ترجمة وتحرير: نون بوست
على متن قارب ترفيهي يبحر في مياه الخليج بالقرب من سماء دبي المتلألئة، كانت امرأة نيجيرية ترتدي فستانًا أبيض ومجوهرات ذهبية تتمايل بينما كان الحضور يغني لها “عيد ميلاد سعيد”.
نُشرت مقاطع فيديو لحفل عيد ميلاد كريستي غولد الخامس والأربعين في أيار/ مايو من السنة الماضي على حسابها على “الإنستغرام” الذي يعرض أسلوب حياتها الفاخر، بعد شهور من هروب كريستي من نيجيريا، حيث كانت تواجه اتهامات بالاتجار بالجنس.
كانت كريستي – التي يظهر اسمها في سجلات المحكمة باسم كريستيانا جاكوب أوديالي – زعيمة لشبكة إجرامية تستدرج النساء الأفريقيات إلى دبي وتجبرهن على ممارسة الدعارة في بيوت الدعارة والشوارع الخلفية والحانات والفنادق ونوادي الرقص، وذلك وفقًا لستة مسؤولين في الحكومة النيجيرية المعنيين بمكافحة الإتجار بالبشر، وناشط بريطاني في مجال حقوق الإنسان تتبع عمليتها وخمس نساء قلن إن كريستي تاجرت بهن وقامت باستغلالهن.
وقالت ثلاث منهن في مقابلات إن غولد أخبرتهن أنهن إذا لم يُطعن الأوامر، فسوف يُقتلن ويتم رميهن في الصحراء. وبالنسبة للنساء اللاتي لم يكسبن ما يكفي من المال لها، فقد تم نقلهن إلى غرفة في شقة في دبي، حيث قام شقيق غولد بتجويعهن وجلدهم ووضع معجون الفلفل الحار في مهبلهن، وذلك وفقًا لثلاثة مسؤولين في مكافحة الاتجار بالبشر وخمس نساء قدمن روايات مفصلة في المقابلات وبيانات المحكمة، وقد قالت إحدى النساء: “لقد ضربوني ضربا مبرحا. كانت المعاناة كبيرة”.
وفي بيان للمحكمة بعد توجيه الاتهام إليها، نفت غولد أنها تتاجر بالجنس بمساعدة شقيقها، وصرّحت قائلة: “أنا لست متورطة في الاتجار بالبشر وليس لدي أي نساء في دبي يعملن كعاهرات لحسابي”.
لا تزال غولد هاربة من العدالة، وهي متورطة على حد تعبير نشطاء ومسؤولين مناهضين للاتجار بالبشر في وكر دعارة مزدهر لمهربي الجنس النيجيريين المشتبه بهم الذين لجأوا إلى الإمارات العربية المتحدة، وهي دولة خليجية معروفة بثروتها وناطحات السحاب المستقبلية وسجلها الضعيف في حماية العمال الأجانب والحريات الأساسية على حد تعبير نشطاء حقوق الإنسان.
وتعتبر الإمارات العربية المتحدة وجهة رئيسية لتجارة الجنس؛ حيث تُجبر النساء الأفريقيات على ممارسة الدعارة من قبل شبكات غير مشروعة تعمل داخل الدولة، وذلك وفقا لتحقيق أجراه الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين ووكالة “رويترز”.
ولا تبذل السلطات الإماراتية جهدًا كبيرًا لحماية هاته النساء، وفقًا للنشطاء المناهضين لتجارة البشر والسلطات النيجيرية ومقابلات مع النساء المُتاجَر بهن.
وتستند هذه القصة إلى مقابلات مع 25 امرأة أفريقية، معظمهن من نيجيريا، وصفْن كيف تم استدراجهن إلى الإمارات من قبل كريستي غولد أو تجار بشر مزعومين آخرين، بالإضافة إلى العديد من المقابلات مع عاملين في المجال الإنساني ومحققين ومسؤولين في الحكومة النيجيرية وآخرين على دراية بتجارة الجنس في الإمارات. وقد تم دعم رواياتهم من خلال سجلات المحكمة وملفات القضايا من وكالة مكافحة الاتجار بالبشر في نيجيريا.
وتظهر التقارير أن تجار البشر يبقون النساء الأفريقيات في حالة عبودية جنسية من خلال استغلال يأسهن المالي وإنشاء شبكات من التلاعب والإكراه. كما يقومون بتهديدهن وتعنيفهن، ويورطونهن في ديون ساحقة، غالبًا ما يتراوح مجموعها بين 10 ألاف دولار و15 ألف دولار؛ وهي مبالغ ضخمة بالنسبة للنساء من الأسر الفقيرة. وفي كثير من الحالات؛ يستغلون المعتقدات الروحية الأفريقية التقليدية لجعل الضحايا يعتقدن أنه ليس لديهن خيار سوى القيام بما يأمرهم به المهربون.
هذه المقالة هي جزء من تعاون في إعداد التقارير بقيادة الاتحاد الدولي للمحققين الصحافيين، وشركة الاتجار بالبشر، والتي تبحث في الاتجار بالجنس والاتجار بالعمالة في أجزاء كثيرة من العالم. ومن بين الشركاء الإعلاميين للاتحاد الدولي للمحققين الصحافيين في المشروع، وكالة “رويترز”، و”إن بي سي نيوز”، وشبكة “إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية” وغيرها من المنافذ الإخبارية في مختلف البلدان.
لم ترد كريستي غولد على الأسئلة بشأن هذه الرواية. وفي تصريحها أمام المحكمة في نيجيريا؛ قالت غولد إنها ساعدت النساء والرجال النيجيريين على الانتقال إلى الإمارات العربية المتحدة من خلال تأجيرهم شقة تملكها في دبي.
وأضافت قائلة: “بل إنني أصل إلى حد تقديم المشورة لهم مثل الأم حتى يتمكنوا أيضًا من تحقيق النجاح في دبي”، لكنها قالت للمحكمة: “لا أستطيع أن أقول ما فعله هؤلاء الناس من أجل لقمة العيش في دبي”.
وفي رد مكتوب قدمه مكتب الشؤون الإعلامية لحكومة دبي، قالت دائرة الشرطة الإمارة إن المزاعم التي تفيد بأن كريستي غولد متورطة في الاتجار بالجنس بنساء أفريقيات في دبي “كاذبة وليس لها أي أساس في الواقع على الإطلاق”. وقال البيان إن غولد “دخلت وخرجت من دبي بشكل قانوني ولم تتورط في أي أنشطة غير مشروعة”.
وقالت وزارة الخارجية الإماراتية إن أي اقتراح بأن الإمارات “تتسامح مع الاتجار بالبشر أو أنها لا تهتم بضحايا هذه الجريمة البشعة هو أمر خاطئ تمامًا”. وقالت الوزارة ردا على الأسئلة إن مثل هذه المزاعم “لا أساس لها من الصحة”.
وقالت الوزارة إن القوانين الإماراتية المتعلقة بالاتجار بالجنس تنطوي على غرامات باهظة وعقوبات بالسجن. وجاء في تقرير شاركته الوزارة أن الإمارات أحالت 20 “قضية اتجار بالبشر” إلى المحاكم في سنة 2021، ومعظمها يتعلق بـ “الاستغلال الجنسي”.
وقالت الوزارة إن الإمارات تشارك في عمليات الشرطة الدولية في مكافحة شبكات التهريب، ولكن نشطاء حقوق الإنسان والسلطات النيجيرية قالوا إن الإمارات العربية المتحدة لا تفي بالتزاماتها في مجال مكافحة الاتجار بالبشر.
وقالت فاطمة وزيري عزي، المديرة العامة للوكالة الوطنية النيجيرية لحظر الاتجار بالبشر، إنه “لم يكن هناك تعاون” عندما وجهت الوكالة الوطنية لحظر الاتجار بالبشر نداء إلى السلطات الإماراتية للمساعدة في تعقّب المهربين العاملين في الإمارات العربية المتحدة.
وقال أنجوس توماس، وهو ناشط بريطاني أسس منظمة تثقيفية لمكافحة الاتجار بالبشر ومقرها غانا، إن السلطات الإماراتية، بما في ذلك الشرطة، لم تكن متعاونة عندما حثها على مساعدة النساء الأفريقيات على الابتعاد عن غولد وشركائها. وقال: “لقد كتبتُ، واتصلتُ بالهاتف، وأرسلتُ بريدًا إلكترونيًا، أطلب منهم مساعدتي في الحصول على الفتيات، وإرسال عناوين الشقق، ولكن ولم أسمع شيئًا”.
بدأ أنجوس توماس، وهو ناشط في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، في جمع الأموال لمساعدة ضحايا الاتجار بالجنس على الهروب من المتاجرين بهم في الإمارات العربية المتحدة بعد أن اقتربت منه امرأة نيجيرية شابة عرضت عليه الجنس خلال رحلة إلى دبي.
على مرأى من الجميع
الاتجار بالجنس هو أحد أشكال الاتجار بالبشر، والذي يتم تعريفه بشكل عام على أنه استخدام القوة أو الاحتيال أو الإكراه لحث شخص ما على تقديم خدمة.
وقالت معظم النساء الـ 25 اللاتي تمت مقابلتهن من أجل هذا التقرير إنهن تلقين وعودًا بأنواع أخرى من العمل لكنهن أُجبرن على ممارسة الدعارة. وقالت أخريات إنهن اخترن العمل بالجنس لكنهن حوصرن في مواقف تعرضن فيها لسوء المعاملة، وسُرقت أرباحهن ولم يكن بمقدورهن الهروب.
جعلت الإمارات العربية المتحدة الاتجار بالجنس جريمة في سنة 2006 وأنشأت لجنة مشتركة بين الوكالات لمكافحة الاتجار وفتحت ملاجئ للناجين. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في سنة 2022 إن الإمارات العربية المتحدة بذلت “جهودًا كبيرة” لمكافحة الاتجار بالبشر لكنها لا تزال مقصرة في المجالات الرئيسية؛ بما في ذلك الفشل في “فحص الفئات السكانية الضعيفة باستمرار بحثًا عن مؤشرات الاتجار، والتي ربما تكون قد عاقبت بعض الضحايا بسبب أفعال غير قانونية للمتاجرين بالبشر. إجبارهم على ارتكاب انتهاكات مثل الهجرة أو “الدعارة””.
وتتبع الإمارات الشريعة الإسلامية، لكن الدعارة والاتجار بالجنس أسرار مكشوفة؛ فبطاقات العمل مع الصور وأرقام “واتساب” لبيوت الدعارة متنكرة في زي صالات التدليك تنتشر في العديد من مناطق دبي، وتمتلئ المنتجعات الصحية ونوادي الرقص والحانات بالمشتغلين بالجنس.
وقالت كريستي جولد، في بيان لمحكمة نيجيرية بشأن شقيقها سليمان: لم أطلب منه في أي وقت أن يضرب أي من الفتيات لأنني لم أجد سببًا لضرب أي منهن
ويلعب التسلسل الهرمي القائم على لون البشرة دورًا مهمًا في صناعة الجنس في الإمارات العربية المتحدة، وفقًا للمقابلات مع النساء المتجر بهن والزيارات إلى الأماكن التي تتجمع فيها البغايا في الإمارات العربية المتحدة. وعادة ما يتم الاتجار بالنساء ذوات البشرة الفاتحة من أوروبا في أماكن راقية تخدم العملاء الأكثر ثراءً. وغالبًا ما يتم توجيه النساء ذوات البشرة الداكنة إلى الأزقة وزوايا الشوارع؛ حيث يمارسن الجنس مع العمال المهاجرين ذوي الدخل المنخفض من جنوب آسيا وأفريقيا.
ووصفت امرأة نيجيرية كيف أخذها أحد تجار البشر إلى بيت دعارة في الهواء الطلق في الصحراء بين دبي وأبو ظبي. وقالت إنها ونساء أخريات كن يخلعن ملابسهن وينشرنهن على الأرض، وسيأتي الرجال لممارسة الجنس معهن من الخامسة مساء حتى الحادية عشرة مساءً.
وقالت أم نيجيرية في العشرينات من عمرها إن تاجرًا للبشر قادها وامرأتين أخريين إلى موقف للسيارات في عجمان، إحدى الإمارات التي تتكون منها الإمارات العربية المتحدة، وأجبرهما على ممارسة الجنس مع زبائن ذكور وسط سيارات تم طلاءها وإصلاحها. وقالت إنه في نهاية الليل، أخذ تجار البشر كل النقود، ولم يتركوا لهم شيئًا لشراء الطعام.
وقالت المرأة إنها بعد أن تحررت من القواد نامت في الشوارع وتوسلت للحصول على الطعام، وقالت إنها كادت أن تفقد عقلها قبل أن تنقذها ممرضة من نيجيريا وتساعدها في العودة إلى المنزل.
تتشكل صناعة الجنس في الإمارات العربية المتحدة من خلال التركيبة السكانية والاقتصاد المميزين للدولة، فما يقرب من 90 من سكانها يأتون من مكان آخر؛ معظمهم من العمال الأجانب العاملين في البناء والضيافة وغيرها من الصناعات. ومعظمهم من الرجال ويصلون بمفردهم. ونتيجة لذلك؛ فإن 69 بالمئة من سكان الإمارات هم من الذكور. وتتعامل الحكومة مع هذه الحقائق الديموغرافية من خلال نشر مراقبة واسعة النطاق في الإمارات العربية المتحدة – ومن خلال السماح بتجارة الجنس المزدحمة كوسيلة لتهدئة العمال الذكور، وفقًا لدبلوماسيين سابقين كانا مقيمين في الإمارات العربية المتحدة وراقبا الاتجار بالجنس.
“غولد” والرحمة
في ليلة رأس السنة الجديدة 2019، توقف توماس، المصور والناشط في مكافحة الاتجار بالبشر، ليوم واحد في الإمارات العربية المتحدة قبل أن يتوجه إلى لندن، وكان ذاهبًا إلى سوبر ماركت في دبي عندما اقتربت منه امرأة نيجيرية تبلغ من العمر 19 عامًا وعرضت عليه الجنس فرفض، ولكنه سألها عما إذا كانت تريد العودة إلى وطنها.
وقال توماس إنها أخبرته أنها و 22 امرأة أخرى تحت سيطرة تاجرة بشر تُدعى كريستي غولد. وعند عودته إلى لندن؛ أرسل لها المال لاستئجار مكان آمن للإقامة ثم رتب لها رحلة العودة إلى نيجيريا.
وقال توماس إنه بدأ بمحاولة إنقاذ نساء أخريات محاصرات في دبي، وبدأ حملة تسمى “أعدهم لمنازلهم”، وجمع الأموال لتغطية تكاليف هروب الضحايا وسفرهم، مبينًا أنه على مدار عدة أشهر؛ ساعد في إنقاذ ثماني نساء أخريات قلن إنهن احتجزن ضد إرادتهن من قبل غولد أو تجار آخرين يعملون في الإمارات العربية المتحدة. وتم تأكيد رواية توماس من قبل مسؤولي مكافحة الإتجار النيجيريين والنساء اللواتي ساعد توماس في الهروب من المُتجِرين.
وشارك توماس المعلومات التي جمعها حول “غولد” مع وكالة مكافحة الاتجار بالبشر النيجيرية “ناب تيب NAPTIP”، والتي يمكنها اعتقال ومحاكمة المتاجرين المزعومين. وتضمنت جهوده تتبع حساب “غولد” في منصة إنستغرام؛ حيث تعرض مئات المنشورات عبر الإنترنت التي تعرض قلادات ذهبية على شكل أسد ومجوهرات أخرى تبيعها من خلال شركة تجارة الذهب التي تديرها من دبي.
في أيار/مايو 2022 أرسل توماس رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى وزيري عزي، مديرة وكالة مكافحة الاتجار النيجيرية، وكتب أن “غولد” كانت “تتباهى بثروتها المبنية على ظهور” شابات “تتاجر بهن إلى دبي”.
لا يُعرف سوى القليل عن خلفية “غولد”. وفي بيانها المكتوب أمام المحكمة النيجيرية؛ قالت “غولد” إنها سافرت إلى دبي في سنة 2009، وبعد ذلك بدأت في التنقل ذهابًا وإيابًا، وشراء الذهب والأحذية وحقائب اليد في الإمارات وبيعها في نيجيريا.
وفقًا لشهادات الضحايا في المحكمة والمقابلات التي أجريت، استهدفت شركة غولد وشركاؤها النساء النيجيريات اللائي كن يائسات من العمل وتأسيس حياة جديدة، ووعدهن بوظائف في صالونات تصفيف الشعر والمطاعم وغيرها من شركات البيع بالتجزئة في دبي. وقد ساعدهن شركاء غولد في الحصول على جوازات سفر نيجيرية وتأشيرات سياحية للسفر إلى الإمارات العربية المتحدة.
كشفت خمس نساء أنهن وقعن ضحية الاتجار بهن من قبل شركة غولد. تطرّق ثلاثة منهن للكثير من التفاصيل المهمة أثناء المقابلات التي أجرينها. قدمت اثنتان من النساء الثلاث اللاتي تمت مقابلتهن بشأن هذه المزاعم، رفقة امرأتين أخريين، إفادات كشاهدات في قضية غولد الجنائية.
قالت كل واحدة من النساء الثلاث اللاتي تمت مقابلتهن في هذا المقال إنهن تعرضّن للاتجار جنسيا بعد أن اتصلت بهن إحدى مسؤولات التوظيف التي تدعى ميرسي إوير أووزو، التي كانت تعمل مع غولد.
قالت إحداهن إنها كانت تعمل في متجر في لاغوس، أكبر مدن نيجيريا، في تموز/ يوليو 2019 عندما أخبرتها أووزو أنها تستطيع كسب المزيد من المال كمندوبة مبيعات في متجر في دبي. وتتذكر المرأة البالغة من العمر 25 سنة: “لم أطرح أي أسئلة لأنها أخبرتني أنها تحاول مساعدة الشابات لذلك ظننت أنها شخص لطيف”. وقد أكدت أووزو لها أنها دفعت ثمن جواز سفرها وتذكرة الطائرة وتأشيرة السياحة الإماراتية.
بعد وصولها إلى دبي، تحدثت عبر الهاتف إلى أووزو التي أخبرتها أنه لا يوجد عمل لها في متجر. بدلاً من ذلك، كانت ستذهب إلى النوادي والمطاعم والفنادق لبيع جسدها. قالت إنها كانت الطريقة الوحيدة لسداد ديون بقيمة 12 ألف دولار التي كانت مدينة بها لغولد لإحضارها إلى الإمارات العربية المتحدة.
وأضافت النساء الثلاث أن غولد تمكنت من السيطرة عليهن من خلال مصادرة جوازات سفرهن. بعد ذلك، أكدن أنه قدّمت لهن جوازات سفر مزوّرة بدت أصلية بدرجة كافية لتمكنهن من عبور نقاط توقف الشرطة الروتينية أو تجاوز مكاتب الاستقبال في الفنادق – ولكنها لا تمكنهنّ من الخروج من البلاد.
من غير الواضح من روايات الشهود ووثائق المحكمة ما إذا كانت غولد هي التي تقود شبكة الاتجار بالبشر المزعومة. قالت النساء الثلاث اللاتي تمت مقابلتهن في هذه القصة إن غولد كانت تتمتع بسلطة كبيرة وكانت منخرطة بعمق في عمليات الشبكة، وكانت تهددهن بشكل شحصي برمي جثثهن في الصحراء العربية إذا لم يمتثلن لمطالبها.
قالت إحدى النساء الثلاث، التي قالت إنها كانت تعمل مصففة شعر في نيجيريا قبل أن تعدها أووزو بوظيفة براتب أفضل في دبي: “في كل مرة لا نحضر فيها نقودًا، يضربوننا، ويضعون الفلفل في مناطقنا الحساسة، وفي أعيننا”. وأضافت قائلة: “أصيب الكثير منا بجروح، لكن لم يتم نقلنا إلى المستشفيات لأنهم لا يريدون أن يعرف الناس ماذا يفعلون بنا”.
قضت هؤلاء النساء الثلاث وقتًا في شقة مكونة من غرفتي نوم في دبي تعود ملكيتها لغولد. وأكدن أن غولد كانت تنام في غرفة لوحدها، بينما تم حشر ما يصل إلى 18 امرأة في الغرفة الأخرى، وكان معظمهن ينمن على البطانيات على الأرض.
وفقًا للمقابلات وبيانات المحكمة، أرسلت النساء اللواتي ارتكبن مخالفات واستحققن العقاب إلى تلك الشقة، حيث قام الجهاز التنفيذي لغولد – الذي يجسده شقيقها سليمان – بالاعتاء عليهن جنسيًا وضرب أجسادهن الضعيفة التي تعاني من سوء التغذية بخرطوم النرجيلة أو عصا المكنسة أو غيرها من الأدوات.
أوضح مسؤولو الوكالة الوطنية لحظر الاتجار بالبشر أنه لم توجه أي تهم لسليمان بارتكاب جريمة. قالت غولد أمام المحكمة إنها لم تأمر سليمان قط بإيذاء أي فتاة مكثت في شقتها في دبي. وأضافت قائلة: “لم أطلب منه قط في أي وقت أن يضرب أي من الفتيات لأنني لم أجد سببًا لضرب أي منهن”.
وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين ووكالة رويترز لم يتمكنوا من الاتصال بسليمان. وأكدت فيكتوريا أبورو، أحد كبار المدعين العامين في الوكالة الوطنية لحظر الاتجار بالبشر، أن غولد وأووزو يعملان معًا. في أيار/مايو من السنة الماضية، تمكنت الوكالة الوطنية لحظر الاتجار بالبشر من إدانة أووزو بتهم الاتجار بالجنس في محكمة اتحادية في ولاية دلتا النيجيرية. وأضافت أبورو أن “هناك قضيتان ضد غولد. وقد رفضت محامية مثلت أووزو أثناء محاكمتها التعليق”.
استأنفت الوكالة الوطنية لحظر الاتجار بالبشر التحقيق مع غولد بعد أن أبلغت إحدى ضحاياها المزعومين الشرطة في نيجيريا. اتهمت السلطات غولد بستة تهم تتعلق بانتهاك قانون الاتجار بالجنس النيجيري.
بعد أن أفرج عنها القاضي بكفالة، لم تحضر للمثول المقرر أمام المحكمة في الجلسة المقرر عقدها بتاريخ 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2021. وصرح محاميها للقاضي بأن غولد “عثر عليها نصف ميتة على السرير” وتم نقلها إلى المستشفى. وقد أمر القاضي بإعادة كريستي غولد إلى الحجز. لكن المسؤولين في الوكالة الوطنية لحظر الاتجار بالبشر يقولون إن السلطات لم تتمكن من تعقب أثرها. وقد اختفت بعد ذلك.
“ضعني في السجن”
في آب/ أغسطس الماضي، زار أحد المراسلين حي البراحة الذي تقطنه الطبقة العاملة في منطقة الديرة المكتظة بالسكان في دبي، حيث يوجد مسجد تعالت من مكبرات صوته آذان صلاة العشاء.
على بعد خطوات، تصطف شابات يرتدين شعرا مستعارا ملونا وفساتين سهرة قصيرة أمام المباني المتهالكة من أجل ممارسة عملهن اليومي: ممارسة الجنس مع الرجال مقابل المال. في الطابقين الرابع والخامس من أحد المباني، جلس رجال من جنوب آسيا على السلم، وهم يقلّبون هواتفهم، ويحتسون البيرة وينتظرون دورهم مع عاملات الجنس.
طوال الوقت، كانت سيارات الشرطة تجول ببطء في الأزقة الضيقة في المنطقة – وهي جزء من جهاز الشرطة والمراقبة الذي يُبقي سلطات الإمارات العربية المتحدة على إطلاع عميق بما يجري في دبي والإمارات الأخرى.
كانت إحدى عاملات الجنس شابة وصلت من غانا في حزيران/ يونيو 2022. قالت إنها حصلت على وعد بالعمل كخادمة لكنها وجدت نفسها تقوم بعمل مختلف تمامًا. وقد رفعت فستانها لتظهر الكدمات التي تلقتها أثناء ممارسة عملها قائلة: “قبل أيام قليلة، كانت عينايا متورمتان جراء الصفعات التي تلقيتها على وجهي من قبل مديري عندما فشلت في تحقيق الهدف”.
قال لها – كما زعمت – إنها إذا أرادت الحصول على حريتها، فعليها سداد دين يقارب 10.000 دولار. تساءلت وهي تبكي: “إلى أين أذهب؟ ماذا أفعل؟”. قالت إن المُتاجر بها – الذي لم تذكر اسمه – سلبها هاتفها وجواز سفرها.
من الطرق الأخرى التي يسيطر بها تجار البشر ومساعدوهم على النساء الأفريقيات استخدام قوة “الجوجو”، وهو نظام يستند إلى معتقد روحي أفريقي تقليدي. يُطلب من النساء المستهدفات أداء “يمين جوجو (يمين السحر)”، وهو تعهد رسمي بطاعة وتنفيذ أوامر المتاجرين بالبشر الذين وعدوا بمساعدتهن في العثور على عمل في الخارج. وكجزء من مراسم أداء هذا اليمين، يُطلب منهن خلع ملابسهن والركوع لساعات وتناول مشروبات ضارة يمكن تصيبهن بالدوار. وتم تحذيرهن من أن نقض وعودهن بالطاعة يمكن أن يلحق بهن لعنة قد تسبب إصابات أو الموت أو حتى المصائب لعائلاتهن. وقالت معظم النساء اللواتي تمت مقابلتهن من أجل هذه القصة إنه طُلب منهن أداء يمين الجوجو، مع إجراء بعض المراسم في نيجيريا وأخرى بعد وصولهن إلى الإمارات العربية المتحدة.
قالت ثلاث نساء في شهادتهن في قضية غولد الجنائية إن شركاء غولد طلبوا منهن أداء مراسم اليمين في نيجيريا قبل سفرهن إلى دبي. وأفادت امرأة تدّعي أنه تم الاتّجار بها من قبل غولد في مقابلة: “إنها تجعلنا نعتقد أنها تملك قوة جوجو، حيث إذا هربنا يمكن أن نصاب بالجنون أو نموت”. ومن جهتها، نفت غولد أمام المحكمة تنظيم مثل هذه الطقوس.
عندما تتحدى النساء التهديدات بالعنف الحقيقي والعواقب الدنيوية الأخرى لمحاولة الهروب من المتاجرين بهن، فإنهن في كثير من الأحيان يحصلن على القليل من المساعدة من السلطات الإماراتية – على حدّ قولهن.
قالت شابة أوغندية تبلغ من العمر 25 سنة إنها بعد أن فرت من بيت دعارة في منطقة الديرة في دبي حيث أُجبرت على العمل، توجهت إلى أقرب مركز شرطة. وأضافت أن ضابط شرطة أعادها إلى بيت الدعارة وتفاوض مع المُتّجِر لإعادة جواز السفر إليها، وأن الضابط غادر دون أن يفعل أي شيء آخر، فأخذ منها المُتاجر جواز السفر مرة أخرى. وواصلت قائلة: “تمكنت من الهروب نهائيًا عندما تواصلت مع نيوندو روزيت، وهي أوغندية تنشر مقاطع فيديو على يوتيوب، مقيمة في الإمارات العربية المتحدة. نشرت روزيت مقطع فيديو عن مأساتها، الأمر الذي أدى إلى جمع الأموال لشراء تذكرة طائرة لتعود إلى الوطن.
روزيت، التي تلقى مقاطع الفيديو الخاصة بها رواجًا – في المقام الأول – لدى المجتمع الأوغندي في الإمارات العربية المتحدة، قالت في مقابلة إن امرأة اتصلت بها تدّعي أنها متاجرة بالبشر عرضت عليها المال لحذف الفيديو. وأضافت: “عندما رفضتُ، اتصل بي أشخاص آخرون وهددوني بأنه “لن تسلمي” إذا لم أحذف مقطع الفيديو”.
من جهتها، لم ترد شرطة دبي على الأسئلة المتعلقة بهذا الحادث.
قالت امرأة تبلغ من العمر 23 عامًا من مزرعة في شمال-شرقي نيجيريا إنها كانت تعتقد أن شرطة الإمارات العربية المتحدة ستساعدها بعد أن هربت من بيت دعارة في أبوظبي حيث تم حبسها هي وست نساء أخريات في غرفة مليئة بأسِرَّة فولاذية مفصولة بستائر، وكل ليلة كان عليها أن تمارس الجنس مع ستة رجال.
كانت قد هربت بعيدًا عندما ثمل رئيسها وترك المفتاح في الباب. ذكرت أنها عندما دخلت مركز شرطة في منطقة الخالدية بأبوظبي، قال لها ضابط: “إرجعي من حيث أتيت”. وأضافت: “توسلت إليهم أن يضعوني في السجن، لكنهم أداروا ظهورهم لي. كنت أبكي، لكنهم لم يهتموا وقالوا لي: “اذهبي إلى الجحيم مع أفريقيا”. بدوره، لم يجبْ مركز شرطة الخالدية على طلب للتعليق.
طلب تسليم
لسنوات، سعت أعداد كبيرة من المهاجرين من نيجيريا ودول أفريقية أخرى إلى البحث عن وظائف وحياة جديدة في أوروبا. تغيرت طرق الهجرة مع إقدام أعضاء الاتحاد الأوروبي على إعادة المهاجرين إلى ليبيا، نقطة العبور الرئيسية عبر البحر الأبيض المتوسط. ومع تزايد انسداد الطريق إلى أوروبا، تحول المهاجرون الأفارقة بأعداد متزايدة إلى الإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول العربية الغنية.
قالت أبورو، المدعية العامة في “الوكالة الوطنية لحظر الاتجار بالبشر” في نيجيريا، إن قضايا الاتجار عندما تكون لها صلات بأوروبا، فإن الحكومات هناك تقدم المعلومات والتعاون الذي يساعد الوكالة في القبض على المتّجرين ومقاضاتهم. لكن عندما يتعلق الأمر بالإمارات العربية المتحدة، فإن التعاون الرسمي غائب، وذلك حسب ما قاله محققون نيجيريون في مكافحة الاتجار بالبشر.
في نيجيريا، تعمل “الوكالة الوطنية لحظر الاتجار بالبشر” في بيئة حيث بعض المسؤولين الحكوميين متهمون أيضًا بالتورط في الاتجار بالبشر، إذْ يقول مسؤولو الوكالة إن المتاجرين المدانين غالبًا ما ينجحون في تفادي عقوبة السجن. ولم ترد الحكومة النيجيرية على طلب للتعليق.
يقول توماس، الناشط في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، إنه من المحبط رؤية غولد تعود إلى دبي وتعيش في رفاهية.
في أيار/مايو 2022، حكمت محكمة نيجيرية على شريكة غولد، ميرسي أووزو، بالسجن 5 سنوات. ومع ذلك، سمحت لها المحكمة بتجنب السجن بدفع غرامة قدرها 5000 دولار بدلاً من ذلك، تم توزيعها كتعويض على الضحايا في قضيتها، وذلك بحسب أبورو.
بالنسبة لكريستي غولد، تتم محاكمتها غيابيًا، فيما تواصل السلطات النيجيرية مطالبة دبي باعتقالها وتسليمها، وذلك وفقًا للمسؤول القانوني في “الوكالة الوطنية لحظر الاتجار بالبشر”، حسن طاهر.
في شباط/فبراير وآذار/مارس، نشرت غولد صورًا لها في دبي على إنستغرام، لكنْ من غير الواضح متى تم التقاط تلك الصور. ولا يزال حسابها على إنستغرام يروّج للمجوهرات التي تبيعها لعملاء شركتها في نيجيريا “كريستي غولد إمباير للمجوهرات”. وفي أحد مقاطع الفيديو، تعرض زبونة مزعومة لشركتها أقراطًا لامعة وخاتمًا مرصَّعًا وهي تردد: “كريستي غولد، كريستي غولد.. تم تجربتها وهي أهل للثقة.. ألا يمكنكم رؤية كيف تجعلني سعيدة؟”.
المصدر: رويترز