كثير هم التلاميذ الموريتانيون الذين ينقطعون عن الدراسة في سن مبكرة بسبب الفقر، فعوضًا عن الذهاب إلى مقاعد الدراسة يتوجه أغلبهم إلى العمل بحثًا عن قوت يومهم، وفي مقابل ذلك يربط متابعون للشأن الموريتاني انتشار البطالة والفقر بتدني مستوى التعليم في البلاد رغم تخصيص الدولة لما يفوق عن ربع دخلها القومي السنوي للإنفاق على التعليم؛ الأمر الذي جعل البنك الدولي يصنف الحالة التعليمية في موريتانيا ضمن الأضعف عربيًا.
وتشير الأرقام الحكومية إلى وجود نحو ثلاث آلاف و682 مدرسة في كل مراحل التعليم ما قبل الجامعي، 73% من هذه المدارس تعاني عجزًا واضحًا في التجهيزات والبنية الأساسية المدرسية، فيما تبلغ نسبة التحاق التلاميذ بالمدارس 84%، غير أن 40% من هؤلاء التلاميذ لا يكملون دراستهم الابتدائية بل ينقطعون عن التعليم.
أما التعليم الجامعي فيبلغ عدد الطلبة فيه 19862 طالبًا منهم 2400 تزيد أعمارهم عن 30 سنة، يؤمن دراستهم ما يناهز عن 700 أستاذ جامعي 60% منهم متعاونين.
ويرجع مراقبون ارتفاع نسب انقطاع التلاميذ في موريتانيا مبكرًا عن الدراسة إلى عدة عوامل من ذلك العامل الاقتصادي والعامل الاجتماعي، العامل الاقتصادي هو نظرة التلميذ في بداية مرحلته الدراسية لمن هم أكبر منه سنًا وقد حصلوا على شهادات دون عمل، والعامل الاجتماعي يتمثل في عدم اهتمام وكلاء التلاميذ أو الأسرة أساسًا بتدريس أبنائها نتيجة لعدم مراقبتهم منزليًا.
يقول مسؤولون موريتانيون إن ارتفاع هذه النسبة يعود إلى عامل الخريطة المدرسية، فالنظام التربوي هناك يعاني من سوء توزيع المدارس أو قلة المدارس المكتملة الأقسام.
إضافة إلى انقطاع التلاميذ، تعاني المدارس الموريتانية من هجرة المدرسين؛ فالمدرس في موريتانيا يترك مدرسته ليلتحق بعمله الخاص ليحصل على أجر إضافي أو أكبر لأن أجره الحكومي ضعيف جدًا؛ الأمر الذي جعل الدولة تسعى إلى تدارك هذه المسألة في السنوات الأخيرة من خلال إقرار زيادة في رواتب المدرسين وإقرار تعويض للنقل وتعويض للسكن مما جعل راتبه من أحسن الرواتب الموجودة في موريتانيا بعد القضاء.
يتكون المجتمع الموريتاني من عرقيات مختلفة تشمل بعض القبائل العربية والبربر والزنوج، ويعانى هذا المجتمع من الازدواجية اللغوية؛ فهناك اللغة العربية وتعرف المجموعات المختلفة التي تتحدث بها بـ “المور”، وهناك اللغة الفرنسية التي يفضلها السود لأسباب سياسية، أما في الجنوب فإن المجموعات السوداء تتحدث بلغات متعددة منها: الفولفولدى، الأزير، الولوف، والماندى.
وتعاني موريتانيا من شح كبير في مؤسسات التعليم العالي إذ تتبع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ثلاث جامعات فقط، اثنتان منها في نواكشوط وهي جامعة نواكشوط وجامعة العلوم والتكنولوجيا والطب، إضافة إلى جامعة العلوم الإسلامية في مدينة العيون بالشرق الموريتاني، وقد استحدثت في 2011 وتضم كلية للشريعة وكليات أخرى ناشئة، وما يلاحظ هنا هو عدم ارتباط هذه الجامعات باحتياجات سوق العمل في موريتانيا من صيد وزراعة وتعدين وهندسة وغيرها، والنتيجة أن حوالي 12% فقط من خريجي هذه الجامعة يجدون فرص عمل؛ ما جعل بعض الكليات تفتح شعبًا مهنية تختص في بعض الأمور المطلوبة في سوق العمل.
ويقول بعض المسؤولين إن الإشكال المطروح على النظام التربوي الموريتاني هو المواءمة ما بين التكوين وحاجات السوق نظرًا لأن المناهج التربوية التي أعدت بعد فترة الاستقلال وإلى الآن رغم أن بعضها قد ركز على هذا المنحى إلا أنها لم توفق في أن تجعل مخرجات النظام التعليمي ملائمة أو موائمة لمتطلبات السوق، فالتكوين اتسم بكونه تكوينًا عامًا بدل أن يكون تكوينًا موجهًا إلى المهن والحرف التي تشكل مطلبًا أساسيًا بالنسبة لحاجات المواطنين في مختلف المجالات حسب قولهم.
من جهة أخرى تقوم الدولة الموريتانية بإرسال عدد كبير من الطلاب للخارج من أجل التغطية على الضعف الداخلي لتعليم العالي الأمر الذي يكلف ميزانيتها مبالغ طائلة.
وقد انقسم التعليم في موريتانيا في فترة ما بعد الاستقلال إلى قسمين: الأول تعليم باللغة العربية، والثاني تعليم مزدوج اللغة تغلب عليه اللغة الفرنسية مع تخصيص ساعات قليلة لتعليم اللغة العربية، وقد استمر هذا النظام التعليمي عشرين عامًا من 1979 حتى 1989 وكان “المور” يقبلون على تعليم أبنائهم التعليم العربي، بينما يقبل السود والبربر على التعليم الفرنسي، و ساهم هذا الانقسام في النظام التعليمي الموريتاني في زيادة عوامل الفرقة والتمييز بين أبناء البلاد، ثم توقف العمل بهذا النظام في 26 أبريل 1999 وتم إنشاء نظام تعليمي موحد لجميع الموريتانيين دون تفرقة، فتم تعميم تعليم اللغة العربية في جميع صفوف المدارس الابتدائية بوصفها اللغة الرسمية للبلاد، وتأجيل البدء في تعليم اللغة الفرنسية حتى الصف الثاني الابتدائي، بينما تم تأجيل تعليم اللغة الإنجليزية إلى بداية المرحلة الثانوية، على أن يتم تعليم المقرارت العلمية مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء والكمبيوتر باللغة الفرنسية في جميع المراحل التعليمية.
من جهته قال الشيخ يب، طالب الموريتاني بالجامعة التونسية (صحافة وعلوم سياسية): “العلاقة بين ثلاثية الفقر وتدني مستوى التعليم والبطالة في موريتانيا هي علاقة طردية وموريتانيا للأسف من الدول التي تعاني من هذه الظاهرة حيث إن التعليم في البلد يشهد حالة مزرية مما يترتب عنه البطالة والفقر”.
ويرجع الشيخ يب سبب ذلك إلى فشل السياسات الحكومية الموريتانية المتعاقبة بل وحتى بسبب تعدد الأنظمة السياسية، تميزت السنوات الأخيرة بتدني مستويات التعليم فتم تكوين جيل ضعيف المهارات بعيد عن سوق العمل لا يتقن أي لغة كما جاء في تقرير الأيام التشاورية التي نظمتها وزارة التعليم، وانخفض مستوى النجاح في البكالوريا سنة 2014 إلى 4% وذلك بسبب عدم وضع منهجية واضحة ودائمة للمناهج التربوية وأيضا بسبب خصخصة قطاع التعليم وانتشار العقلية التجارية داخله.
وأكد يب أن إصلاح المنظومة التربوية والاهتمام بقطاع التعليم هو وحده الكفيل بالتغلب على هذا المشاكل ودون إصلاحه لن يمكن للبلد أن تتقدم أبدًا.
حلت موريتانيا في مؤخرة قائمة دول العالم من حيث جودة التعليم حيث جاءت في المركز الـ 134 من إجمالي 140 دولة على مستوى العالم، طبقًا لأحدث تقرير صادر عن التنافسية العالمية GCI لعام 2015، والذي يصدر سنويًا عن المنتدى الاقتصادي العالمي.