كغيره من أقرانه كان يحلم بأن يبني عش زوجية مع فتاة تكون شريكة لفصول رواية كفاح فلسطينية يسطرها بعرقه ودمائه هو ورفاق دربه، يحب أن يشجع فريقه الرياضي الذي يفرح بنصره ويحزن لخسارته، يشارك أسرة مسجده نشاطاتها الصيفية ويلعب مع أشبال منطقته على رمال شاطئ بحر غزة، يتحرك قلبه فرحًا إذا ما سمع خبرًا بمولود رزقه الله أحد إخوانه ويسهر الليل يذاكر الدروس ويحضّر لامتحاناته النهائية ليكمل مشوار حياته العلمية الجامعية، يذهب لزيارة أخته الكبرى ويلاعب بناتها وأولادها ويجعل من ظهرة ركوبةً لأطفالها، ينام في حضن جدته وتمسح على وجنتيه وتترضى عليه وعلى أبيه وأمه، يمازح أباه ويسابق الرياح ليسمع دعاء أمه له عند ذهابه أو إيابه.
لكنه ليس كغيره عندما ينهض في ليالي الشتاء الباردة الهائجة، ينهض لا ليشعل نارًا تدفئ ضلوع جسده المرتجفة، ولا ليجلس على موقد النار ليستمتع بصحبة جيرانه، ويتبادل القصص والحكايات مع جده وأبناء عمومته، ولا ليستمتع برشفات من فنجان قهوة يكسيه بدفئه وينسيه برد شتاء ألم به.
يستيقظ ليمتشق فأسه، ويربط حزامه، عاقدًا عزمه، قاصدًا تلك المنطقة المعتمة لينزل تحت أرضها، يحفر نفقًا ويجهز مخدعًا يلجأ إليه رجال الأنفاق وفرسانها.
يختفي عن الأنظار فلا يعلم به أحد ولا يدري بصنيعته ولا خبيأته إلا أمه وأبيه أو زوجته ليتزود من جميل دعائهم وبركة رجائهم، يختفي عن عيون وسهام ترفع تقاريرها وتبث سموم خيانتها، تحتضنه الأرض لتحرسه من عيون أولئك الذي تطفلوا على قضيتنا وشوهوا عدالتها وسموها.
يُخرس ألسنة تتطاول على المقاومة وتقدح في برنامجها، بل تتفاخر وتتباهى بما أنجزته من إفشال بعض عملياتها وكأنه بذلك قد حقق نصرًا وأدرك مجدًا وهو لا يدري أن أيادٍ باتت ليلًا تحفر في الصخر وتضرب في الأرض لتغسل عن شعبنا عار أولئك الذين أبوا إلا أن يلطخوا ثوب قضيتنا الأبيض بوصمات أفعالهم وأقوالهم التي تأبى إلا أن تفضح قبح وفحش منهجهم وبرنامجهم إن كان هناك ثمة برنامج أو منهج.
يُخجل ألسنة باتت سليطة على أعراض جنود الخفاء ورجال الأنفاق الذين ما عملوا ليُشكروا وما تذمروا ليُمدحوا وما نافقوا ليتسلقوا وما ابتذلوا ليُرفعوا وما تفلسفوا ونظّروا ليُعرفوا، بل اجتهدوا ليختفوا واستعفّوا ليُرزقوا وأحسنوا النوايا ليؤجروا.
يصبح عليهم الصبح وقد تعبت ظهروهم وعرقت جباههم وتشققت أكفهم وجفت حلوقهم وتغبرت وجوهم وثيابهم برمال الكرامة والعزة والفداء، وإن رأى أحد منهم وجعًا أو أصابه جرحًا ما رآى وما تفاخر بعمل أخفاه مرضاة لربه وطمعًا في جنته أو نصره، بل تعذّر وغيّر مجرى الحديث وأبى أن يجعل من عمله مادة للسمعة والتباهي.
يُشعرنا بجهدنا المقل وقصورنا غير المبرر، فلا وربك لا ينقصنا يد أو قوة ولكنه اصطفاء الله لأحبابه الذين فضلهم على القاعدين من أمثالنا وأعد لهم ما يروي ظمأهم ويُذهب عنهم حَزن الدنيا ومشقتها.
ربح البيع يا شباب الأنفاق، وثبت الأجر إن شاء الله، ربط الله على قلوب أمهات وآباء باتوا ينتظرون عودتكم، ولكنكم عدتم لجنات ربكم لتسبقوهم شفعاء مشفعين.
ثابت وغزوان وعز الدين وجعفر ونضال ومحمود ووسيم، سبعة فتية من الأحرار الذين حفروا لكرامتنا وعزتنا نفقًا للعلا وغسلوا شرف قضيتنا ممن يحاول أن يلطخها من أولئك المرجفين المنسقين المتخاذلين.. ولا يستوون.