ترجمة حفصة جودة
تعهد الرئيس الأمريكي بايدن في أثناء سعيه للرئاسة أن يجعل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان “منبوذًا” بسب قتل وتقطيع جثة الصحفي المعارض، ثم هدد بالأمر مرة أخرى في الخريف الماضي بعواقب تحدي رغبات أمريكا بشأن سياسة النفط.
كما وصف السيناتور الجمهوري الأمريكي ليندسي جراهام، الأمير محمد – الحاكم الفعلي للمملكة الغنية بالنفط – بأنه “كرة مدمرة” ولا يمكن أن يصبح مطلقًا قائدًا على المسرح العالمي، بينما قال جاي موناهان رئيس منظمة الغولف الشهيرة “PGA Tour” إن اللاعبين الذين ينضمون إلى الدوري المنافس المدعوم من السعودية يخونون ضحايا أحداث سبتمبر الإرهابية التي نفذها أفراد معظمهم مواطنين سعوديين.
والآن، يبدو أن كل هذه الكلمات جوفاء.
فقد زار بايدن السعودية العام الماضي وصافح الأمير محمد بن سلمان بضربة القبضة عند لقائهم، ودائمًا ما يرسل المسؤولين لزيارة المملكة بانتظام، من بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي زار المملكة الأسبوع الماضي.
أما السيناتور جراهام فقد ظهر مبتسمًا بجوار الأمير في أثناء زيارته للسعودية في أبريل/نيسان، وفي هذا الأسبوع أيضًا، صدم موناهان عالم الغولف المحترف بإعلانه عن خطة شراكة بين “PGA” ودوري “LIV Golf” المدعوم من السعودية، ليصبح للمملكة فجأة تأثير هائل على تلك الرياضة.
caption id=”attachment_155831″ align=”alignnone” width=”300%”] وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عند وصوله الرياض[/caption]
يقول عبد الله العودة المدير السعودي لمبادرة الحرية “Freedom Initiative” وهي مجموعة حقوقية في واشنطن ومعارض صريح للنظام الملكي: “يكشف لنا ذلك كيف يتحدث المال، لأن هذا الرجل يجلس على قمة بئر نفط وكل هذه الأموال، لذا فهو بكل بساطة يشتري طريقه لكل شيء”.
خلال سنوات صعوده الثمانية نحو السلطة، تحدى الأمير – 37 عامًا – التوقعات بأن حكمه خطير، واستفاد من ثروة المملكة وهيمنتها على أسواق النفط وأهميتها في العالم العربي والإسلامي، لتجاوز التهديدات المتكررة بمعاقبته بالعزلة الدولية.
يقول المحللون والمسؤولون، إنه على طول الطريق لم يعزز الأمير فقط رؤيته لمستقبل السعودية كقوة إقليمية ذات اقتصاد متنامٍ ونفوذ سياسي متزايد، بل تعلم دروسًا من إخفاقاته لصقل منهجيته في تحقيق أهدافه.
والآن – على الأقل – يبدو أنه يواصل صعوده.
ساهم الطلب الشديد على النفط في السنوات الأخيرة في ملء خزائن الدولة، ومن خلاله اشترى نادي كرة قدم إنجليزي، ودفع مبلغًا مهولًا للتعاقد مع كريستيانو رونالدو للعب في الدوري الوطني، والآن يحاول التعاقد مع مزيد من النجوم الدوليين أيضًا.
وإذا تمت صفقة الغولف، سيصبح أحد المقربين من الأمير واحدًا من أقوى الشخصيات في تلك الرياضة، ليصبح للسعودية منصة أخرى عظيمة تعيد تشكيل صورتها الدولية.
في السنوات الأخيرة، كان رؤساء الدول من تركيا إلى أمريكا الذي رفضوا الأمير من قبل، قد قبلوا به كمستقبل المملكة، وقد عمّق الأمير علاقة المملكة بالصين التي لعبت دورًا كوسيط دبلوماسي بين السعودية وإيران، اللذين كانا دائمًا خصمين إقليميين.
يمثل كل ذلك تقدمًا بارزًا للأمير الشاب الذي كان يُنظر إليه كشخص مغرور خطير بعد أن أصبح والده الملك عام 2015.
في نفس ذلك العام، شن الأمير تدخلًا عسكريًا على اليمن وتسبب في قتل عدد هائل من المدنيين، وأغرقه في مستنقع، لكن لاحقًا صدم المجتمع الدبلوماسي باختطاف رئيس وزراء لبنان وأذهل مجتمع الأعمال باحتجاز مئات السعوديين الأثرياء لأسابيع في أحد الفنادق الفاخرة كجزء من حملته المزعومة لمكافحة الفساد.
لكن مكانته الدولية هبطت بشكل حاد في 2018 بعد أن قامت فرقة اغتيال سعودية بقتل وتقطيع المعارض السعودي الصحفي جمال خاشقجي داخل سفارة المملكة في إسطنبول، أنكر الأمير علاقته بالأمر لكن وكالة الاستخبارات المركزية قالت إنه أمر غالبًا بهذه العملية.
ربما كانت هذه المرحلة أقل هبوط له.
لكن في السنوات التالية لذلك، استعاد الأمير كثيرًا من نفوذه بمساعدة ثروة وقوة بلاده، ففي البداية عزل منافسيه لإحكام سيطرته على البلاد، كما دفع بكثير من التغييرات الاجتماعية مثل السماح للنساء بالقيادة وتوسيع الخيارات الترفيهية التي كانت تمنعها البلاد من قبل مثل دور السينما، ليفوز بمعجبيه من شباب المملكة.
علم ابن سلمان أيضًا أنه يستطيع أن يلعب لعبة طويلة المدى – باعتباره الملك القادم – فليس عليه الانتظار لإعادة انتخابه والآن يتعامل بالفعل مع رئيسه الأمريكي الثالث مع احتمالية أن يأتي ويذهب المزيد منهم بينما هو باقٍ في الحكم.
أثبت تعافيه من جريمة خاشقجي أن أموال المملكة تستطيع أن تفعل الكثير، وأنه مهما تحدثت الحكومات الغربية عن حقوق الإنسان، فإن المصالح الأخرى تتصدر في النهاية.
تقول دينا إسفاندياري مستشارة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية، عن انتقادات حقوق الإنسان “تظن دول الخليج العربي أن الأمر مزحة، لقد أثبتوا قيمتهم للعالم الغربي كشركاء ومنتجين للطاقة ودول ذات قوة اقتصادية، لذا فهم يقولون إننا نستطيع التعامل مع هذا التهديد الفارغ لأنه مجرد جزء من العلاقة”.
كان الرئيس ترامب في الحكم عندما قُتل خاشقجي، لكنه دافع بقوة عن الأمير قائلًا من بين أمور أخرى إن مشتريات السلاح السعودي مفيدة للولايات المتحدة.
أما السيناتور جراهام من ساوث كارولينا الذي قال بعد مقتل خاشقجي إن الأمير ليس مؤهلًا للقيادة، غيّر رأيه وأشاد بالأمير في أثناء زيارته للسعودية في أبريل/نيسان عندما شكر السعودية لشرائها الطائرات الأمريكية.
قال جراهام لتليفزيون العربية السعودي: “لقد اشتريتم طائرات حربية بمبلغ 37 مليار دولار مصنوعة في ولايتي وبلادي، وأعتقد أن المزيد قادم، لذا كسيناتور أمريكي احتفظ بالحق في تغيير المسار”.
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي سربت حكومته تفاصيل مقتل خاشقجي لتدمير الأمير، فقد قامت بتنحية اعتراضاته جانبًا في النهاية، ففي العام الماضي حوّلت محكمة تركية قضية خاشقجي ضد قاتليه للسعودية، لتنهي بذلك آخر قضية كانت تسعى لمحاسبة الجناة، بعد فترة ليست طويلة من ذلك أودعت المملكة 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي للمساعدة في دعم الوضع المالي لتركيا.
قامت منظمة الغولف “PGA” بأمر مماثل، فلعدة أشهر وبخ موناهان السعودية حتى إنه قال للاعبين الذين فكروا في الانضمام للدورة المنافسة: “هل فكرتم في الاعتذار عن كونكم أعضاء في PGA Tour؟”، نتيجة لذلك، صُدم الكثيرون عندما أعلن عن شراكته الجديدة.
قال كريس مورفي السيناتور الديمقراطي إن مسؤولي “PGA” تناقشوا معه مؤخرًا بشأن سجل حقوق الإنسان السعودي وأنه لا يؤهل السعودية للمشاركة في رياضة أمريكية عظيمة، وأضاف “يبدو أن مخاوفهم لم تكن تتعلق حقًا بحقوق الإنسان”.
تأثرت العديد من قرارات الأمير في السنوات الأخيرة بشعور متزايد داخل المملكة بأن الولايات المتحدة أصبحت شريكًا غير جدير بالثقة، تعامل الأمير مع 3 رؤساء أمريكيين من كلا الحزبين الذين يرغبون جميعًا في الحد من مشاركة أمريكا في الشرق الأوسط.
اتضحت مخاطر هذا التراجع للسعودية في 2019 عندما ضربت صواريخ وطائرات درونز منشآت النفط السعودية واتهمت أمريكا إيران بقيادة هذا الهجوم، ما تسبب مؤقتًا في إيقاف نصف إنتاج المملكة.
رفض ترامب الرد مباشرة، ما دفع الأمير محمد ونظراءه في الإمارات إلى استنتاج أن أمريكا لم تعد تحمي ظهورهم وأن عليهم البحث عن أمنهم بأنفسهم.
تقول إسفاندياري: “الآن أصبح محفورًا في أذهانهم أنه لا يمكنهم الاعتماد على واشنطن للدفاع عنه، وأن عليهم القيام بذلك بأنفسهم، أدى ذلك إلى تغير أشياء معينة في سياستهم الخارجية”، بالتبعية أصبحت موافقة السعودية على مطالب أمريكا أمرًا أقل احتمالية.
رفض الأمير محمد الانضمام إلى العقوبات الغربية التي تهدف إلى عزل فلاديمير بوتين بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ومنذ ذلك الحين سعت السعودية إلى استيراد منتجات النفط الروسية المخفضة.
بعد لقاء بايدن وولي العهد في السعودية في يوليو/تموز الماضي، دفعت الإدارة الأمريكية المملكة لرفع إنتاج النفط للمساعدة في خفض أسعار الغاز في أمريكا مع اقتراب الانتخابات النصفية في نوفمبر/تشرين الثاني، لكن في أكتوبر/تشرين الأول وافقت المملكة مع أعضاء آخرين في “OPEC Plus” على خفض الإنتاج بهدف الإبقاء على ارتفاع الأسعار.
أثار ذلك غضب بايدن واتهم مسؤولو البيت الأبيض، السعودية بالتراجع عن اتفاقها، بعد عدة أشهرعندما ازداد الطلب على النفط، أصرت السعودية على أنها كانت محقة في مقاومة الضغوط السياسية وخفض الإنتاج.
لم تقع العواقب التي وعد بها بايدن، ليصبح واضحًا أن الروابط الاقتصادية لأمريكا مع السعودية مهمة للغاية ولا يمكن قطعها.
دفع الاعتقاد بأن أمريكا تنسحب من الشرق الأوسط، إلى توسيع الأمير محمد لعلاقات السعودية الدبلوماسية خاصة مع الصين، أهم شريك تجاري للمملكة وأكبر مستهلك للنفط السعودي.
في السنوات الأخيرة، شجع ولي العهد الرئيس الصيني شي جين بينغ واستضافه في قمة عربية صينية في الرياض في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وخلال هذا الاجتماع ناقش القائدان دور الصين كوسيط للحد من الصراع السعودي الإيراني.
بعد عدة أشهر، أثمرت العلاقة عن مفاجأة دبلوماسية عندما أعلنت السعودية وإيران استعادة العلاقات الدبلوماسية، كان ذلك فوزًا مزدوجًا لولي العهد، الذي تمكن في اتفاق واحد من تنحية صراع محتمل مع عدوه الإقليمي الرئيسي، ومنح قوة عالمية أخرى غير الولايات المتحدة حصة في النتائج.
قال مسؤولون سعوديون إنهم يفضلون أن تبقى الولايات المتحدة حليفهم الأساسي، لكن عدم التزام الأمريكان يعني حاجتهم إلى التنويع، ولم تكن الولايات المتحدة تستطيع أن تلعب دور الوساطة في اتفاقية بين السعودية وإيران نظرًا لعلاقتها المتوترة مع طهران.
حتى بعض النقاد السابقين للمملكة يرون علامات إيجابية في جهود الأمير لتهدئة المنطقة.
قال دينيس هوراك السفير الكندي السابق الذي طُرد من منصبه في الرياض عام 2018 بعد تغريداته التي تنتقد اعتقال نشطاء سعوديين: “لقد تمكنت من بناء العديد من العلاقات وحاولت السيطرة على بعض الأنشطة الخيالية وحاولت أن تصبح قوة بناءة في المنطقة وتمكنت من ذلك”، لكن السؤال الذي يطرحه هوراك “هل يدوم ذلك؟”.
يضيف هوراك “لقد كانت مشكلة ابن سلمان دائمًا أنه يتغير ببطء، لكن ربما هذا هو التغيير، وقد أصبح ناضجًا نوعًا ما”.
المصدر: نيويورك تايمز