وربما لم يغب عن أذهان أهالي قطاع غزة الرحيل القسري للشاب نائل الكردي الذي نحت جسده مرض السرطان، بينما انتظرت أسرته المكلومة الاستجابة للنداءات التي أطلقتها من أجل السماح بسفر ابنها المريض عبر المعابر المغلقة، ولكن رجع صدى تلك الاستغاثات دون استجابة، حتى فارق الحياة بابتسامة أليمة! الدموع الحارقة التي ظهرت على وجنتي والدة الكردي؛ لم تشفع هي الأخرى لإنقاذ فلذة كبدها، فنظراتها كانت أسيرة عاجزة عن تقديم أدنى شيء لابنها الذي فارق الحياة على فراشه بصمت!، ليكون شاهدا جديدا على انتهاك صارخ بحق الإنسانية.
الشاب الكردي ليس هو الحالة الوحيدة التي فارقت الحياة بسبب منعها من السفر، بل إن هناك المئات من الحالات المرضية توفيت للسبب إياه، بينهم عشرات الأطفال والنساء، كما هي حالة السيدة عايدة عبد العال التي كانت مصابة بمرض بالسرطان – وهي أم لسبعة أطفال – توفيت هي الأخرى بسبب حرمانها ومنعها من السفر لتلقي العلاج! ويهدد خطر الموت قائمة كبيرة من المرضى الغزيين من أصحاب الأمراض الخطيرة والمزمنة جراء عدم تلقيهم العلاج بسبب عدم توفر الأدوية أيضا علاوة على منعهم من السفر بسبب فرض سياستي الحصار المطبق.
وطالبت وزارة الصحة الفلسطينية مرارا بفتح معابر قطاع غزة من أجل السماح للمرضى بالسفر، واستنكرت بشدة حرمانهم من العلاج والسفر، مبينة في ذات الوقت أن منع المرضى من السفر يُعد انتهاكا فاضحا لحقوق الإنسان في حقه المباح وفق كافة القوانين والتشريعات في الحصول على العلاج في أي وقت وفي أي مكان وتحت أي ظرف.
وأوضحت الوزارة في بيانات وتصريحات متعددة أن منع المريض من السفر للعلاج يعتبر جريمة إنسانية يحاسب عليها القانون الدولي الإنساني، الذي من المفترض أنه يمنح حماية خاصة للمرضى ويوجب سفرهم بدون عوائق! المراكز الحقوقية تنظر بخطورة بالغة إلى قضية منع المرضى من السفر للعلاج، موضحة في بيانات وتصريحات عديدة بأنه لا يحق لسلطات الاحتلال الإسرائيلي أو غيرها وفق القانون الدولي الإنساني منع سفر المرضى أو حتى اعتقالهم أثناء محاولاتهم للسفر، إلا أن القوانين الدولية يُضرب بها عرض الحائط.
وطالبت بالتدخل العاجل لوقف الانتهاكات الإسرائيلية بحق المرضى الفلسطينيين وتأمين سفرهم لتلقي العلاج خاصة في الوقت الذي يغلق فيه معبر رفح البري في وجههم، محذرة من مغبة تفاقم الأوضاع الإنسانية وتدهور أوضاع حقوق الإنسان بشكل متسارع بسبب استمرار الحصار. وجددت تلك المراكز مطالبتها بضرورة العمل على إنهاء حصار قطاع غزة، والعمل على ضمان إلزام سلطات الاحتلال باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني في تعاملها مع المدنيين في الأراضي المحتلة.
وتجدر الإشارة إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي وبمساعدة أطراف أخرى تفرض حصارا شاملا على قطاع غزة منذ نجاح حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في الانتخابات التشريعية عام 2006م، حيث تغلق كافة المنافذ والمعابر التي تربط غزة بالعالم الخارجي مما أدى إلى وقوع آثار كارثية على كافة القطاعات.
وقطاع غزّة هو المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، وهو شريط ضيق شمال شرق شبه جزيرة سيناء المصرية ويشكل تقريبا 1.33% من مساحة فلسطين التاريخية، ويمتد على مساحة 360 كم مربع، بطول 41 كم وعرض يتراوح بين 5 و15 كم.
وبنظرة سريعة إلى معابر قطاع غزة فهي سبعة معابر كلها تحت سيطرة سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلا معبر وحيد وهو معبر رفح الحدودي الذي تتحكم مصر بإغلاقه، حيث تشكل تلك المعابر مأساة كبيرة للغزيين بسبب إغلاقها منذ سنوات.
وعلى الرغم من النداءات والمناشدات بفتح تلك المعابر بشكل دائم؛ إلا أن أحدا لم يستجب!، وفي الوقت ذاته تستمر معاناة مرضى قطاع غزة بينما يقف العالم متفرجا على تلك المأساة المعاصرة.