قبل شهر من اندلاع الحرب في السودان، كشف قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان عن امتلاك القوات المسلحة السودانية تكنولوجيا تسليح حديثة وطائرات مسيرة، تجعلها قادرة على حسم أي تهديد داخليًا أو خارجيًا، وتوعد بأنه لن يقبل من أي شخص أن يمس القوات المسلحة أو أن يقدح في سيرتها.
جاء حديث البرهان خلال ختام فعاليات تمرين عسكري، تزامنًا مع الحرب الكلامية التي اشتدت بينه وبين قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” قبل اندلاع الحرب بأشهر قليلة، إذ تبادلا اتهامات بالتشبث بالسلطة والنكوص عن العهود التي قطعها الرجلان في الاتفاق الإطاري الموقع مع المدنيين في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، الذي نص على تسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية وتشكيل جيش موحد وفق جداول زمنية محددة.
الطيران عامل تفوق الجيش السوداني
إحدى نقاط تفوق الجيش السوداني في الحرب الحاليّة كانت امتلاكه لسلاح الطيران والطيران المسير في ظل تفوق الدعم السريع بكثرة أعداد مقاتليها وخفة وسهولة حركتهم، لكن الأنباء التي وردت مؤخرًا تشير إلى أن قوات الدعم السريع استخدمت هي الأخرى طيرانًا مسيرًا في هجوم استهدف سلاح المدرعات التابع للقوات المسلحة السودانية يوم الثلاثاء الماضي.
🔴 مصادر عسكرية تفيد بمقتل عدد من الضباط والجنود في هجمات بمسيرات على رئاسة سلاح المدرعات في #الخرطوم
🔴 المصادر تشير إلى مقتل عدد من الأطباء والمرضى بعد استهداف المسيرات للمستشفى الملحق برئاسة سلاح المدرعات
لتفاصيل أكثر | https://t.co/rKXm5gezhW#الحدث pic.twitter.com/r5x5xYjWlq
— ا لـحـدث (@AlHadath) June 14, 2023
يؤكد صحة هجوم الدعم السريع على مدرعات الجيش، النعي الذي نشره المدون أحمد، عبر منصة التواصل الاجتماعي “تويتر” حين نعى والده – وهو ضابط جراح -، قائلًا إنه استشهد في مستشفى المدرعات عندما كان يجري عملية جراحية لأحد المصابين.
كما بثت منصات داعمة للجيش السوداني لقطات قالت إنها لـ”إسقاط مسيرة عمودية تتبع لمليشيا الدعم السريع كانت تقوم برمي قنابل هاون 120 ملم”.
ـ في عملية نوعية تمكنت القوات المسلحة السودانية من إسقاط مسيرة عمودية تتبع لمليشيا الدعم السريع تقوم برمي قنابل هاون 120 ملم , المليشيا إستخدمت المسيرة في عمليات عسكرية أبرزها معركة ” الإستراتيجية ” , في منشور خاص سيتم إستعراض مواصفات تلك المسيرات و لأي جهة تمت صناعة الهاون 👇 pic.twitter.com/6jRHw8eCOs
— القدرات العسكرية السودانية🇸🇩 (@Sudanesearmy1) June 13, 2023
كما نقلت وكالة فرانس برس عن مسؤول عسكري سوداني، طلب عدم الكشف عن اسمه، تأكيدًا بأن قوات الدعم السريع استخدمت في هجومها الثلاثاء الماضي على سلاح المدرعات، طائرات بدون طيار، ما يثير شكوكًا بشأن كيفية حصولهم عليها.
في المقابل، أكد مصدر من قوات الدعم السريع لـ”فرانس برس” أنهم حصلوا على المسيرات من مراكز الجيش التي سيطروا عليها.
ويرى خبير عسكري أن هذا التطور “سيكون له أثر على سير الحرب”، متوقعًا أيضًا أن تكون قوات الدعم السريع قد “حصلت على الطائرات المسيرة من مصنع اليرموك للصناعات العسكرية في جنوب الخرطوم”.
قذائف إماراتية
بدورها أفادت منصة War Noir المتخصصة في تتبع الصراعات وأنواع الأسلحة المستخدمة فيها، بأن الطائرة بدون طيار التي أسقطتها القوات المسلحة السودانية كانت “تحمل قذائف إسقاط جوي من طراز TB Thermobaric مقاس 120 ملم مع صمامات UT M18”.
وأوضحت المنصة في تغريدة لها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر “في الأصل أنتجت صربيا هذه القذائف عام 2020 وبيعت لاحقًا إلى الإمارات العربية المتحدة”.
#Sudan 🇸🇩: Sudanese Armed Forces recently shot down a drone belonging to Rapid Support Forces (#RSF).
The drone was armed with 120mm TB Thermobaric air drop shells with UT M18 fuzes.
These shells were originally produced by #Serbia 🇷🇸 in 2020 and later sold to #UAE 🇦🇪. pic.twitter.com/BKEC3Qyyei
— War Noir (@war_noir) June 13, 2023
اللافت أنه في اليوم التالي لخبر إسقاط المسيرة أعلنت حكومة ولاية كسلا شرق السودان، أن قوةً من الاستخبارات العسكرية وجهاز المخابرات الوطني “تمكنت من ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية المتطورة كانت في طريقها لمليشيا الدعم السريع”.
ووصف قائد الفرقة 11 مشاة اللواء ركن حسن أبو زيد الكمية المضبوطة من السلاح بأنها “كبيرة جدًا” وتتضمن عددًا كبيرًا من الأسلحة المختلفة الفتاكة التي يُراد تمريرها عبر كسلا لإسناد “المتمردين” في الخرطوم، وهي أسلحة نوعية تشكل جيم3 المعروف بدقته في الرمي، بالإضافة إلى نوعين من أسلحة القناصة المرتبطة بأجهزة تلسكوب، بحسب أبو زيد.
منصة War Noir غردت مجددًا بشأن الموضوع وعلقت قائلة: “استولت القوات المسلحة السودانية على عدد كبير من بنادق G3A3 وG3A4 في كسلا، التي يُزعم أنه كان من المقرر تزويدها لقوات الدعم السريع. يبدو أن البنادق (على الأقل بعضها) هي بنادق سعودية G3 – من المحتمل جدًا أنه تم تهريبها من اليمن عبر إريتريا”.
#Sudan 🇸🇩: The Sudanese Forces captured a large number of G3A3 and G3A4 rifles in #Kassala, which were allegedly planned to be supplied to the Rapid Support Forces (#RSF).
Rifles (at least some) appear to be #Saudi G3 rifles —very likely smuggled from #Yemen 🇾🇪 via #Eritrea 🇪🇷. pic.twitter.com/9jCjmoLuHg
— War Noir (@war_noir) June 15, 2023
5 سيناريوهات محتملة لمسيرات الدعم السريع
هناك عدة سيناريوهات قد تفسر كيفية حصول الدعم السريع على تلك المسيرات التي استخدمتها في الهجوم على سلاح المدرعات:
– السيناريو الأول: وهو الأرجح، حديث الخبير العسكري لوكالة فرانس برس، أن قوات الدعم حصلت على طائرات الدرون من مصنع اليرموك للصناعات العسكرية الذي يقع جنوب الخرطوم وقد استولت عليه الدعم السريع الأسبوع الماضي.
– السيناريو الثاني: أن تكون المسيرات وصلت عن طريق إريتريا من الإمارات (الحليف الإقليمي للدعم السريع)، فقد ذكرت منصة War Noir أن القذائف التي أُطلقت من المسيرات أنتجتها صربيا عام 2020 وبيعت لاحقًا إلى دولة الإمارات العربية.
وقد دعم هذه الفرضية حساب آخر يحلل الصراع في اليمن بقوله: “نفس الطائرة بدون طيار التي استخدمتها القوات المدعومة من الإمارات في كل من اليمن وإثيوبيا ظهرت الآن أيضًا في السودان.. تستخدمها قوات الدعم السريع، وهي قوة مدعومة من الإمارات”.
The same drone that has been used by UAE-backed forces in both Yemen and Ethiopia has now also turned up in Sudan, used by the RSF, which is again an UAE-backed force. https://t.co/ayyaEDGWNe
— Vleckie (@VleckieHond) June 13, 2023
– السيناريو الثالث: ربما تكون “إسرائيل” متورطة في هذه المسيرات، فمن المعروف أن حميدتي يتمتع بعلاقة خاصة مع جهاز الموساد الإسرائيلي خلافًا لوزارة الخارجية الإسرائيلية التي قِيل إنها تفضل التعامل مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
– السيناريو الرابع: أن تكون طائرات الدرون وحمولتها من القذائف وصلت عن طريق شبكات التهريب من اليمن حيث لا تزال وحدات من الدعم السريع موجودة هناك.
– السيناريو الخامس: التهريب عبر ليبيا من الإمارات وارد للغاية، فهناك شبكة رباعية مريبة بين الإمارات ومجموعة مرتزقة فاغنر الروسية والجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، وقد أشارت تقارير سابقة إلى أن أبو ظبي أرسلت بالفعل أسلحةً إلى دقلو بين عامي 2019 و2021.
الجيش السوداني يستخدم طائرات مسيرة صينية
بشكل عام، يفيد مراقبون عسكريون ومدونون أن القوات المسلحة السودانية تستخدم حاليًّا طائرات درون صينية من طراز CH 4B لاستهداف قوات الدعم السريع، يبلغ مداها 5 آلاف كيلومتر.
#السودان الجيش السوداني يستعمل طائرة درون CH 4B الصينية لقصف قوات الدعم السريع.
الطائرة مداها 5 الاف كيلو متر
يمتلك الجيش السوداني ايضا مسيرات زاجل محلية الصنع ومسيرات انتحارية pic.twitter.com/XPy8AVp8Xb
— يوسف إبن تاشفين Youssef IBN TACHAFINE (@tachafine_ibn) April 18, 2023
وكانت منظومة الصناعات الدفاعية السودانية، قد كشفت في وقت سابق عن إطلاق طائرات مسيرة انتحارية محلية من طراز “كامن – 25″، والطائرة من دون طيار من طراز “Z3 – M”، ونقل موقع “Military Africa” عن مسؤول بهيئة التصنيع العسكري، أن طائرة كامن – 25 تستطيع حمل رأس حربي مضاد للدبابات زنة 5 كيلوغرامات، ورأس مضاد للأفراد زنة 7 كيلوغرامات، بإجمالي وزن 25 كيلوغرامًا.
ووفقًا للموقع، فإن المسيرة السودانية المحلية تستطيع الطيران لمدة تتراوح بين 45 و60 دقيقة اعتمادًا على بطاريتها، ويصل مداها إلى 50 كيلومترًا، وهي مزودة بكاميرا رؤية ليلة ونهارية، ويتم التحكم بها من محطة أرضية، وتستطيع متابعة الهدف تلقائيًا حتى إصابته بنجاح، وتمتلك آلية تدمير ذاتي تنتقل بموجبها لمنطقة آمنة محددة مسبقًا، وتفجر رأسها الحربي عندما تنخفض طاقتها.
حتى الآن لم يتم الإبلاغ عن استخدام جديد من مقاتلي الدعم السريع لطيرانٍ مسيرٍ، وستكشف الأيام القادمة عما إن كان بحوزتهم المزيد منها أم أنها كانت مسيرات محدودة استولوا عليها من مخازن الجيش السوداني.
يرجح المحلل العسكري أسامة مصطفى فرضية أن تكون قوات الدعم السريع قد استولت على المسيرات من مجمع اليرموك، ويرى مصطفى في حديثه لـ”نون بوست” أنه لو كان لقوات حمديتي مسيرات قديمة مخزنة لما توانت في استخدامها منذ الأيام الأولى للحرب لتدمير الطائرات المقاتلة المملوكة للجيش السوداني وكذلك تدمير البنية التحتية للقواعد الجوية لمنع المقاتلات من الإقلاع والهبوط.
لكن محدثنا يحذر من احتمالية حصول الدعم السريع على مسيرات جديدة بالفعل، مشيرًا في هذا الصدد إلى حديث مندوب السودان لدى الأمم المتحدة يوم الخميس في إحاطته التي قدمها إلى مجلس الأمن، حيث لفت إلى أنه تم العثور على أجهزة متقدمة وذكية في معسكرات تابعة للدعم السريع، وأكد مندوب السودان بالأمم المتحدة: “أنه تم رصد محاولات لتهريب سلاح نوعي مضاد للطائرات لصالح الدعم السريع”.
يعتقد مصطفى أنه “لو تأكد حصول الدعم السريع على طيران مسير فإن ذلك من شأنه أن يقلب موازين الأمور ويعقد الحسابات العسكرية للجيش السوداني”، في وقت دخلت فيه الحرب شهرها الثالث، من دون أفق واضح للحسم العسكري أو لحل تفاوضي.