في 20 يونيو/ حزيران من كل عام، يحتفل العالم بيوم اللاجئ العالمي، ويهدف هذا اليوم الدولي إلى تكريم الأشخاص الذين أُجبروا على الفرار من ديارهم، حيث تدعو المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في هذه المناسبة إلى حشد الدعم للمحافظة على حقهم في التماس الأمان، وإدماجهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا، وتعزيز الحلول لمعالجة محنتهم.
يوم اللاجئ العالمي، الذي حددته الأمم المتحدة ويصادف 20 يونيو/ حزيران من كل عام، هو تعبير عن الاعتراف بما يعانيه اللاجئون حول العالم، ويُبرز هذا اليوم الصبر والشجاعة اللذين يظهرهما الأشخاص الذين أُرغموا على ترك أوطانهم بسبب النزاعات أو الاضطهاد.
كما يوفر أيضًا مناسبة لزيادة الوعي حول مشاكل اللاجئين والاحترام لقوتهم وتصميمهم على إعادة بناء حياتهم، وتقام في هذا اليوم العديد من الفعاليات في مختلف أرجاء العالم بهدف تعزيز الدعم للاجئين، وتشارك في تنظيم وتنفيذ هذه الفعاليات مجموعة من الجهات والأشخاص من اللاجئين أنفسهم، والقيادات الحكومية، والجماعات المستضيفة، والشركات، والمشاهير، والطلاب والجمهور العام وغيرهم.
ووفقًا لتقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فقد بلغ عدد اللاجئين والأشخاص المهجرين قسريًّا حول العالم أكثر من 108 ملايين شخص، منهم 29.4 مليونًا تحت ولاية المفوضية، و5.9 ملايين فلسطيني تحت ولاية وكالة الأونروا، و62.5 مليون نازح داخليًّا، إضافة إلى هؤلاء هناك نحو 5.4 ملايين من طالبي اللجوء، و5.2 ملايين شخص بحاجة للحماية الدولية، وتعكس هذه الأرقام أكبر أزمة لجوء ونزوح يواجهها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
تدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا
يشكّل السوريون واحدة من أكبر المجموعات التي هُجّرت من وطنها، بسبب الحرب الطاحنة التي شنّها النظام السوري ضدهم طيلة السنوات الماضية، حيث بدأ الآلاف منهم منذ عام 2011 باللجوء إلى تركيا ودول الجوار الأخرى، هربًا من القصف والعمليات العسكرية.
استجابة لهذه الأزمة، فتحت تركيا أبوابها أمام السوريين، ونتيجة لذلك أصبحت الآن موطنًا لأكبر عدد من اللاجئين السوريين في العالم، حيث تستضيف أكثر من 3.6 ملايين سوري تحت نظام الحماية المؤقتة.
اتبعت الحكومة التركية، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، في البداية سياسة “الباب المفتوح” تجاه اللاجئين، وزوّدتهم بإمكانية الوصول إلى الخدمات ومستوى معيّن من الاندماج في المجتمع التركي.
ومع ذلك، أدّت الطبيعة المطوّلة للصراع السوري والضغوط المتزايدة على الاقتصاد والهياكل الاجتماعية في تركيا إلى زيادة التوترات، حيث في السنوات الأخيرة برزت زيادة ملحوظة في الخطاب العدائي ضد اللاجئين السوريين، مدعومًا بمجموعة من العوامل، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية والدوافع السياسية واستخدامهم كورقة من قبل الأحزاب المعارضة، خاصة خلال فترات الاستحقاقات الانتخابية.
وشهد العام 2022 الذي سبق الانتخابات الأخيرة تكثيفًا ملحوظًا لهذا الخطاب، مع تزايد الدعوات إلى ترحيل السوريين وإعادتهم إلى وطنهم، الأمر الذي تسبّب في أزمات وضغوط نفسية على جميع السوريين المقيمين على الأراضي التركية.
وزاد الزلزال، الذي ضرب عددًا من الولايات التركية التي يتركز فيها هؤلاء في 6 فبراير/ شباط الماضي، من محنتهم والمصاعب والتحديات التي يواجهها الملايين منهم، إضافة إلى تراجع الدعم الدولي، وتخلي المجتمع الدولي عنهم في أصعب الظروف التي يمرّون بها.
الوضع القانوني للاجئين السوريين في تركيا
بعد بداية الاحتجاجات في سوريا عام 2011، هرب الآلاف من السوريين إلى تركيا بسبب الوضع الأمني والمواجهات العسكرية المتزايدة، حيث أنفقت تركيا موارد هائلة لاستضافة هؤلاء، مع التأكيد على التزامها بحمايتهم حتى يتمكّنوا من العودة بأمان إلى ديارهم.
وحتى دخول قانون الأجانب والحماية الدولية حيز التنفيذ عام 2014، كان اللاجئون السوريون يعيشون تحت نظام قانوني فريد في تركيا، ولم تكن اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين لعام 1951 تطبّق عليهم.
وبدلًا من ذلك، كانوا يعامَلون كضيوف في حالة مؤقتة ستنتهي في مرحلة ما، ما أدى إلى حالة قانونية غير واضحة تعتمد على التوجيهات الإدارية المتقطعة، وهذا الوضع القانوني الغامض جعلهم يبدون وكأنهم مجرد ضحايا، مسلوبين من هوياتهم السياسية، بدلًا من النظر إليهم كشعب يكافح من أجل الحرية.
يستمر السوريون في تركيا في مواجهة العديد من التحديات القانونية والاجتماعية والسياسية، ويبقى مستقبلهم غير واضح، خاصة في ظل الارتفاع المستمر للخطاب العنصري ضدهم.
بمرور الوقت، أجبرت أزمة اللاجئين السوريين الحكومة التركية على إعادة النظر في سياساتها القانونية المتعلقة باللجوء، وتمَّ الكشف عن نقاط الضعف في إدارة الأزمة على الأرض، ما أدى إلى توجيه الموارد المادية والتقنية لتأسيس مؤسسات جديدة مثل الإدارة العامة للهجرة، وصياغة تشريعات جديدة لمواجهة التحديات الناشئة، حيث أقرّت الحكومة التركية في 4 أبريل/ نيسان 2013 قرارًا بتنظيم الأوضاع القانونية للسوريين الذين يقيمون على أراضيها.
وتمَّ إعطاؤهم وضعية “الحماية المؤقتة” بموجب القانون رقم 6458، الذي دخل حيز النفاذ الفعلي في 11 أبريل/ نيسان 2014، ويعرَف هذا القانون باسم “قانون الأجانب والحماية الدولية”.
أثار هذا القانون بعض الانتقادات، بما في ذلك عدم توفير وثائق سفر تسمح لأولئك الذين يقعون تحت سلطانه بالتنقل بحرية من وإلى تركيا، وتطبيق إجراءات إدارية معقّدة تحكم تنقلاتهم داخل الولايات التركية، ما يعرقل آلاف الأشخاص الذين يبحثون عن فرص العمل في ولايات أخرى.
ورغم أن وسائل الإعلام والرأي العام في تركيا يطلقان عادة على السوريين الذين يعيشون في البلاد مصطلح “اللاجئين”، فإن حقيقة الأمر هي أنهم يعيشون تحت نظام “الحماية المؤقتة”، حيث الوضع القانوني الذي يتم منحه تحت هذا النظام، يختلف بشكل كبير عن الحقوق والواجبات التي تمنَح للاجئين بموجب اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين لعام 1951.
تمَّ تعديل لائحة “الحماية المؤقتة” التي تنظّم وجود اللاجئين السوريين في تركيا عدة مرات، من بينها القرار رقم 1851 الصادر عام 2019 بعد انتقال تركيا إلى نظام الحكم الرئاسي، حيث تمّت إعادة صياغة اللائحة مع تعديلات معينة، لتتماشى مع التغييرات الدستورية الجديدة في البلاد.
ومع ذلك، يستمر السوريون في تركيا في مواجهة العديد من التحديات القانونية والاجتماعية والسياسية، ويبقى مستقبلهم غير واضح، خاصة في ظل الارتفاع المستمر للخطاب العنصري ضدهم من قبل بعض الأحزاب السياسية وفي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تتهم هذه الأحزاب اللاجئين السوريين بأنهم المصدر الرئيسي للمشاكل التي يعاني منها الشعب التركي، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية وتدهور مستوى المعيشة.
دعوات الترحيل
خلال العام الماضي وحتى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية التي أقيمت في مايو/ أيار، اشتدت الدعوات المطالبة بإعادة السوريين إلى وطنهم، وذلك من قبل بعض الشخصيات المعارضة البارزة، بينهم كمال كليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري والمرشح السابق للرئاسة عن تحالف الأمة المعارض، بالإضافة إلى أوميت أوزداغ، رئيس حزب النصر الذي يعارض وجود اللاجئين.
أتقنت هذه الشخصيات استغلال الخطاب السياسي المعادي للاجئين، واستخدموه كأداة للتحريض ونشر الكراهية، حيث يضعون الأعباء المتعلقة بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على عاتق اللاجئين السوريين، في حين يتجاهلون الفوائد والمساهمات الإيجابية التي يجلبها اللاجئون إلى الدولة والمجتمع المضيف.
كما شهدت إسطنبول أكبر المدن التركية خلال الانتخابات المحلية عام 2019، التي خسر فيها الحزب الحاكم منصب رئيس البلدية الكبرى لصالح حزب الشعب الجمهوري، حملات ترحيل قسري لآلاف اللاجئين السوريين، أغلبهم من الأشخاص الذين لا يمتلكون قيودًا رسمية، أو يحملون وثائق صادرة عن محافظات تركية أخرى.
وبحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية التركية، عاد أكثر من 526 ألف شخص إلى سوريا “طوعيًّا” حتى نهاية عام 2022، بالإضافة إلى ترحيل أكثر من 19 ألف سوري بسبب قضايا تتعلق بالأمن العام.
ولكن، لا تتوفر بيانات رسمية بخصوص عدد السوريين الذين تمَّ ترحيلهم خلال العام الحالي، إلا أن إدارة الهجرة أعلنت في 10 يونيو/ حزيران الجاري عن ترحيل أكثر من 42 ألف شخص أجنبي من جنسيات متعددة منذ بداية العام، دون الكشف عن عدد السوريين بينهم.
مع ذلك، شهدت الفترة التي أعقبت الانتخابات الأخيرة في تركيا تراجع حدّة الخطاب السياسي المعادي للاجئين السوريين، بعد فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة لمدة 5 سنوات، والذي أكّد خلال الاجتماع الأول لحكومته الجديدة بتاريخ 8 يونيو/ حزيران على أهمية التعاون الدولي لحلّ مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا، من خلال تكثيف الجهود المبذولة حتى يتمكّن السوريون الفارّون من النزاعات من العودة إلى ديارهم طواعية وبأمان وكرامة.
مؤكدًا على عدم تكرار مجزرة جسر بورالتان التي جرت عام 1945، حين أعادت حكومة عصمت إينونو 195 جنديًّا من أصول أذرية سبق أن لجأوا إلى تركيا وسلمتهم للاتحاد السوفيتي الذي قام بإعدامهم على الفور، في إشارة إلى عدم السماح بإعادة السوريين قسرًا قبل توفير بيئة آمنة لهم، وتشجيعهم على العودة بشكل طوعي وآمن.
خطة الحكومة التركية
تعدّ قضية عودة السوريين التي كانت مطروحة باستمرار على جدول الأعمال خلال العملية الانتخابية، من بين الخطوات ذات الأولوية التي سيتخذها الرئيس أردوغان في الفترة القادمة.
وتقول الحكومة التركية إن لديها خطة بالتعاون مع عدد من الجمعيات والمنظمات والجهات الدولية الفاعلة، لتشجيع أكثر من مليون لاجئ سوري على العودة بشكل طوعي إلى بلادهم، عبر اتخاذ خطوات عملية جديدة لتسريع عودتهم من خلال بناء أكثر من 250 ألف منزل، بينها 107 آلاف منزل من الطوب الحجري في ريف إدلب، والإسراع في تنفيذ مشروع العودة الطوعية والآمنة في جرابلس الذي تموّله الحكومة القطرية.
إلى جانب ذلك، سيتم بناء الآلاف من المنازل في 9 مناطق في شمالي سوريا في منطقتَي درع الفرات ونبع السلام، وإعادة تأهيل البنية التحتية مثل شبكات الكهرباء والمياه، وبناء المدارس والمراكز الصحية والمرافق الاجتماعية ودور العبادة، والمنشآت التجارية والصناعية.
علاوة على ذلك، سيتم إدخال تعديلات على سياسات الهجرة في تركيا، من خلال التركيز على الاندماج المجتمعي للاجئين الذين سيستمرون في البقاء في تركيا، من خلال مجموعة من الخطوات تركز على فئات معينة، مثل الأطفال والطلاب في المدارس والمتزوجين/ المتزوجات من أتراك، وأولئك الذين لا يستطيعون العودة لأسباب أمنية أو لوجستية.
هذا بالتوازي مع الحصول على ضمانات من الجهات الفاعلة، بما في ذلك روسيا والنظام السوري، لمنح ضمانات أمنية وحوافز اقتصادية من شأنها أن تشجّع الآلاف من اللاجئين السوريين على العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، كجزء من عملية التطبيع التي تقوم بها الحكومة التركية مع نظيرتها في دمشق، حيث يؤكّد المسؤولون الأتراك على أن الحل الأساسي لأزمة اللاجئين يكمن في حلّ الصراع السوري، وتهيئة الظروف الملائمة للعودة الطوعية الكريمة للاجئين إلى بلادهم.
إجراءات لا بدَّ منها خلال المرحلة المقبلة
يتعيّن على الحكومة التركية خلال المرحلة المقبلة تحسين وضع اللاجئين السوريين في تركيا، من خلال مقاربة شاملة تنطوي على تغييرات في السياسات والقوانين، وبرامج الاندماج الاجتماعي، والتعاون الدولي. فيما يلي بعض الخطوات التي يمكن اتّخاذها في كل مجال من هذه المجالات:
تغييرات السياسة والقوانين
– تحسين الوضع القانوني: يخضع أغلب اللاجئين السوريين في تركيا للحماية المؤقتة، ما يحدّ من قدرتهم على الوصول إلى خدمات معينة ويتركهم في حالة من عدم اليقين المستمر.
إن توفير وضع قانوني أكثر استقرارًا، من شأنه أن يساعد اللاجئين على إقامة حياة أكثر استقرارًا في تركيا، ويمكن في هذا الصدد تعديل لائحة الحماية المؤقتة أو إصدار لائحة جديدة تتلاءم من المعطيات الجديدة، وتراعي طول مدة إقامة السوريين على الأراضي التركية، واندماج القسم الأكبر منهم وتأسيس أعمالهم الخاصة وانخراطهم في المجتمع المضيف.
– الوصول إلى سوق العمل: يمكن لتركيا تخفيف القيود المفروضة على تصاريح العمل للاجئين السوريين، ما يسمح لهم بالحصول على عمل قانوني والمساهمة في الاقتصاد، وهذا يمكن أن يقلل الضغط الاقتصادي والاستياء بين السكان المحليين.
– التعليم: يمكن بذل جهود أكبر لتسجيل الأطفال السوريين في المدارس، ومكافحة ظاهرة التسرُّب من المدارس، وتوفير التدريب اللغوي، وإعدادهم لآفاق مستقبلية أفضل.
برامج الاندماج الاجتماعي
– التدريب اللغوي والثقافي: لا تزال اللغة تشكّل حاجزًا كبيرًا أمام العديد من اللاجئين، حيث إن توسيع برامج التدريب اللغوي لن يساعدهم فقط على الاندماج لكن أيضًا على تحسين فرص عملهم.
– البرامج المجتمعية: يمكن للأنشطة التي تعزز التبادل والتفاهم بين الثقافات أن تقلّل التوتر بين السكان المحليين واللاجئين، ويمكن أن يشمل ذلك الفعاليات الثقافية أو أنشطة خدمة المجتمع أو المشاريع المشتركة في الأحياء المحلية.
– خدمات الصحة النفسية: غالبًا ما يعاني اللاجئون من الصدمات ومشاكل الصحة النفسية بسبب تجاربهم، خاصة الفئات الهشّة من النساء والأطفال، وإن توفير الوصول إلى خدمات الصحة النفسية أمر بالغ الأهمية لرفاههم واندماجهم بشكل ناجح.
التعاون الدولي
– الدعم المالي: يمكن للمجتمع الدولي تقديم المزيد من التمويل لمساعدة تركيا في إدارة وضع اللاجئين، ويمكن أن يذهب هذا التمويل إلى الخدمات المقدمة للاجئين، فضلًا عن المشاريع التي تهدف إلى تعزيز الاقتصاد المحلي والبنية التحتية.
– برامج إعادة التوطين: يمكن أن توافق دول أخرى على استقبال المزيد من اللاجئين السوريين الموجودين حاليًّا في تركيا، ما يخفّف بعض الضغط عن البلاد.
– الجهود الدبلوماسية: الجهود الجارية لحلّ الصراع في سوريا هي بالطبع حاسمة، ويجب على المجتمع الدولي أن يواصل السعي لإيجاد حل يسمح للاجئين بالعودة بأمان إلى ديارهم، إذا اختاروا ذلك.
يمكن أن تساعد هذه الخطوات في خلق وضع أكثر استدامة للاجئين السوريين في تركيا، وتعزيز بيئة من الاحترام المتبادل والتفاهم بين اللاجئين والسكان المحليين، وقد تكون الحل الأفضل حاليًا لنهاية الأزمة المأساوية التي شكّلت واحدة من أكبر التحديات الإنسانية في القرن الـ 21.