مرة أخرى، يعود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى الواجهة، ليس من بوابة التصريحات الاستفزازية ولا الشعبوية التي دأب عليها، وإنما من بوابة الاتهامات الجديدة التي وُجهت له أمس الجمعة، منها تعريض بعض الأسرار الأمنية الأكثر حساسية بالبلاد للخطر.
اتهامات جديدة تضاف إلى سابقتها، لها أن تضع ترامب في السجن لسنوات عدة، رغم أنها ليست المرة الأولى التي يتهم فيها مسؤول أمريكي بحيازة وثائق سرية وإساءة استخدامها، لكن هل يمكن أن تؤثر هذه الاتهامات على مستقبل ترامب السياسي، خاصة أنه يستعد للعودة للبيت الأبيض.
اتهامات جديدة
قال الرئيس الأمريكي السابق – في مقطع على منصة “تروث سوشيال” – إنه جرى استدعاؤه للمثول أمام المحكمة الفيدرالية في مدينة ميامي الثلاثاء المقبل، فيما بعد أظهرت وثائق كشفتها محكمة اتحادية، أن ترامب يواجه 37 تهمة جنائية.
أبرز الاتهامات الجديدة، جاءت على خلفية قضية احتفاظ ترامب بوثائق سرية حساسة في محل إقامته بمارالاغو بولاية فلوريدا وفي نادي الغولف الخاص به في نيوجيرسي، دون وجه حق والتآمر لعرقلة العدالة بعد مغادرة البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2021.
وقبل عام من الآن، صادر محققون نحو 13 ألف وثيقة من منتجع مارالاغو الذي يمتلكه ترامب في بالم بيتش بولاية فلوريدا، وتحمل 100 من تلك الوثائق تصنيفًا سريًا، ويلزم قانون في الولايات المتحدة صدر سنة 1978، جميع الرؤساء الأمريكيين بإرسال خطاباتهم ورسائل البريد الإلكتروني ووثائق العمل الأخرى إلى الأرشيف الوطني.
وفق الاتهامات التي وجهت لترامب فإن الحد الأقصى للسجن الذي يواجهه حال إدانته هو 20 عامًا
فيما يحظر قانون آخر متعلق بالتجسس على أي شخص، الاحتفاظ بوثائق سرية في أماكن غير مصرح بها وغير مؤمنة، لكن تبين بعد مغادرة ترامب للبيت الأبيض واستقراره في منزله في مارالاغو نقله صناديق كاملة من الملفات.
وشملت الوثائق السرية وفق لائحة الاتهامات المكونة من 49 صفحة، معلومات عن الدفاع وعن القدرات العسكرية لأمريكا ودول أجنبية، بما في ذلك برامج نووية ومعلومات عن نقاط ضعف أمريكا وحلفائها أمام بعض الهجمات العسكرية وعن عمليات انتقامية محتملة ردًا على هجمات خارجية، وجاء في اللائحة: “كان الغرض من المؤامرة أن يحتفظ ترامب بالوثائق السرية التي أخذها معه من البيت الأبيض وإخفائها عن هيئة محلفين فيدرالية كبرى”.
تم توجيه اتهامات رسمية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تخص وثائق سرية وعرقلة للعدالة قد تؤدي بعقوبة قاسية ربما تصل إلى 100 عام في السجن ..
سيمثل الرئيس أمام محكمة فيدرالية في مدينة ميامي يوم الثلاثاء القادم ..
ردة فعل ترامب بعد إبلاغه قوله:
هذا يوم أسود في تاريخ بلدنا.. pic.twitter.com/WLhSko5eVV— عبدالله التويجري (@abdullah_mohd9) June 9, 2023
تقول الاتهامات، إن الرئيس الأمريكي السابق خبّأ الوثائق عن العديد من فروع الاستخبارات التابعة للحكومة الأمريكية، بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الدفاع ووكالة الأمن القومي ووزارة الطاقة ووزارة الخارجية.
كما تضمنت لائحة الاتهام الاتحادية نقاش ترامب مع محاميه بشأن إمكانية الكذب على المسؤولين الحكوميين الذين يسعون لاستعادة الوثائق وحفظ بعضها في صناديق بالقرب من مرحاض، وأنه وزع صناديق تحتوي على بعض هذه الوثائق في أنحاء منزله حتى لا تعثر عليها السلطات.
عقوبات منتظرة؟
هذه ليست المرة الأولى التي توجه فيها اتهامات إلى ترامب الذي أصبح أول رئيس سابق في تاريخ الولايات المتحدة يواجه تهمًا جنائية، إذ سبق توجيه 34 تهمة جنائية له تتصل بتزوير سجلات تجارية فيما يتعلق بأموال دُفعت لممثلة أفلام إباحية لشراء صمتها قبل انتخابات سنة 2016، التي فاز فيها ترامب بالرئاسة.
ومن المقرر أن يمثل ترامب أمام المحكمة لأول مرة فيما يخص هذه القضية في ميامي يوم الثلاثاء، ورغم إعلان براءته وأنه مستهدف سياسيًا، فإن العقوبات في هذه القضية غير مستبعدة لتوافر العديد من الأدلة التي تدين الرئيس الأمريكي السابق.
يقول جاك سميث المدعي الخاص المكلف بالتحقيقات الذي يقود ممثلي الادعاء في بيان مقتضب: “قوانيننا التي تحمي معلومات الدفاع الوطني حاسمة فيما يتعلق بسلامة الولايات المتحدة وأمنها، ويجب إنفاذها”.
يأمل ترامب في خوض الانتخابات القادمة والفوز بها، حتى ينتقم من هزيمته أمام بايدن في الانتخابات السابقة
وفق الاتهامات التي وجهت لترامب فإن الحد الأقصى للسجن الذي يواجهه في حال إدانته هو 20 عامًا وهذا يتعلق بتهمة “المؤامرة لعرقلة العدالة والاحتفاظ بوثائق أو سجلات حكومية أمريكية”، أما تهمة “الاحتفاظ المتعمد بمعلومات الدفاع الوطني”، فعقوبتها 10 سنوات سجن كحد أقصى.
وفي خصوص تهمة “التخطيط لإخفاء المستندات”، فأقصى عقوبة وفق القانون الأمريكي هي 5 سنوات سجن، نفس الأمر بالنسبة لتهمة “الإدلاء بأقوال كاذبة”، مع ذلك من المبكر الحديث عن عقوبات قادمة لترامب.
مستقبل ترامب السياسي
لم يكن ترامب أول مسؤول أمريكي يستحوذ على وثائق سرية، إذ سبقه في ذلك الرئيس بايدن نفسه الذي قال في وقت سابق إنه كانت بحوزته وثائق سرية نسي أنها كانت لديه، وأيضًا الرئيس الأسبق باراك أوباما ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون التي قال إنها كانت تسيئ استخدام الوثائق السرية.
لكن هؤلاء لم يتم توجيه اتهامات رسمية لهم، وحده ترامب من وجهت لهم اتهامات، وما دفعه للقول إن محاكمته سياسية، الهدف منها عرقلة جهوده للعودة إلى البيت الأبيض خلال الانتخابات الرئاسية المرتقبة السنة المقبلة.
يرى ترامب أن توجيه اتهامات جديدة له محاولة من إدارة بايدن لاستبعاده من انتخابات الرئاسة المقبلة، رغم أن الحزب الجمهوري لم يعلن مرشحه بعد، إذ يتنافس على الانتخابات الرئاسية من داخل الحزب 3 أشخاص حتى اليوم، هم ترامب ونائبه السابق مايك بنس ورون ديسانتيس حاكم فلوريدا.
ورغم المحاكمات المتتالية، فإن شعبية ترامب ارتفعت بين الجمهوريين، إذ تصدر ترشيحاتهم لرئاسة البلاد في الانتخابات القادمة، وأظهر آخر استطلاع رأي لهارفارد كابس/هاريس تزايد تقدم ترامب على باقي منافسيه.
رسمياً.. توجيه اتهامات “فيدرالية” لدونالد ترامب، قد تنتهي بعقوبات تصل إلى السجن 100 عام. pic.twitter.com/6uaXRcBZOM— الأحداث الأمريكية🇺🇸 (@US_World1) June 9, 2023
يأمل ترامب في خوض الانتخابات القادمة والفوز بها، حتى ينتقم من هزيمته أمام بايدن في الانتخابات السابقة، فقد صوت في تلك الانتخابات أكثر من 81 مليون شخص لصالح بايدن، مقارنة بأكثر من 74 مليون شخص لترامب، وفاز بايدن بـ306 من أصوات المجمع الانتخابي، مقابل 232 صوتًا لترامب.
حتى إن تمت إدانة ترامب، أو حتى لو كان يقضي عقوبة السجن، لا يمنع القانون الأمريكي الملياردير الجمهوري من الترشح للانتخابات، لذلك يأمل في الاستفادة من التراجع الواسع في شعبية الرئيس بايدن، ووصول نسبة الرضا عن سياساته إلى ما دون 40% في بعض الفترات.
لكن إن تم الحكم بسجن ترامب وفاز بالرئاسة، فإن ذلك يعني أنه قد يضطر إلى ممارسة واجباته من مكان غير البيت الأبيض، وهو السجن في هذه الحالة، ويراهن ترامب على إمكانية أن تزيد هذه المحاكمات من شعبيته، خاصة أنه يتهم إدارة باين باستهدافه.
إلى الآن، يحتفظ الرئيس الأمريكي السابق بشعبية كبيرة لا يمكن لأحد إنكارها مع قاعدة من المشجعين المتعصبين له الذين يرتدون قبعات البيسبول الحمراء ويتدفقون إلى تجمعاته الانتخابية في كل وقت ومكان، ما يعني أن حظوظه في الفوز بالرئاسة الأمريكية واردة جدًا.