعارضها مع التشريعات والقوانين واللوائح المحلية والدولية.
ويحاول أوميت أوزداغ، العودة لدائرة الضوء مؤخرًا، بعد الضربات القاصمة التي تلقاها خلال الانتخابات العامة التركية (14 – 28 مايو/أيار الماضي) إثر فشله في الاحتفاظ بمقعده الانتخابي وخروج حزبه من البرلمان، وانهيار التحالف السياسي الذي خاض به الانتخابات، فضلًا عن سقوط رهانه على حليفه، زعيم المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو، بعد حسم الرئيس رجب طيب أردوغان، للانتخابات.
وتؤكد الحملة التحريضية الحاليّة، ضد اللاجئين السوريين، إصرار أوميت أوزداغ ومن يتحالفون معه على خلط الأوراق، عبر الربط الافتراضي بين أحداث الشغب في فرنسا واللاجئين في تركيا، وهي حملة مدعومة بـ”التحريض على الكراهية والتحريض العنصري وتعكير التعايش الوطني وتهديد السلم الاجتماعي”، وكلها أفعال تجرمها التشريعات محليًا ودوليًا.
ولجأ أوميت أوزداغ (المعادي للاجئين) إلى نسج سيناريوهات تخيلية تحريضية، استوحاها من تداعيات مقتل المراهق الفرنسي من أصول جزائرية، نايل مرزوق (17 عامًا) على يد عناصر من الشرطة الفرنسية (27 يونيو/حزيران الماضي)، ما تسبب في اندلاع احتجاجات ضخمة، تحوّلت إلى أعمال شغب في عدة مدن فرنسية وتخريب لبعض المؤسسات الحكومية والممتلكات العامة والخاصة.
ويحاول أوميت أوزداغ، الإيحاء بأن اللاجئين في تركيا قد يقوموا باحتجاجات مماثلة لما يحصل في فرنسا، وقال عبر حسابه على موقع تويتر: “الأحداث التي تشهدها فرنسا مجرد لعب أطفال مقارنة بما سيحصل لو حصل تمرد للأجانب في تركيا”، وهي تصريحات، يجرمها قانون العقوبات التركي عبر مواد عدة.
ولا تنفصل الحملة التحريضية التي يقودها أوميت أوزداغ (بتنسيق مشترك مع حليفه زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري) عن التحضير المبكر للانتخابات المحلية (البلدية) التركية، المقرر أجراؤها قبل شهر مارس/آذار المقبل، دون مراعاة لنتائج هذا الخطاب العدائي ضد اللاجئين ومخاطره، التي قد تنتهي بأفعال إجرامية ضد تجمعاتهم.
المثير أن أوميت أوزداغ، فشل خلال الشهور الأخيرة، في الاستفادة من التحريض على اللاجئين السوريين (وغيرهم) من واقع حملته الانتخابية الدعائية وفقدانه للتأثير السياسي، رغم المبالغة في الأساليب الشعبوية، التي تخاطب شريحة متطرفة من القوميين الأتراك.
ولم يتعظ أوميت أوزداغ، من نتائج ممارساته، التي دفعت المحكمة الابتدائية الـ16 في أنقرة (المحكمة المالية المدنية) في شهر أبريل/نيسان الماضي، بإلزامه بدفع تعويض بقيمة 100 ألف ليرة تركية للمواطن السوري الحاصل على الجنسية التركية منار الشامي بعدما استهدفه “لفظيًا”، وشهر به.
ومنذ مطلع عام 2018، تزعم المعارضة التركية، أن الحكومة بادرت بتجنيس أكثر من مليون لاجئ سوري، ويزعم أوميت أوزداغ، أن “عدد السوريين يزيد على 8 ملايين”، لكن وزير الداخلية التركي السابق سليمان صويلو، سخر من مزاعم المعارضة، قائلًا: “هؤلاء الذين يفترض وضعهم في المصحة العقلية، إنها محاولة لخلق بلبلة داخلية في تركيا”.
وبلغ التحريض مداه برئيس حزب “النصر” القومي المتشدد أوميت أوزداغ الذي لجأ لـ”التحريض السينمائي” عبر الفيلم القصير “الاحتلال الصامت” (مدته 9 دقائق وحقق ملايين المشاهدات) من خلال رسالته الفجة في التحريض على اللاجئين وانتقاد موقف الحكومة التركية منذ عام 2011.
ووصلت المبالغة بأوميت أوزداغ وصفه “كل مواطن تركي يريد بقاء السوريين، بالخائن” ولم يكتف بالترويج الإعلامي لخطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين وغيرهم، بل بادر في إحدى المرات باقتحام محل مجوهرات مملوك لأحد السوريين، ونشر فيديو الاقتحام على وسائل التواصل الاجتماعي، مطالبًا بطرد أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري في تركيا.
لا يتوقف التحريض عند أوميت أوزداغ، بعدما تعهد زعيم المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو (خلال جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية التركية) بطرد ملايين المهاجرين وإعادتهم إلى بلدانهم في حال فوزه برئاسة تركيا، قائلًا: “فور وصولي للسلطة، سأعيد كل اللاجئين إلى بلدانهم”.
تحدٍّ حكوميّ
يعد ملف اللاجئين (لا سيما السوريين) من التحديات المهمة التي تواجه الحكومة التركية الجديدة، وتحالف “الشعب” الحاكم، الفائز برئاسة الجمهورية التركية والأغلبية البرلمانية، في ظل الخطاب التحريضي لمعظم الأحزاب الرئيسية في المعارضة التركية.
وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (20 يناير/كانون الثاني 2023): “عدد اللاجئين السوريين المسجلين في تركيا حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2022، بلغ 3.535.898 لاجئ”، فيما استضافت تركيا خلال السنوات الـ11 الأخيرة، نحو 6 ملايين لاجئ، بعضهم غادر البلاد، ولا يزال البعض الآخر يعيش بموجب آلية “الحماية المؤقتة”.
والمهاجرون واللاجئون (السوريون تحديدًا) أصبحوا عرضه لحملات عنصرية من التيار القومي المتشدد، المرتبط بـ”خطاب مناهض”، وقد زاد الجدل حولهم، خلال الانتخابات الأخيرة، رغم أن حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان تمد لهم يد العون، منذ عام 2011، لأبعاد إنسانية، استفاد منها الاقتصاد التركي، لاحقًا.
ويتصدر ملف المهاجرين الأجانب (من سوريا وأفغانستان والعراق وإيران والسودان والصومال وباكستان وفلسطين وميانمار وجورجيا ومولدوفا ومواطنين من: كازاخستان وأوزبكستان وأذربيجان ومصر وروسيا، دخلوا تركيا بتصاريح إقامة) المشهد السياسي التركي، ما يضع قضيتهم، ضمن أجندة الأولويات المهمة، أمام الحكومة التركية الجديدة، المطالبة بالعمل على حل الإشكاليات التي تواجه اللاجئين وحماية حقوقهم والعمل على دمجهم في المجتمع.
وتسببت الصراعات (متعددة الأشكال) في منطقة الشرق الأوسط، في إرغام ملايين الأشخاص على مغادرة أوطانهم، وفي حالة اللاجئين السوريين، بعدما تم إرغام نحو 6 ملايين شخص على عبور الحدود باتجاه تركيا والأردن ولبنان والعراق، فيما هاجرت أعداد أقل إلى مصر وبلدان مجلس التعاون الخليجي.
واستضافت تركيا خلال السنوات الـ11 الأخيرة، ملايين اللاجئين، بعضهم غادر البلاد، ولا يزال البعض الآخر يعيش بموجب “الحماية المؤقتة” (آلية توفرها الحكومة التركية للاجئين وعديمي الجنسية والمواطنين السوريين، الذين دخلوا تركيا بسبب الصراع في سوريا، منذ 28 أبريل/نيسان 2011، طلبًا للحماية، وهؤلاء لا تتم إعادتهم إلى بلادهم ما لم يطلبوا ذلك بأنفسهم).
ويؤكد أردوغان: “لن يرحل اللاجئون السوريون إلى بلادهم بالقوة، سنحمي حتى النهاية إخواننا المطرودين من سوريا بسبب الحرب” مع التوسع في مشروع “إعادة التوطين” بهدف عودة مليون سوري طواعية إلى منطقة عازلة موسعة شمال سوريا، عبر إقامة ملاجئ وبيوت مناسبة لاستقبال السوريين في المناطق الآمنة بمساعدة دولية، ودعم منظمات مدنية تركية (الهلال الأحمر ومؤسسة الإغاثة الإنسانية ووقف الديانة التركي).
جرائم حقوقية
المؤكد أن التصريحات المناهضة للاجئين، سواء من أوميت أوزداغ أم قيادات حزبية أخرى في تركيا، تواصل خطابها، شديد التحيز والتعصب والعدائية، متعمدة الازدراء والاحتقار والإهانة والإذلال، ضد تجمعات اللاجئين رغم ما يمثله ذلك من جرائم يعاقب عليها القانون:
– التحريض على الكراهية
رغم أنه لا يوجد تعريف شامل لخطاب الكراهية (بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان)، فإنه بحسب إستراتيجية وخطة عمل الأمم المتحدة (18 يونيو/حزيران 2019) يشمل “أي نوع من التواصل الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية”.
خطاب الكراهية التمييزي يكون على أساس: صفة اللجوء أو الهجرة، العرق، الجنس، لون البشرة، الانتماء الديني، وهو أمر يشكل خطرًا، كونه يحرض على العنف تجاه مجموعات مهمشة، ويمكن أن يُلحق الأذى النفسي بل والبدني، ويرسخ لتهميش المستهدفين اجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا.
ويلزم القانون الدولي الحكومات المحلية بـ”منع خطاب الكراهية” بعدما تم منع العنصرية، عبر الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: “تحظر بالقانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف”.
وتشدد المادة 4 (أ) من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري على “اعتبار كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل تحريض على التمييز العنصري وكل عمل من أعمال العنف أو تحريض على هذه الأعمال يرتكب ضد أي عرق أو أي جماعة من لون أو أصل آخر، وكذلك كل مساعدة للنشاطات العنصرية، بما في ذلك تمويلها، جريمة يعاقب عليها القانون”.
– تهديد السلم الاجتماعي
لا يدرك أوميت أوزداغ أنه يشارك في تهديد السلم الاجتماعي، الذي يتحقق بـ”العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين مختلف الجماعات والأفراد وحكم القانون والمساواة بغض النظر عن الاختلاف في الجنس أو الدين أو اللون أو العرق، أو الموقع الاجتماعي أو النفوذ السياسي، فضلًا عن احترام الاختلاف وتعزيز العيش المشترك والإقرار بالتنوع الذي يصون حريات الإنسان وحقوقه”.
غير أن خطاب أوميت أوزداغ (ومن يتحالف معه من أحزاب المعارضة التركية) يقود إلى مجتمع متخلف، يغيب عنه الاستقرار وتضربه الفوضى وفقدان العدالة، بسبب تغليب المصالح الضيقة والأفكار الهدامة، التي تزرع العداوة وتزيد الكراهية بين الأطياف المختلفة، ومن ثم تزعزع استقرار المجتمع.
– معادة التعايش الحضاري
يتعمد أوميت أوزداغ والكيانات السياسية المعارضة للاجئين في تركيا العمل في الاتجاه المعاكس لـ”التعايش الحضاري” (مجتمع متعدد يقوم على الانسجام، وسط بيئة يسودها التفاهم بين فئات المجتمع، تربطهم وسائل العيش المشترك، ويعرف كل منهم حقوقه وواجباته) وهو قيمة اجتماعية كبرى، لا يدركها من يرسخون للصراعات القومية والطائفية والدينية، وبسبب تجاهل هذه المعطيات سقط مئات الآلاف من الضحايا في دول عدة (أفغانستان ورواندا ويوغسلافيا وسوريا والعراق وميانمار، وغيرهم) خلال العقدين الأخيرين.
– تعمد التمييز العنصري
تظهر ممارسات أوميت أوزداغ (ومن يتحالفون معه سياسيًا) مدى الإصرار على التمييز العنصري (أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم على أسس عدة، بهدف تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها).
والتحريض العنصري أحد مظاهر الانفلات السلوكي والتطرف السياسي، الذي يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة القائم على الكرامة والتساوي بين البشر وضرورة القضاء السريع على التمييز العنصري في جميع أنحاء العالم، بكل أشكاله ومظاهره، وضرورة تأمين فهم كرامة الشخص الإنساني واحترامها، داخل الدولة الواحدة.
وتتعهد كل دولة موقعة على الميثاق الأممي بـ”عدم تشجيع أو حماية أو تأييد أي تمييز عنصري يصدر عن أي شخص أو أي منظمة، ومنع وحظر واستئصال كل الممارسات المماثلة في الأقاليم الخاضعة لولايتها، لا سيما الدعايات والتنظيمات القائمة على الأفكار أو النظريات التي تحاول تبرير أو تعزيز أي شكل من أشكال الكراهية العنصرية والتمييز العنصري، وتتعهد باتخاذ التدابير الفورية الإيجابية الرامية إلى القضاء على كل تحريض”.
ويبقى السؤال المهم: هل تتسبب التصريحات العنصرية، المهددة للسلم الاجتماعي والتعايش الوطني في تركيا، سواء من أوميت أوزداغ أم غيره من أحزاب المعارضة، ضد اللاجئين السوريين، في تجميد أنشطة هذه الأحزاب، بسبب دورها الهدام؟!