كثيرا ما نسمع عن دور الجيش التونسي في حماية ثورة أبناء شعبه من بطش الشرطة ومساهمته في نجاح الانتقال الديمقراطي في البلاد من خلال تأمينه للعمليات الانتخابية التي عرفتها تونس منذ 14يناير 2011 ورفضه دعوات بعض السياسيين للانقلاب على مؤسسات الدولة الرسمية.
حتى أن البعض وصفه ب”حامي حماة الثورة”. في شهر مايو 2011حين قال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في تصريح صحفي ردًا على سؤال عن إمكانية قيام الجيش التونسي بانقلاب على الإسلاميين في حال فازوا بالانتخابات البرلمانية: ”الجيش التونسي يقوم بعمل مهم على صعيد حماية الثورة في الداخل وحماية الحدود الجنوبية مع ليبيا، فهو العمود الأساسي الذي بقي يرفع البيت التونسي”.
وأكّد الغنوشي آنذاك أن ”الجيش يتمتع بمكانة كبيرة نظرًا لموقفه الداعم للثورة، فقد أنقذ الجيش البلاد من حمّام الدم، لأنه لو أطاع قائد الجيش أوامر الرئيس المخلوع لحدثت الكارثة، ولكنه لم يفعل وحمى الثورة”,حسب قوله. ويقول متابعون للشأن التونسي أن جيش تونس لم تكن لديه الرغبة في إسقاط حركة النهضة والانقلاب عليها رغم مطالبة بعض السياسيين له بالانقلاب على مؤسسات الدولة الشرعية صيف 2013.
حيث دعت النائبة في البرلمان مباركة البراهمي عن حركة الشعب خلال اجتماع شعبي لها بأنصارها في باريس يوم 24 أكتوبر 2013, قوات الجيش الوطني إلى المساعدة في إسقاط حركة النهضة ومحاكمة قيادتها. وطرح غيرها فكرة عقد مؤتمر وطني للإنقاذ سنة 2013 وإمكانية اشتراك الجيش فيه بشكل فعال وواسع ،مع فرضية تسلم الجيش لزمام الأمور إذا فشل المشاركون في المؤتمر المقترح عقده في إيجاد حلول ناجعة والتوافق في ما بينهم على صيغة الحكم بعد الإطاحة بحكومة الترويكا.
كما وجه الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية -إئتلاف أحزاب يسارية- حمة الهمامي رسالة من على منبر قناة تونسية خاصة أواخر سبتمبر 2013 أكد من خلالها انه على يقين أن الجيش والأمن سيدعمان الانقلاب على النهضة. كما دعا القيادي في حركة نداء تونس الطاهر بن حسين في مايو 2012 الجيش إلى عصيان الأوامر.
دعوات عديدة للانقلاب رفضها الجيش التونسي منذ بداية الثورة إلى الآن حتى أن رئيس أركان القوات المسلحة التونسية السابق، الجنرال رشيد عمار قال أنه طُلب من الجيش تسلم السلطة يوم 14 جانفي 2011 خوفا من أن تفوز حركة النهضة بالسلطة.
وعن سبب رفضه لذلك قال الجنرال رفضت الطلب لأني أردت أن تكون تونس دولة ديمقراطية على غرار الدول التي تتمتع بالحرية وحقوق الإنسان . بدوره دعا وزير الدفاع التونسي السابق عبد الكريم الزبيدي في وقت احتدت فيه الدعوات إلى الانقلاب على مؤسسات الدولة الشرعية إلى إبعاد الجيش عن “التجاذبات” السياسية في تونس .
وقد أرجع متابعون انحياز الجيش التونسي للثورة من أول أيامها ومساهمته في نجاح عملية الانتقال الديمقراطية وزهده من الحكم إلى ابتعاد الجيش عن السياسة وعدم ارتباطه بها وتهميش الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة له بسبب خشيته من الانقلابات، كذلك عدم حرص الجيش على تطوير طموحاته السياسية أو المؤسساتية التي تقوده للتدخل في الحياة السياسية.
“الحبيب بورقيبة” كان يبدي تخوفًا من الجيش خاصة بعد المحاولة مجموعة “الأزهر الشرايطي” سنة1962 الانقلاب عليه, فاتخذ موقفًا سلبيًا وحذرًا من الجيش, وأبقى المؤسسة العسكرية بعيدة عن الفعل السياسي. كما كان بورقيبة يؤمن أيضا بفكرة الاحتماء تحت مظلة القوى الكبرى وجواز التحالف معها. فبقي الجيش قليل العدد والعدة ولم يشكل وزنا إقليميًا له تأثير في السياسية الخارجية لتونس.
ثم حافظ خلفه “زين العابدين بن علي” على ذلك التصور في التعامل مع القوات المسلحة طيلة حكمه.و رغم كونه من أبناء المؤسسة العسكرية فقد سعى لتعزيز دور الشرطة على حساب الجيش، وحصر وظيفته في تنمية الصحراء, أو التدخل أثناء الكوارث الطبيعية, أو مراقبة الحدود, أو المشاركة في بعثات حفظ السلام الأممية.
هذا وقد فُرض على الجيش التونسي في زمن بورقيبة وبن علي فرض أن ينكمش خلف عباءة القوى الإقليمية فمنع من القيام بأي دور في محيطه الجغرافي والسياسي نتيجة إرادة داخلية وأخرى خارجية تسعى لإضعاف فاعلية المؤسسة العسكرية في الحوض الجنوبي للمتوسط لاعتبارات إستراتيجية.
فيما أكد آخرون أن عدم الخوف من الانقلابات العسكرية في تونس يعود إلى العقيدة الديمقراطية التي تأسس عليها الجيش التونسي, فهو يعي أن مهمته حفظ السلام والمساهمة في عمليات الإنقاذ في حال حدوث كوارث الأمر الذي جعله يتكفل بحفظ الأمن، ويؤمن نجاح الانتخابات في تونس منذ يناير 2011 ليعود بعد ذلك إلى ثكناته.
فقد عرفت تونس عشية هروب بن علي يوم 14 يناير 2011 فراغًا سياسيًا وأمنيًا ملأه الجيش فمثل أحد أهم عوامل الاستقرار وحفظ التوازن بين مختلف الأطراف الفكرية والسياسية وتمكن من استعادة الأمن العام وفرض قانون الطوارئ. واكتفى الجيش بتأمين الظروف الأمنية لعملية الانتقال السياسي والإشراف الأمني على الانتخابات والمساعدة في استقبال مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من الحرب في ليبيا إبان الثورة على نظام العقيد الراحل معمر القذافي.
ويؤكد البعض أن قيادة الجيش قد اختارت موقفا غير داعم لبن علي في الثورة انطلاقًا من إيمانها أن السيادة للشعب وأن الكلمة الفصل له. ولم يكن الجيش التونسي قبل الثورة معروفة لدى أبناء شعبه إلا من خلال إنجاز بعض المشاريع من المسالك وبناء مساكن وربط عديد تجمعات سكانية بشبكتي الماء الصالح للشراب والكهرباء وبناء الجسور وحفر الآبار وتهيئة بعض المناطق الصحراوية.
وقد كشف تقرير أصدرته منظمة الشفافية الدولية حول مؤشر مكافحة الفساد في قطاع الدفاع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السنة الماضية، أن الجيش التونسي يتصدر قائمة الجيوش العربية الأقل فسادًا. وذهب بعض المتابعين إلى اعتبار أن عزل الجيش عن دائرة الفعل السياسي وتهميش دوره في أغلب الأحيان ولّد لدى المنتمين لهذه المؤسسة عامل قوة يحسب لفائدتها زمن الثورة.
إلا ان البعض الآخر يرون إن المؤسسة العسكرية هي من بين المؤسسات الرئيسية التي يجب التعامل معها بحذر خاصة إذا تذكرنا تدخلها في أحداث 26 كانون ثان/يناير عام 1978 التي شهدت مواجهات بين الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) والحزب الحاكم آنذاك مدعوما بالسلطات الأمنية، وأحداث ثورة الخبز في 1984كذلك.
الجيش التونسي حل في المرتبة السابعة عربيًا من حيث القوة حسب دراسة نشرتها مؤسسة “غلوبال فاير باور” الأمريكية السنة الماضية. ونشر المعهد جزءًا من القدرات والإمكانيات العسكرية التي يتمتع بها الجيش التونسي، مشيرًا إلى أن “المؤسسة العسكرية تمتلك 5.798.752 شخصًا قادرين على القتال، بينما يبلغ عدد الجنود المنتشرين 40 ألف فرد، وجنود الاحتياط 12 ألف فرد”. وبلغت ميزانية وزارة الدفاع التونسية، حسب الدراسة، 550 مليون دولار لعام 2015. وبالنسبة للتجهيزات العسكرية، أبرزت الدراسة أن الجيش الوطني التونسي يمتلك 180 دبابة و 679 مركبة مدرعة، و19 مدفع ذاتي الحركة، و162 نظام متعدد لرمي القذائف. وأشارت الدراسة إلى أن التجهيزات الموضوعة حيز الخدمة، فهي 138 طائرة مقاتلة، و12 طائرة هجومية، و86 طائرة نقل وشحن، و40 طائرة تدريب، و75 هيلوكبتر، و50 سفينة عسكرية.
الجدير بالذكر أن الجيش التونسي الحديث تأسس في 30 يونيو 1956، وقد قامت تونس مؤخرًا السنة الماضية بتصنيع أول فرقاطة لها وفي العالم العربي والثانية بإفريقيا بعد جنوب أفريقيا وهي “استقلال بي 201” وذلك تصنيعا محليًا كاملًا