ربما يجب أن أبدأ هذه المقالة بجملة باللغة الفارسية تعبيرًا عن كثرة الأخبار الاقتصادية التي تزدحم بها المواقع والقنوات ووكالات الأنباء بعد جولة روحاني في أوروبا (روما وباريس) وقبلها عقود واتفاقات مع الصين وزيارة متوقعة لروحاني إلى موسكو عمّا قريب.
حتى رئيس الوزراء الفرنسي قال جملة “أهلًا بكم في فرنسا” بالفارسية لروحاني وللوفد الإيراني المرافق له، أما روما فقد غطّت التماثيل العارية في المتاحف والقاعات التي زارها روحاني احتفاء بقدومه واحتراما لتعاليم الإسلام، أما البابا فرانسيس فلم ينسى روحاني قبل ذهابه أن يطلب من البابا أن يصلي لأجله وإهدائه سجادة إيرانية يدوية الصنع.
وكأن إيران ولدت من جديد بعد رفع العقوبات عنها وفتحت ذراعيها للشركات العالمية للاستثمار فيها، ولعل شركات العالم بالفعل عليها أن ترصد جزءا جيدًا من أموالها للاستثمار في إيران وأن تتعلم بعض الجمل الفارسية لمغازلة السوق الإيرانية من أجل نيل رضى الحكومة الإيرانية والفوز ولو بجزء صغير من الكعكة خصوصا والاقتصاد العالمي يمر بفترة ركود وتباطئ اقتصادي.
فإيران السوق الواعدة يبلغ حجم اقتصادها 406 مليار دولار وعدد سكانها 77 مليون نسمة جاهزة اليوم لإطلاق عملية تنموية ضخمة لاقتصادها في كل المجالات، وتسعى بعد رفع العقوبات الأممية عنها مطلع العام الحالي لاجتذاب استثمارات سنوية بقدر 50 مليار دولار وجذب الأموال الهاربة من الأسواق الناشئة والتي تقدر بنحو 375 مليار دولار في العام الجاري.
وفي أولى تباشير رفع العقوبات عادت إيران للارتباط بالبنوك والنظام المصرفي العالمي حيث قال رئيس مصرف الشرق الأوسط الإيراني إن البنوك العالمية تستعد لإعادة العلاقات مع نظيرتها الإيرانية باستخدام نظام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) للتعاملات النقدية حيث ستسمح هذه الخطوة للبنوك الإيرانية بالتعامل مع النظام المصرفي العالمي للمرة الأولى منذ فرض قيود مالية دولية عليها عام 2012.
وبالفعل بدأت إيران تستلم المبالغ المالية التي كانت محظورة في الخارج وتقدر بنحو 55 مليار دولار حسب التقديرات الأمريكية حيث أعلن بنك ملّت الإيراني عن فتح حسابات في بنوك أوروبية بهدف استلام عوائد نفطية بنحو 1.2 مليار يورو من شركة شل البريطانية.
روحاني رجل السياسة “البراغماتي” قبل مغادرة إيران في رحلة أوروبية إلى روما وباريس كتب على تويتر يقول إن رحلته ” التاريخية مهمة جدًا” وأضاف “نريد الاستفادة إلى أقصى حد من أجل تنمية البلاد وتوظيف الشباب من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي وتسهيل الاستثمارات للشركات الإيطالية والفرنسية في إيران”.
حيث سعى في جولته لإعادة تعريف العلاقة الاقتصادية بين إيران وأوروبا ووضعها في إطار التعاون الاستراتيجي الوطيد من خلال “خريطة طريق” تتيح لكلاهما شراكة اقتصادية واعدة بإبرام عقود تقدر بمليارات الدولارات.
ففي مشاركة لروحاني يوم الثلاثاء الماضي في منتدى اقتصادي بين ايطاليا وإيران حضّ خلاله عشرات من أصحاب المؤسسات الإيطاليين على الاستثمار في إيران مؤكدًا أن “إيران البلد الأكثر أمانًا واستقرارًا في المنطقة”.
الدول التي كانت بالأمس تعادي طهران تحاول اليوم الاستفادة قدر الإمكان من السوق الإيرانية الواعدة، ففي زيارة روحاني إلى فرنسا يوم أمس تم توقيع اتفاقات تصل قيمتها إلى حوالي 15 مليار يورو من بينها اتفاق للحصول على 118 طائرة إيرباص للرحلات المتوسطة والبعيدة في صفقة تصل قيمتها إلى 25 مليار دولار.
وقالت ايرباص إن الطلبية تشمل 73 طائرة عريضة البدن و45 طائرة نحيفة البدن وتتكون من 12 طائرة ايه 380 و16 طائرة ايه 350-1000 و45 طائرة ايه 320 و45 طائرة ايه 330، وستسلم الطائرات الجديدة خلال الأعوام الأربعة المقبلة.
وتشير تقديرات إيرانية في مجال الطيران والملاحة الجوية أن حاجة البلاد للطائرات الجديدة تقدر ب 500 طائرة من ضمنها 100 للمسافات القصيرة، لتحديث أسطولها المتهالك الذي يتكون حاليًا من 250 طائرة. ومن المنتظر كذلك أن تفتح إيران ورشات كبرى لإصلاح مطاراتها وبناء مطارات جديدة تستطيع استيعاب طائرات إيرباص الضخمة في ظروف آمنة.
الجدير بالذكر أن إيران عانت كثيرا بسبب حظر دولي قاسي على استيراد الطائرات من الخارج دام لأكثر من 10 سنوات.
ومن بين الاتفاقات الموقعة اتفاق بين شركتي بيجو الفرنسية و” إيران خوردو” الإيرانية من أجل تصنيع مشترك لسيارة بيجو 301 مخصصة للسوق الإيرانية والآسيوية، علمًا أن بيجو الفرنسية كانت تصدر حوالي 460 ألف سيارة إلى إيران قبل خروجها من السوق الإيرانية في عام 2012 على أثر العقوبات.
وكان الرئيس التنفيذي لشركة رينو “كارلوس غصن” قد قال مؤخرًا على هامش معرض ديترويت للسيارات حول سوق السيارات الإيراني “نعم، إيران سوق واعدة جداً تتمثل بأكثر من مليون سيارة، مع إمكانية 1.5 مليون إلى مليونين”.
كما تم بحث تطوير استثمارت الفندقة الفرنسية في إيران وتعزيز حضور مجموعة ” أكور هوتيلز” التي كانت أول مجموعة فندقية أجنبية تستثمر في إيران وفتحت العام الماضي فندقي “إيبس” ونوفوتيل” كما وتتطلع “أكور هوتيلز” إلى توقيع عقود جديد لبناء المزيد من الفنادق الكبرى والصغيرة في إيران، في سياق تشير فيه التوقعات إلى حاجة ايران إلى مئات الفنادق لتشجيع وتطوير السياحتين الداخلية والخارجية.
الطابع الرسمي لزيارة روحاني في أوروبا كان اقتصاديًا بامتياز وما يدل على ذلك مرافقة روحاني 120 شخصية من كبار رجال الأعمال الإيرانيين وبينهم عدد مهم من ممثلي القطاعات الاقتصادية الإيرانية الرئيسية.
وفي مجال الطاقة والنفط تسعى إيران لتطوير حقول النفط بهدف زيادة إنتاج البلاد لنحو 4 ملايين برميل يوميًا، حيث تخطط شركة توتال الفرنسية للنفط والغاز لشراء ما يصل إلى 200 ألف برميل يوميا من الخام الايراني بمقتضى اتفاق وقعته على هامش زيارة الرئيس الإيراني الى باريس، يشمل “عمليات المنبع النفطية والغاز والبتروكيماويات وتجارة الخام والعقود الاجلة وشراء النفط الخام”.
وقالت المتحدثة بإسم توتال أن الاتفاق سيسمح لها “بالوصول إلى بيانات تقنية بشأن بعض مشاريع النفط والغاز في إيران لتقييم أعمال تطوير محتملة”.
في روما وقع روحاني مع الجانب الإيطالي عدد من الصفقات التجارية تقدر قيمتها بحوالي 18 مليار دولار وتغطي قطاعات الطاقة والصناعة والتكنولوجيا الحديثة والمناجم والزراعة، من ضمنها اتفاق مع شركة إيني الإيطالية بقيمة 4 مليار دولار لتطوير مشروع نفطي بالبلاد.
وزارة التنمية الاقتصادية الإيطالية قالت أن ” قطاعات البنية التحتية والطاقة تقدم الفرص الأكثر أهمية بالنسبة لشركاتنا”.
وفي وقت سابق أثناء زيارة الرئيس الصيني إلى إيران وقع الزعيمان 17 اتفاقا في عدد من المجالات من ضمنها الطاقة إلى تعزيز التبادل التجاري ليصل إلى 420 مليار دولار من 52 مليار دولار في عام 2014، علما أن الصين هي الشريك الأكبر لإيران إذ تشتري الصين من إيران النفط بكميات كبيرة تقدر بمليارات الدولارات.
أما روسيا فقد حصلت على عقد لبناء مفاعلين نووين جديدين في بوشهر وبيع صواريخ من طراز اس- 300 عن طريق شركة ” روستك”، كما ترغب موسكو وطهران في زيادة التبادل التجاري بينهما إلى 10 مليارات دولار سنويا مقابل 1.6 مليار حاليا.
كما أن شركة السكك الحديدية الحكومية الروسية مستعدة لتحديث السكك الحديد الإيرانية بمئات ملايين الدولارات، كما أعلنت شركة سيمنز الألمانية عن مذكرة تفاهم مع طهران حول تحسين البنية التحتية للسكك الحديدية.
بينما تواجه الشركات الأمريكية مثل بوينغ وجنرال إلكتريك صعوبات مع واشنطن التي ليس لديها علاقات دبلوماسية مع طهران منذ 35 عاما كما أن العقوبات الأمريكية ستبقى في قطاع النفط على كل شركة يشتبه في تمويلها بالإرهاب.
في النهاية يدرك العالم الغربي أن إيران إحدى أكبر القوى الموجودة في الشرق الأوسط مع السعودية وتركيا لذلك يعد تعزيز العلاقات معها ذا بعد استراتيجي، بينما تسعى طهران لترميم اقتصادها المتهاوي على إثر العقوبات التي دامت ل 12 عامًا لذلك جاءت جولة روحاني لتوطيد العلاقة الاقتصادية مع الغرب وكانت البداية من روما وباريس وهذه ليست إلا البداية لعدة زيارات سيقوم بها روحاني لنفس الهدف.