وقعت المأساة في صبيحة يوم الجمعة 24 يونيو/ حزيران 2022، وإلى غاية زوال ذلك اليوم ظلت السلطات المغربية متكتّمة عمّا حدث، سوى ما كشفت عنه الصحافة الإسبانية التي تحدثت عن هجوم أكثر من 1500 مهاجر غير نظامي، أغلبهم من دول جنوب الصحراء، على سياج مليلية، دون ذكر تفاصيل الواقعة حينها.
وقع الهجوم على شكل موجة بشرية هادرة، وضعت نصب أعينها الوصول إلى الجهة الأخرى، حسب الصور الأولى التي اُلتقطت من مروحية مغربية، تظهر مئات المهاجرين ينطلقون في مسيرة، والهدف هو تجاوز السياج الذي يعدّ أقدم وأسهل معبر بين المدينتَين، مقارنة بسياج مدينة سبتة، وهما الحدود البرية الوحيدة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا.
وبينما نجح البعض في الصعود إلى أعلى السياج مستخدمين وسائل بدائية، سقط البعض منهم بينما كانت تطلق الشرطة الغاز المسيل للدموع، وأكدت السلطات المغربية أنهم “هاجموا بطريقة منظمة وبتكتيكات الميليشيات”.
كشفت جريدة “إلباييس” الإسبانية أن الحرس الوطني الإسباني أطلق في ذلك اليوم 86 قنبلة غاز مسيل للدموع و28 عبوة غاز و65 رصاصة مطاطية، كما استخدموا 41 عبوة غاز مسيل للدموع و12 نوعًا آخر، وأُطلق كذلك 270 قذيفة صاروخية، ما أحدث ضوضاء في محاولة لجعل المهاجرين يكفّون عن نيتهم القفز على السياج الفاصل بين مليلية والناظور.
وحسب العديد من الناجين من تلك الحادثة، مات بعض المهاجرين خنقًا بالغاز المسيل للدموع أو سُحقوا عندما حاولوا الفرار منه، وأظهر شريط فيديو عشرات الأشخاص ممدّدين على الأرض بجوار سياج بالجانب المغربي، وكان بعضهم ينزف فيما كان الكثير منهم بلا حراك.
في البدء، صرّحت وزارة الخارجية المغربية أن عدد القتلى بلغ 5 مهاجرين، وفي وقت لاحق قالت إن 13 آخرين لقوا حتفهم، بعضهم بعد سقوطه من السياج المحيط بمليلية أو سحقًا، وأن 76 مهاجرًا أُصيبوا، وأضافت أن نحو 140 من أفراد قوات الأمن المغربية أُصيبوا، منهم 5 بإصابات خطيرة، لكن ذلك لم يسفر عن مقتل أحد من أفراد الأمن، متهمة المهاجرين باستخدام العنف ضد القوات الأمنية.
وقالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الناظور، إن التوغل جاء بعد يوم من اشتباك مهاجرين مع أفراد الأمن المغربي في محاولة لإزالة المعسكرات التي أقاموها في غابة بالقرب من مليلية، وجاءت هذه الحملة المكثفة ضد المهاجرين منذ أن استأنفت القوات الإسبانية والمغربية الدوريات المشتركة، وعززت الإجراءات الأمنية في المنطقة المحيطة بالمدينة المحتلة، وفقًا للجمعية المغربية.
ذلك نفسه أكّدته شهادة مهاجر مقيم بطريقة قانونية في المغرب، حيث أفاد: “كانت هناك بالفعل اشتباكات بين الشرطة والمهاجرين في أحد الجبال، على بُعد 5 كيلومترات من المدينة”، مضيفًا، وهو مسؤول عن مهاجرين من دولة من جنوب الصحراء يقيم بالناظور: “لقد كان المهاجرون مجانين لأنهم طُردوا من كل مكان”.
تحقيقات الرباط ومدريد
مباشرة بعد وقوع المأساة، فتحت إسبانيا والمغرب تحقيقات، وأُغلقت نهائيًّا دون التوصُّل إلى نتائج تستوفي شروط العدالة، حسب هيئات حقوقية وعائلات الضحايا، فيما اتفقت مدريد والرباط على أن مأساة مليلية وراؤها مافيات تمارس الإتجار بالبشر.
وصف القضاء الإسباني المهاجرين بأنهم كانوا “عدائيين وعنيفين” تجاه الشرطة المغربية والإسبانية على حدّ تعبير النيابة العامة في مدريد، “لم يكن أي منهم (الشرطة المغربية والإسبانية) على علم بالتدافع الذي حدث عند السياج، ولا بعواقبه القاتلة، لذلك لم يعرفوا في أي وقت من الأوقات أن هناك أشخاصًا في خطر يحتاجون إلى المساعدة”.
وكان الإجراء الوحيد الذي اتخذه القضاء الإسباني هو الأمر بالإحالة على المجلس التأدُّبي في حق بعض عناصر الشرطة يشتبه في قيامهم بإلقاء الحجارة على مهاجرين، كما قامت سلطات مليلية بترحيل أزيد من 400 مهاجر إلى المغرب بعدما نجوا من المأساة وتمكّنوا من عبور السياج.
وانتهى التحقيق المغربي إلى أن المهاجرين الأفارقة لقوا حتفهم خلال محاولتهم الدخول بالقوة إلى مليلية، وتوفّوا نتيجة “الاختناق الميكانيكي والتدافع والسقوط من أعلى السور”، حسبما أعلن عنه المجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي).
وفيما يتعلق بـ”الاستخدام المفرط” للعنف من قبل قوات الأمن المغربية، أكّد المجلس أن القمع المغربي جاء “ردًّا للخطر نظرًا إلى العدد الكبير للمهاجرين المسلّحين بالعصي والحجارة”.
في أعقاب ذلك، شدد القضاء المغربي أحكامًا بالسجن بحق عشرات المهاجرين، بمُدد تتراوح من سنتَين ونصف إلى 3 سنوات، وحوكم هؤلاء بتهم “الدخول غير القانوني إلى الأراضي المغربية” أو “العنف ضد أفراد إنفاذ القانون” أو “الحشد المسلح”، إضافة إلى تهم أخرى.
تفاقم الانتهاكات على الحدود
يستند التعاون بين المغرب وإسبانيا في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية على معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون، الموقعة بين المملكتَين بالرباط في 4 يوليو/ تموز 1991، وفي العام الماضي تمّ إبرام اتفاق يتضمن مادة تساوي بين الأعمال الإجرامية والإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية.
كانت هذه الاتفاقية موضع انتقادات، وأثارت مخاوف لدى منظمات حقوقية من أن تؤدي إلى مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان على الحدود، على اعتبار أن الهجرة لا يمكن أن تعتبر جريمة في البلدان الأوروبية، وخلافًا للإتجار بالبشر، لا ينبغي الجمع بين المفهومَين في النص.
المغرب يعدّ ممرًّا تقليديًّا للهجرة غير النظامية إلى أوروبا، سواء عن طريق البر نحو سبتة ومليلية، أو عبر القوارب حيث يفصل البحر أقصى شمال المغرب عن شبه الجزيرة الإيبيرية بحوالي 15 كيلومترًا، وقد يتخذ المهاجرون في بعض الأحايين ممرًّا آخر عبر المحيط الأطلسي نحو جزر الكناري.
يعتبر حقوقيون أن مثل هذه الاتفاقية تمنح المغرب صفة “دركي أوروبا”، وهذا دليل على سياسة العنف وخرق حقوق الإنسان من طرف إسبانيا والاتحاد الأوروبي.