ضاقت الخيارات أمام السودانيين خاصة سكان العاصمة الخرطوم، بعد أن دخلت الحرب بين القوات المسلحة والدعم السريع شهرها الثالث في ظل الانتهاكات المروعة التي ترتكبها قوات الدعم السريع من قتل واغتصاب ونهب واسع تحت تهديد السلاح، كما تسببت الغارات الجوية لطيران الجيش في مقتل عدد غير قليل من المواطنين وتدمير منازلهم رغم أن الغارات تستهدف بالأساس تجمعات الدعم السريع.
في ظل الاستهداف المباشر للمواطنين من المليشيا، غادر نحو مليون شخص من سكان العاصمة الخرطوم، 200 ألف تقريبًا منهم وصلوا إلى مصر وما تبقى نزحوا داخليًا إلى الأقاليم، خاصة الولايات المجاورة مثل الجزيرة والشمالية ونهر النيل.
غلاء الإيجارات يدفع النازحين للتفكير في السفر
لكن النازحين من الخرطوم إلى الولايات اصطدموا بغلاء الإيجارات وارتفاع أسعار المواد الغذائية، كما واجهوا مشكلات تتعلق بنقص الخدمات خاصة الرعاية الصحية والتعليم، لذلك يفضل كثيرون منهم البحث عن وجهات خارج البلاد للاستقرار المؤقت، رغم أن الخيارات أصبحت ضيقة على السودانيين بعدما شددت مصر إجراءات الدخول ومنعت الإمارات بشكل كامل دخول السودانيين حتى الحاصلين على تأشيرات مسبقة قبل قرار المنع.
— obaid cartoon (@obeidali) June 25, 2023
سنحاول في هذا التقرير تسليط الضوء على وجهة بديلة للسودانيين الراغبين في المغادرة إلى الخارج لحين انتهاء الحرب، فالسفر ومغادرة الديار كُرهًا ليس قرارًا سهلًا، إلا أن الهرب من القتل والانتهاكات المروعة أفضل من البقاء تحت تهديد مليشيا إجرامية لا تتورع عن ارتكاب أبشع أنواع الجرائم في حربها المزعومة ضد القوات المسلحة.
جمهورية أوغندا المجاورة لجمهورية جنوب السودان تتميز بدءًا بسهولة إصدار التأشيرة، إذ يمكن إصدار تأشيرتها لمدة 3 شهور بتكلفة قدرها 50 دولارًا أمريكيًا فقط، عن طريق الموقع الإلكتروني لإدارة الهجرة الأوغندية، كما يمكن في الوقت نفسه إصدار تأشيرة شرق إفريقيا عبر الموقع نفسه بتكلفة قدرها 100 دولار.
مع العلم أن كل من تأشيرة أوغندا أو تأشيرة شرق إفريقيا تصدران خلال يومين أو ثلاثة أيام من تعبئة الطلب إلكترونيًا ويتم إرسالها عبر البريد الإلكتروني لمقدم الطلب.
ومَن لا يملك خيار الدفع الإلكتروني يمكنه بكل سهولة الحصول على تأشيرة أوغندا عند الوصول إلى مطار عنتيبي، إذ أعلنت شركة تاركو السودانية عن رحلات مباشرة من مطار بورتسودان إلى مطار عنتيبي الأوغندي.
أما التأشيرة الموحدة لشرق إفريقيا فهي تأشيرة موحدة مشتركة أقرتها كل من كينيا وأوغندا ورواندا على غرار فيزا شنغن الأوروبية التي تسمح لحاملها بالدخول إلى الدول الـ27 الأعضاء في الاتفاقية، ويمكن الحصول على تأشيرة شرق إفريقيا الإلكترونية من أي من المواقع الإلكترونية لإدارة الهجرة في الدول الثلاثة.
وعند الحصول على تأشيرة شرق إفريقيا يتعين على المسافر أن يبدأ جولته من البلد الذي أصدر له التأشيرة، بعد ذلك يستطيع الانتقال إلى البلدين الآخرين بنفس التأشيرة، وتسمح له التأشيرة بالبقاء لمدة 90 يومًا كحدٍ أقصى في الدول الثلاثة: أوغندا وكينيا ورواندا أو إحداها.
فمثلًا إذا حصل الشخص على تأشيرة شرق إفريقيا من السلطات الكينية هذا يعني أنه يتعين عليه الدخول أولًا إلى كينيا، وبعد ذلك يمكنه الانتقال إلى رواندا وأوغندا بالتأشيرة نفسها ويحق له البقاء في دول الاتفاقية لمدة 3 أشهر.
وجهة مفضلة للطلاب السودانيين
حتى قبل اندلاع الحرب، تحتضن العاصمة الأوغندية كمبالا جالية سودانية ليست بالصغيرة، معظمهم طلاب وطالبات يدرسون في الجامعات الأوغندية، بالإضافة إلى عدد من رجال الأعمال يتوزعون على مدينتي كمبالا وعنتيبي.
إلى جانب سهولة الحصول على التأشيرة بالنسبة للسودانيين، فإن أوغندا تتميز بالإيجابيات الآتية:
– كل السلع والمواد الغذائية الأساسية متوافرة بأسعارٍ في متناول اليد أفضل بكثير من السودان نفسه ما قبل الحرب، بما في ذلك أسعار اللحوم والخضراوات والفواكه.
– إيجارات الشقق في العاصمة الأوغندية أرخص بكثير من ولايات السودان ودول الجوار، إذ يمكن استئجار شقة صغيرة ابتداءً من 250 دولارًا أمريكيًا وهناك خيارات أيضًا للأسر الكبيرة، تزيد قيمة إيجار العقار وتنقص حسب المكان والحي السكني، فالشقق التي تقع في حي كولولو الراقي في وسط المدينة مرتفعة الثمن، بينما تنخفض كلما اتجه الشخص نحو الأطراف.
– الأمان، تتميز العاصمة الأوغندية كمبالا بكونها واحدةً من أكثر دول المنطقة أمنًا وأمانًا حيث تنتشر الشرطة في كل أرجاء العاصمة، ويلفت انتباه القادم إليها كثرة أعداد السياح الغربيين.
– الأجواء المعتدلة طول العام: طقس كمبالا استوائي ممطر أغلب شهور السنة، هناك موسمان للأمطار موسم طويل يمتد من أغسطس/آب إلى ديسمبر/كانون الأول، وموسم أمطار أقصر يمتد من فبراير/شباط إلى يونيو/حزيران، لكن الموسم الأقصر يتميز بنسبة هطول أمطار أكبر وخصوصًا في شهر أبريل/نيسان.
– التعليم الجامعي: هناك المئات من الطلاب السودانيين انتقلوا بالفعل للدراسة في الجامعات قبل الحرب، نتيجة لعدم الاستقرار الذي شهدته الدراسة الجامعية في السودان منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وما تسبب فيه من إغلاق للجامعات الحكومية وإغلاق الجسور من السلطات بالتزامن مع المواكب التي كانت تعلن عنها الحركة الاحتجاجية الرافضة للانقلاب.
بشكل عام تتميز أوغندا بجامعاتها العريقة المعترف بها عالميًا، التي توفر للطلاب السودانيين وغيرهم فرصة الدراسة الجامعية من الصفر أو إكمال الدراسة بتكلفة زهيدة مثل جامعة ماكيريري (بالإنجليزية: Makerere University) وهي أكبر مؤسسة تعليم عالي في أوغندا تستوعب في المتوسط سنويًا نحو 30000 طالب جامعي، و3000 طالب دراسات عليا.
– دراسة اللغة الإنجليزية: هناك العديد من الجامعات والمعاهد في أوغندا تتيح للطلاب والقادمين الاستفادة من برامج اللغة الإنجليزية بأسعارٍ قليلةٍ جدًا تبدأ من 50 دولارًا أمريكيًا للمستوى الواحد.
– سهولة الاندماج في المجتمع المحلي: القادم الجديد إلى أوغندا يلاحظ بساطة السكان المحليين وترحيبهم بالجميع، فيشعر من الأيام الأولى أنه ليس غريبًا، لكن مع ذلك يستحسن توخي الحذر في التعاملات مع الغرباء في الفترة الأولى.
– سهولة إجراءات الاستثمار وعدم تعقيداتها، حيث تتميز أوغندا بمرونة قانون الاستثمار، ما شجع على جذب الاستثمارات العربية والغربية على حد سواء.
– استقرار العملة المحلية: بخلاف العديد من دول الجوار يستقر الدولار الأمريكي في أوغندا عند 3.652.33 شيلينغ، ولا يوجد فرق يُذكر في سعر الصرف بين التعاملات الرسمية والسوق السوداء، لذلك يفضل الجميع التعامل مع القنوات الرسمية لتبديل العملة.
– سهولة تعديل الوضع من زائر إلى مقيم، إما بالتسجيل في إحدى الجامعات وإما المعاهد الأوغندية وإما عن طريق الاستثمار، فالإجراءات الهجرية غير معقدة.
– تضاعف عدد المسلمين في الآونة الأخيرة في أوغندا، حيث يحظون بتقدير المجتمع والسلطات، ويلعب المسلمون دورًا فاعلًا في خدمة المجتمع.
تضاعف أعداد المسلمين في #أوغندا حيث يحظون بتقدير المجتمع والسلطات، ويلعب المسلمون دورا فاعلا في خدمة المجتمع في مجالات حيوية مثل العمل الخيري والتعليم
| تقرير: محمد الطيب #الأخبار pic.twitter.com/QVxkKhdtQ8
— قناة الجزيرة (@AJArabic) March 24, 2023
سلبيات أوغندا
رغم الجوانب الإيجابية العديدة التي تطرقنا إليها، هناك سلبيات قد لا تناسب البعض في أوغندا مثل:
– وسائل النقل العام محدودة: لا تتوافر خطوط مواصلات لكل المناطق في كمبالا، عوضًا عن ذلك يلجأ كثير من السكان إلى استخدام الدراجات البخارية التي تعمل كوسيلة نقل عام مرخصة من السلطات.
– اللغة: اللغة الرسمية في أوغندا هي الإنجليزية، واللغة العربية نادرة الاستخدام هناك، ما قد يشكل صعوبة للقادمين غير المتحدثين باللغة الإنجليزية.
– الثقافة وطبيعة الحياة، رغم كثرة المساجد والاحترام الذي يحظى به المسلمون في أوغندا، فإن هذا البلد كغيره من الدول المجاورة تتوافر فيه أماكن اللهو والصخب، ما قد يشكل تحديًا للمراهقين والشباب عمومًا.
“نون بوست” تحدث إلى صانع المحتوى المعروف زكريا بوداي (زكي شو) وهو مستثمر في أوغندا وأنتج عنها العديد من الفيديوهات، أوضح لنا أن الطلاب السودانيين وغيرهم درسوا في الجامعات الأوغندية منذ عشرات السنين خاصة جامعة ماكيريري والجامعة الإسلامية، وذكر أن الدراسة في الجامعات الأوغندية تحل مشكلة اللغة الإنجليزية عند الطالب السوداني لأن لغة الدراسة في جامعات أوغندا هي الإنجليزية، إضافة إلى اللغة السواحلية كلغة ثانية.
وقال بوداي إن الحياة سهلة في أوغندا للوافد بشكل عام، مشيرًا إلى أن المنظومة التعليمية في الجامعات الأوغندية مرنة تتيح عدة خيارات للدراسة بما فيها ذلك الدراسة المسائية للذين يعملون في الصباح، لافتًا إلى أن الجامعات الأوغندية تتميز كذلك بانخفاض التكاليف المالية.
وبالنسبة للاستثمار في أوغندا، أوضح محدثنا أن الدولة جاذبة للاستثمارات بكل أنواعها بما في ذلك المتاجر الصغيرة والشركات الناشئة، مضيفًا “يمكن للمستثمر إحضار أسرته للعيش في أوغندا لأنها دولة آمنة بشكل عام”، مشيرًا إلى أن القانون الأوغندي يحظر على المواطنين حمل السلاح بما في ذلك الأسلحة البيضاء والعصي.
واختتم زكريا حديثه لـ”نون بوست” بالحديث عن اعتدال المناخ في أوغندا طول العام، والمقومات السياحية التي تمتلكها مثل رحلات السفاري وبحيرة فيكتوريا التي ينبع منها النيل الأبيض، موضحًا أنه على استعداد لمساعدة السياح والطلاب الراغبين في إكمال دراستهم بالجامعات الأوغندية أو دراسة اللغة الإنجليزية.
أخيرًا، دول شرق إفريقيا الأخرى مثل رواندا وكينيا وتنزانيا تتميز باعتدال المناخ والاستقرار النسبي، لكن تكاليف المعيشة فيها مرتفعة مقارنة بأوغندا، الأمر الذي يجعل الأخيرة خيارًا مناسبًا للسودانيين الراغبين في مغادرة البلاد إلى حين انتهاء حرب الـ15 من أبريل/نيسان.