دعا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى دعم بلاده بشكل عاجل للانضمام إلى مجموعة “بريكس”، “لأن الوضع الدولي الراهن مضطرب جدًا، ولما فيه من فائدة على اقتصاد البلاد”، وفق قوله.
ويرى النظام الجزائري أهمية كبرى في الانضمام لهذه المجموعة الاقتصادية التي تضم أبرز الاقتصادات الصاعدة، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ما دعاه للتركيز على هذا الملف في زيارته الأخيرة لروسيا.
وتأمل السلطات الجزائرية أن يساعدها الانضمام إلى هذه المجموعة في تحرير اقتصاد البلاد من سيطرة النفط والغاز وتنويع مصادر دخلها، حتى تأمن من تقلبات السوق في علاقة بالبترول وتجنب أزمة صائفة سنة 2014، التي سجلت فيها أسعار النفط تراجعًا كبيرًا.
تبعية للنفط
يعتمد اقتصاد أكبر بلد إفريقي من حيث المساحة أساسًا على النفط في تمويل جل القطاعات منذ الاستقلال، حيث تمثل عائدات النفط نسبة 93% من عائدات البلاد، وهي نسبة كبيرة، تجعل الاقتصاد الجزائري في تبعية مطلقة للنفط.
هذا الأمر، جعل الاقتصاد الجزائري متقلبًا، إذ يسجل نتائج إيجابية في حال ارتفعت أسعار النفط والغاز، وقد رأينا ذلك في الفترة الممتدة بين 2011 و2014، وأيضًا بعد الحرب الروسية الأوكرانية، حيث وصلت الأسعار لـ130 دولارًا للبرميل.
أما في حال تراجع الأسعار كما حدث صيف 2014 وفي سنة 2020 أيضًا، فإن الاقتصاد سيتأثر سلبًا، ما ينعكس على السلم الاجتماعي في البلاد، وفي تلك الفترات عرفت الجزائر احتجاجات اجتماعية نتيجة تدهور القدرة الشرائية، ما فرض على الدولة التدخل بإجراءات عاجلة لشراء السلم الاجتماعي.
يذكر أن الجزائر تمتلك ثروة نفطية كبرى، وتأتي هذه البلاد العربية في المركز الثالث بقائمة أكبر منتجي النفط في قارة إفريقيا بعد نيجيريا وأنغولا، وفق تقديرات لعام 2022، نشرتها صحيفة إنرجي كابيتال آند باور الإفريقية.
تمتلك الجزائر القدرة على تطوير اقتصادها والمداخيل المتأتية من خارج قطاع النفط
تنتج الجزائر يوميًا نحو مليون برميل من النفط بناءً على تقسيم الحصص الذي تعتمده مجموعة أوبك+، وخلال سنة 2021، شهد إنتاج عضو أوبك من النفط، زيادة كبيرة – مقارنة بعام الوباء 2020 – وصلت إلى 1.315 مليار برميل من النفط المكافئ، بزيادة قدرها 5%، ما دعم صادرات البلاد التي ارتفعت بنحو 18%.
تبلغ احتياطيات البلاد من النفط نحو 12.2 مليار برميل، وتقع معظم احتياطيات النفط المؤكدة في الجزائر في منطقة حاسي مسعود، حيث يقع أكبر حقل نفطي في البلاد، ووفقًا لسوناطراك، ما يقرب من 66% من الأراضي الجزائرية لا تزال غير مستكشفة أو غير مستكشفة إلى حد كبير، كما تمتلئ التربة الجزائرية بأكثر من 2.3 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.
سعي للانضمام لبريكس
لا تريد السلطات الجزائرية إعادة سيناريو 2014 و2020 مرة أخرى، صحيح أنها حققت عائدات نفطية بقيمة 60 مليار دولار في عام 2022 – عائدات تبعث على الاطمئنان بشأن تمويل ميزانية البلاد – إلا أنها تعلم جيدًا أن الأسعار ستنخفض مرة أخرى، ما يفرض عليها تنويع مصادر الدخل وتحصين الاستقلال الاقتصادي من عالم المفاجآت الذي يمثله سوق المحروقات.
وضعت سلطات الجزائر خططًا وإستراتيجيات كثيرة للتخلص من تبعية النفط، لكن في مقدمة ذلك وضعت نصب عينيها الانضمام لمجموعة بريكس الاقتصادية، التي تمثل دولها 40% من مساحة العالم، وتشكل 41% من سكان العالم و24% من الاقتصاد العالمي و16% من التجارة العالمية.
الرئيس تبون: شكرنا الرئيس #بوتين على دعم #روسيا لترشح #الجزائر للانضمام إلى #بريكس pic.twitter.com/JGLLhIAj1H
— AL24news – قناة الجزائر الدولية (@AL24newschannel) June 15, 2023
ترى الجزائر أن الانضمام إلى هذه المجموعة، سيمنحها آفاقًا اقتصادية إقليمية ودولية مهمة، وسبق أن قال تبون في أبريل/ نيسان الماضي في تصريحات لقناة “الجزيرة” القطرية، إن انضمام بلاده إلى التكتل خطوة ستساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني.
ويعتقد القائمون على الحكم في الجزائر أن بريكس ستسهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، وجلب رؤوس أموال أجنبية للبلاد، والمساعدة على تطوير قطاع الخدمات، إلى جانب المساهمة في خفض اعتماد الجزائر على المحروقات كمصدر أساسي للدخل القومي.
ويأمل قادة قصر المرادية في إقناع الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا في أقرب وقت بأهمية انضمام الجزائر لهذه المجموعة، في ظل قبول كل من الصين وروسيا مبدأ انضمامها، فقد سبق أن أكد مسؤولو البلدين على هذا الأمر.
مصالح كثيرة
للجزائر مصالح كثيرة في الانضمام إلى بريكس، من ذلك منحها تسهيلات تجارية واقتصادية مستقبلية يمكن أن تعاضد اقتصاد بلادها، فهناك استفادة إستراتيجية للتجارة والأنظمة المالية والنقدية العالمية خلال السنوات المقبلة لأعضاء هذه المجموعة الاقتصادية.
ذلك أن الصين والهند أكبر بلدين من حيث عدد السكان وثاني وثالث أكبر اقتصادين في العالم على التوالي، وروسيا تملك أكبر مساحة في العالم، بينما البرازيل أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، وجنوب إفريقيا ثالث اقتصاد في إفريقيا.
تراهن الحكومة الجزائرية حاليًّا على رفع الصادرات خارج قطاع المحروقات إلى 10 مليارات دولار في سنة 2023
تمتلك الجزائر القدرة على تطوير اقتصادها والمداخيل المتأتية من خارج قطاع النفط، لما تتمتع به من ثروات باطنية أخرى (تستحوذ الجزائر على 2% من الاحتياطي العالمي للحديد) واليورانيوم والذهب والفوسفات، فضلًا عن الثروة الحيوانية التي قُدّرت بين سنتي 2019 و2020، بـ28 مليون رأس غنم ومليون رأس أبقار و400 ألف رأس إبل، كما تتمتع البلاد بثروة سمكية بفضل سواحلها الكبيرة على البحر المتوسط.
ناهيك بالمقومات السياحية الهائلة التي تتمتع بها البلاد والتي لها أن تمكن الجزائر من احتلال المراتب الأولى في البلدان السياحية إن تم استغلالها بالطريقة المثلى، إذ تحتوي البلاد على سواحل جميلة ومناطق أثرية رائعة، فضلًا عن الطبيعة الخلابة.
وتبحث السلطات الجزائرية عن شركاء لتطوير اقتصادها، وترى في مجموعة بريكس مرادها، إذ تضم سوقًا استهلاكيةً كبيرةً، وتتمتع بخبرات تقنية مهمة، وهو ما جعلها تراهن عليها حتى تنهض بهذا الاقتصاد المرتهن للنفط.
الرئيس #تبون : نريد الانضمام في أقرب وقت إلى ” #بريكس” لتحرير اقتصادنا من بعض الضغوطات pic.twitter.com/n9Heg4GxDE
— AL24news – قناة الجزائر الدولية (@AL24newschannel) June 16, 2023
تراهن الحكومة الجزائرية حاليًّا على رفع الصادرات خارج قطاع المحروقات إلى 10 مليارات دولار في سنة 2023، و15 مليار دولار في الأعوام المقبلة، خاصة أنها نجحت نسبيًا في رهان 5 و7 مليارات دولار في 2021 و2022 على التوالي.
يعتمد مدى قدرة الجزائر للوصول إلى هذا الهدف، في قدرتها على إقناع دول بريكس بالانضمام إليهم، لكن ذلك يتطلب ارتفاع أسعار النفط والغاز بالدرجة الأولى، حتى تصل لـ200 مليار دولار كناتج داخلي خام، وهو أحد شروط الانضمام للمجموعة.
يُذكر أن الناتج الداخلي الخام للجزائر تجاوز ما بين 2011 و2014، سقف 200 مليار دولار، وبلغ 213.8 مليار دولار في 2014، نتيجة لارتفاع أسعار النفط لتتجاوز سقف 100 دولار للبرميل، وزيادة إنتاج النفط الجزائري ليبلغ 1.5 مليون برميل يوميًا.
هذه النقطة الأخيرة، تؤكد صعوبة الخروج بسهولة من تبعية النفط، فالانضمام إلى بريكس يتطلب زيادة إنتاج النفط والغاز وارتفاع أسعاره، ودون ذلك لن تتمكن الجزائر من دخول هذه المجموعة، ما يعني ضرورة عدم ربط تنويع الاقتصاد بالانضمام للبريكس.